تنقیح مبانی الاحکام: کتاب القصاص شرایع الاسلام

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان و نام پديدآور : تنقیح مبانی الاحکام: کتاب القصاص شرایع الاسلام/ تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم: دار الصدیقه الشهید (سلام الله علیها) ، 1429ق. = 1387.

مشخصات ظاهری : 330 ص.

فروست : الموسوعه الفقهیه للمیرزا التبریزی (قدس سره) ؛ 3.

شابک : 978-964-8438-29-1

يادداشت : عربی.

يادداشت : چاپ سوم.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : قصاص (فقه)

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

رده بندی کنگره : BP195/7 /ت2ت9 1387

رده بندی دیویی : 297/375

شماره کتابشناسی ملی : 1512978

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين

إنّ علم الفقه هو العلم المرتبط ارتباطا وثيقا بحياة الفرد و استقرار المجتمع، فهو العلم الذي يهتمّ بتنظيم علاقة الإنسان بربّه من خلال أحكام العبادات و هو الدخيل في حفظ صحة الإنسان و سلامة بدنه من خلال أحكام الاطعمة و الاشربة و أحكام الطهارة و النجاسة، و هو العلم الذي يرعى علاقة الإنسان بمجتمعه من خلال أحكام المعاملات، و هو الكفيل أيضا بتنظيم العلاقة البيتية و الأسرية من جهة أحكام النكاح، و بيان حقوق الزوج و الزوجة و الأولاد، و هو العلم المتكفل بتأمين حياة المجتمع و استقراره من خلال أحكام القضاء و الحدود و الديات، و من أهم هذه الأبواب باب القصاص الذي عبّر عنه الذكر الحكيم بقوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ لما له من الدخل الواضح في حياة النوع الإنساني بسدّ أبواب الجريمة و محو الظلم و الاعتداء.

و نظرا لأهمية هذا الباب فقد بحثنا فيه و استوعبنا مسائله و أحكامه لمدة سنين في الحوزة المباركة في قم المشرّفة، و هذه خلاصة تلك المباحث، نسأل اللّه تعالى أن ينفع بها طلاب الحوزات العلمية و فضلائها، و

أن يتقبّله منّا بأحسن القبول، إنّه سميع الدعاء قريب مجيب.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 5

[كتاب القصاص]

[القسم الأول في قصاص النفس]

اشارة

و هو قسمان (1):

القسم الأول في قصاص النفس و النظر فيه يستدعي فصولا:

[الفصل الأول في الموجب]

اشارة

الفصل الأول في الموجب و هو إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمدا عدوانا، و يتحقق العمد بقصد البالغ العاقل إلى القتل، بما يقتل غالبا. و لو قصد القتل بما يقتل نادرا، فاتفق القتل، فالأشبه القصاص، و هل يتحقق مع القصد إلى الفعل الذي يحصل به الموت، و إن لم يكن قاتلا في الغالب، إذا لم يقصد به القتل، كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف؟ فيه روايتان، أشهرهما أنه ليس بعمد يوجب القود.

______________________________

(1) القسم الأول من مباحث كتاب القصاص يرجع إلى مباحث قصاص النفس.

و القسم الثاني إلى مباحث قصاص الطرف.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 6

..........

______________________________

و قد جعل الماتن (قدس سره) للمباحث الراجعة إلى قصاص النفس فصولا و تعرّض في كل فصل لجانب من جوانبه و تعرّض في الفصل الأول لموجب القصاص، يعني الموضوع لجواز القصاص الذي يأتي أن جوازه حقّي، فيكون لوليّ القصاص إسقاطه مع العوض أو بلا عوض، و حيث أن حرمة قتل إنسان لا يلازم ثبوت حق القصاص كما في قتل الحرّ عبدا أو المسلم كافرا ذمّيا أو الأب ابنه، ذكروا في تحديد الموضوع للقصاص أنه إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمدا عدوانا. و المراد أنّ الموضوع لثبوت حقّ القصاص القتل الخاص و هو أن يقتل شخصا يكون لدمه حرمة، كحرمة دم قاتله و أن يقع القتل مع التعمّد فيه و بقصد العدوان عليه بأن يكون ظلما لا قصاصا أو دفاعا.

و ما يدلّ على اعتبار هذه القيود في ثبوت القصاص يأتي في ضمن مباحث شروط القصاص.

و القيدان الأولان- أي المعصومة المكافئة- راجعان إلى النفس، و الأخيران- أي عمدا و

عدوانا- راجعان إلى الإزهاق.

و يخرج بقيد العمد، القتل الصادر عن المجنون و الصبي؛ لأنّ عمدهما خطأ على ما يأتي.

ثم إنّ القتل عمدا كما ذكر و إن كان موضوعا لجواز القصاص في مقابل القتل خطأ محضا و القتل خطأ شبيه العمد، فإنّ الثاني موضوع للدّية على العاقلة، و الثالث موضوع للدية على القاتل إلا أنه يقع الكلام في بعض الموارد في القتل في أنه من القتل عمدا الموضوع للقصاص أم لا؟ فإنه

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 7

..........

______________________________

لا خلاف في تحقّقه فيما إذا قصد القتل بفعل يكون قاتلا عادة، أي غالبا و نظيره ما إذا قصد نفس الفعل الذي يكون قاتلا غالبا و إن لم يكن الداعي إلى ذلك الفعل قصد القتل، كما إذا ضرب على رأسه بحديدة و إن لم يكن الداعي إلى الضرب المزبور قصد قتله، و الوجه في كونه من القتل عمدا انّ قصد ما يكون قاتلا كذلك من قصد القتل تبعا.

و يدلّ على كون القتل بما يكون قاتلا نوعا يحسب عمدا و إن لم يكن فاعله قاصدا القتل موثّقة أبي العباس و زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله، و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله، يقتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ الذي لا شك فيه أن يتعمد شيئا آخر فيصيبه» «1».

و معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جميع الحديد هو عمد» «2».

و في صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد. قال: و سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفّارة أ هو

أن يضرب الرجل فلا يتعمّد قتله؟ قال: نعم. قلت: فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا؟ قال: ذلك الخطأ الذي لا يشك فيه، و عليه كفّارة و دية» «3».

و الظاهر أنه يدخل في القتل عمدا ما إذا قصد القتل بفعل يغلب عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 13: 21.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 14: 27.

(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4، باب القود و مبلغ الدية، الحديث 5195؛ الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 8

..........

______________________________

عدم ترتّب القتل بأن يكون الداعي إلى ذلك الفعل قصد قتله كما إذا ضربه بالعصا و لم يرفع حتى مات فإنّ الضرب المزبور و إن لا يترتب عليه القتل نوعا يعني غالبا، إلّا أنه حيث كان داعيه إليه قصد قتله يكون القتل الواقع عمديا و إن ناقش في كونه عمدا بعض الأصحاب على ما قيل.

و الوجه في كونه قتلا عمديا هو أنّ الفعل العمدي ما صدر عن الفاعل بالقصد و المفروض وقوع الفعل و كون الضارب قاصدا له. و يشهد لذلك صحيحة الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «العمد كلّ ما اعتمد شيئا فأصاب بحديدة، أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا كلّه عمد» «1».

و في صحيحة الحلبي و أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث فيه و لكن يجيز عليه بالسيف» «2».

و لو فرض إطلاق هذه

بالإضافة إلى الضرب بالعصا بقصد القتل أو عدمه فيحمل على صورة قصد القتل بما تقدم في صحيحة الفضل بن عبد الملك من قوله: (و سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفّارة أ هو أن يتعمد ...).

و مما ذكرنا يظهر أنّه لا يحسب القتل عمدا ما إذا قصد الفعل الذي لا يكون قاتلا غالبا و لم يكن الداعي له إلى الفعل المزبور قصد قتله و لكن

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 24.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 24.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 9

..........

______________________________

اتفق الموت كما لو ضرب رجلا بعصا و عود خفيفين على رأسه بمرّات فاتفق موته به من غير أن يكون قاصدا قتله، حيث ذكر عليه السّلام في موثّقة أبي العباس و زرارة «و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله، يقتله بما لا يقتل مثله» «1».

و في موثقة أخرى لأبي العباس البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قلت له: أرمي الرجل بالشي ء الذي لا يقتل مثله؟ قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشّاة فأصيب رجلا؟ قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه و العمد الذي يضرب بالشي ء الذي يقتله بمثله» «2».

ثم لو فرض الاطلاق في بعض الروايات الدالة على كون القتل عمدا فيما لو قصد الفعل الذي لا يقتل غالبا و لو مع عدم قصد القتل، يرفع اليد عن الاطلاق بالتقييد بقصد الفعل في الموثّقة الأولى و التصريح بكونه خطأ في الموثّقة الثانية كما أشرنا إلى ذلك في روايات الضرب بالعصا و أنه لم يقلع الضرب حتّى مات المضروب.

و

أمّا صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الوارد فيها «انّ من عندنا ليقيدون بالوكزة و إنما الخطأ أن يريد الشي ء فيصيب غيره» «3»، فلا تنافي ما ذكرنا؛ لأنّ المفروض في صدرها وقوع الفعل بقصد القتل و القتل بالوكزة مع قصده عمد كما تقدّم.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنه إن قصد القتل بفعله و ترتّب عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 13: 27.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 11: 26.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 24.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 10

[ثم العمد قد يحصل بالمباشرة و قد يحصل بالتسبيب]
[أمّا المباشرة]

ثم العمد قد يحصل بالمباشرة و قد يحصل بالتسبيب، أمّا المباشرة فكالذبح و الخنق، و سقي السم القاتل و الضرب بالسيف و السكين و المثقل و الحجر الغامز و الجرح في المقتل و لو بغرز الابرة (1).

______________________________

القتل فهو تعمد في القتل، بلا فرق بين كون ذلك الفعل مما يترتب عليه القتل نوعا أم لا، بأن يكون ترتّب القتل عليه نادرا أو أمرا محتملا يساوي احتمال عدم ترتّبه.

و كذا يحسب القتل تعمديا فيما إذا أراد الفعل دون القتل و لكن كان الفعل مما يترتب عليه القتل نوعا.

و أما إذا لم يكن الفعل مما يترتّب عليه القتل نوعا و لم يكن قاصدا إلى القتل بل المقصود كان نفس الفعل فاتفق الموت يحسب القتل شبه العمد و أما إذا لم يقصد الفعل و لا القتل بمن وقع عليه الفعل أصلا أو قصدهما أو قصد أحدهما بشي ء فوقع على غيره فقتل فهذا خطأ محض في الثاني بلا كلام، و في الأول أيضا، على إشكال يأتي

التعرّض له.

(1) ثم إنه يذكر في كلمات الأصحاب أنّ التعمد في القتل تارة يحصل بالمباشرة، و أخرى بالتسبيب، و يذكرون للتعمّد في التسبيب مراتب:

المرتبة الأولى: انفراد الجاني بالتسبيب المتلف.

و المرتبة الثانية: أن ينضمّ إليه فعل المجني عليه.

و المرتبة الثالثة: أن ينضم إليه مباشرة حيوان.

و المرتبة الرابعة: ما ينضم إليه مباشرة إنسان آخر؛ و المراد من مباشرة حيوان أو إنسان آخر فعلهما.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 11

..........

______________________________

و التأمل في كلماتهم في التفرقة بين التعمّد الحاصل بالمباشرة و التعمّد الحاصل بالتسبيب بالمرتبة الأولى هو أنّه إذا لم يتوسّط بين زهوق الروح و فعل الجاني شي ء يصحّ معه إسناد القتل إليه أيضا، بأن كان فعل الجاني من السبب الأخير، و العلّة التامّة للموت عرفا و إن كان فعله بالآلة، فهو من التعمّد الحاصل بالمباشرة كما إذا قتله بذبحه أو خنقه بيده أو سقي السم القاتل بإيجاره في حلقه و ضربه بالسيف في عنقه أو السكين أو المثقل و الحجر، أو جرحه في موضع يقتل بجرحه فيه أو بغرزة الابرة فيه، بخلاف التسبيب فإنّه يتوسط بين فعل الجاني و زهوق روحه ما يصح إسناد القتل إليه كما إذا رماه بسهم في قلبه فمات، حيث يصحّ أن يقال قتله السهم أو رماه بحجر المنجنيق حيث يقال: إنّ حجره قتله.

و لكن في بعض الأمثلة التي ذكروها للتعمّد بالتسبيب تأمّل، كما لو خنقه بحبل لم يرخ عنه حتّى مات فإنه لا فرق بينه و بين الخنق بيديه أو ذبحه بالسكين أو غيره.

و على كلّ تقدير، فالتفرقة بين التعمد الحاصل بالمباشرة أو بالتسبيب بالمرتبة الأولى غير مهمّ في المقام؛ لأنّ الموضوع للقصاص قتل النفس المحترمة المكافئة عمدا و عدوانا سواء

كان ذلك القتل بالمباشرة أو بالتسبيب كما أنّ الموضوع للدية هو القتل خطأ و يكون القتل خطأ في القتل بالمباشرة كما إذا رأى في الظلمة شيئا فاعتقد أنه سبع فقدّه نصفين بالسيف ثم بان أنه كان إنسانا محقون الدم.

و على كلّ، نتعرّض في المقام لصور القتل بالتسبيب بمراتبه الأربع و الصور التي ذكرها الماتن (قدس سره) لكلّ منها.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 12

[و أمّا التسبيب فله مراتب:]
اشارة

و أمّا التسبيب فله مراتب:

[المرتبة الأولى: انفراد الجاني بالتسبيب المتلف و فيه صور]
اشارة

المرتبة الأولى: انفراد الجاني بالتسبيب المتلف و فيه صور:

[ (الأولى): لو رماه بسهم فقتله، قتل به]

(الأولى): لو رماه بسهم فقتله، قتل به (1)؛ لأنه مما يقصد به القتل غالبا، و كذا لو رماه بحجر المنجنيق. و كذا لو خنقه بحبل و لم يرخ عنه حتّى مات، أو أرسله منقطع النفس أو ضمنا حتّى مات.

______________________________

(1) لا كلام في حصول القتل عمدا فيما إذا رماه بسهم يريد قتله فإنّ القتل بما لا يقتل مثله مع قصد القتل يوجب القصاص كما تقدم فضلا عما يقصد قتله بما يكون مما يقتل بمثله، بل يمكن كما ذكرنا سابقا أنّه لو قصد رميه بسهم و لكن لا يريد قتله بأن أراد إصابة رجله أو غيره مما لا يكون إصابته فيه قاتلا، فأصاب في مقتله فقتله، يثبت القصاص فإنّ رمي السهم مما يقتل بمثله، و في موثقة أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أرمي الرجل بالشي ء الذي لا يقتل مثله. قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغيره فرمى بها» «1»، فإنّ ظاهر فعله عليه السّلام أنّ الخطأ فيما كان الرمي بمثل الحصاة. و على الجملة الرمية القاتلة إنما يكون خطأ فيما إذا أراد رمي شي ء فلم يصبه بل أصاب إنسانا فقتله فإنه يدخل في الخطأ الذي لا شكّ فيه، فتكون الدية على العاقلة.

و مما ذكرنا يظهر الحال في الرمي بحجر المنجنيق و نحوه مما يقتل بإصابته و لو فيما إذا أصاب في مقتل.

و أما لو خنقه بحبل حتى مات فقد تقدم أنه من التعمد بالقتل مباشرة، و لا فرق بينه و بين ما ورد في صحيحة الحلبي و أبي الصباح الكناني جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم

يقلع

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 26.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 13

..........

______________________________

عنه الضرب حتّى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجيز عليه بالسيف» «1».

و على الجملة، إذا أراد القتل بفعله، فوقع القتل يكون القتل تعمديا سواء كان ذلك الفعل بما يقتل بمثله كرمي السهم أم لا كالضرب بالعصا.

و كذا يكون القتل تعمديّا فيما إذا لم يقصد القتل بل قصد الفعل و لكن كان بما يقتل مثله كالضرب بالحديدة و الرمي بحجر المنجنيق. و من هذا القبيل ما لو خنقه بحبل و لكن أرسله منقطع النفس أو ضمنا حتّى مات بأن أوجب الخنق المزبور بلاء في بدنه حتّى مات، فإنه إن قصد بذلك قتله فالأمر ظاهر و إن لم يقصد قتله فالمصرّح به في كلمات بعض الأصحاب عدم الفرق بين قصد القتل و عدمه و بين كون حدوث الضمن و المرض بسدّ موضع النفس أو الخنق مع إرساله غير مقطوع النفس أمرا اتفاقيا نادرا أم لا.

بل ينسب ذلك إلى ظاهر المشهور كما هو ظاهر الماتن أيضا حيث جعل إرساله ضمنا عدلا للإرسال منقطع النفس و عقّب ذلك قوله أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا ثم أرسله فمات ففي القصاص تردّد، و الأشبه القصاص إن قصد القتل، و الدية إن لم يقصد أو أشبه القصد، حيث أنّ مقتضى هذا التعقيب بعد جعل الإرسال ضمنا عدلا للإرسال منقطع النفس، أنه لا يعتبر في كون الإرسال ضمنا عمدا قصد القتل أو حدوث المرض بالخنق المزبور أمرا عاديّا.

و قد يقال في وجه دخوله في القتل

عمدا أنّ المرض مع الخنق المزبور

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 24.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 14

..........

______________________________

يعدّ من الفعل القاتل عادة و إن لم يقصد الجاني القتل.

و فيه أن الملاك في كون القتل عمديّا الموجب لثبوت القصاص إمّا قصد القتل، و لو لم يكن الفعل مما يترتّب عليه القتل إلّا نادرا، أو قصد الفعل القاتل نوعا او احتمالا متعارفا و إن لم يقصد القتل، و شي ء منهما في الفرض غير متحقّق؛ لأنّ المرض الحاصل بالفعل أو دخالته فيه لم يكن مقصودا للجاني، و إن ترتّب على فعله اتفاقا.

نعم، لو كان الخنق المزبور مما يوجب البلاء عادة يكون القصد إلى الخنق و سدّ موضع النفس قصدا إلى تحقيق البلاء في بدنه و اعتبار كون الفعل المزبور دخيلا في حدوث البلاء بهذا النحو لم يذكر في كلامهم.

و اختار صاحب الجواهر (قدس سره) «1» ثبوت القصاص في موارد حدوث المرض بالفعل، و إن كان حدوثه بدخالة الفعل أمرا نادرا، و قال هذا الثبوت باعتبار الفرق بين العمد إلى القتل و القتل عامدا، و الموضوع للقصاص في لسان الأدلة هو الثاني، و القتل عامدا يصدق عرفا في موارد ترتّب القتل و اتّفاقه على الفعل المقصود، غاية الأمر إذا ترتّب القتل على الفعل اتفاقا و على وجه الندرة و لم يكن قصد الجاني القتل، يرفع اليد عما دلّ على ثبوت القصاص بالقتل عامدا بالروايات الدالة على عدم القصاص فيما إذا صدر من الجاني الفعل غير القاتل و لكن اتفق القتل، و لكن لا يرفع اليد عنه في مورد حدوث المرض بالفعل المزبور بل بقي هذا الفرض- أعني تعقب المرض-

تحت أدلة القصاص، و لو لعدم الجابر للنصوص المخرجة في هذا الفرض المؤيّد عدم

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 42، ص 24.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 15

..........

______________________________

خروجه عن أدلّته بنصوص ضمان سراية الجرح غير القاتل مثله.

أقول: القصاص فيما كان المقصود الفعل بلا قصد القتل و لم يكن الفعل مما يترتّب عليه المرض المميت، إلا بوجه الاتفاق و الندرة، و لم يكن الجاني قاصدا لحصول المرض المزبور، مشكل بل ممنوع، لمثل قوله عليه السّلام في موثّقة أبي العباس و زرارة «و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله، يقتله بما لا يقتل مثله» «1».

فإنّ الفعل الصادر في الفرض لا يقتل مثله و حدوث المرض ليس من فعله المقصود.

و في صحيحة أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الخطأ الذي فيه الدّية و الكفّارة أ هو أن يتعمد ضرب رجل و لا يتعمد قتله؟ فقال:

نعم ...» «2». حيث لم يذكر الإمام عليه السّلام في الجواب قيدا بما إذا لم يتّفق بالضرب المزبور مرض ترتّب عليه الموت. و على الجملة الموضوع لثبوت القصاص بحسب الروايات بملاحظة ما ورد في الخطأ شبه العمد، هو التعمد إلى القتل أو التعمّد إلى الفعل القاتل عادة، و لو بحسب حال المضروب من حيث الصغر و الضعف و المرض و حرارة الهواء أو برودتها كما تقدّم.

و أمّا ما ادّعاه (قدس سره) من أنّ عدم خروج فرض تعقّب المرض عن أدلّة القصاص مؤيّدة بنصوص ضمان سراية الجرح غير القاتل مثله، فلم يتّضح مراده (قدس سره)، فإن كان المراد سراية الجرح غير القاتل بالإضافة إلى

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 13: 27.

(2)

الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9: 26.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 16

أمّا لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا ثم أرسله فمات ففي القصاص تردّد و الأشبه القصاص إن قصد القتل (1) و الدّية إن لم يقصد أو أشبه القصد.

[ (الثانية): إذا ضربه بعصا، مكرّرا ما لا يحتمله مثله]

(الثانية): إذا ضربه بعصا، مكرّرا ما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى بدنه و زمانه، فمات فهو عمد (2) و لو ضربه دون ذلك، فأعقبه مرضا و مات، فالبحث كالأولى و مثله لو حبسه و منعه الطعام و الشراب، فإن كان مدّة لا يحتمل مثله البقاء فيها فمات فهو عمد.

______________________________

ضمان الدية يعني دية النفس، كرواية ذريح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شجّ رجلا موضحة و شجّه آخر دامية في مقام واحد فمات الرجل؟ قال: عليهما الدية في أموالهما نصفين» «1» فلا تأييد فيه للمقام، بل ما ذكرنا في المقام يأتي في الجرح أيضا، فإنه إن قصد الجرح الذي يترتّب عليه الموت غالبا أو مساويا أو قصد بالجرح القتل، فيثبت الموضوع للقصاص و إلا يثبت الدية في مال الجاني؛ لكون القتل خطأ شبه العمد كما نذكره في الصورة الرابعة، و إن ذكر الماتن و غيره فيها، بل عن المشهور أنّ السراية عن جناية العمد، توجب القصاص، و إن لم تكن الجناية عمدا مما قصد به القتل و لا ممّا يترتّب عليه القتل غالبا أو احتمالا مساويا.

و إن كان المراد سراية الجرح غير القاتل يوجب القصاص نفسا فلم نجد ما يدلّ عليه من رواية فضلا عن الروايات.

(1) لما تقدّم من ثبوت القصاص مع التعمد إلى القتل و لو لم يكن الفعل قاتلا عادة و

أنه إذا لم يقصد القتل يثبت الدية في مال الجاني فإنه من القتل شبه العمد.

(2) اتّصاف الفعل بأنه يقتل مثله أو لا يقتله مثله يختلف بحسب حال

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1: 211.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 17

[ (الثالثة): لو طرحه في النار فمات، قتل به]

(الثالثة): لو طرحه في النار فمات، قتل به، و لو كان قادرا على الخروج (1)

______________________________

من يقع عليه الفعل من حيث القوّة و الضعف و المرض، و من حيث زمان الفعل من حيث حرارة الهواء و برودتها ففي أيّ مورد اتّصف الفعل بأنّه يقتل مثله يكون القتل عمديّا سواء قصد الجاني القتل أم لا، و فيما لا يكون قاتلا فإن قصد الجاني القتل فهو عمد و إلا خطأ شبه العمد.

و ما في كلام الماتن (قدس سره) في المقام لو ضربه بما دون ذلك فأعقبه مرضا و مات، فالبحث فيه كالأول ظاهره ما تقدّم فيما إذا أرسل المخنوق ضمنا فمات فإنّه من القتل عمدا فيوجب القصاص و إن احتمل بعضهم أن يكون المراد ما تقدّم فيما إذا حبس نفسه يسيرا ثمّ أرسل من ثبوت القصاص مع قصد القتل و ثبوت الدية مع عدمه و لكن هذا الاحتمال لا يناسب ما تقدّم منه و من غيره في الإرسال ضمنا.

و ما ذكر في وجه ثبوت القصاص من كون الفعل مع المرض الحادث به من صدور الجناية القاتلة بلا قصد القتل، لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ الفعل و إن يحدث المرض به، و لكن المرض غير مقصود و ليس الفعل مما يكون حصول المرض به أمرا نوعيّا ليكون قصد الفعل من قصد إحداث المرض. و على الجملة الفعل لم يقصد به القتل

و ليس مما يقتل بمثله فلا موضوع للقصاص.

و مما ذكرنا يظهر حكم ما لو حبسه و منعه من الطعام و الشراب فمات فإنّه إن كان مثل الحبس و المنع عن الطعام و الشراب المفروض مما يقتل به مثل الإنسان المزبور أو قصد بفعله قتله، ثبت موضوع القصاص؛ و إلّا يكون القتل شبه عمد فعلى القاتل الدية في ماله.

(1) مراده (قدس سره) أنه لو طرحه شخص في النار فمات بذلك الطرح فيها، يقتل ذلك الشخص قصاصا حتى فيما لم يقصد بطرحه فيها

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 18

لأنه قد يشده و لان النار قد تشنّج الأعصاب بالملاقاة فلا يتيسر له الفرار. أما لو علم أنه ترك الخروج تخاذلا، فلا قود؛ لأنّه أعان على نفسه. و ينقدح أنه لا دية له أيضا

______________________________

قتله؛ لأنّ الإلقاء في النار يحسب مما يقتل بمثله، و هذا لا يفرق فيه بين أن يكون في البين مانع من خروجه عن النار أو لم يكن؛ لأن مجرّد عدم المانع عن الخروج لا يوجب تمكّنه من الخروج عنها؛ لأنّ المطروح قد يشده أي يدخل فيه الشّدة يعني الدهشة، و هو التحيّر و زوال الفهم؛ و لأنّ النار قد تشنّج أعصابه فلا يتمكّن على الخروج منها.

نعم، لو أحرز أنّه كان متمكّنا على الخروج منها و مع ذلك ترك الخروج تخاذلا، فلا موضوع للقصاص؛ لأنّ المطروح أعان على نفسه و لا تثبت الدية أيضا، كما هو الحال في جميع من يكون قاتل نفسه.

و على الجملة، كما أنّ القصاص يثبت فيما إذا أحرز عدم تمكّنه من الخروج عن النار، كذلك يثبت فيما إذا احتمل عدم تمكّنه على الخروج لدهشة حصلت له بإلقائه في النار أو

تشنّج أعصابه بملاقاة النار أو غير ذلك. و إنّما ينفى القصاص بل الدية أيضا فيما أحرز أنّه تخاذل و ترك الخروج بالاختيار.

و بما أنّ الأصحاب ذكروا أنّه لو جرحه شخص و ترك المجروح مداواة جرحه، فسرى الجرح بترك المداواة فمات يثبت القصاص على الجارح مطلقا أو فيما كان الجرح بحيث يسري لو لا مداواته و يقتل، تصدّى (قدس سره) لبيان الفرق بين ترك الخروج من النار حيث قالوا بسقوط القصاص بل و عدم ثبوت الدية أيضا، كما عن جماعة، و لعلّه المشهور، و بين ترك المداواة فإنّ تركها لا يوجب سقوط القصاص، و قال في وجه الفرق إنّ النار لا تقتل الشخص بمجرد الوقوع فيها بل تقتل بالمكث فيها، و بما أن المطروح في النار

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 19

لأنّه مستقل باتلاف نفسه. و لا كذا لو جرح، فترك المداواة فمات، لأنّ السراية مع

______________________________

قد مكث في النار باختياره فهو قاتل نفسه، و هذا بخلاف ترك المداواة، فإنّ القتل مع ترك المداواة أيضا يستند إلى الجرح و سرايته؛ و لذا يكون الجرح و سرايته مضمونا فيثبت القصاص، و على الجملة المداواة على المجروح كانت واجبة و قد عصى بتركها فإنّه يجب على الشخص حفظ نفسه عن الهلاك إلّا أنّ عصيانه بتركها لا ينافي استناد القتل إلى الجرح الساري الذي هو فعل الجاني.

أقول: يقع الكلام في مقامين:

الأول: في أن الإلقاء في النار و ترتّب الموت عليه مع عدم خروج المطروح عنها و الشك في أنّ عدم خروجه كان تخاذلا أو تهاونا هل يوجب الضمان على الذي طرحه فيها أم لا؟

و الثاني: في الفرق بين ما ذكروا في المطروح في النار أو الماء من

أنّه إذا مكث في النار أو الماء باختياره مع تمكّنه من الخروج عنها لا يثبت على الذي ألقاه فيها لا قصاص و لا دية؛ لأنّ المطروح أعان على نفسه و بين ما ذكروا من أنّه إذا جرح شخصا و ترك المجروح مداواة جرحه، فسرت إلى نفسه و مات يثبت على الجاني القصاص.

أمّا الكلام في المقام الأول، فلا بدّ من التفصيل بين النار التي يكون الإلقاء فيها و لو بلا مكث فيها قاتلة نوعا و لو بالسراية و الخروج عنها لكثرتها و اشتعالها أو لعدم التمكن من الخروج عنها نوعا، فالإلقاء فيها يوجب القصاص سواء قصد الملقي بالكسر بالإلقاء، قتله أم لا لأنّه يصدق أنّه قتله بما يقتل مثله و إن لم يقصد قتله فإنّ هذا موضوع للقصاص كما تقدّم.

و يلحق بذلك ما إذا كانت النار غير قاتلة بالإلقاء فيها بل يموت الشخص

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 20

ترك المداواة من الجرح المضمون، و التلف من النار ليس بمجرّد الالقاء، بل بالإحراق المتجدّد الذي لو لا المكث لما حصل.

______________________________

بالمكث فيها، و لكنّ الخروج عنها لم يكن ممكنا؛ لكونها في وهدة أو كان مانع آخر عن خروجه عنها.

و أمّا إذا لم يكن في البين مانع عن الخروج عنها و لم يخرج فمات بالمكث و لكن لم يعلم أنه ترك الخروج مع تمكّنه عليه تخاذلا أو تهاونا أو لم يتمكّن لطريان الدهشة أو تشنّج أعصابه بملاقاة النار و نحو ذلك، ففي ثبوت القصاص في الفرض تأمّل بل منع حتى لو كان قصد الملقي من الإلقاء قتله؛ لأنّ الفعل القاتل في الفرض هو المكث في النار المزبورة، و من المحتمل أن يكون المكث فيها من الفعل

الاختياري للمطروح فيكون هو المعين على نفسه.

و على الجملة، لم يحرز استناد القتل إلى من ألقاه فيها ليقال إنه كان الفعل بقصد القتل، و مقتضى الأصل- يعني الاستصحاب- عدم استناد الفعل و القتل إلى الملقي فينتفي الموضوع للقصاص و لا يعارض بأصالة عدم استناد الفعل القاتل إلى اختيار المطروح و إرادته و عدم كون المطروح قاتل نفسه، فإنها غير جارية حيث لا يثبت بها تعيين القاتل في الملقي و كون فعله هو القاتل كما هو الموضوع للقصاص؛ و لذا ذكر بعض الأصحاب عدم ثبوت القصاص في الفرض و لكن يثبت الدية على الملقي.

و لكن في ثبوت الدية أيضا تأمّل، حيث إنه لم يثبت أنّه القاتل حتى يلتزم بالقصاص أو بالدية. نعم، الأحوط على الملقي- بالكسر- إعطاء الدية و المصالحة مع أولياء المقتول.

و أمّا المقام الثاني، و هو الفرق بين ترك المجروح مداواة جرحه حتى مات بالسراية و بين ترك الخروج عن الماء أو النار حتّى هلك بالمكث فيهما

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 21

و كذا البحث لو طرحه في اللجّة، و لو فصده فترك سدّه أو ألقاه في ماء فأمسك نفسه تحته مع القدرة على الخروج فلا قصاص و لا دية.

______________________________

فغاية تقريبه أنّ القتل يستند عرفا إلى من أوجد السبب، يعني المقتضي و التمكّن فيمن وقع عليه السبب على إيجاد المانع من سراية أثره لا يوجب سلب استناد القتل إلى فاعل السبب و الأمر في ترك مداوة الجرح الساري إلى النفس كذلك، و هذا بخلاف صورة الإلقاء في النار أو الماء، فإنّ السبب القاتل لم يحصل بفعل الجاني، يعني الملقي- بالكسر-، بل سبب القتل و هو المكث في الماء أو النار حصل

بفعل المطروح و اختياره.

و على الجملة أنّ المطروح و إن ترك الواجب عليه بترك مداواة نفسه و خالف وجوب حفظ نفسه عن الهلاك إلّا أنّ ذلك لا ينافي استناد القتل إلى غيره فيكون نظير المريض الذي يترك مداواة نفسه فلا يقال إنّه قتل نفسه، و لكن يقال إنّه ترك حفظ نفسه عن الهلاك و نظير ما إذا هاجمه غيره مع تمكّنه على الدفاع و لكن ترك الدفاع فقتل، فإنّ تمكّنه على الدفاع لا يوجب أن لا يصدق على مهاجمه أنّه قاتله، و لكن تركه الدفاع و تخاذله كان حراما لوجوب حفظ نفسه عن الهلاك.

و لكن ربما يتبادر إلى الذهن أنّه لو كان الفرق بما ذكر صحيحا، فلا يصح ما ذكره (قدس سره) بعد ذلك أنّه لو فصده فترك المفصود شدّ موضع الفصد فمات بخروج الدم و نزيفه، لا يكون ضمان على الفصّاد لا القصاص و لا الدية، سواء كان المراد الفصد عدوانا أو مداواة.

و ما في الجواهر من أنّ الكلام في المقام في الفصد عدوانا و عدم شدّ المفصود موضع الفصد نظير المكث في النار تخاذلا «1» لا يمكن المساعدة

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 42، ص 28.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 22

[ (الرابعة): السراية عن جناية العمد، توجب القصاص مع التساوي]

(الرابعة): السراية عن جناية العمد، توجب القصاص مع التساوي (1)، فلو قطع يده عمدا فسرت، قتل الجارح، و كذا لو قطع اصبعه عمدا بآلة تقتل غالبا فسرت.

[ (الخامسة): لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمدا]

(الخامسة): لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمدا، و كان الوقوع (2) مما

______________________________

عليه؛ و ذلك فإن القتل في مسألة الطرح في النار كان مستندا إلى المكث و كان المكث من الفعل الاختياري للمطروح، بخلاف نزيف الدم فإنّه مترتّب على فعل الفصّاد، غاية الأمر بما أنّ الفصد حتى مع عدم شدّ موضعه لا يقتل عادة و لم يكن من قصد الفصّاد قتله، ينتفي القصاص و لكن يثبت الدّية كما تقدّم انّ الأمر في الجرح غير القاتل و غير الساري أيضا كذلك من انتفاء القصاص و ثبوت الدية.

(1) ظاهر كلامه (قدس سره) أنه إذا تعمد الجارح في جنايته فسرت تلك الجناية فمات المجني عليه يثبت القصاص بلا فرق بين كون جراحته ممّا تسري و يموت الشخص بسرايتها نوعا أو كانت سرايتها اتفاقية كما صرّح به كثير من الأصحاب و هو المنسوب إلى المشهور، و لكن تقدّم أنّ هذا فيما إذا قصد بالجرح قتله أو كانت الجراحة قاتلة نوعا و لو بسرايتها.

و أمّا إذا لم يكن في البين شي ء منهما فاتفقت السراية و الموت فالثابت الدية على القاتل، و لعلّ ما في كلام الماتن من أنه «لو قطع اصبعه بآلة تقتل غالبا فسرت» من تقييد الآلة بكونها قاتلة يناسب ما ذكرنا، و إلّا فلا موجب للتقييد.

(2) الوقوع على إنسان من علو، على صورتين:

الأولى: أن لا يحسب وقوعه على إنسان فعلا اختياريّا للواقع كما إذا دفعته الريح العاصفة أو دفعه الغير فوقع على إنسان فقتله.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص:

23

يقتل غالبا، فهلك الأسفل، فعلى الواقع القود، و لو لم يكن يقتل غالبا،

______________________________

الثانية: أن يكون وقوعه من فعله الاختياري بأن ألقى نفسه من علوّ على إنسان فقتله.

ففي الصورة الثانية التي تدخل في صورة القتل بالتسبيب إن كان قصده من إلقاء نفسه عليه، قتل من يقع عليه أو كان إلقاء نفسه عليه مما يقتله، يثبت القصاص، و أمّا إذا لم يقصد من إلقاء نفسه عليه قتله، و لم يكن الإلقاء عليه مما يقتل الواقع عليه نوعا، فلا قصاص بل إنّه من خطأ شبه العمد، فيثبت الدية المغلّظة.

و في جمع فروض الصور الثانية لو مات الملقي نفسه بإلقاء نفسه يكون دمه هدرا؛ لأنّه قاتل نفسه و لو خطأ، بل لو كان موته لفعل من وقع عليه دفاعا عن نفسه فالأمر كما ذكر.

و أمّا الصورة الأولى: فإن كان وقوعه على إنسان بغير دفع الغير بل لإطارة الريح و نحوه من الأمور الاتفاقية و قتل بوقوعه على شخص ذلك الشخص، لم يثبت عليه قود و لا دية لا في مال الواقع و لا في عاقلته. كما يشهد بذلك عدّة روايات: منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في الرجل يسقط على الرجل فيقتله؟ فقال: لا شي ء عليه، و قال: من قتله القصاص فلا دية له» «1».

و ظاهر نفي الشي ء- خصوصا بملاحظة نفي الدية فيمن قتله القصاص- نفي الدية أيضا كنفيه فيمن قتله القصاص.

و في معتبرة عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما قال: ليس على الأعلى شي ء

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 41.

تنقيح مباني الأحكام

- كتاب القصاص، ص: 24

كان خطأ شبيه العمد، فيه الدّية مغلّظة، و دم الملقي نفسه هدرا.

[ (السادسة): قال الشيخ: لا حقيقة للسحر]

(السادسة): قال الشيخ: لا حقيقة للسحر (1) و في الأخبار ما يدل على أنّ

______________________________

و لا على الأسفل شي ء» «1».

و في صحيحه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ليس عليه شي ء» «2». و ظاهرها كظهور ما قبلها، الوقوع بلا اختيار، و أمّا إذا كان وقوعه عليه بدفع الغير، فإن كان دفعه على الغير مما يقتل أو قصد الدافع من دفعه قتل من يقع عليه، يثبت القصاص على الدافع، و إلّا تكون الدية على المدفوع يدفعها إلى أولياء من وقع عليه و يرجع بها إلى دافعه، خلافا للمشهور حيث جعلوا الدية ابتداء على الدافع و ذكروا أنّه ليس على المدفوع دية، و استندوا في ذلك إلى استناد القتل إلى الدافع.

و ما ذكروه و إن كان على القاعدة لعدم صدور فعل اختياري عن المدفوع إلّا أنّه لا بد من رفع اليد عن القاعدة لصحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل دفع رجلا على رجل فقتله، قال: الدية على الذي دفع على الرجل فقتله لأولياء المقتول. قال: و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه. قال: و إن أصاب المدفوع شي ء فهو على الدافع أيضا» «3».

و قد عمل بها الشيخ، و حكي عن غيره أيضا، فلا موجب لطرحها.

و هذه الصورة كما أشرنا خارجة من صور القتل بالتسبيب.

(1) المراد من نفي الحقيقة للسحر أنّ السحر لا تأثير له في شي ء و منه موت الإنسان و نفي التأثير عنه بنحو التأثير المادي ظاهر و النفي عنه التأثير

______________________________

(1) الوسائل: ج 19،

الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 41.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 40.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 40.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 25

له حقيقة، و لعلّ ما ذكره الشيخ قريب، غير أنّ البناء على الاحتمال أقرب. فلو سحره فمات، لم يوجب قصاصا و لا دية على ما ذكره الشيخ، و كذا لو أقرّ أنه

______________________________

بنحو خرق العادة بأن يكون إرادة الساحر و قصده عند سحره أو بسحره مؤثّرا نظير إيجاد الشي ء أو إزالته بخرقها بإرادة من بيده المعجزة عند استعمالها أو باستعمالها فلو مات إنسان عند سحر ساحر فالموت غير مستند إلى سحره و لا إرادة الساحر فلا يكون على الساحر قصاص بل و لا دية حتى ما لو أراد موته بل لو اعتقد الساحر أنه قتله بسحره و اعترف بأنّي قتلته بسحري فلا قيمة لإقراره؛ لأنّ الإقرار مع العلم بخطإ المقرّ لا قيمة له، فيكون نظير ما إذا قال شخص أنا قتلت زيدا بدعائي، أو قال: قتلته بحدّة عيني من حدّي عليه.

و يستدلّ على عدم الحقيقة للسحر بقوله سبحانه: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ «1» و قوله تعالى: فَلَمّٰا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّٰاسِ «2» و قوله: وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ «3».

و يستفاد من المحكي عن التبيان وجه آخر أيضا لنفي حقيقته حيث قال:

كلّ شي ء خرج عن العادة الجارية، لا يجوز أن يتأتى من الساحر و من جوّز إتيان الساحر بشي ء من ذلك فقد كفر؛ لأنّه لا يمكنه العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوّة لأنّه أجاز مثله من

جهة الحيلة و السحر.

أقول: لا أحتمل أن يلتزم أحد بأنّ السحر لا يكون له حقيقة و لا يوجب الخيال في المسحور بنحو تشويش باله و اضطراب نفسه حتى يتخيّل أنه في

______________________________

(1) سورة طه: الآية 66.

(2) سورة الأعراف: الآية 116.

(3) سورة البقرة: الآية 102.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 26

قتله بسحره و على ما قلناه من الاحتمال يلزمه الاقرار، و في الأخبار يقتل الساحر، قال في الخلاف: يحمل ذلك على قتله، حدّا لفساده لا فودا.

______________________________

وسط نار مشتعلة أو في البحر الذي يغرقه مائه أو يهاجم عليه من كل جانب ليقتلوه إلى غير ذلك من التخيّلات كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه:

يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ «1»، و قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النّٰاسِ «2»، و على ذلك فإن أوجب التخيّل المستند إلى سحر الساحر الخوف في نفس المسحور بقصد هلاكه، فهذا المقدار يوجب صحّة استناد القتل إلى الساحر فيكون موجبا للقصاص.

و كذا فيما يكون الخوف المزبور في مثل المسحور المذكور قاتلا و إلّا يثبت الدية في ماله.

و على الجملة، ثبوت القصاص أو الدية على الساحر لا يبتني على ثبوت الحقيقة الواقعية للسحر بل ذكرنا في مبحث حرمة السحر من المكاسب المحرمة أنّه يظهر من بعض الأخبار و كذا من قوله سبحانه: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ «3» أنّ الحاصل خارجا يعدّ من فعل الساحر و يستند إلى سحره و إنّ له مرتبة من خرق العادة حيث إنّ العقد و إن فرض استناده إلى التخيّل بعضا إلّا أنّ الحلّ لا يناسب التخيّل و كذا فيما قيل من السحر على النبي صلى اللّه عليه و آله.

و على أيّ تقدير فلو اعترف

بأنّي قتلته عمدا بسحري يقتل، و إن اعترف بأنّي قتلته خطأ بسحري يقع عليه الدية حتّى لو فسّر الخطأ بالخطإ

______________________________

(1) سورة طه: الآية 66.

(2) سورة الأعراف: الآية 116.

(3) سورة البقرة: الآية 102.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 27

[المرتبة الثانية: أن ينضمّ إليه مباشرة المجني عليه و فيه صور]
اشارة

المرتبة الثانية: أن ينضمّ إليه مباشرة المجني عليه و فيه صور:

[ (الأولى): لو قدّم له طعاما مسموما]

(الأولى): لو قدّم له طعاما مسموما (1) فإن علم و كان مميّزا فلا قود و لا دية و إن لم يعلم فأكل و مات فللوليّ القود؛ لأنّ حكم المباشرة سقط بالغرور و لو جعل

______________________________

المحض لما يأتي من أنّ الدية لا تثبت على العاقلة بإقرار الجاني.

(1) للمرتبة الثانية من القتل بالتسبيب و هو ما كان ترتّب القتل على فعل الجاني لانضمام فعل المجني عليه، صور ذكرها في ضمن فروع:

الأولى: ما إذا قدّم للمقتول طعاما مسموما فمات بأكله و للتقديم فروض:

(الأول) أن يعلم الآكل أنّ في الطعام سمّا فأكله باختياره و إرادته مع تمييزه ففي هذا الفرض لا قود و لا دية على مقدّمه فإنّ الآكل في الفرض هو قاتل نفسه، و بتعبير آخر تقديم الطعام للآكل في الفرض و إن يكن محرّما نظير تقديم السكين لمن يريد قتل نفسه حيث أنّه إعانة على ظلم الظالم لنفسه و هو محرّم كإعانة الظالم للغير في ظلمه، إلّا أنّ القتل يستند إلى المباشر فلا يكون في ناحية التقديم غير الإعانة عليه.

(الثاني) أن يكون الآكل المزبور جاهلا بأنّ في الطعام سمّا فقدّم العالم بالحال الطعام المزبور له ليأكله. و في هذا الفرض يثبت القود على مقدّمه فيما كان تقديمه بقصد قتل الآكل أو كان السم المزبور مما يقتل الشخص به.

و كذا إذا لم يكن مما يقتل الشخص بمجرّده و لكن يوجب المرض القاتل.

و أمّا إذا لم يكن بقصد القتل و لا مما يقتل به و لو بحدوث المرض فاتّفق الموت فيدخل القتل حينئذ في الخطأ الذي يشبه العمد. و على الجملة القتل و إن ترتّب في هذا الفرض على

فعل مقدّم الطعام و آكله إلّا أنّ جهالة الآكل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 28

السم في طعام صاحب المنزل، فوجده صاحبه فأكله فمات، قال في الخلاف و المبسوط: عليه القود، و فيه إشكال.

______________________________

بالحال توجب استناد القتل إلى مقدّمه العالم بالحال و إلى ذلك أشار الماتن المحقق (قدس سره) بقوله: «لأنّ حكم المباشرة سقط بالغرور».

(الثالث) أن يكون مقدّم الطعام أيضا جاهلا بالحال كالآكل، و هذا الفرض و إن يخرج عن المرتبة الثانية و داخل في المرتبة الرابعة من التسبيب كما يأتي، إلّا أنّ المقدّم مع جهله بالحال يكون مثل الآكل الجاهل بالحال في عدم استناد القتل إليه، بل يكون الضمان حينئذ على من جعل السم في الطعام المزبور كما إذا أضاف صاحب المنزل شخصا و هيّأ له الطعام و جعل فيه السمّ و قال للجاهل بالحال قدّمه إلى الضيف. فما يظهر من كلام مجمع الفائدة و البرهان من ثبوت الدية على المقدّم في الفرض أيضا لا يمكن المساعدة عليه.

نعم لو كان المقدّم عالما بالحال يكون القصاص عليه لا على جاعل السمّ فيه؛ لأنّ المباشر إذا كان مساويا للمسبّب يستند الفعل إلى المباشر كما في الفرض الأول و المقدّم بالإضافة إلى جاعل السمّ كالمباشر فمع علمه بالحال يكون الضمان عليه.

و لا يرد النقض على ما ذكرنا من أنّ مع تساوي المباشر و فاعل السبب يستند الفعل إلى المباشر لا إلى فاعل السبب بمسألة ضمان الطبيب حيث أنّ المبيض مع احتماله كون الدواء ضارّا و تناوله باختياره يكون الضمان على الطبيب، فإنّ الضمان المزبور على تقدير تماميّته للنص.

نعم ما ذكرناه من عدم ضمان المقدّم مع جهله بالحال بل يكون الضمان على جاعل السمّ فيه إنّما

هو فيما إذا قال الجاعل للمقدّم خذه و قدّمه إلى

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 29

..........

______________________________

الضيف، و أمّا إذا أخذ الجاهل بالحال من عنده إعانة لصاحب المنزل فقدّمه للضيف فأكل فمات فلا يبعد أن يقال إنّ القتل حينئذ يستند إلى فعلهما معا، غاية الأمر الاستناد إلى جاعل السمّ يحسب تعمّدا و إلى المقدّم خطأ.

(الرابع) أن يكون الطعام مسموما من غير فعل شخص آخر و من غير التفات من مقدّمه للغير بل كان المقدّم كالآكل جاهلا بالحال. و في هذا الفرض يثبت الدية على المقدّم لأنّ تقديمه في نفسه تسبيب غاية الأمر لغفلته عن حال الطعام يحسب قتله به خطائيّا.

لا يقال: استناد القتل في الفرض إلى مقدّم الطعام دون المباشر ينافي ما تقدّم من أنّ مع تساوي فاعل السبب و المباشر يستند الفعل إلى المباشر.

فإنّه يقال: ما تقدّم إنّما هو في صورة تساويهما في العلم، و أمّا مع جهلهما فالمتّبع الاستناد العرفي؛ و لذا ذكر جماعة أنّه لو حفر بئرا عميقا في داره و نسي حفره و أمر الغير في ظلمة بالمرور على الموضع فوقع فيه، فالدية على الحافر الآمر مع أنّ فاعل السبب كالماشي المذكور غافل حيث أمره و لو مع غفلته عن حفره يعتبر تسبيبا عرفا يستند الفعل إليه، و كذا الحال في تقديم الطعام المسموم من الغافل.

و بالجملة، الغفلة عن كون الفعل قاتلا توجب الانتقال إلى الدية، و كذلك الغفلة عن كونه قاتلا غير من يريد قتله كما إذا أراد قتل غير الآكل المزبور فقدّمه إلى الآكل المزبور باعتقاد أنّه من يريد قتله لظلمة أو نحوها.

و هذا مثله و إن لم يدخل في ضابط خطأ شبه العمد الذي تقدّم إلّا

أنّه لا يحتمل الفرق في ثبوت الدية على الجاني بين مثل الموارد المزبورة و ما يدخل في ذلك الضابط بعد خروجه عن ضابط قتل العمد حيث إنّ ضابط قتل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 30

..........

______________________________

العمد أن يصيب القتل أو الفعل القاتل بمن أراده كما هو ظاهر قوله عليه السّلام:

«العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتله مثله».

و نظير تقديم الطعام المسموم إلى غير من يريد قتله اشتباها ما إذا أراد قتل أحد فقتل شخصا آخرا باعتقاد أنّه الذي يريد قتله بحيث لو كان ملتفتا إلى أنّه غيره لما كان يقتله أصلا فإنّ هذا الفرض أيضا غير داخل في قتل العمد الموجب للقود فإنّ قتل العمد أن يصيب من يقصده و في الفرض لم يصبه.

و لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فإن كان مع علم الجاعل بأنّه السم القاتل أو جعل بقصد أن يقتل صاحب المنزل، يثبت القود عليه إذا أكل صاحب المنزل الطعام فمات حيث إنّ جعل السم القاتل من أحد الأسباب الذي يقتل الشخص بمثله و ما عن الماتن المحقق (قدس سره) من الإشكال في ثبوت القصاص؛ لأنّ صاحب المنزل هو المباشر للأكل الموجب لموته و لم يحصل من الجاعل التقديم و لا إجباره على أكله، لا يمكن المساعدة عليه بعد ما ذكرنا من أنّ جعل السمّ في طعام صاحب المنزل مع غفلته عن الحال مما يقتل الغير بمثله.

نعم لو التفت صاحب المنزل إلى جعل السمّ فأكله فمات، لم يكن على الجاعل قصاص و لا دية؛ لأنّه المعين على قتل نفسه. نعم الفعل المذكور من الجاعل حتّى مع التفات صاحب المنزل حرام؛ لأنّه تعدّ و إعانة على قتل النفس.

و لو فرض أنّ

صاحب المنزل و الجاعل كلاهما غافلان تثبت الدية على الجاعل؛ لأنّ الجعل بحسب الفرض التسبيب، و قد تقدّم الجواب عن شبهة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 31

[الثانية: لو حفر بئرا بعيدة في الطريق و دعا غيره]

الثانية: لو حفر بئرا بعيدة في الطريق و دعا غيره (1) مع جهالته فوقع فمات فعليه القود؛ لأنّه مما يقصد به القتل غالبا.

______________________________

ما إذا تساوى المسبّب و المباشر، يستند القتل إلى المباشر، حيث قلنا إنّ التسوية في موارد العلم و الالتفات.

و لو جعل الشخص السمّ في طعامه في منزله و دخل شخص آخر فأكله بغير إذن من صاحب المنزل، لا يوجب ذلك على صاحب المنزل قصاصا و لا دية؛ لأنّ أكل الداخل حيث وقع عدوانا على صاحب المنزل يستند القتل إلى الآكل فهو قاتل نفسه حتّى فيما إذا علم صاحب المنزل أنّ الداخل قد يأكله طمعا في الطعام المزبور.

نعم، لو لم يكن جعله دفاعا عن نفسه و ماله يكون فعله حراما حيث يجب عليه التحفّظ على نفس الغير من التلف.

و مثله ما إذا ادخل الطعام المسموم معه في منزل الغير و جعل الطعام المزبور في كيس و نحوه بحيث لا يشتبه على صاحب المنزل أنّه مال الداخل و لا يجوز التصرف فيه بلا إذنه و مع ذلك أكله صاحب المنزل بلا إذنه فمات فلا يكون على الداخل قود و لا دية؛ لأنّ التعدي وقع من صاحب المنزل حيث أكله بلا إذنه فهو القاتل لنفسه. نعم إدخاله و لو مع احتماله وقوع الأكل عدوانا، كان محرّما عليه حيث يجب التحفّظ على نفس الغير من الهلاك.

(1) الظاهر عدم الحاجة إلى التقييد بالدعوة فيما إذا حفر البئر المزبورة في الطريق الذي معرض مرور الناس و كان البئر بنحو

يجهل المارّة حفرها، فإنّه إذا سقط فيها أحد فمات، فإن كانت بنحو تقتل الواقع فيها أو كان القصد من حفرها القتل، يثبت القصاص.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 32

[الثالثة: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّي]

الثالثة: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّي (1)، فإن كان مجهزا فالأول جارح و القاتل هو المقتول فلا دية له و لوليّه القصاص في الجرح إن كان الجرح يوجب القصاص، و إلّا كان له أرش الجراحة و إن لم يكن مجهزا و كان الغالب فيه السلامة، فاتفق فيه الموت، سقط ما قابل فعل المجروح، و هو نصف الدّية و للوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف الدّية.

______________________________

و إن لم يكن الوقوع فيها قاتلا إلّا بنحو الاتفاق و لم يقصد القتل بحفرها، يكون عليه الدّية على قرار ما تقدّم.

نعم، إذا حفر البئر المزبور في ملكه أو في غير الطريق المزبور و دعا غيره المرور عليه أو كان المارّ غافلا أو مثل الصبي غير المميّز، يثبت القصاص مع كون الوقوع فيه قاتلا عادة أو قصد القتل به و إلّا يكون عليه الدّية نظير ما تقدّم في جعل السمّ في طعام الغير.

(1) إذا جرح شخصا فداوى المجروح جرحه بدواء سمّي بحيث كان الدواء المزبور مجهزا بحيث يستند القتل إلى ذلك الدواء خاصّة، فالمجروح هو قاتل نفسه و لا يكون على الجارح قصاص أو دية. نعم لوليّ المقتول قصاص الجراحة إن كان في الجرح المذكور قصاص و إلّا يطلب من الجارح أرش الجناية.

و أمّا إذا لم يكن الدواء السمّي مجهزا بل يكون الغالب فيه السلامة و لكن استند الموت في الفرض إلى جرح الجارح و المداواة معا، ففي الفرض يسقط ما قابل فعل المجروح يعني نصف الدية فيكون للوليّ

قتل الجارح بعد ردّ نصف الدية، كما أنّ له مطالبة نصف الدية على الجارح و الاغماض عن القصاص لما سيأتي من أنّ كلّ مورد يكون لولي الدم القصاص بردّ بعض الدّية، يجوز له القصاص ...

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 33

و كذا لو كان غير مجهز و كان الغالب معه التلف، و كذا البحث لو خاط جرحه في لحم حي فسرى منهما سقط ما قابل المجروح و هو نصف الدّية و كان للوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته.

______________________________

و كذا الحال فيما لم يكن الدواء السمّي مجهزا و لكن يكون الغالب فيه التلف فإنّه في الفرض أيضا يسقط نصف الدية و يجوز لولي المقتول القصاص من الجارح بعد ردّ نصف الدّية أو مطالبة نصفها و الاغماض عن القصاص فيما إذا استند الموت إلى كلا الأمرين من الجرح و المداواة.

أقول: لا بدّ من تقييد كلّ ذلك بما إذا كان الجارح قاصدا قتل المجروح و إلّا فلا موضوع للقصاص، بل يؤخذ منه نصف الدية، و لم يظهر وجه الاطلاق في كلام الماتن المحقق (رحمه اللّه) حتى القول بالقصاص في سراية الجرح غير القاتل فإنّ الموت في الفرض لم يستند إلى سرايته و لذا يسقط نصف الدية، كما صرّح به الماتن، فإنّ سقوط نصف الدية شاهد أكيد على عدم استناد الموت إلى السراية.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا جرحه الجارح و خاط المجروح الجرح المزبور فمات بسراية الجرح و الخيط، فإنّه مع استناد موته إليهما معا، يسقط نصف الدّية، فإن كان من قصد الجارح قتله فلوليّ المقتول القصاص بردّ الدّية و إلّا يكون على الجارح نصف الدية. و يأتي إن شاء اللّه أنّ الدية تقسّط

على الجانبين و لا ينظر إلى قوة جناية أحدهما و ضعف الآخر أو إلى تعدّد جناية أحدهما و وحدة جناية الآخر.

و على الجملة يجري في الفرض أيضا ما إذا كان جرح الجاني بقصد القتل أو كان جرحه قاتلا نوعا و إلّا فلا موجب للقصاص بل يكون عليه نصف الدية مع استناد القتل إلى كلا الأمرين كما هو المفروض في المقام.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 34

[المرتبة الثالثة: أن ينضمّ إليه مباشرة حيوان. و فيه صور]
اشارة

المرتبة الثالثة: أن ينضمّ إليه مباشرة حيوان. و فيه صور:

[ (الأولى) إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله، فعليه القود]

(الأولى) إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله، فعليه القود (1)؛ لأنّ الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة، و قيل: لا قود؛ لأنّه لم يقصد إتلافه بهذا النوع و هو قوي. أمّا لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود؛ لأنّ الحوت ضارّ بالطبع فهو كالآلة.

______________________________

(1) بلا فرق بين أن يقصد قتله بالإلقاء أم لا، فإنّ الإلقاء في البحر يكون من الفعل القاتل عادة، و معه لا فرق أن يموت بالغرق في البحر أو التقام الحوت أو بإصابة رأسه بالحجر في البحر، و قد ذكر جماعة من الأصحاب أنّ على ملقيه القود؛ لأنّ الإلقاء في البحر في نفسه فعل قاتل غاية الأمر يكون الموت فيه غالبا بالغرق و تخلّف ذلك لا يوجب خروج فعله عن كونه مما يقتل بمثله.

و نظير ذلك ما ألقاه من مكان شاهق فمات في الأثناء قبل الوصول إلى الأرض من خوفه فإنّ الغالب فيه و إن يكون الموت بالوقوع على الأرض إلّا أن تخلّف ذلك لا يكون خروج فعله عن كونه قاتلا.

و ما عن الماتن (قدس سره) من منع القصاص في الفرض لا يمكن المساعدة عليه و لا فرق بين ما ذكر و بين ما يذكر بعد ذلك من إلقائه على الحوت فالتقمه فعليه القود؛ لأنّ الحوت ضارّ بالطبع فهو كالآلة.

و على الجملة، الإلقاء في البحر كالإلقاء إلى الحوت فعل قاتل عادة، و التخلّف في الفعل القاتل المقصود، يعدّ من التخلّف في آلة القتل و لا يقاس ذلك بما إذا ألقاه من شاهق إلقاء قاتلا، و لكن قتله الغير قبل وقوعه على الأرض برمية قاتلة فإنّ هذا من قبيل الاشتراك في القتل

مع استناده إلى كلا الفعلين أو إلى الغير الرامي فإنّ فعل إنسان آخر لا يعدّ آلة لفعل الملقي.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 35

[ (الثانية): لو أغرى به كلبا عقورا فقتله]

(الثانية): لو أغرى به كلبا عقورا فقتله (1)، فالأشبه القود؛ لأنّه كالآلة، و كذا لو ألقاه إلى أسد بحيث لا يمكنه الاعتصام فقتله سواء كان في مضيق أو بريّة.

[ (الثالثة): لو انهشه حيّة قاتلة فمات، قتل به]

(الثالثة): لو انهشه حيّة قاتلة فمات، قتل به، و لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك، فالأشبه وجوب القود؛ لأنّه مما جرت العادة بالتلف معه.

[ (الرابعة): لو جرحه ثم عضّه الأسد و سرتا]

(الرابعة): لو جرحه ثم عضّه الأسد و سرتا (2)، لم يسقط القود و هل يرد

______________________________

(1) ممّا ذكرنا في الصورة الأولى يظهر الحكم في الصورة الثانية و هي ما إذا أغرى به كلبا عقورا بأن كان مما يقتل بعقره عادة أو قصد أن يقتله بعقره فإنّه يكون على مغريه القود في كلتا الصورتين حيث إنّ عقر الكلب يعدّ آلة بالإضافة إلى فعل مغريه.

و نظير ذلك ما إذا ألقاه إلى أسد لا يمكن له الفرار عنه فقتله فإنّ على الملقي القود، حيث إنّ افتراسه لو لم يكن أقوى من عقر الكلب العقور فلا ينبغي التأمّل في أنّه لا يقصر عنه. نعم لو أمكن له الفرار فامتنع عنه لا يكون على الملقي قود و لا دية؛ لأنّه القاتل و المعين على نفسه، و قد تقدّم أن نفي القود أو الدية عن الملقي لا يستلزم جواز فعله و عدم تعلّق التعزير عليه.

و كذا يظهر الحال فيما يذكره في الصورة الثالثة من إنهاشه حيّة قاتلة بأن قبض الحيّة و ألقمها من جسده فإنّ الانهاش فعل يقتل بمثله فيكون عليه القود نظير ما طرح عليه حيّة فنهشه فمات.

(2) و لو جرحه بقصد قتله أو بجرح قاتل و عضّه الأسد فمات بسرايتهما يكون على الجارح القود؛ لأنّ المفروض أنّه بقصده القتل أو كون جرحه قاتلا، متعمّد في القتل غاية الأمر بما أنّ الموت مستند إلى أمرين أحدهما فعله و الآخر فعل الأسد، يثبت القصاص للوليّ عنه بردّ فاضل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 36

فاضل

الدّية؟ الأشبه نعم، و كذا لو شاركه أبوه أو اشترك عبد و حرّ في قتل عبد.

[ (الخامسة): لو كتّفه و ألقاه في أرض مسبعة]

(الخامسة): لو كتّفه و ألقاه في أرض مسبعة، فافترسه الأسد اتفاقا، فلا قود و فيه الدّية.

______________________________

الدّية أي نصفها، نظير ما إذا قتل الابن اثنان أحدهما أبوه و الآخر الأجنبي، فإنّ القصاص يتعلّق على الأجنبي حيث لا يقتصّ من الأب، و لكن يردّ نصف الدّية على الأجنبي.

و كذلك فيما قتل العبد اثنان أحدهما حرّ و الآخر عبد يتعلّق القصاص على العبد و يردّ نصف قيمته على مولاه.

و دعوى الفرق بين اشتراك الأب و الأجنبي في قتل الولد أو قتل العبد باشتراك الحرّ و العبد و بين عضّ الأسد فإنّ جناية الأسد غير مضمونة بخلاف جناية الأب و الحرّ، لا يمكن المساعدة عليها فإنّ جناية الأسد كما أنها غير مضمونة بالإضافة إلى الغير كذلك غير مضمونة بالإضافة إلى الجارح بعد صدق استناد القتل إلى جرحه و عضّ الأسد، بل ربما يقال إنّه لو نهشته بعد عضّ الأسد حيّة فمات بحيث استند موته إلى جرح الجاني و عضّ الأسد و نهش الحيّة، يرد عليه الثلثان من الدّية فإنّ الفرض كاشتراك ثلاثة في قتل واحد و لا يبعد أن يكون الأمر كذلك بعد فرض الاستناد المزبور.

و لا يخفى أنّه يكون القصاص من الجارح في فرض قصده القتل أو كون جرحه قاتلا نوعا، و إلّا يكون عليه نصف الدّية أو ثلثه لا القصاص كما أنّ الأمر في مقدار الدّية كذلك لو أغمض الولي عن الاقتصاص و طالبه بالدية.

و لا يخفى أيضا أنّ الكلام في المسألة ما إذا لم يكن عضّ الأسد و نهش الحيّة مستندا إلى فعله بإلقاء المجني عليه في أرض مسبعة و

إلّا يكون الحال

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 37

[المرتبة الرابعة: أن ينضمّ إليه مباشرة إنسان آخر،]
[و فيه صور]
اشارة

المرتبة الرابعة (1): أن ينضمّ إليه مباشرة إنسان آخر، و فيه صور:

[ (الأولى): لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث]

(الأولى): لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث، فالقاتل الدافع دون الحافر، و كذا لو ألقاه من شاهق، فاعترضه آخر فقدّه نصفين قبل وصوله إلى

______________________________

فيها كالحال في الصورة الخامسة التي ذكرها بقوله «و لو كتّفه و ألقاه في أرض مسبعة ...» أي أرض يوجد فيه السباع، فإنّه لو كان إلقائه فيها بقصد قتله بافتراس السبع أو كان السباع فيها بنحو يكون الافتراس فيه أمرا غالبيا يتعلّق على الملقي القود مع تحقّق الهلاك و إن كان وجود السبع و افتراسه أمرا نادرا و لم يكن من قصده قتله، يكون عليه الدّية و يظهر وجه ذلك كلّه مما تقدّم، كما يظهر وجه الخلل فيما ذكره الماتن (قدس سره) من نفي القود، إلّا أن يكون مراده عدم كون القصد بالإلقاء قتله.

(1) المرتبة الرابعة: ما إذا كان فعل إنسان آخر دخيلا في تحقّق القتل من القاتل و لهذه المرتبة صور:

(و الصورة الاولى): ما إذا كان فعل المباشر بحيث يستند القتل إليه و إن كان فعل الآخر دخيلا في تحقّق القتل من المباشر، كما إذا حفر بئرا و وقع فيه إنسان بدفع آخر فمات الواقع، فإنّ القتل يستند إلى الدافع و إن يكن حفر البئر دخيلا في تحقّقه بحيث لو لا حفرها لما كان الدافع قاتلا.

و نظير ذلك ما إذا ألقاه من شاهق و قبل أن يصل إلى الأرض اعترضه آخر فقدّه نصفين بسيفه فإنّ القتل يستند إلى من قدّه نصفين و إن كان يقتل لو لا القدّ، بالوقوع على الأرض.

نعم، إذا كان المعترض له يعدّ كالآلة كما إذا ألقاه في دار المجانين فاعترضه مجنون فقتله، يكون

القود على الملقي فيما إذا كان إلقائه فيها بقصد قتله أو كان الإلقاء فيها قاتلا عادة كما تقدّم نظيره في الإلقاء في البحر

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 38

الأرض، فالقاتل هو المعترض. و لو أمسك واحد و قتل آخر فالقود على القاتل دون الممسك، لكنّ الممسك يحبس أبدا، و لو نظر إليهما ثالث لم يضمن، لكن تسمل عيناه، أي تفقأ.

______________________________

فالتقمه الحوت قبل وقوعه في الماء.

و من قبيل ما ذكر من استناد القتل إلى المباشر ما لو أمسكه واحد و قتله الآخر فإنّ القود على القاتل دون الممسك، نعم يحبس الممسك أبدا حتّى يموت و لو كان في البين ثالث ناظرا أي: مراعيا لهما في إتمام فعلهما لم يضمن كالممسك إلّا أنّه تسمل عيناه أي تفقأ و تشقّ.

و يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قضى عليّ عليه السّلام في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر، قال: يقتل القاتل، و يحبس الآخر حتى يموت غمّا، كما حبسه حتّى مات غمّا» «1» و نحوها مرفوعة سماعة «2».

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام واحد منهم أمسك رجلا و أقبل الآخر فقتله و الآخر يراهم فقضى في (صاحب) الرؤية أن تسمل عيناه و في الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه و قضى في الذي قتل أن يقتل «3».

و قد ذكر بعض الأعلام أنّ الممسك يحبس بعد ضرب جنبيه و يجلد كلّ سنة خمسين جلدة، و استشهد لذلك بمعتبرة عمرو بن أبي المقدام «أنّ رجلا قال لأبي جعفر المنصور و هو يطوف: يا أمير المؤمنين إنّ هذين

الرجلين

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 39

[الثانية: إذا أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر دون الآمر]
اشارة

الثانية: إذا أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر دون الآمر (1) و لا يتحقق الإكراه في القتل و يتحقق فيما عداه. و في رواية عن علي بن رئاب يحبس

______________________________

طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ، و و اللّه ما أدري ما صنعا به، فقال لهما: ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين كلّمناه ثم رجع إلى منزله- إلى أن قال- فقال لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعفر بن محمد اقض بينهم- إلى أن قال- فقال: يا غلام اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كلّ من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلّا أن يقيم عليه البيّنة إنّه قد ردّه إلى منزله يا غلام! نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر، فقال:

يا ابن رسول اللّه و اللّه ما أنا قتلته و لكنّي أمسكته، ثم جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول اللّه، يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر فقال: يا ابن رسول اللّه ما عذّبته و لكنّي قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه و حبسه في السجن و وقع على رأسه «يحبس عمره و يضرب في كلّ سنة خمسين جلدة» «1».

و لكن لا يخفى أنّها واردة فيمن أخرج المقتول من منزله ليلا، و من المحتمل أن يكون ضرب جنبيه و ضرب خمسين كلّ

سنة من جهة إخراجه المقتول من منزله ليلا و لا يمكن تسرية هذا الحكم إلى مطلق الممسك، و اللّه العالم.

(1) ظاهر كلامه (قدس سره) أنّه إذا أكرهه المكره على قتل شخص لا يجوز للمأمور قتله فإن قتله يجري عليه القود و يحبس الآمر بقتله حتّى يموت و يقال مع ذلك بعدم تحقّق الإكراه في القتل؛ لأنّه مع علم المأمور بأنّه على تقدير العمل بأمر الآمر يقتل قصاصا؛ لأنّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ فلا يكون

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 18 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 40

الآمر بقتله حتى يموت. هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا و لو كان غير مميّز كالطفل و المجنون فالقصاص على المكره لأنّه بالنسبة إليه كالآلة.

______________________________

موافقة أمر الآمر توقية لنفسه عن الهلاك.

و المعتبر في موارد تحقق الإكراه أن يكون الموافقة على إكراه المكره بالكسر- توقية لنفسه من الضرر الأعظم و لذلك ذكر الماتن (قدس سره) تحقق الإكراه في غير القتل كما إذا أمره بجرح الآخر أو قطع عضوه كيده و إلّا- أي إن خالف المأمور أمره- يقتله، فإنّه يتحقق الإكراه المجوّز.

و يلزم على ذلك أنّه لو أمره بقطع يد غيره أو جرحه مثلا، فإن لم يقطع أو لم يمتثل أمره يقطع يد المأمور و إن لم يجرحه يجرح الآمر المأمور، فلا يتحقق الإكراه المجوّز؛ لأنّه ليس امتثال أمره توقية لنفسه من الضرر الأعظم، بخلاف ما إذا قال إن لم تقطع أو لم تجرح قتلتك فإنّه يتحقق في هذه الصورة الإكراه المجوّز، و لكن لا يخفى أنّ رفع الإكراه امتنانية و كما لا ترفع الحرمة فيما إذا أكرهه على قتل الغير كذلك لا ترفع في

موارد القطع و الجرح و إن كان الضرر المتوعّد به قتل المكره- بالفتح-.

و على الجملة، لا حكومة لرفع الإكراه في هذه الموارد مما يكون الرفع فيها خلاف الامتنان على الغير بل يكون هذه الموارد داخلا في عنوان التزاحم بين حرمة الجناية على الغير و بين وجوب حفظ النفس عن الهلاكة و التلف و الجناية.

و الحاصل: أنّ المشهور عدم جواز قتل الغير بالإكراه عليه و يتعلّق على المكره- بالفتح- القود و يحبس الآخر.

و يدلّ عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجل أمر رجلا بقتل رجل فقتله فقال: يقتل به الذي قتله و يحبس الآمر بقتله في الحبس

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 41

..........

______________________________

حتى يموت» «1».

فإنّ هذه الصحيحة لو لم تكن ظاهرة في خصوص الإكراه فلا أقلّ من إطلاقها.

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية» «2»، و نحوها موثقة أبي حمزة الثمالي «3»، فإنّ قتل الغير بالتقيّة التي داخلة في الاضطرار إذا كان غير مشروع فلا يجوز فعله بالإكراه عليه، بل يمكن التمسّك بما دلّ على حرمة قتل النفس المحترمة بعد بيان عدم رافعيّة الإكراه و الاضطرار حرمته فيكون المقام نظير ما إذا كان إنسان يموت جوعا إلّا أن يقتل إنسانا آخر فيأكل لحمه، و كما أنّه لا يتحقّق الاضطرار الرافع في المثال فكذا الإكراه في مفروض الكلام.

و لكن ذكر بعض المحقّقين (قدس سره) «4» أنّه لو أكرهه على قتل شخص و كان ما توعّد به من الضرر دون القتل فلا يجوز قتل الشخص المزبور، فلو قتله المكره- بالفتح-، كان عليه القود و على المكره- بالكسر-

الحبس المؤبّد، و أمّا إذا كان الضرر المتوعّد به هو القتل فلا يبعد الالتزام بأنّه يجوز للمكره قتله، و لكن يتعلّق عليه الدّية و يحبس المكره- بالكسر- مؤبّدا.

و الوجه في هذا التفصيل أنّ حديث رفع الإكراه و إن لا يرفع حرمة

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 11، الباب 31 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 1.

(3) الوسائل: ج 11، الباب 31 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 2.

(4) مباني تكملة المنهاج: ج 2، ص 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 42

..........

______________________________

قتل النفس في الفرض لاختصاص الرفع بموارد الامتنان في الرفع إلّا أنّ حرمة قتل الغير مع وجوب حفظ النفس و عدم تعريضه للهلاك من المتزاحمين و حيث لا ترجيح في البين، فلا مناص من الالتزام بالتخيير و عليه يكون القتل سائغا و غير صادر عن ظلم و عدوان، فلا يترتّب عليه القصاص، و لكن يثبت الدّية على القاتل؛ لأنّ دم امرئ مسلم لا يذهب هدرا و لا يقاس بمسألة الاضطرار إلى قتل الغير و أكل لحمه؛ لأنّ في حفظ النفس في هذا الفرض ارتكاب محرّمين قتل الغير و أكل لحمه.

أقول: ما يمكن لنا من إحراز التساوي هو تساوي ملاك قتل النفس مع ملاك قتل الغير، و أمّا تساوي صلاح التحفّظ على النفس من هلاكتها مع ملاك حرمة قتل النفس المحترمة فلا سبيل لنا إلى إحرازه و من المحتمل جدّا أن يكون فساد قتل المؤمن متعمّدا أكبر من صلاح التحفّظ على نفسه كما لا يبعد استفادة ذلك من قوله عليه السّلام «إنّما شرع التقية ليحقن به الدم و

إذا بلغ الدم فلا تقية» و عليه فوجوب التحفّظ على النفس منوط على جواز ما يتوقّف عليه و مع شمول الاطلاق فيما دلّ على حرمة قتل المؤمن متعمّدا، لقتل الغير إكراها، ينتفي وجوب التحفظ على النفس لعدم التمكن عليه لحرمة مقدّمته.

هذا كلّه إذا كان المكره- بالفتح- بالغا عاقلا، و أمّا إذا كان مجنونا أو صبيّا غير مميّز يتعلّق القود على الآمر حيث أنّ المجنون و الصبي غير المميز يحسب آلة للآمر.

و إذا كان الصبي مميّزا فلا يتعلّق عليه القود بل يتعلّق الدّية على عاقلته، لما دلّ على أنّ عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة كما يأتي، و يتعلّق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 43

..........

______________________________

بالآمر يعني- المكره- بالكسر ما تقدّم من أنّه يحبس مؤبّدا. و الوراد في صحيحة زرارة المتقدّمة و إن كان فرض الآمر رجلا و كذا المأمور، إلّا أنّ المتفاهم أنّ ذكر الرجل من باب المثال.

و لو أمر امرأة بقتل الغير فقتلته، يتعلّق القود بالمرأة و يحبس الآمر.

و على الجملة لكلّ من يتصدّى لقتل الغير بإكراه المكره و كان المتصدّي فاعلا مختارا يتعلّق بالمكره الحبس عقوبة على ما أكرهه، كما يتعلّق القود بالمتصدّي إلّا فيما إذا كان غير بالغ؛ لأنّ عمد الصبي و خطأه سيّان.

بقي في المقام أمران:

أحدهما: ما أشار إليه الماتن المحقق (قدس سره) من أنّ الصبي المميّز يقتصّ منه إذا بلغ عشر سنين على ما ذكره بعض الأصحاب.

و لعلّه لما ورد في الصبي البالغ عشر سنين أنّه يصحّ وصيّته و تصدّقه و يحمل عليه ما ورد في معتبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل و غلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه،

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه و إذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضى بالدية» «1».

و فيه أنّ ما ورد في نفوذ وصيّته إذا بلغ عشر سنين مع اختصاصه بقسم من الوصية كما ذكر في محلّه، لا يوجب جواز الاقتصاص، و المعتبرة معارضة بما دلّ على أنّ عمد الصبي و خطأه سيّان حيث أنّ ظاهره الصبي المميّز، و إلّا فلا عمد لغير المميّز؛ فإنّه كالآلة كما تقدّم فيرجع إلى ما دلّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 44

و يستوي في ذلك الحرّ و العبد (1)، و لو كان مميّزا عارفا غير بالغ و هو حرّ فلا قود، و الدّية على عاقلة المباشر، و قال بعض الأصحاب: يقتصّ منه إن بلغ

______________________________

على رفع القلم عن الصبي بعد اختصاص كلّ منهما بالمميّز كما لا يخفى.

ثانيهما: ما ربما يتبادر إلى الذهن أنّه يجوز للإنسان قتل الغير في مورد إكراهه على قتله مع كون الضرر المتوعّد به القتل بعنوان الدفاع عن النفس.

و لكنّه وهم محض، فإنّ الجائز في مورد الدفاع عن النفس، قتل المتعدي و المهاجم عليه و هو في الفرض المكره- بالكسر- لا الغير.

و أمّا دعوى جواز قتل الغير للاضطرار عليه فقد تقدّم أنّ الاضطرار لا يوجب جواز قتل الغير كما هو المستفاد من نفي التقيّة بإراقة الدم و نحوه.

نعم لو قام في مورد دليل على جوازه كما في تترّس الكفّار في قتالهم ببعض المسلمين فذلك أمر آخر يلتزم فيه بالجواز

(1) المشهور بين الأصحاب أنّه لا فرق فيما تقدّم بين كون المكره بالفتح- حرّا أو عبدا فيتعلّق القود

بالعبد و يحبس سيّده الآمر عبده بقتل الغير مؤبّدا.

قال الماتن (قدس سره) في النافع و لو كان المأمور عبده قولان أشبههما أنّه كغيره. و ظاهر ذلك وجود القائل بعدم تعلّق القود بالعبد بل يتعلّق القود بالسيد و يحبس العبد، و لكن هذا غير منقول إلّا عن الاسكافي، و قيل مال إليه صاحب الوافي لموثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله قال: فقال: يقتل السيّد به» «1».

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 45

عشرا و هو مطرح و في المملوك المميّز تتعلّق الجناية برقبته فلا قود. و في الخلاف:

إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا سقط القود و وجبت الدّية و الأوّل أظهر.

______________________________

في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: و هل عبد الرجل إلّا كسوطه أو كسيفه، يقتل السيد و يستودع العبد السجن» «1» و رواها الصدوق باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام.

و نقل العلامة في المختلف عن الشيخ في الخلاف أنّه قال اختلف روايات أصحابنا في أنّ السيد إذا أمر عبده بقتل غيره فقتله فعلى من يجب القود؟ فروى بعضها أنّ على السيد القود و في بعضها على العبد القود و الوجه في ذلك أنّه إن كان العبد مخيّرا عاقلا يعلم أنّ ما أمره به معصية فإنّ القود على العبد و إن كان صغيرا أو كبيرا لا يميّز و اعتقد أنّ جميع ما يأمره به سيّده واجب عليه، كان

القود على سيّده.

و قال الشيخ (قدس سره) في التهذيب بعد نقل الخبرين: «قال محمد بن الحسن هذان الخبران قد وردا ما أوردناهما و ينبغي أن يكون العمل على الخبر الأول (يعني الخبر الأول قبل الخبرين الدالّ على الاقتصاص من مباشر القتل) لأنّه موافق لظاهر كتاب اللّه و الأخبار الكثيرة التي قدّمناها؛ لأنّ القرآن قد نطق أنّ النفس بالنفس، و قد علمنا أنّه ما أراد إلّا النفس القاتلة، و الأخبار التي قدّمناها فيمن اشترك بالرؤية و الإمساك و القتل تؤيّد ذلك أيضا؛ لأنّ القصاص فيها إنّما أوجب على القاتل و لم يوجب على الممسك و لا على الناظر و قد علمنا أنّ الممسك أمره أعظم من الآمر و إذا كان الخبران مخالفين للقرآن و الأخبار فينبغي أن يلغى أمرهما و يكون العمل بما سواهما

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 33.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 46

..........

______________________________

على أنه يحتمل الخبران وجها و هو أن يحملا على من تكون عادته أن يأمر عبيده بقتل الناس و يغريهم بذلك و يلجئهم إليه، فإنّه يجوز للإمام أن يقتل من هذه حاله لأنّه مفسد في الأرض» انتهى «1».

أقول: لا يخفى ما في كلامه (قدس سره) أوّلا إنّ حمل الروايتين على صورة اعتياد المولى بأمر عبده أو عبيده بقتل الناس لكونه مفسدا في الأرض، ينافي الأمر بحبس العبد القاتل حتّى يموت حيث أنّ مقتضى الحمل المزبور أن يقتل العبد قصاصا و مولاه لكونه مفسدا، كما أنّ حمل الروايتين على صورة كون العبد صغيرا، لا يمكن فإنّه مع كون العبد صغيرا بمنزلة الآلة له لا موجب لحبسه حتّى يموت.

و ثانيا: ما ذكره (قدس

سره) من أنهما تخالفان الكتاب العزيز و الروايات، غير تامّ، حيث أنّ غاية ما يمكن أن يقال هو أنّ مقتضى إطلاق الآية الاقتصاص من المباشر حتّى فيما كان عبدا قتل نفسا بأمر مولاه، فيرفع اليد عن هذا الاطلاق بالروايتين كسائر الموارد التي يرفع اليد عن اطلاق الآية أو عمومها بالخبر المقيّد أو الخاص و شي ء من الروايات لم يرد في الاقتصاص عن العبد القاتل بأمر مولاه غاية الأمر مقتضى الاطلاق في بعض الروايات كصحيحة زرارة المتقدمة جريان القصاص على العبد فيرفع بهما عن إطلاقها أيضا. هذا كلّه في المملوك البالغ العاقل.

و أمّا إذا كان صغيرا فيكون الصغير كسوط المولى و سيفه بالفحوى و لذا يتعلّق على مولاه القود و مع خطائه في أمره يتعلق عليه الدية، كما لا يخفى.

______________________________

(1) التهذيب: ج 10، ص 220.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 47

[فروع]
[الأول: لو قال اقتلني و إلّا قتلتك لم يسغ القتل]

فروع الأول: لو قال اقتلني و إلّا قتلتك (1) لم يسغ القتل؛ لأن الاذن لا يرفع الحرمة و لو باشر لم يجب القصاص؛ لأنّه كان مميّزا أسقط حقّه بالاذن فلا يتسلّط الوارث.

______________________________

و قد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه لو كان المأمور مميّزا عارفا غير بالغ و هو حرّ فلا قود لا على الآمر و لا على المأمور لصغره، بل تكون الدية على عاقلة الصبي كما هو مقتضى ما ورد من أنّ عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة.

و أمّا إذا كان المأمور عبدا مميزا تتعلق الجناية برقبته و لا قود عليه و لا على مولاه و كأنّه إذا كان غير مميّز يكون الدية على المولى الآمر.

و لكن مقتضى ما ذكرنا أنّه لا فرق في المميز و غيره في أنّ القود على مولاه و مع خطأ

المولى يكون عليه الدية بلا فرق بين كون العبد بالغا أو صغيرا.

(1) أقول: إذا قال شخص لآخر: اقتلني و إلّا اقتلنّك، ففي هذا صورتان:

إحداهما: أنّ المكره يعلم أو يطمئن بأنّه لو لم يقتله لما توجّه إليه الضرر المتوعّد به فلا ينبغي التأمّل في أنّه لا يجوز له قتل الآخر، حيث أن إذنه في قتله لا يوجب ارتفاع الحرمة.

و ما قيل من أنّ قتله و إن كان محرّما إلّا أنّه لا يتعلّق على المأمور القاتل القود؛ لأنّ المقتول بأمره أسقط ضمان النفس كما إذا أمره باتلاف ماله بإلقائه في البحر فإنّه و إن لم يجز للمأمور إلقائه في البحر؛ لأنّه تضييع و تبذير للمال إلّا أنّه إذا ألقاه فيه لم يكن عليه ضمان.

و لكن لا يخفى ما في القياس فإنّ ضمان المتلف مال الغير إنّما هو من

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 48

..........

______________________________

جهة حرمة ماله و إذا أسقط المالك حرمة ماله بالاذن لإتلافه بلا عوض فلا يبقى موجب للضمان و للمالك سلطنة على ذلك و هذا لا ينافي عدم جواز الاتلاف بالمباشرة أو بالتسبيب تكليفا بانطباق عنوان محرّم عليه من تضييع المال أو غيره، و هذا بخلاف إتلاف النفس و العضو، فإنّه ليس للإنسان سلطنة على إتلافهما أو إسقاط حرمتهما ليكون إذنه للغير في الاتلاف إسقاطا لاحترامهما.

و على الجملة، القصاص نفسا أو طرفا ليس عوضا للتالف بل هو حقّ للجزاء على الجناية جعله الشارع لوليّ المقتول أو المجني عليه و لا يسقط إلّا بالعفو عنه من وليّ القصاص بعد فعليّة الحقّ و ما في كلام الماتن و جماعة عدم القصاص في الفرض؛ لأنّه أسقطه بالإذن فلا يتسلّط الوارث، لا يمكن المساعدة عليه.

و مما

ذكرنا، ظهر أنّه لا ينفذ إذن الإنسان لغيره، لقلع عينه أو قلبه أو كليته للترقيع إلى بدن مريض بالعوض أو مجانا مع حياته أو بعد موته لما ذكرنا من عدم سلطنة الشخص على قتل نفسه أو الجناية عليها بقطع عضوه لا حال حياته و لا بعد مماته ليجوز الجناية مع إذن صاحب العضو.

نعم يقال لا بأس بالترقيع يعني العملية الجراحية لمن يتصدّى لها مع إذن صاحب العضو بنحو الوصية أو بدونها، و فيما كان العضو من الحي مع عدم كون المقطوع منه من الأجزاء الرئيسة فإنّ الجناية على الميت أو قطع العضو من الحي و إن لم يكن في نفسه عملا جائزا إلّا أنّه في مقام التزاحم بينه و بين وجوب إحياء النفس الذي في معرض التلف يجوز لأنّ إحياء النفس أهمّ فلا أقلّ من احتمال الأهميّة أو الأقل من عدم احتمال الأهمية في ناحية قطع العضو من الحي أو الميت.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 49

[الثاني: لو قال اقتل نفسك]

الثاني: لو قال اقتل نفسك (1) فإن كان مميّزا فلا شي ء على الملزم و إلّا فعلى الملزم القود. و في تحقّق إكراه العاقل هنا، إشكال.

______________________________

و لكن لا يخفى أنّه لا سبيل لنا إلى إحراز وجوب إحياء النفس المنحصر مقدمته في المحرم الذي يعدّ جناية على الحي أو الميت بل مقتضى حرمة الجناية عدم التكليف بوجوب الاحياء، و الاستدلال على أهمية الإحياء بجواز الجناية على الغير حفظا للنفس كما إذا قال: اقطع يد زيد و إلّا أقتلك، غير تام؛ لأنّ حرمة الإلقاء في الهلكة أهمّ أو محتمل الأهمية من قطع عضو الغير و نحوه، بخلاف إحياء النفس المشرفة على الموت بالمرض، حيث أنّ وجوب إحيائها المتوقف على

الجناية على الغير غير معلوم فضلا عن أهميته، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) لو قال اقتل نفسك فإن كان المأمور مميّزا أو بالغا عاقلا فقتل نفسه لم يتعلّق بالمكره قود و لا دية بل يحبس إلى أن يموت لما تقدّم. و إن كان غير مميّز يتعلّق بالمكره القود.

و قد يقال بتحقّق الإكراه المجوّز لقتل النفس فيما إذا كان ما توعّد به من القتل من نوع أصعب «1».

و لكن هذا غير صحيح لعدم جواز قتل النفس بوجه و إلّا جاز قتل النفس اضطرارا فيما إذا كان مرضه المهلك موجبا لتحمّل الزجر مدّة طويلة، و أمّا إذا لم يكن في البين إلّا مجرّد الأمر من دون توعّد فقد ذكر الماتن (قدس سره) عدم شي ء على الملزم فيما إذا كان المأمور مميزا.

و لكن لا يبعد جريان الحبس عليه لعدم احتمال الفرق بين الأمر بقتل الغير أو بقتل نفسه كما لا يخفى.

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: ج 2، ص 17.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 50

..........

______________________________

ينبغي التعرّض في المقام لأمر و هو أنّه إذا علم المكلّف بأنّه لو لم يقتل نفسه يبتلى بالمحذور الأشدّ و ما فيه وزره أعظم كما قد يتّفق ذلك للأسير بيد أعداء الدين حيث قد يعلم أنّه لو لم يقتل نفسه لم يتحمّل ما يفعله الأعداء من الزجر و العذاب؛ لأن يكشف لهم أسرار المسلمين و مكان قوّتهم و لا يجد عند زجرهم أيّ وسيلة لكتمان ما يريدون منه و مع الكشف عن أسرار المؤمنين و مكان قوّتهم تقع هزيمة يصعب عليهم تحمّلها و لا ينبغي التأمّل في أنّه إذا أحرز مؤمن حال الأسير و عدم تحمّله زجر الأعداء و يكشف لهم ما فيه

ضرر عظيم و صدمة شديدة على المؤمنين يجب عليه التسبيب إلى قتله بيد الأعداء لو أمكن و إلّا يباشر قتله لكون ما يترتّب على ترك قتله أشدّ و أعظم بمراتب من قتله و لكن لا يجوز للأسير المزبور المطلع على حاله و عدم تحمّله الزجر قتل نفسه بل يجب عليه الكتمان و عدم الكشف عن أسرار المؤمنين و مكان قوّتهم و غير ذلك و لو عند الزجر بأيّ مرتبة.

نعم، إذا علم من حاله عدم التحمّل و أنّه يكشف الأسرار أثناء الزجر يكون قتل نفسه جائزا لإرشاد العقل إلى اختيار أقل الوزرين نظير ما ذكر في توسّط الغاصب في أرض مغصوبة من اختيار التصرّف الخروجي من باب أنّه ارتكاب بما فيه الوزر الأقل.

و على الجملة قد تقدّم ما يظهر منه عدم جواز قتل الإنسان نفسه لا بالإكراه و لا بالاضطرار في حال، كما لا يجوز له قتل مؤمن من غير حقّ لا بالإكراه و لا بالاضطرار إلّا في مورد توقّف التحفظ على المصلحة الأهم و دفع الصدمة الشديدة المتوجّهة على الحوزة الإسلامية و المؤمنين عليه. و في مورد الجواز أو الوجوب كما ذكرنا يسقط القود على القاتل و ينتقل الأمر إلى الدّية لاحترام دم المؤمن و أنّه لا يذهب هدرا، و اللّه العالم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 51

[الثالث: يصحّ الإكراه فيما دون النفس]

الثالث: يصحّ الإكراه فيما دون النفس، فلو قال: اقطع يد هذا أو هذا و إلّا قتلتك، فاختار المكره أحدهما ففي القصاص تردّد (1) منشأه أنّ التعيين عري عن الإكراه و الأشبه القصاص على الآمر لأنّ الإكراه تحقّق و التخلّص غير ممكن إلّا بأحدهما.

______________________________

(1) مراده (قدس سره) أنّ الإكراه على الجناية على الغير يوجب ارتفاع حرمتها

كما إذا قال: اقطع يد هذا و إلّا قتلتك، فله قطع يده و إذا قطعها يكون القصاص على المكره- بالكسر-؛ لأنّ السبب مع جريان الاكراه أقوى من المباشر و لا يكون على المكره- بالفتح- شي ء. و كذا ذكروا أنّه لو أكرهه على إتلاف مال الغير يكون ضمان إتلافه على المكره- بالكسر- و لا يجوز للمالك الرجوع إلى المكره- بالفتح-.

و لكن ما ذكروه من ثبوت القود على المكره- بالكسر- بدعوى أنّ استناد القطع إليه أولى و أقوى من استناده إلى المباشر لا يخفى ما فيه؛ لأنّه يصحّ أن يقال إنّه لم يقطع يده بل قطعه فلان بإكراه منه، و لذا استشكل في القواعد فيما ذكروه بل المتعين في الفرض ثبوت الدية على المكره- بالفتح- لفرض جواز قطعه الموجب لارتفاع الجناية ظلما و عدوانا. نعم للمكره بالفتح- الرجوع إلى المكره- بالكسر- فيما خسره من الدية حيث أنّه أتلفها عليه بإكراهه.

و بهذا يظهر الحال فيما لو قال له اقطع يد هذا أو ذاك و إلّا قتلتك فإنّه لا يتعلّق بالمكره- بالفتح- إلّا الدية، و ليس على المكره- بالكسر- إلّا التعزير مع عدم كونه مفسدا في الأرض، و ذكر أيضا في الإكراه على إتلاف المال ضمان المكره- بالفتح- غاية الأمر يرجع إلى المكره لإتلافه عليه بإكراهه.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 52

[الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالقصاص]

الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالقصاص، أو شهد أربعة بما يوجب رجما كالزنا، و ثبت أنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء لم يضمن الحاكم و لا الحدّاد و كان القود على الشهود (1)؛ لأنّه تسبيب متلف بعادة الشرع.

______________________________

و أيضا ظاهر الماتن و غيره أنّ جواز الجناية لقاعدة رفع الإكراه و ذكرنا فيما تقدّم

عدم جريان الإكراه في موارد يكون رفع التكليف فيها خلاف الامتنان و إنّما يجوز الجناية على الغير في طرفه أو ماله للمزاحمة بين حرمة إضرار الغير و الجناية عليه و بين وجوب التحفظ على نفسه و لو لم يكن الثاني أهمّ فلا أقلّ من احتمال كونه أهم.

و تظهر الثمرة بين جريان الإكراه و بين ملاحظة التزاحم فيما لو قال:

اقطع يد فلان و إلّا قطعت يديك فإن قيل بجواز القطع لرفع الإكراه جاز قطع يده لأنّ الضرر المتوعّد به على تركه، أكثر من اضراره بخلاف ما إذا قلنا أنّ الجواز للتزاحم فإنّ حرمة الجناية على الغير بقطع يده مع وجوب التحفظ على يديه متزاحمان و لا سبيل لنا إلى إحراز الأهميّة في وجوب التحفظ على يديه بل و لا احتمال الأهمّية فيه من دون احتمالها في ناحية حرمة قطع يد الغير.

(1) الصورة الثالثة من المرتبة الرابعة التي يكون انضمام فعل إنسان آخر دخيلا في تحقّق القتل، ما إذا شهد اثنان بما يوجب قتلا كما إذا شهدا بموجب القصاص أو شهد أربعة بما يوجب الرجم كالزنا و ثبت أنّهم شهدوا بالموجب زورا و بهتانا فإنّه لا خلاف في ضمان الشهود و أنّه يتعلّق عليهم القود، لما ذكرنا في بحث الشهادة من اعتبار الشارع شاهد الزور متلفا في الأموال و غيرها.

و في معتبرة مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المروية في الفقيه «في

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 53

نعم، لو علم الولي و باشر القصاص كان القصاص عليه دون الشهود، لقصده إلى القتل للعدوان من غير غرور.

______________________________

أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ثمّ رجع أحدهم فقال شككت في شهادتي قال: عليه الدّية قال:

قلت: فإنّه قال شهدت عليه متعمّدا، قال:

يقتل» «1».

و المراد أنّ عليه ربع الدّية أو القتل بعد إرجاع ثلاثة أرباع الدية إلى أوليائه، بقرينة غيرها كمعتبرة السكوني الآتية.

و منها صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته قال:

فقال: يقتل الرابع [الراجع] و يؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدّية» «2».

و المراد من رجوعه، الاعتراف بتعمّده بقرينة غيرها.

و في معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام ... «و قال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها و هم ينظرون، فرجم ثمّ رجع واحد منهم، قال: يغرم ربع الدّية إذا قال شبّه عليّ، و إذا رجع اثنان و قالا شبّه علينا غرّما نصف الدّية، و إن رجعوا كلّهم و قالوا: شبّه علينا غرّموا الدّية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعا» «3».

و على ذلك فهذه الروايات و نحوها تنفي ضمان الدية عن الحاكم و الحدّاد و تثبت ضمانها أو القود على الشهود، و هذا يجري في الشهادة بموجب القصاص أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 12 من أبواب الشهادات، الحديث 3: 24.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 12 من أبواب الشهادات، الحديث 2: 240.

(3) الوسائل: ج 18، الباب 14 من أبواب الشهادات، الحديث 2: 243.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 54

[الرابعة: لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح]

الرابعة: لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح (1)، و هو أن لا تبقى حياته مستقرّة و ذبحه آخر، فعلى الأول القود و على الثاني دية الميت، و لو كانت حياته مستقرّة فالأول جارح و الثاني قاتل سواء كانت جنايته مما يقضى معها بالموت غالبا كشقّ الجوف و

آلامه أو لا يقضي به كقطع الانملة.

______________________________

نعم، لو استوفى الولي القصاص بعد ثبوت موجبه عند الحاكم، و كان عالما بتزوير الشهود و بطلان شهادتهم، يكون القصاص على الولي؛ لأنّه قاتله عدوانا من غير غرور.

و أمّا إذا لم يباشر الولي القصاص و طلب من الحدّاد الاستيفاء فهل يكون الحال كما إذا باشره في تعلّق القصاص على الولي أو يكون الولي في الفرض أحد الشركاء في القتل لا يبعد الأول لاستناد القتل إلى طلبه مع علمه بالحال.

(1) ذكروا أنّه لو جنى على شخص فجعله في حكم الإنسان المذبوح بأن لا تبقى له معها حياة مستقرة و المراد بعدم بقاء الحياة المستقرة، عدم بقاء إدراك و شعور و لا نطق و لا حركة اختيارية له ثمّ ذبحه آخر، كان القود على الجاني الأول، و على الثاني دية الجناية على الميت، حيث أنّه يصدق في الفرض على الأول أنّه قاتله و الجناية الثانية الواردة عليه لا تقصر عن الجناية على الميت قطعا فيكون على الثاني دية الجناية على الميت.

و أمّا لو كانت حياته مستقرة يتعلق القصاص بالجاني الثاني حيث يستند قتله إليه حتّى لو فرض أنّ الجناية الأولى كانت مفضية إلى موته أيضا لو لا الجناية الثانية فإنّ الجناية الثانية تمنع عن سراية الأولى و إفضائها إلى الموت.

و ربما يتبادر إلى الذهن أنّ ما ذكروا في المقام من أنّ مع عدم بقاء الحياة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 55

..........

______________________________

المستقرة في المجني عليه بالمعنى المزبور يحسب الجناية الثانية، جناية على الميت حتّى ما إذا كانت الجناية الثانية موجبة لتعجّل زهوق روحه، ينافي ما ذكروا في باب التذكية من أنّه إذا تردّى حيوان من جبل أو أصابه بما

لا يحلّ الصيد به و أدركه و هو حيّ عينه تطرف و ذنبه تتحرّك فذكّاه، يكون حلالا فإنّه يعمّ ما إذا كانت طرفة عينه و تحرّك ذنبه غير اختياريّ و بدء لزهوق روحه و لو كانت الجناية الثانية في الإنسان المزبور جناية على الميت يكون فري الأوداج في الحيوان في المثال من قطع أوداج الحيوان الميت.

و لكن الجواب أنّ ما ذكروا في تذكية الحيوان مقتضى الروايات الواردة في أنّه مع قطع أوداج الحيوان بالذبح قبل أن يزهق روحه ذكاة فيحلّ بها أكله.

و ذكر في القواعد أنّه لو قتل مريضا مشرفا وجب القود، و ظاهر صاحب الجواهر (قدس سره) حمله على صورة الحياة المستقرّة للمشرف بالمعنى المتقدّم و قرّره لصدق القتل عرفا و لكن نقل عن كشف اللّثام ثبوت القود حتى فيما إذا لم يكن للمشرف المزبور الحياة المستقرة بالمعنى المتقدم و أنّه يتعلّق القود بالجاني في كلتا الصورتين لصدق القتل و فرق بين الجاني على المشرف و ما تقدّم من الجنايتين مع فرض عدم حياة مستقرة للمجني عليه بالجناية الأولى بأنّ الموجب للقصاص من الجنايتين ما إذا استند تلف النفس إليها و هذا لا يجري في المريض و ليس موجب تعلق القصاص في الجناية على المريض المشرف أنّ المريض ربّما تنتهي حالته إلى مثل تلك الحالة ثمّ يبرأ لأنّ هذا مشترك بين المريض و المجني عليه.

و لكن ناقش في هذا الكلام بأنّه مع فرض المريض من عدم بقاء الحياة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 56

[الخامسة: لو قطع واحد يده و آخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلك]
اشارة

الخامسة: لو قطع واحد يده و آخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلك (1)، فمن اندمل جرحه فهو جارح و الآخر قاتل يقتل بعد ردّه دية الجرح المندمل.

______________________________

المستقرة

له لا وجه للقود فيه و فرض البرء مع الحالة المزبورة لا يتحقق لا في المجني عليه و لا في المريض المفروض «1».

أقول: الظاهر هو الفرق في استناد القتل بين الفرضين كما يظهر بالتأمل، و أن لا يطرأ البرء فيهما إلّا بنحو خرق العادة.

(1) المراد استناد موته إلى الجرح غير المندمل و أنه أهلكه بالسراية فيكون على الجارح المزبور القصاص فيما إذا كان قصده من الجناية قتله حيث أنّ قطع اليد أو الرجل لا يكون مما يقتل به عادة، و قد تقدّم أنّ الموجب للقصاص في الهلاك مع السراية أحد الأمرين، إمّا قصد القتل أو كون الجرح مما يقتل مثله، و أمّا الجارح الآخر المندمل الجرح الوارد بجنايته، فإن كان بقصد القتل أم لا فعليه القصاص في الطرف أو الدية مع التراضي، و ظاهر الماتن و غيره أنّه يقتصّ قصاص النفس من الجاني الذي هلك المجني عليه بسراية جرحه بعد ردّ نصف الدّية عليه أيّ دية العضو الذي اندمل جراحته و قيّده بعضهم الردّ بما أخذ من الجاني الدّية.

أقول: مقتضى القاعدة أنّ الجاني الذي سرت جنايته يتعلّق عليه القصاص يعني قصاص النفس من غير أن يرد عليه نصف الدية فإنّ ردّ الدّية على الجاني الذي ترتّب على جنايته هلاك المجني عليه يكون فيما إذا جرح اثنان شخصا فمات بسراية جراحتهما أو جنايتهما فإنّه يردّ أولياء المقتول نصف الدّية على كلّ منهما إن أرادوا القصاص من كلّ منهما و إن أخذوا من

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 42، ص 58- 59.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 57

..........

______________________________

أحدهما الدّية أو عفوا عنه و لم يأخذوا منه القصاص و لا الدّية و أرادوا قتل الآخر فعليهم ردّ

نصف الدّية عليه و أما إذا جنى واحد شخصا فلم تسر جنايته و أخذ من الجاني الدّية أو اقتصّ منه ثم جنى عليه شخص آخر بجناية قاتلة أو بقصد قتله فسرت فمات يجوز لأوليائه القصاص من الجاني الثاني من غير ردّ الدّية عليه؛ لأنّ قتل النفس مستند إليه أو إلى جنايته، فيتعلّق عليه قصاص النفس و المقام من هذا القبيل لفرض اندمال أحد الجرحين و موت المجني عليه بسراية الجناية الأخرى من شخص آخر.

و لكن في رواية سورة بن كليب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن رجل قتل رجلا عمدا، و كان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها فإن أراد أوليائه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده و يقتلوه و إن شاءوا طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي.

قال: و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئا و إن شاءوا أخذوا دية كاملة قال: و هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السّلام» «1»، و لكن الرواية- مع كونها مفصّلة في ردّ نصف الدية- لضعفها لا يمكن رفع اليد بها عن القاعدة التي أشرنا إليها مع عدم إمكان الالتزام بمدلولها فإنّ لازمه أن لا يكون على القاتل شي ء فيما إذا كانت الجناية القاتلة خطأ أو كان المجني عليه مقطوع اليد من قبل إلّا أن يلتزم بالتفرقة بين القصاص و الدية.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 50 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1:

82.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 58

[فرع:]

فرع: لو جرحه اثنان كلّ واحد منهما جرحا فمات (1) فادّعى أحدهما اندمال جرحه و صدّقه الولي لم ينفذ تصديقه على الآخر؛ لأنّه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح و الدّية من الآخر، فهو متّهم في تصديقه؛ و لأنّ المنكر مدّع للأصل فيكون القول بيمينه.

______________________________

(1) إذا جرح كلّ من الاثنين شخصا بقصد قتله فمات و ادّعى أحدهما أنّ جرحه كان مندملا و صدّقه وليّ المقتول فإنّ تصديق الولي نافذ على نفسه، حيث إنّه إقرار منه بعدم الحقّ له في قتل مدّعي الاندمال و لو بردّ نصف الدّية عليه بل له القصاص من الجرح أو أخذ دية المندمل، و لكن تصديق الولي غير نافذ بالإضافة إلى الجارح المنكر لاندمال جرح شريكه فلا يحقّ للولي قتل منكر الاندمال قصاصا من دون ردّ نصف الدّية عليه، كما لا يجوز له مطالبته بتمام دية النفس، و ما في عبارة الماتن من عدم نفوذ تصديق الولي لمدّعي الاندمال بالإضافة إلى منكره لكونه قد يحاول بتصديقه أن يأخذ دية الجرح من الجارح و دية النفس من الآخر فهو لا يساعد ما تقدّم منه في المسألة الخامسة من أنّه لو أريد القصاص من الجاني الذي سرت جنايته ردّت عليه الدّية المأخوذة من الجاني الذي اندمل جرحه اللّهمّ ان يوجّه بأنّ الردّ مختصّ بصورة قتله قصاصا و أمّا إذا أخذت دية النفس منه لا يرد عليه الدّية المأخوذ للجرح المندمل و لكن في التوجيه ما لا يخفى.

و أمّا ما ذكره ثانيا من أنّ المنكر لاندمال جرح شريكه يدعى ما يوافق الأصل فيكون منكرا فيقدّم قوله مع حلفه للولي على عدم الاندمال فهو أمر

صحيح.

و نتيجة ذلك أنّه لا يجوز للولي الاقتصاص منه إلّا بعد ردّ نصف الدّية عليه أو أخذ نصف الدّية منه.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 59

[السادسة: لو قطع يده من الكوع و آخر ذراعه فهلك قتلا به]

السادسة: لو قطع يده من الكوع و آخر ذراعه فهلك قتلا به (1)؛ لأنّ سراية الأوّلي لم تنقطع بالثاني؛ لشياع ألمه قبل الثانية، و ليس كذلك لو قطع واحد يده و قتله الآخر؛ لأنّ السراية انقطعت بالتعجيل و في الأوّل إشكال.

______________________________

(1) لو جنى أحد على شخص جناية، ثمّ جنى آخر جناية في موضع الجناية الأولى، فمات المجني عليه، كما إذا قطع واحد يد شخص من الكوع أي من الزند مما يلي طرف الإبهام- ثم قطع شخص آخر ذراعه من اليد المقطوعة فمات المجني عليه، يقع الكلام في أنّ الجناية الأولى تنقطع سرايتها بالجناية الثانية و يتعلّق قصاص النفس بالجاني الثاني و أنّ الأوّل جارح نظير ما إذا قطع واحد يد إنسان و قتله آخر فإنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ الثاني قاتل و الأوّل جارح، كما تقدّم، أو أنّ الجناية الثانية- أي قطع الذراع- لا تقطع سراية الأولى فهما مشتركان في القتل يجوز الاقتصاص بالنفس من كليهما، ذكر الماتن (قدس سره) كغيره أنّ الجناية الثانية لا تقطع سراية الأولى، فإنّ قطع اليد من الكوع أوّلا قد أحدث في بدن المجني عليه ألما لا ينقضي بحدوث الجناية الثانية و لا يقاس بما ذكر من قطع واحد يده أوّلا ثم قتله آخر حيث أنّ القتل يقطع سراية الجناية الأولى، ثم استشكل في عدم انقطاع سراية قطع اليد من الكوع أوّلا بقطع الذراع ثانيا.

أقول: المعيار في كون الاثنين مشتركين في القتل استناد موت المجني عليه إلى جنايتهما عرفا، فإن استند

إليهما يتعلّق القود بكلّ منهما و إلّا يكون القاتل هو الذي استند الموت بجنايته كما إذا كان الجناية الثانية جناية قاتلة و لو بلحاظ وقوع الجناية الأولى قبلها، و يكون الأول جارحا، كما تقدّم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 60

و لو كان الجاني واحدا دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا منّا (1) و هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت فتوى الأصحاب فيه، ففي النهاية: يقتصّ منه إن فرّق ذلك و إن ضربه ضربة لم يكن عليه أكثر من

______________________________

(1) ثم يقع الكلام فيما إذا قطع واحد يد إنسان من الكوع أوّلا، ثمّ قطعها من الذراع ثانيا، فمات، فإن كان القطع مما يوجب الدّية أصالة فتدخل دية الطرف في دية النفس على ما ذكر الماتن و غيره من أنّ دية الطرف تدخل في دية النفس بالإجماع و ظاهره كما صرّح به غير واحد بعدم الفرق بين أن تكون الجنايتان بضربة واحدة أو بضربتين، و قيل بالفرق و أنّ دخول دية الطرف في دية النفس فيما إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة و يؤخذ من الجاني دية الطرف و دية النفس فيما إذا استند الموت إلى الجناية الثانية مع كونهما بضربتين. نعم لو استند الموت إلى سراية الجنايتين لا يكون إلّا دية النفس، و على ذلك يقع الكلام في مقامات:

الأوّل: في دخول دية الطرف في دية النفس فيما إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة.

و الثاني: دخول دية الطرف في دية النفس و عدم دخولها فيها فيما إذا كانت الجنايتان بضربتين.

و الثالث: في دخول قصاص الطرف في قصاص النفس فيما إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة.

و الرابع: دخول قصاص الطرف في قصاص النفس أو عدم دخوله فيه

فيما إذا كانت الجنايتان بضربتين.

أمّا المقام الأوّل، فالظاهر عدم خلاف في دخول دية الطرف في دية

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 61

القتل، و هي رواية محمد بن قيس عن أحدهما. و في المبسوط و الخلاف: يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس، و هي رواية أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام.

و في موضع آخر من الكتابين: لو قطع يد رجل ثم قتله قطع ثم قتل، و الأقرب ما تضمّنته النهاية لثبوت القصاص بالجناية الأولى، و لا كذلك لو كانت الضربة واحدة.

______________________________

النفس، و يمكن الاستدلال عليه بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: «سألت أبا جعفر عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل له فإنّه ينتظر به سنة فإن مات فيما بينه و بين السنة أقيد به ضاربه و إن لم يمت فيما بينه و بين السنة و لم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدّية في ماله لذهاب عقله قلت: فما ترى عليه في الشجّة شيئا؟ قال: لا، لأنّه ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين و هي الدّية، و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائنا ما كان إلّا أن يكون فيهما الموت بواحدة و تطرح الأخرى فيقاد به ضاربه» الحديث «1»، فإنّ مفادها دخول دية شجّة الرأس في دية ذهاب العقل الذي لا يحتمل الفرق بينه و بين النفس، و تعليل هذا التداخل بوقوع الجنايتين بضربة واحدة مقتضاها عدم التداخل مع عدم وقوع الجنايتين بضربة واحدة بأن

حصل كل منهما بضربة مستقلة، اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ هذا التعليل راجع إلى غير الجناية على النفس فلا يجري في الجناية على الطرف و النفس، و لكن الدعوى ضعيفة فإنّ ظاهرها أنّ مع تعدّد الضربات يلزم على الجاني كلّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1: 281.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 62

..........

______________________________

جناية حاصلة منها ما لم تنتهي الجناية الحاصلة من بعضها إلى قصاص النفس؛ و لذا يكون مقتضى الصحيحة عدم تداخل دية الطرف في دية النفس مع تعدّد الضربات.

نعم، يبقى في المقام دعوى إجماع الماتن و غيره بالتداخل، فإن تمّ فيرفع اليد به عن ظاهر الصحيحة و إلّا فمقتضى الأصل عدم التداخل، ثم انّ عدم التداخل فيما إذا لم يستند الموت إلى مجموع الجنايات و إلّا فلا ينبغي التأمّل في أنّ الثابت دية النفس خاصة و يبعد الالتزام بأنّه لو جنى شخص على الآخر خطأ بأن قطع يده ثم بعد مضى زمان طويل قتله خطأ فيلتزم بديّة النفس خاصّة و من هنا فصّل بعضهم بين الجنايتين بضربتين مع وقوع فصل بين الضربتين بقليل أو كثير، و استشكل في التداخل في القسم الأخير، و هذا كلّه فيما إذا كانت دية الجناية ثابتة بالأصل، و أمّا مع وقوع الصلح على الدّية مع اطلاق الدّية فيبتني التداخل على دخول قصاص الطرف في قصاص النفس و عدمه.

و لا ينبغي التأمّل في دخول الجناية على الطرف في الجناية على النفس إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة، فيتعلّق على الجاني القود خاصّة، و في صحيحة محمد بن قيس عن أحدهما عليه السّلام «في رجل فقأ عيني رجل و قطع اذنيه ثم قتله فقال:

إن كان فرّق ذلك اقتصّ منه ثمّ يقتل و إن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه و لم يقتصّ منه» «1».

و في صحيحة حفص بن البختري قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 51 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 82.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 63

و كذا لو كان بسرايته كمن قطع يد غيره فسرت إلى نفسه فالقصاص في النفس (1) لا في الطرف.

______________________________

رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثمّ مات فقال:

إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتصّ منه» «1» و ظاهر هاتين أنّ مع تعدّد الضربات لا تداخل في البين، و لكن ظاهر صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة هو التداخل حيث ورد فيها أنّ مع تعدّد الضربات لا تتداخل الجناية الحاصلة من ضربة في الجناية الحاصلة من ضربة أخرى ما لم يكن في البين قتل حيث مع وقوع القتل يقتصّ من الجاني و تترك الجنايات الأخرى.

و ربما يقال تحمل صحيحة أبي عبيدة الظاهرة في دخول قصاص الطرف في قصاص النفس مع تعدّد الضربات على صورة الموت بالسراية من الجنايات فإن أمكن هذا الجمع فهو و إلّا لا يؤخذ بصحيحة محمد بن قيس و حفص لموافقتها الكتاب العزيز الدالّ بإطلاقه على ثبوت القصاص في الطرف و النفس.

و ربما يقال بأنّ مقتضى ما ورد في النهي عن التمثيل بالقاتل و إن مثّل هو بغيره و قتله دخول قصاص الطرف في قصاص النفس و لكن لا يخفى أنّ التمثيل به غير القصاص في الطرف و النفس.

(1) و ذلك

فإنّ القتل لا ينفكّ عادة عن الجرح و الجناية على الطرف فمع موت المجني عليه بسرايته تكون الجناية قتلا و يثبت مقتضاه من دية النفس أو القود.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 51 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 83.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 64

[مسائل من الاشتراك:]
[الأولى: إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به]

مسائل من الاشتراك:

الأولى: إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به و الوليّ بالخيار بين قتل الجميع بعد أن يردّ عليهم ما فضل عن دية المقتول فيأخذ كلّ واحد منهم ما فضل من ديته عن جنايته و بين قتل البعض و يردّ الباقون دية جنايتهم فإن فضل للمقتولين فضل قام به المولى (1).

______________________________

(1) فيما اشترك اثنان أو الأزيد في قتل أحد ظلما يكون الخيار لولي المقتول في القصاص عن كل واحد منهم أو يأخذ الدية منهم أو يقتصّ من بعضهم و يردّ الباقون الدية، فلو اشترك ثلاثة في قتل رجل فلوليّ المقتول أن يقتل كلّ واحد منهم و يردّ عليهم الفاضل من دية جنايتهم بأن يردّ ثلثي الدية على أولياء كل واحد منهم فيكون عليه ديتا النفس.

و إن اقتصّ عن واحد يردّ كلّ واحد من المتروكين ثلث الدية على أولياء المقتول قصاصا و لا يكون على ولي القصاص شي ء، و إن قتل منهم اثنين قصاصا يردّ المتروك دية جنايته أي ثلث الدية على أولياء كلّ من المقتولين قصاصا بأن يعطي كلا من أوليائهما سدس الدية و على الولي إكمال ثلثي الدية على أولياء كلّ منهما بأن يردّ على كلّ منهما نصف الدية، يعني ثلثا و سدسا ليتمّ لكلّ منهما ثلثا الدّية.

و يظهر من كلمات الأصحاب التسالم على أمر و هو أنّ أولياء المقتول قصاصا في الفرض الثاني

لا يطالبون الفاضل من دية مقتولهم من وليّ القصاص بل المطالب به شريكاه في القتل، و هكذا في الفرض الثالث يطالب أولياء المقتولين قصاصا، كلّ منهما الشريك المتروك بسدس دية مقتولهم و لا يحقّ لها مطالبة وليّ القصاص به، و هذا الحكم و إن كان على خلاف القاعدة؛ لأنّ اتلاف مقتولهم فعل وليّ القصاص فهو الضامن لما

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 65

..........

______________________________

أتلفه عليهم، إلّا أنّه لا بدّ من الالتزام بالمتسالم عليه فإنّه يستفاد من الروايات المعتبرة الواردة في حكم الشركاء في القتل، كصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجلين قتلا رجلا قال: إن شاء أولياء المقتول أن يؤدّوا دية و يقتلوهما جميعا قتلوهما» «1». و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في عشرة اشتركوا في قتل رجل قال: يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاءوا قتلوا و يرجع أوليائه على الباقين بتسعة أعشار الدية» «2»، و مدلولهما كون الفاضل من دية جناية المقتول قصاصا على المتروكين نظير الفرض الثاني من المثال الذي ذكرنا، و في صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجلين قتلا رجلا قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة و قتلوهما و تكون الدية بين أولياء المقتولين فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه و أدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول، و إن لم يؤدّ دية أحدهما و لم يقتل أحدهما قبل الدية صاحبه من كليهما و إن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما» «3».

و في معتبرة الفضيل بن يسار قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: عشرة قتلوا رجلا، قال: «إن شاء أوليائه قتلوهم جميعا و غرموا تسع

ديات، و إن شاءوا تخيّروا رجلا فقتلوه و أدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدية كلّ رجل منهم ثم الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم» «4».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 29.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 29.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 30.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6: 30.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 66

..........

______________________________

و يظهر من هذه أنّ عفوّ ولي الدم عن القصاص أو حتى عن الدية أيضا لا يوجب سقوط التعزير على الجاني فيكون للوالي أدبه و حبسه كما أنّ ظاهرها أيضا كون الفاضل من دية جناية المقتول على المتروكين.

و في صحيحة أخرى لابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا قتل الرجلان و الثلاثة رجلا فإن أرادوا قتلهم ترادّوا فضل الديات فإن قبل أوليائه الدية كانت عليهما و إلّا أخذوا دية صاحبهم» «1».

و لا يعارضها مثل معتبرة أبي العباس و غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاءوا و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إنّ اللّه عز و جل يقول وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» «2».

و الوجه في عدم المعارضة أنّ هذه الرواية الدالّة على أنّه ليس للولي قتل أكثر من واحد مطلقة تعمّ صورة امتناع الولي عن ردّ فاضل الدية و صورة أدائه فاضلها، و الروايات المتقدمة دالّة على أنّ للوليّ قتل الجميع أو الأكثر

مع ردّه فاضل الدّية، فتحمل هذه الرواية على صورة امتناعه عن ردّ فاضل الدية فليس له في الفرض إلّا قتل واحد؛ لأنّ مع قتل الواحد يكون الفاضل عن ديته على المتروكين كما تقدّم في الروايات، و لو أغمض عن هذا الجمع العرفي يتعيّن طرحها لموافقتها لمذهب بعضهم من أنّه ليس للولي قتل الجميع؛ لأنّه إسراف في القتل حيث لم يذهب بالجناية غير نفس واحدة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5: 30.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 30.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 67

..........

______________________________

ثم إنّ ظاهر الماتن أنّ وليّ المقتول إذا أراد قتل الجميع فلا يحقّ له قتلهم إلّا بعد ردّه الفاضل من دية جنايتهم حيث قال: فالوليّ بالخيار في قتل الجميع بعد ما يردّ عليهم ما فضل ... إلخ، و قد صرّح بعض الأصحاب بذلك و عمّم كلّ مورد يكون ردّ فاضل الدية عليه و لو في غير الاشتراك في القتل، كما إذا قتل رجل امرأة و أراد أولياء المرأة القصاص من الرجل فإنّه لا يحقّ لهم إلّا بعد ردّ فاضل دية الرجل، و يدلّ على ذلك ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن مسكان المتقدمة من قوله عليه السّلام «إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة و قتلوهما» «1» حيث أنّ في ظاهرها أداء الفاضل علّق على إرادة قتل الجميع لا على قتلهم.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الرجل يقتل المرأة متعمدا فأراد أهل المرأة أن يقتلوه قال: «ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدّية» «2» فإن ظاهرها أنّ حقّ القتل

مشروط بأداء نصف الدية.

و في صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد أحد فاقتسماها ثم يقطعهما» الحديث «3»، حيث إنّه لا فرق في هذا الحكم بين قصاص النفس و قصاص الطرف بل يمكن أن يلتزم- كما هو ظاهر بعض- أنّ هذا لا يختصّ بما إذا كان ردّ فاضل دية جناية الجاني على وليّ القصاص، بل يعمّ ما إذا كان إكمال ردّ الفاضل عليه فلا يحقّ له القصاص.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 30.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 59.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 25 من أبواب القصاص الطرف، الحديث 1: 140.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 68

و تتحقّق الشركة (1) بأن يفعل كلّ واحد منهم ما يقتل لو انفرد أو ما يكون له شركة في السراية مع القصد إلى الجناية، و لا يعتبر التساوي في الجناية، بل لو جرحه واحد جرحا و الآخر مائة جرح ثم سرى الجميع فالجناية عليهما بالسوية و لو طلب الدية كانت عليهما نصفين.

______________________________

إلّا بعد ردّ ما عليه من إكمال الفاضل، كما إذا كان القتل باشتراك ثلاثة و أراد الولي قتل اثنين منهم فإنّه لا يجوز له القتل إلّا بعد ردّ ما عليه من دية النفس لكلّ من الجانبين نصفها، و اللّه العالم.

(1) ذكر (قدس سره) أنّ الاشتراك في قتل واحد يتحقّق في موردين:

أحدهما: إذا فعل كلّ من المتعدّدين فعلا يقتل الشخص غالبا لو انفرد بأن ضرب كلّ منهما ضربة قاتلة.

و ثانيهما: ما إذا كان الجرح من

المتعدّد و إن لم يكن فعل كلّ قاتلا، و لكن قتل الشخص بسرايته مع قصد كلّ منهما قتله. و يتعين أن يلحق بهما مورد ثالث و هو ما إذا كان فعل كلّ أو بعضهم غير الجرح و لم يكن الفعل من كل قاتلا و مات الشخص بفعل المجموع كما إذا ضربه عشرة بالسياط فمات، فإذا كان مجموع السياط الواردة على جسمه قاتلة أو قصد كلّ منهما قتله بضربة يتعلّق على كلّ منهم القصاص لاستناد موته إلى الجميع مع قصد كلّ منهم قتله أو قصد الفعل القاتل و لو بضمّ فعله إلى فعل السائرين، و على الجملة فالملاك في اشتراك القتل استناد موته إلى الجميع و لا يعتبر في ذلك تساوي المشتركين في عدد جنايتهم و لو جرح أحدهما جرحا و الآخر مائة و سرت الجنايات فمات، يكون على كلّ منهم حقّ القصاص، فإنّ الملاك في الاشتراك الاستناد عرفا و فرض اعتبار التساوي في الجنايات في موارد الاشتراك في القتل مع أنّه فرض نادر لم يتعرّض لاعتباره في الروايات

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 69

[الثانية: يقتصّ من الجماعة في الأطراف كما يقتصّ في النفس]

الثانية: يقتصّ من الجماعة في الأطراف كما يقتصّ في النفس، فلو اجتمع جماعة على قطع يده أو قلع عينه فله الاقتصاص منهم بعد ردّ ما يفضل لكلّ واحد منهم عن جنايته، و له الاقتصاص من أحدهم و يردّ الباقون دية جنايتهم و تتحقّق الشركة في ذلك بأن يحصل الاشتراك في فعل واحد، فلو انفرد كلّ واحد بقطع جزء من يده لم يقطع يد أحدهما و كذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده و الآخر تحت يده و اعتمدا حتّى التقتا فلا قطع في اليد على أحدهما؛ لأنّ كلا

منهما منفرد بجنايته لم يشاركه الآخر فيها فعليه القصاص في جنايته حسب (1).

______________________________

المتقدمة و غيرها، مما دلّ على أنّ للولي قتل كلّ من المتعددين المشتركين في قتل مولاه كما لم يعتبر فيها وحدة الجنايات في الجنس، كما إذا جرحه أحدهم و ضربه الآخر، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين وحدتها في الجنس و النوع أو اختلافها، كما لا يخفى.

(1) ذكروا أنّ ما ذكره في الاشتراك في القتل يجري في الاشتراك في الجناية على الأطراف فإن كانت الجناية على الطرف بنحو الاشتراك يتعلّق على كلّ من المشتركين فيها القصاص، فإن اقتصّ الولي من واحد يردّ الباقون على المقتصّ منه الزائد عن دية جنايته، و إن اقتص الولي من الجميع يرد على كلّ الزائد على دية جنايته كلّ من المشتركين على غرار ما تقدّم في مسألة الاشتراك في القتل، و يدلّ على ذلك صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد و أحد [فاقتسماها ثم يقطعهما، و إن أحبّ أخذ منهما دية يد] قال: و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية» «1»، و مقتضاها أنّه إذا أراد القصاص من الجميع،

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 25 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 140.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 70

..........

______________________________

فلا بدّ من أن يكون القصاص من الجميع بعد ردّ فاضل الدية عليهم، بخلاف ما إذا أراد الاقتصاص عن أحدهم، فإنّه لا يتوقّف القصاص منه على ردّ الباقين فاضل الدّية، بمعنى أن لا يحقّ للولي القصاص من أحدهم إلّا بعد ردّ الباقين

الفاضل عن دية جنايته عليه.

و المشهور ذكروا أنّ الاشتراك في الجناية على الطرف يختلف عن الاشتراك في القتل، فإنّ الملاك في الاشتراك في القتل استناد موته إلى المتعدّدين و إن كانت جناية كلّ منهم غير الجناية الصادرة عن الآخرين كما مرّ، بخلاف الجناية على الطرف، فإنّ الاشتراك فيها يحصل فيما إذا صدر فعل واحد من المتعدّد بأن كان الفعل الواحد صادرا بنحو الاشتراك في نفس الفعل المفروض، و لا عبرة بوحدة الأثر من فعلهما مع كون فعل كلّ منهما غير الفعل الصادر عن الآخر و لو انفرد كلّ منهما بقطع جزء من يده فسقطت يده فلا يقتصّ عن كلّ منهما بقطع اليد بل بمقدار جنايته إذا أمكن و إلّا ينتقل الأمر إلى مطالبة الدية. و من هذا القبيل إذا وضع أحدهما سكّينه تحت اليد و الآخر فوق يده و اعتمد كلّ منهما على سكّينه فسقطت يده بالتقائهما فلا يقطع يد أحدهما؛ لأنّ كلّ منهما منفرد بفعل لم يشترك فيه الآخر، و إن سقطت يده بفعلهما. نعم لو قطع أحدهما بعض اليد و الآخر البعض الآخر من غير أن يتلاقيا ثم سرت الجنايتان فسقطت يده يكون على كلّ منهما القصاص؛ لأنّ السراية المفروضة تحسب الفعل الواحد الصادر منهما بنحو الاشتراك فيه.

أقول: التفرقة بما ذكر بين الاشتراك في القتل و الاشتراك في الجناية على الطرف مشكل جدّا بعد استناد انقطاع يده إليهما كانقطاع نفس المقتول

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 71

[الثالثة: لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به و لا رد]

الثالثة: لو اشترك في قتله امرأتان (1) قتلتا به و لا رد؛ إذ لا فاضل لهما عن ديته، و لو كنّ أكثر كان للولي قتلهنّ بعد ردّ فاضل ديتهنّ بالسوية إن كنّ

______________________________

إلى المتعدد

و إنّ الاطلاق في صحيحة أبي مريم الأنصاري أي عدم الاستفصال في الجواب عن اشتراكهما في قطع اليد بالنحو المعتبر عند المشهور مع أنّه فرض لعلّه نادر و لا أقلّ من تعارف الفرضين يدفع اعتباره، و اللّه العالم.

(1) إذا اشترك امرأتان حرّتان في قتل رجل، فللوليّ قتل كلّ منهما من غير أن يردّ؛ لأنّ دية الرجل تساوي ضعف دية المرأة فلا فاضل لهما على دية الرجل. و في صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن امرأتين قتلتا رجلا عمدا قال: يقتلان به، ما يختلف في هذا أحد» «1» و إن كنّ أكثر من امرأتين بأن كنّ ثلاثا مثلا فعلى كلّ منهنّ ثلث الجناية، فإن قتل الوليّ الجميع يردّ على أولياء كلّ منهنّ ثلث دية المرأة حيث إنّ عليه دية امرأة واحدة فيعطيها إلى أولياء المقتولين أثلاثا، و إن قتل اثنتين تردّ الثالثة ثلث دية الرجل إليهما بالسوية؛ لأنّ جناية كلّ منهنّ الثلث من دية الرجل المساوي ثلثي دية المرأة و إن قتل الولي واحدا منهنّ فبما أنّ جناية كلّ امرأة ثلث دية الرجل المساوي ثلثي دية المرأة يكون على الباقيتين ثلثان من دية الرجل المقتول، فيستحقّ أولياء المرأة المقتولة ثلث دية المرأة حيث كانت جنايتها مساوية لثلثي ديتها فيبقى على الباقيتين نصف دية الرجل تردّانه على ولي مقتولهما.

و لو قتل رجلان امرأة فلولي المرأة القصاص من كلّ منهما بعد ردّ ثلاثة

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 15: 62.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 72

متساويات في الدية و إلّا أكمل لكلّ واحدة ديتها بعد وضع أرش جنايتها. و لو اشترك رجل و امرأة

(1) فعلى كلّ منهما نصف الدية و للولي قتلهما، و يختصّ الرجل بالرد، و في المقنعة يقسم الردّ بينهما أثلاثا و ليس بمعتمد. و لو قتل المرأة فلا ردّ.

______________________________

أرباع دية الرجل على كلّ من الرجلين أو أوليائهما؛ لأنّ جنايتهما معا تساوي نصف دية الرجل، حيث إنّه دية المرأة المقتولة، فيكون الفاضل من دية الرجلين دية نفس و نصفها. فاللازم على الولي الرد على كلّ منهما ثلاثة أرباع دية النفس.

(1) و لو اشترك رجل و امرأة في قتل رجل، فلوليّ المقتول أخذ الدية منهما فيكون على كلّ من الرجل الجاني و المرأة الجانية نصف دية المقتول كما هو مقتضى اشتراك الاثنين في القتل، كما أنّ على الوليّ قتل المرأة و في صورة قتلها فلا ردّ عليها؛ لأنّ جنايتها تساوي ديتها و يأخذ من الجاني نصف الدية كما أنّ له قتل الرجل و تردّ المرأة على أولياء الرجل الجاني نصف دية مقتولها أي نصف دية الرجل المساوي لجنايتها، و لو قتلهما الولي يردّ نصف الدية على الرجل الجاني و ليس لأولياء المرأة الجانية ردّ؛ لما تقدم من أنّ جنايتها تساوي ديتها، بخلاف الرجل الجاني فإنّه استوفى منه ضعف جنايته. و عن المفيد (قدس سره) في المقنعة أنّه إذا قتلهما الولي يردّ نصف دية النفس عليهما أثلاثا، ثلثان منه للرجل، و ثلث للمرأة؛ لأنّ جناية الرجل تحسب ضعف جناية المرأة، و لكن لا يخفى لا وجه لهذا الاحتساب بعد استناد القتل إليهما و إلّا لزم في صورة مطالبة الولي الدية منهما أن يكون دية المقتول عليهما أثلاثا و هو كما ترى.

و يدلّ على الحكمين- و هما اختصاص الرجل بالردّ و أنّ الدية يكون

تنقيح مباني الأحكام - كتاب

القصاص، ص: 73

و على الرجل نصف الدية، و لو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصف ديته، و قيل نصف ديتها و هو ضعيف (1). و كل موضع يوجب الردّ فإنّه يكون مقدّما على الاستيفاء (2).

______________________________

عليهما بالنصف- ما ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«سئل عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلا خطأ فقال: إن خطأ المرأة و الغلام عمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما و يردّوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم، و إن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه و ترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية، و إن أحب أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها و يردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية. و قال: إن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية و على المرأة نصف الدية» «1».

و هذه الصحيحة و إن تضمّنت لأمور لا يمكن العمل بها إلّا أنّه لا بأس بدلالتها على الحكمين المزبورين، و لا أقلّ من تأييدهما بها كما لا يخفى.

(1) لا موجب لردّ نصف ديتها بعد كون جنايتها تساوي نصف دية الرجل، نعم ردّ ربع الدية المساوي لنصف ديتها ورد في صحيحة أبي بصير المتقدّمة، و لكنّها كما ذكرنا لا تصلح للاعتماد عليها في هذا الحكم، حيث ورد فيها تساوي الغلام و المرأة في الردّ و مقداره.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، دوم، 1426 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص؛ ص: 73

(2) قد تقدم أنّ اعتبار كون الرد مقدّما على الاستيفاء إنّما هو فيما وجب على الولي ردّ

فاضل الدية، و أمّا إذا كان فاضل الدية على باقي الشركاء في القتل أو على الشريك الآخر فاعتبار تقدّم الردّ احتماله مدفوع بإطلاق الأخبار، بل ما ورد في بعضها من الردّ على أولياء المقتصّ منه يشعر بخلاف الاعتبار.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 34 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 64.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 74

[الرابعة: إذا اشترك عبد و حرّ في قتل حرّ عمدا]

الرابعة: إذا اشترك عبد و حرّ في قتل حرّ عمدا، قال في النهاية: للأولياء أن يقتلوهما و يؤدّوا إلى سيد العبد ثمنه، أو يقتلوا الحر و يؤدّي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم، أو يسلّم العبد إليهم، أو يقتلوا العبد و ليس لمولاه على الحرّ سبيل (1). و الأشبه أنّ مع قتلهما يردّون إلى الحر نصف الدّية و لا يردّ على

______________________________

(1) ذكر في النهاية فيما إذا اشترك حرّ و عبد في قتل حرّ أنّ لأولياء الحرّ المقتول قتل كلّ منهما أو قتل أحدهما، فإن قتلوهما يكون عليهم ثمن العبد يؤدّون إلى سيّده، و إن قتلوا الحرّ فقط يؤدّي مولى العبد إلى ورثة الجاني الحرّ خمسة آلاف درهم أو يسلّم العبد إليهم، و إن قتلوا العبد فليس لمولاه على الحرّ الجاني سبيل، و ما ذكره (قدس سره) في الفروض الثلاثة لا ينطبق على شي ء من القواعد و ليس له دليل خاصّ.

أمّا في الفرض الأول- و هو فرض قتل ولي المقتول كلا من الجاني الحرّ و العبد- فإنّ على وليّ المقتول نصف الدية للجاني الحر و ليس عليه لمولى العبد من قتل العبد شي ء إلّا إذا زادت قيمته على دية جنايته، يعني نصف دية الحر، فإن زادت قيمته عنه فلمولاه مقدار تلك الزيادة فقط.

نعم، لو فرض

أنّ العبد من قسم النفيس يساوي قيمته بأزيد من دية الحر يكون على ولي المقتول نصف الدية؛ لأن دية العبد- كما يأتي- لا تزيد على دية الحر، فمع زيادة قيمته ردّت إلى مقدار الدية، و أمّا إذا قتل أولياء المقتول الحرّ فقط، قيل على مولى العبد دفعه إلى وليّ الجاني المقتول ليسترقّه فيما إذا كانت قيمته مساوية لنصف دية الحر أو بمقدار نصف ديته إذا كانت قيمته أكثر من نصف دية الحر، و إن كانت قيمته أقل من نصف دية الحر كان باقي نصف الدية على أولياء المقتول ظلما و لا يبعد أن يقال في الفرض إنّ على أولياء المقتول ظلما إذا قتلوا الجاني الحر نصف دية الحر، كما في فرض

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 75

مولى العبد شي ء ما لم تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر فيرد عليه الزائد فإن قتلوا العبد و كانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول أدّوا إلى المولى الزائد، فإن استوعب الدية و إلّا كان تمام الدية لأولياء المقتول و في هذا اختلاف للأصحاب و ما اخترناه أنسب بالمذهب.

______________________________

قتلهم كلا من الجاني الحر و العبد و لهم استرقاق العبد أو بمقدار نصف دية الحر؛ لأنّه لا دليل في فرض اشتراك الحر و العبد في القتل على رجوع وليّ الجاني إلى مولى العبد في فاضل الدية و مقتضى القاعدة ضمان النصف على الولي فإنّه اقتصّ من الجاني، و أمّا إذا قتل أولياء المقتول العبد فقط يردّون على مولاه ما زاد على نصف دية مقتولهم الحر و يكون لهم على الحرّ الجاني نصف دية مقتولهم و على ما قيل يكون ما زاد من قيمة العبد عن مقدار

نصف دية الحر على الجاني الحر و يؤدّي باقي نصف الدية على أولياء المقتول و على ما ذكرنا قال الماتن في الفرض الأول: و الأشبه انّ مع قتلهما يؤدّي أولياء المقتول نصف الدية إلى الجاني الحرّ، و لا يردّ على مولى العبد شي ء ما لم يكن قيمته أزيد من نصف دية الحرّ فيردّ عليه الزائد.

و ذكرنا أنّ الأظهر بحسب القواعد أنّ ولي المقتول ظلما إذا قتل الجاني الحر فعليه دفع نصف الدية يؤدّي إلى الجاني الحر قبل قتله، و أما العبد فإن قتله يدفع إلى مولاه الزائد على جناية العبد كما إذا كانت قيمته أكثر من نصف دية الحر و إن كان قيمته أقل من نصف دية الحر المقتول ظلما فليس له أن يرجع في الزائد إلى مولاه؛ لأنّ الشخص لا يجني أكثر من نفسه و إذا لم يقتله فإنه يجوز له استرقاقه بمقدار نصف دية مقتوله و يبقى الزائد لمولاه، و إن كانت قيمته أقل من نصف دية الحر فليس على مولاه شي ء لما تقدم من أنّه لا يجني إلّا مقدار نفسه.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 76

[الخامسة: لو اشترك عبد و امرأة في قتل حرّ فلأوليائه قتلهما]

الخامسة: لو اشترك عبد و امرأة في قتل حرّ فلأوليائه قتلهما و لا ردّ على المرأة و لا على العبد إلّا أن تزيد قيمته عن نصف الدية فيرد على مولاه الزائد. و لو قتلت المرأة به كان لهم استرقاق العبد إلّا أن يكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول فيرد على مولاه ما فضل (1).

______________________________

و على الجملة، لا دليل في الفرض على رجوع أولياء الجاني الحرّ إلى مولى العبد، و ما تقدّم من رجوع أولياء الشريك المقتول إلى شريكه وارد في الشريك الحر القاتل.

(1)

يعلم الحكم في هذه المسألة مما تقدّم، و حيث إنّ المفروض انّ المرأة شريك العبد في القتل، فإن أراد وليّ المقتول ظلما قتلهما فلا ردّ على المرأة؛ لعدم زائد على جنايتها، و أما العبد فإن كان قيمته أزيد من جنايته يردّ الولي على مولاه الفاضل من قيمته، و إن نقص قيمته عن نصف دية الحر فليس على مولاه شي ء، و كذا إذا كان قيمة العبد بمقدار نصف الدية لما تقدم من أنّ الشخص لا يجني أكثر من نفسه.

و إذا قتل الولي العبد خاصّة و كانت قيمته مساوية لجنايته أو أقل فلا ردّ على مولاه و على المرأة دية جنايتها تردّها على وليّ المقتول ظلما، و إن كانت قيمة العبد أكثر من جنايتها ردّت المرأة على مولاه فاضل قيمته فيما لو كانت قيمته مستوعبة لدية الحرّ، و إن نقص قيمته عن دية الحر ردّت المرأة الفاضل من الدية التي عليها لوليّ المقتول ظلما، هذا ما ذكره الماتن (قدس سره).

و لكن قد ذكرنا أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية أنّ الولي إذا قتل العبد و كانت قيمته أكثر من جنايته تكون الزائد على جنايته على وليّ المقتول ظلما و كونه على المرأة التي ترك الولي قتلها لم يقم عليه دليل، فيكون للولي أخذ نصف دية مقتوله منها، و إذا لم يقتل الولي العبد فله استرقاقه بلا فرق بين

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 77

و إن قتلوا العبد و قيمته بقدر جنايته أو أقلّ فلا ردّ، و على المرأة دية جنايتها، و إن كانت قيمته أكثر من نصف الدية ردّت عليه المرأة ما فضل عن قيمته، فإن استوعب دية الحر و إلّا كان الفاضل لورثة المقتول أوّلا.

______________________________

كون

قيمته بمقدار جنايته أو أقل أو أكثر.

نعم، في صورة زيادة قيمته عن جنايته- أي نصف دية الحر- فعلى الولي ردّ ما فضل عن جنايته على مولاه إن رضي مولاه بذلك و إلّا يكون العبد مشتركا بينهما و يحتمل أن يكون له ردّ ما زاد مطلقا.

و يدلّ على هذا صحيحة ضريس الكناسي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة و عبد قتلا رجلا خطأ فقال: إن خطأ المرأة و العبد مثل العمد فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردّوا على سيد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم و إن أحبّوا أن يقتلوا المرأة و يأخذوا العبد أخذوا إلّا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فليردّوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم و يأخذوا العبد أو يفتديه سيّده، و إن كانت قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلّا العبد» «1».

و قد تقدّم أنّ ما ورد في مثل هذه الصحيحة من كون خطأ المرأة و العبد عمد لا يمكن الأخذ به، و لكن لا بأس بما ورد فيه من حكم قتل العبد عمدا، و ما ورد فيها أيضا من استرقاق كل العبد إذا كانت قيمته أكثر من جنايته بردّ فاضلها لمولاه مطلقا و إنّ للمولى أن يفديه لا يخلو عن المناقشة مع عدم توافق الولي مع مولاه حيث إنّ الثابت لولي المقتول ظلما مع زيادة قيمة العبد عن

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 34 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 64.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 78

..........

______________________________

جنايته استرقاقه بمقدار جنايته.

و على كلّ تقدير فلا

دليل على أنّ ردّ الفاضل من جناية العبد من قيمته على المرأة التي ترك قتلها كما أشرنا إليه فيما تقدّم.

بقي في المقام مسألة يعلم بها الحكم في فروض الاشتراك في القتل مع عدم تساوي المشتركين في الدية، و هي ما إذا اشترك رجل و خنثى في قتل رجل أو امرأة حرّة و بما أنّ الخنثى يكون ديتها نصف دية الرجل و نصف دية المرأة و بتعبير آخر تحسب الخنثى في نصف ديتها رجلا و في نصفها الآخر امرأة، فلو قتل الرجل و الخنثى رجلا يكون للوليّ قتلهما، فإن قتلهما يردّ على الرجل نصف ديته و على الخنثى ربع دية النفس؛ لأنّ دية الخنثى ثلاثة أرباع دية النفس نصف دية نفس الرجل و نصف دية المرأة و جنايتها تساوي نصف دية النفس فيكون الفاضل نصف دية المرأة المساوي لربع دية النفس.

و لو قتل الرجل و الخنثى امرأة حرّة فلوليّ المقتول قتلهما فيردّ على الرجل نصف ديته و ربع ديته؛ لأنّ جنايته مساوية لنصف دية المرأة فيكون له ثلاثة أرباع الدية، و يردّ على الخنثى نصف دية النفس؛ لأنّ جنايتها تساوي نصف دية المرأة فيبقى لها نصف دية النفس فقط.

و مما ذكر يظهر أنّه لو اشترك امرأة و خنثى في قتل رجل و قتلهما الولي لا يكون للمرأة فاضل لأنّ جنايتها تساوي ديتها و يكون على الولي ردّ ربع الدّية على الخنثى؛ لأنّ ديتها ثلاثة أرباع الدية و جنايتها تساوي نصف الدية.

و لو اشترك امرأة و خنثى في قتل امرأة فقتلهما الولي يكون على الولي ردّ نصف دية المرأة على المرأة الجانية؛ لأنّ جنايتها تساوي نصف دية المرأة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 79

[الفصل الثاني في الشروط المعتبرة في القصاص و هي خمسة]

اشارة

الفصل الثاني في الشروط المعتبرة في القصاص و هي خمسة

[الشرط الأول: التساوي في الحرية و الرقّية]
اشارة

الأول: التساوي في الحرية و الرقّية، فيقتل الحرّ بالحرّ و بالحرّة مع ردّ فاضل ديته و الحرّة بالحرّة و بالحرّ و لا يؤخذ ما فضل على الأشهر (الأظهر خ ل) (1).

______________________________

و يكون على الولي أيضا نصف الدية يردّه على الخنثى؛ لأنّ جنايتها تساوي نصف دية المرأة المساوي لربع الدية، فيبقى لها من دينه نصف الدية، حيث إنّ ديتها مساوية لثلاثة أرباع الدية فذهب إحداها بجنايتها. و يعلم مما ذكرنا الحال في بقية الفروض.

(1) المراد أنّ الحرّ لا يقتل بقتله العبد أو الأمة، بل يقتل بقتله الحرّ و الحرّة. نعم إذا قتل بالحرّة يجب على أولياء الحرّة ردّ فاضل ديته و هو نصف دية النفس.

و يشهد لذلك- مع التسالم بين الأصحاب على الحكم- صحيحة أبي بصير عن أحدهما عليه السّلام قال: «إن قتل رجل امرأة و أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف الدية إلى أهل الرجل» «1»، و في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام «في الرجل يقتل المرأة قال: إن شاء أوليائها قتلوه و غرموا خمسة آلاف درهم لأولياء المقتول، و إن شاءوا أخذوا خمسة آلاف درهم من القاتل» «2». و في موثقة أبي بصير عن أحدهما عليه السّلام قال: «قلت له: رجل قتل امرأة فقال: إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف ديته

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6: 60.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 12: 61.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 80

..........

______________________________

و قتلوه و إلّا قبلوا الدية» «1»، إلى غير ذلك.

و لو لم

يتمكّن أولياء الحرّة المقتولة من ردّ الفاضل، أو أرادوا أخذ دية الحرّة من الحرّ القاتل كان ذلك جائزا لهم، كما هو ظاهر صحيحة محمد بن قيس، و لكن ليس للحرّ القاتل إلزامهم بأخذ الدية و الامتناع عن أخذ فاضل ديته. و على الجملة فلأولياء الحرّة المقتولة إلزام الحر القاتل بإعطاء نصف الدية و ليس له إلزام أولياء المقتول بأخذ الدية و ترك القصاص.

و في معتبرة أبي العباس و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن قتل رجل امرأة خيّر أولياء المرأة إن شاءوا أن يقتلوا الرجل و يغرموا نصف الدية لورثته و إن شاءوا أن يأخذوا نصف الدية» «2».

فما في الجواهر «3» من المناقشة في فرض امتناع الوليّ عن إعطاء فاضل الدية أو لفقره في إلزام القاتل بإعطاء دية المقتولة، لا وجه له، كما لا وجه للاستدلال على جواز إلزامه بالتمسّك بهدر دم المقتولة بدونه حتى يجاب بأنّه ليس في عدم جواز الإلزام طلّ الدم إلى هدره.

و ذكرنا سابقا أنّ للقاتل الجاني مطالبة الأولياء بفاضل ديته قبل القصاص فلا يجوز لهم قتل الجاني قبل إعطاء نصف الدية. و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الرجل يقتل المرأة متعمّدا فأراد أهل المرأة أن يقتلوه قال: ذلك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدّية» «4» و ظاهر

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 60.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9: 61.

(3) جواهر الكلام: ج 42، ص 82.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 59.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 81

..........

______________________________

القضية الشرطية فعليّة الجزاء يعني حقّ القصاص بفعليّة الشرط و هو أداء نصف الدية و ما في موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عليه السّلام «أنّ رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه السّلام بينهما قصاصا و ألزمه الدّية» «1»، محمول على صورة الامتناع عن ردّ فاضل الدية أو عدم التمكّن من ردّه.

و كذلك يقتل الحرّ بقتله الحرّة و الحرّ، و إذا قتلت الحرّة الحرّ لا يؤخذ منها فاضل دية الرجل على المشهور، بل ادّعى عدم الخلاف في ذلك، و لا ينافيه تعبير الماتن بالأشهر، حيث يمكن أن يكون التعبير به للرواية لا للفتوى بالخلاف، و الرواية هي صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام قال في امرأة قتلت رجلا قال: تقتل و يؤدّي وليّها بقية المال»، و في رواية محمد بن علي بن محبوب «بقية الدية» 2.

و هذه الرواية مخالفة للروايات الأخرى الدالّة على أنّ جناية الشخص لا تزيد على نفسه، و في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ... إلى أن قال: في امرأة قتلت زوجها متعمّدة قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها و ليس يجنى أحد أكثر من جنايته على نفسه» «3».

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و إن قتلت المرأة الرجل قتلت به ليس لهم إلا نفسها» «4»، و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ... إلى أن قال: و سألته عن امرأة قتلت رجلا، قال: «تقتل و لا يغرم أهلها شيئا» «5».

______________________________

(1) (1) و (2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 17- 16: 62.

(3) الوسائل: ج 19،

الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 59.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 59.

(5) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 60.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 82

..........

______________________________

و في رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في المرأة تقتل الرجل ما عليها قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» «1»، إلى غير ذلك.

و لو فرضت المعارضة بين هذه الروايات و الصحيحة الدالّة على أخذ بقية دية الرجل تطرح الصحيحة لموافقة الطائفة النافية لإطلاق الكتاب المجيد، قال اللّه سبحانه وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ الآية «2».

و في صحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام «في قول اللّه عز و جل النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ الآية، قال: هي محكمة» «3».

و على الجملة، ما حكي عن الراوندي من حمل الصحيحة الدالة على أخذ باقي دية الرجل المقتول زائدا على قتل قاتلته على صورة يسار المرأة القاتلة، و هذه الروايات النافية غير قتلها على صورة إعسارها، جمع تبرّعي، بل قوله عليه السّلام «ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه» الوارد في السؤال عن قتل المرأة زوجها متعمدة آب عن الحمل على صورة إعسارها، فالترجيح مع الروايات النافية.

و ما ذكر القمّي (قدس سره) في تفسيره في ذيل الآية وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 10: 61.

(2) سورة المائدة: الآية 45.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب

القصاص في النفس، الحديث 11: 61.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 83

و يقتصّ للمرأة من الرجل في الأطراف من غير ردّ، و يتساوى ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر ثم يرجع إلى النصف فيقتصّ لها منه مع رد التفاوت (1).

______________________________

وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ من أنّها منسوخة بقوله سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ و قوله:

الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ لم تنسخ، لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ الآية محكمة كما في صحيحة زرارة، غاية الأمر ورد على إطلاقها بعض التقييد كما في ساير المطلقات، بل ذكرنا في بحث الأصول أنّ المراد ببعض الروايات الواردة في نسخ الكتاب ورود المخصّص أو التقييد على عموم الآية و إطلاقها بل الأمر في الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ أيضا كذلك.

و من هذا القبيل ما نقل في رسالة المحكم و المتشابه عن تفسير العماني بالاسناد إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ الآية، نسخت ما فيها هذه الآية وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ و إلّا فقد تقدّم ما في صحيحة زرارة أنها محكمة.

(1) لا خلاف في أنّ المرأة يقتصّ لها من الرجل في الجناية على طرفها، كما يقتص للرجل من المرأة في الجناية على طرفه، كما لا خلاف في أنّ المرأة إذا اقتصّ للرجل منها فلا يؤخذ منها شي ء كما إذا قطعت المرأة يد رجل فاقتصّ من المرأة بقطع يدها فلا يؤخذ منها شي ء و إن كان دية يد الرجل ضعف دية يد المرأة.

و يدلّ على ذلك مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل فقأ عين امرأة فقال: إن

شاءوا أن يفقئوا عينه و يؤدّوا إليه ربع الدية و إن شاءت أن تأخذ ربع الدية. و قال في امرأة فقأت عين رجل أنّه: إن شاء فقأ

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 84

..........

______________________________

عينها و إلّا أخذ دية عينه» «1».

و هذا بخلاف ما إذا كان الجاني رجلا و المجني عليها امرأة، فإنّ دية الرجل و المرأة في الأطراف متساوية إلى حدّ الثلث، و إذا اقتصّ للمرأة من الرجل قبل بلوغ الثلث لم يكن في البين ردّ على الرجل الجاني، و إذا تجاوز الثلث أو بلغه يقتصّ للمرأة من الرجل مع ردّ نصف دية الطرف على الرجل حيث يكون دية الرجل بعد بلوغ الثلث أو تجاوزه ضعف دية طرف المرأة و دية المرأة نصف دية الرجل مثلا إذا قطع الرجل اصبعا من المرأة فلها القصاص من الرجل بقطع اصبعه من غير ردّ، و كذا في قطعه اصبعين من المرأة أو الثلاث من أصابعها، و أمّا إذا قطع أربعا من أصابعها فللمرأة أن يقتصّ من الرجل و تقطع أربعة أصابعه، و لكن عليها ردّ نصف دية أصابعه الأربعة عليه.

و يدلّ على الردّ مثل ما ورد في صدر صحيحة الحلبي المتقدّمة، و على التساوي في الدية ما لم يبلغ ثلث دية الحرّ الصحيحة الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جراحات الرجال و النساء سواء سنّ المرأة بسنّ الرجل و موضحة المرأة بموضحة الرجل و إصبع المرأة بإصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية ضعّفت دية الرجل على دية المرأة» «2»، و في صحيحة جميل بن درّاج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة بينها و بين الرجل قصاص

قال: نعم في الجراحات حتّى تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل و سفلت المرأة» «3».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 2 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 124.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 122.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 123.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 85

..........

______________________________

و في صحيحة الحلبي الأخرى قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جراحات الرجال و النساء في الديات و القصاص السنّ بالسنّ و الشجّة بالشجّة و الاصبع بالاصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا جازت الثلث صيّرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية و دية النساء ثلث الدية» «1».

بقي في المقام أمور:

الأول: أنّه قد ورد في معتبرة عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: «ليس بين الرجل و النساء قصاص إلّا في النفس» «2» و لا عامل بظاهرها من الأصحاب، و مع الغمض عن ذلك فهي معارضة بالأخبار المتقدّمة الموافقة لإطلاق الكتاب المجيد الدالّة على ثبوت القصاص في الأطراف العين بالعين و الأنف بالأنف و الاذن بالاذن و السنّ بالسنّ و الجروح قصاص، و حملها على تساوي القصاص بينهما بمعنى عدم الاقتصاص للمرأة من الرجل من دون ردّ غير ممكن لأنّ استثناء النفس عن ذلك يكون بلا معنى.

الثاني: قيل إنّ ظاهر بعض الروايات أنّ تساوي المرأة مع الرجل في دية الطرف يرتفع بتجاوز الدية ثلث دية الحر، و ظاهر بعضها الأخرى ارتفاعه بمجرّد بلوغها ثلث ديته فيجب على المرأة الردّ بمجرّد بلوغها الثلث و لا يعتبر تجاوزها عنه.

و يقال بعد تعارض الأخبار المتقدّمة في هذه

الجهة يرجع فيما بلغ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 6: 123.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 7: 124.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 86

..........

______________________________

مقدار الثلث و لم يتجاوز عنه بعموم ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل، كما في صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث «دية المرأة نصف دية الرجل» «1»، فيجب ردّ نصف الدية على الجاني إذا اقتصّ للمرأة منه و إن أخذت الدية منه فلها نصف دية الرجل.

أقول: الأخبار الدالة على أن دية المرأة نصف دية الرجل واردة في دية النفس، و أمّا في دية الأطراف و الجراحات فلم يرد فيها اطلاق بحيث يمكن التمسّك به، و لو قيل بأنّ ما ورد في الروايات ما ظاهره تضعيف دية الرجل بعد تجاوز ثلث الدية كلّها بفاء التفريع على الجملة الشرطية السابقة لا أنّها جملة شرطية مستقلة في مقابل الشرطية قبلها و أنّ الغاية في الشرطية قبلها خارجة عن الحكم المغيّى بها و لو بقرينة مثل صحيحة الحلبي الوارد فيها:

«جراحات الرجال و النساء سواء ... حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية» «2»، فإذا بلغت ثلث الدية ضعّفت، و نحوها ما في صحيحة جميل بن دراج «3» فلا يكون اعتبار بما ورد في الشرطية الثانية من ذكر عنوان تجاوز الثلث حيث لا يعتبر المفهوم إلّا من الشرطية الأولى فيكون الشرطية الثانية المذكورة بفاء التفريع من التصريح ببعض مفهوم الشرطية الأوّلي كما في نظائرها.

الثالث: هل يجوز للمرأة في مورد لزوم ردّ نصف دية العضو أن تقتصر ببعض الاقتصاص من الرجل حتى لا يجب عليها ردّ الدية

كما إذا قطع الرجل أربعة أصابع من المرأة فأرادت أن يقطع اصبعي الرجل حتى لا يكون

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 151.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 122.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3: 122.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 87

..........

______________________________

عليها ردّ نصف الدية، فقد يقال بالجواز تمسّكا بما دلّ على أنّ الجناية على المرأة فيما تجاوز ثلث الدّية ترجع إلى النصف فيجوز لها القصاص من الجناية عليها بالنصف بقطع اصبعي الرجل و لأنّه إذا جاز لها قطع أربعة أصابع من الرجل الجاني جاز قطع اصبعيه قصاصا من بعض جنايته و عدم الردّ عليه يحسب أخذها الدية من جناية عليها في قطع اصبعيها الثالث و الرابع.

و لكن الأظهر عدم جواز ذلك بحيث يكون لها الحقّ من غير تراض بينهما؛ و ذلك فإنّه لا دليل على التبعيض في جناية واحدة، و مقتضى الأدلة أنّ لها قطع الأربع و ردّ العشرين أو أخذ الدية على أصابعها يعني العشرين، فجواز قطع الاثنين إنّما هو في ضمن جواز قطع الأربع؛ و لأنّ دية مجموع أصابعها الأربع، عشرون، لا أنّ دية كلّ من أصابعها خمس من الإبل ليكون قطع الاثنين من أصابع الرجل و عدم الردّ من القصاص و أخذ الدية على الاصبعين الثالث و الرابع. و مما ذكر يظهر الحال في أنّه ليس لها قطع الثلاث من أصابع الرجل و الردّ عليه بخمسة من الإبل.

ثمّ إنّه قد ذكر في الجواهر «1» أنّ جواز قطع الأربع من أصابع الرجل مع ردّ العشرين عليه فيما إذا كان قطع الأربع بضربة واحدة،

و أمّا لو كان بضربات أربع فلها الاقتصاص من الرجل من دون الردّ عليه كما صرّح بذلك جماعة، و كذا فيما كان بضربتين و قد قطع في كلّ ضربة اصبعين من أصابع المرأة، فإنّ لها في الفرض قطع الأربع من أصابعه من غير ردّ فإنّ في كلّ ضربة قد قطع الرجل اصبعا أو اصبعين من أصابع المرأة فلها القصاص من كلّ من الاصبع أو الاصبعين أو أخذ الدية على كلّ منها و المفروض

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 42، ص 90.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 88

و يقتل العبد بالعبد و بالأمة و الأمة بالأمة و بالعبد (1).

______________________________

تساوي دية الرجل و المرأة في كلّ من الجنايات و لا دليل في الفرض على سقوط جناية بسبق جناية أخرى.

(1) لا خلاف في أنّ العبد يقتل بقتله العبد أو الأمة عمدا و كذلك تقتل الأمة بقتلهما العبد و الأمة، و يدلّ عليه الكتاب المجيد النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1»، وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ «2».

ثمّ إذا كان القاتل و المقتول مملوكين لمالك واحد يجوز للمالك القصاص من عبده أو أمته بلا فرق بين تساوي قيمتها أو اختلافهما و يقتضيه الاطلاق المشار إليه، و في موثّقة اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون السلطان إن أحبّ ذلك؟ قال: هو ماله يفعل به ما شاء إن شاء قتل و إن شاء عفا» «3».

و أمّا إذا كان مالك أحدهما غير مالك الآخر و كانت قيمة القاتل زايدة على قيمة المقتول فقد ذكر العلّامة في القواعد و تبعه غيره أنّه يردّ على مولى الجاني القاتل فاضل قيمته؛ لأنّ القيمة في

المملوك بمنزلة الدية في غيره.

و لكن لا يخفى أنّ الردّ يحتاج إلى قيام دليل عليه و مقتضى الاطلاق المشار إليها جواز الاقتصاص من غير لزوم شي ء. نعم إذا أراد مولى المقتول استرقاق القاتل فليس له منه إلّا مقدار ماليّة مقتوله؛ و هذا لقيام الدليل عليه كما يأتي.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) سورة البقرة: الآية 178.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 44 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 76.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 89

عدم القصاص على الحرّ إذا قتل مملوكا:

و لا يقتل حرّ بعبد و لا أمة (1)، و قيل: إن اعتاد الحر قتل العبيد قتل حسما للجرأة.

______________________________

(1) بلا خلاف ظاهر أو منقول من أصحابنا، و إن حكي عن بعض مخالفينا أنّه لا يقتل إذا قتل عبده، و أمّا إذا قتل عبد غيره فيقتل.

و يدلّ على الحكم المزبور عدّة من الروايات:

منها: صحيحة أبي بصير عن أحدهما عليه السّلام قال: «قلت له: قول اللّه عز و جل كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ قال: لا يقتل حرّ بعبد و لكن ضرب ضربا شديدا و يغرم ثمنه دية العبد» «1».

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يقتل الحرّ بالعبد و إذا قتل الحرّ العبد غرّم ثمنه و ضرب ضربا شديدا» «2»، إلى غير ذلك مما يعمّ قتل غيره. نعم ذكر الشيخ في التهذيبين و جماعة أنّ الحرّ إذا اعتاد قتل العبيد قتل حسما للجرأة على القتل و تمانعا عن الفساد، و كأنّ هذا لا يكون من القصاص.

و يستدلّ على ذلك برواية الفتح الجرجاني عن أبي الحسن عليه السّلام «في رجل قتل مملوكه أو

مملوكته قال: إن كان المملوك له أدّب و حبس إلّا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به» «3»، و رواه في الوسائل عن أبي الفتح الجرجاني و هو سهو.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 71.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 71.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 38 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 69.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 90

..........

______________________________

و في رواية يونس عنهم عليهم السّلام قال: «سئل عن رجل قتل مملوكه قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا و أخذ منه قيمة العبد و يدفع إلى بيت مال المسلمين، و إن كان متعوّدا للقتل قتل به» «1»، و لا يبعد اعتبار الرواية سندا.

و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام قتل حرّا بعبده قتله عمدا» «2»، حيث حملوه على صورة الاعتياد؛ لأنّها حكاية قضية في واقعة.

و لكن لا يبعد الالتزام بأنّه إذا قتل مملوكه و كان معروفا بقتل مماليكه يقتل كما هو ظاهر رواية يونس التي ذكرنا عدم البعد في اعتبارها سندا؛ لأنّ اسماعيل بن مرار الراوي عنه من المعاريف الذين لم يرد فيهم قدح، و يونس بن عبد الرحمن يمكن أن يروي عن الكاظم و الرضا عليهما السّلام و يسند ما سمع عن أحدهما أو عن كليهما إلى جميعهم عليهم السّلام فلا وجه لما حكي عن الشهيد من الخدشة فيها بالإرسال.

و لكن هذا فيما إذا قتل مملوكه أو مملوكته بأن كان متعوّدا على قتل عبيده أو إمائه، و أمّا إذا كان متعوّدا لقتل مملوك الغير فتسرية الحكم

إليه مشكل و لا يبعد في الأخذ فيه بالإطلاق بأنّ الحرّ لا يقتل بالعبد و لكن يضرب ضربا شديدا و يغرم ثمنه و يؤيّد ذلك التقييد في رواية الفتح بن يزيد الجرجاني بقوله «إن كان المملوك له».

و على الجملة لا يقتل الحر بالعبد و التعوّد على قتل العبيد و لو كانوا

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 38 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 69.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9: 72.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 91

و لو قتل المولى عبده كفّر (1) و عزّر و لم يقتل به.

______________________________

للغير و إن كان فسادا و جرأة إلّا أنّ مطلق الفساد لا يوجب جواز القتل ما لم يدخل في عنوان المحارب.

نعم، في موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: «ليس بين الرجال و النساء قصاص إلّا في النفس و لا بين الأحرار و المماليك قصاص إلّا في النفس، و ليس بين الصبيان قصاص في شي ء إلّا في النفس» «1»، و لكنّ مفادها لا يمكن الأخذ به في شي ء من الفقرات الثلاث، ضرورة عدم القصاص بين الصبيان حتى في النفس، فإن قتل الصبي يحسب خطأ محضا تحمّل الدية على عاقلته و بين الرجال و النساء قصاص في النفس و غيرها و ليس بين العبيد و الأحرار قصاص، كما تقدّم.

و أمّا معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام «ليس بين العبيد و الأحرار قصاص فيما دون النفس و ليس بين اليهودي و النصراني و المجوسي قصاص إلّا في النفس» «2»، فيمكن الأخذ بما ورد في صدورها و غاية مفادها ثبوت القصاص بين الحرّ

و العبد بنحو الموجبة الجزئية أو بنحو القضية المهملة فيحمل على صورة تعوّد المولى على قتل عبيده، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) المراد كفارة الجمع كما يشهد عليه صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يقتل عبده متعمّدا أيّ شي ء عليه من الكفّارة؟ قال:

عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و صدقة على ستين مسكينا» «3». و موثقة

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 139.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 139.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6: 68.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 92

..........

______________________________

سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قتل مملوكا له، قال:

يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يتوب إلى اللّه» «1». و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من قتل عبده متعمّدا فعليه أن يعتق رقبة و أن يطعم ستين مسكينا و أن يصوم شهرين» «2».

و بذلك يرفع اليد عن الاطلاق في حسنة عمران عن أبي جعفر عليه السّلام «في الرجل يقتل مملوكا له قال: يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يتوب إلى اللّه عز و جل» «3» بتقييده بإطعام ستين مسكينا بقرينة ما تقدّم.

و ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الرجل يقتل مملوكه متعمدا قال: يعجبني أن يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا ثمّ تكون التوبة بعد ذلك» «4» من التعبير بقوله عليه السّلام «يعجبني» لا ينافي كونه واجبا.

و أمّا أنّه لا يقتل، فيدلّ عليه- مضافا إلى

إطلاق ما تقدّم من أنّه لا يقتل الحرّ بالعبد- معتبرة يونس «5» و معتبرة السكوني «6»؛ حيث ورد في الأولى أنّه إذا كان المولى معروفا بقتل العبيد يقتل، و إلّا يضرب ضربا شديدا على ما تقدّم، و ورد في الثانية على ما رواه في الفقيه أنّ عليا عليه السّلام رفع إليه رجل عذّب عبده حتّى مات فضربه مائة نكالا و حبسه و غرّمه قيمة العبد فتصدّق بها

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 68.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 67.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 67.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 67.

(5) الوسائل: ج 19، الباب 38 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 69.

(6) الوسائل: ج 29، الباب 37، الحديث 35230: 37.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 93

..........

______________________________

عنه، و بما أنّه ورد في هذه المعتبرة الضرب بمائة و حبسه فقد حدّد في بعض الكلمات من أصحابنا الضرب بمائة جلدة ضربا شديدا و حبسه و أخذ قيمة العبد و التصدّق بها أو إرجاع القيمة إلى بيت المال، حيث إنّ إرجاعها إلى بيت المال وارد في صحيحة يونس و التصدّق بها في المعتبرة، و مقتضى الجمع بينهما برفع اليد عن إطلاق كلّ منهما في التعيّن بصراحة الأخرى في جواز ما ورد فيه و تكون النتيجة هو التخيير.

و لكن يمكن أن يقال ما ورد في المعتبرة حكاية فعل فلا تدلّ إلّا على مشروعية الضرب بالمائة و حبس مولى القاتل لا على وجوبهما حتى يرفع اليد بها عن

إطلاق صحيحة يونس و غيرها من ذكر التعزير بالضرب الشديد و عدم ذكر الحبس بخلاف التغريم فإنّه وارد في الصحيحة و المعتبرة فيلتزم أنّه حكم شرعي مترتّب على قتل المولى عبده لا أنّه داخل في التعزير ليكون اختياره بيد الحاكم و نظره كالحبس.

و بتعبير آخر التغريم الوارد فيها نظير التغريم الوارد فيمن قتل العبد، حيث ذكر في بعض تلك الروايات في مقام التأديب و التعزير نظير موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال: يقتل العبد بالحر و لا يقتل الحرّ بالعبد و لكن يغرم ثمنه و يضرب ضربا شديدا حتّى لا يعود» «1».

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قتل الحرّ العبد غرّم قيمته و أدّب. قيل: فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم قال: لا يجاوز بقيمته دية الأحرار» «2»، فإنّ قوله «حتّى لا يعود» تعليل راجع إلى ضربه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 71.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 71.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 94

و قيل يغرم قيمته و يتصدّق بها، و في المستند ضعف (1) و في بعض الروايات ان اعتاد ذلك قتل به، و لو قتل عبدا لغيره عمدا غرم قيمته يوم قتله (2).

______________________________

(1) قد تقدّم عدم ضعف في مستنده و أنّ التصدّق بها تخيير بينه و بين إرجاع القيمة إلى بيت مال المسلمين و أنّ ما في الروايتين من أنّ المولى إذا تعوّد على قتل مملوكه و عبده يقتل، يتعيّن الأخذ به و يتعدّى إلى ما إذا تعوّد بقتل المملوكة لعدم احتمال الاختصاص بالعبد خصوصا بملاحظة

ورود المملوكة في رواية الفتح بن يزيد.

(2) إذا قتل الحرّ عبدا لغيره عمدا ضمن قيمة العبد يوم قتله و عزّر بضرب شديد و كأنه لا خلاف في الحكم.

و يشهد له صحيحة أبي بصير عن أحدهما عليه السّلام قال: «قلت له: قول اللّه عز و جل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ قال: لا يقتل حرّ بعبد و لكن يضرب ضربا شديدا و يغرم ثمنه دية العبد» «1»، و نحوها غيرها.

و إذا قتل الحرّ الأمة عمدا فالحكم أيضا كذلك لا يقتل الحرّ بالأمة و يكون عليه قيمتها يوم قتلها فإنّ الروايات و إن كانت واردة في قتل الحرّ العبد و المملوك إلّا أنّ المتفاهم منها عرفا عدم الفرق بين قتل الحر العبد أو الأمة في أنّه لا قصاص على الحرّ بقتله المملوك بلا فرق بين العبد و الأمة بل الأمر كذلك في قتل الحرّة العبد أو الأمة فلا قصاص على الحرّة بل يكون عليها قيمة العبد و الأمة يوم القتل لمولاهما، حيث إنّ اليوم المزبور يوم اشتغال الذمّة بالدية التي هي قيمة العبد أو الأمة، و يدلّ عليه رواية

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 71.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 95

و لا يتجاوز بها دية الحر و لا بقيمة المملوكة دية الحرة (1) و لو كان ذمّيا لذمي

______________________________

أبي الورد «1» و لضعف سندها صالحة للتأييد.

و الأمر في قتل الحر العبد أو الأمة و في قتل الحرّة العبد و الأمة خطأ أيضا كذلك، يعني يكون دية المقتول قيمته كان عبدا أو أمة، و الفرق بينهما أنّ في صورة القتل عمدا

تكون الدية على القاتل، و في صورة الخطأ على عاقلته، على ما يأتي. نعم يختصّ التعزير بالضرب الشديد بصورة القتل عمدا كما هو ظاهر.

(1) بلا خلاف يعتدّ به.

و يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث ورد فيها «إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته و أدّب، قيل: فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم قال: «لا يتجاوز بقيمة عبد دية الأحرار» «2».

و في صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «دية العبد قيمته، فإن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، و لا يتجاوز به دية الحر» «3».

و على ذلك فإن كان المقتول أمة فديتها قيمتها، و إذا زادت قيمتها على دية الحرة لا تكون ديتها أكثر من دية الحرّة. و دية الحرة نصف دية الحرّ على ما دلّت عليه الروايات، كصحيحة عبد اللّه بن مسكان، حيث ورد فيها «دية المرأة نصف دية الرجل» «4». و صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 7 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 153.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب ديات النفس، الحديث 4: 18.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب ديات النفس، الحديث 2: 152.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 151.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 96

لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه و لا بقيمة الانثى دية الذمية (1).

______________________________

في الرجل يقتل المرأة قال: «إن شاء أوليائها قتلوه و غرموا خمسة آلاف درهم لأولياء المقتول و إن شاءوا أخذوا خمسة آلاف درهم من القاتل» «1»، و غير ذلك مما ورد في دية

الحرّة.

بقي في المقام أمر و هو أنّ ما تقدّم من الروايات الدالّة على أنّ دية العبد قيمته و أنّ قيمته إذا تجاوزت دية الحرّ تكون ديته بمقدار دية الحرّ ناظر إلى ضمان القاتل من جهة القتل و إذا كان الموجب لضمانه القيمة أمرا آخر فالقاتل يضمن تمام قيمته و إن زادت دية الحرّ كما إذا غصب عبد الغير ثمّ قتله و كانت قيمته أكثر من دية الحر فالقاتل يضمن تمام قيمته لأنّ ضمانه تمامها ليس بالقتل بل للغصب، و لو مات العبد المغصوب في يد الغاصب كان على الغاصب تمام قيمته فكيف إذا قتله بعد الغصب فإنّ القتل لا يسقط من ضمانه.

(1) دية الذمّي الحرّ ثمانمائة درهم و الذمّية الحرة ديتها نصفها لما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الذكر و على ذلك لو قتل المسلم العبد الذمّي الذي كان لذمّي يكون دية العبد المزبور قيمته، و إذا تجاوزت قيمته دية الذمّي الحرّ المفروض كون مولاه كذلك يكون على المسلم ثمانمائة درهم كما أنّه إذا قتل المسلم الأمة الذمّية يكون عليه أربعمائة درهم دية الحرة الذمّية، فإنّ دية الأمة الذمّية لا تتجاوز دية الذمّية الحرّة، و مقتضى ما ذكر عدم الفرق بين أن يكون العبد الذمّي لذمّي و الأمة الذمّية للحرّ الذمي أو للحرّة الذمّية أو كان العبد و الأمة الذميين للمولى المسلم أو المسلمة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 4: 151.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 97

..........

______________________________

و لكن ظاهر كلام جملة من الأصحاب و المصرّح به في كلام بعضهم كالعلّامة و غيره أنّ العبد الذمّي إذا كان لمسلم فديته قيمته ما لم يتجاوز دية الحر المسلم

و دية الأمة الذمّية قيمتها ما لم يتجاوز دية المسلمة الحرّة.

و يستدلّ على ذلك بما أرسله في الإيضاح (انّ العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه) و ظاهر كلام الماتن أيضا الالتزام بذلك حيث قيّد كون العبد الذمي المقتول بكون مولاه ذمّيا و الأمة الذمّية المقتولة بكون مولاتها ذمّية فإنّه بناء على ما ذكرنا أنّ دية العبد الذمّي لا يتجاوز عن دية الحر الذمّي سواء كان مولاه ذمّيا أو مسلما و كذلك الأمة الذمية لا تتجاوز ديتها أربعمائة درهم كانت لذمّي أو لمسلم أو لمسلمة، بل ربما احتمل بعضهم أنّ العبد الذمّي لذمّي إذا أسلم عند مولاه و قتل قبل أن يباع على مولاه لا يتجاوز ديته عن دية مولاه الذمّي أخذا بعموم الخبر.

و لكن لا يخفى من عدم وجود الخبر المزبور في كتب أخبارنا و الاستناد إليه في رفع اليد عما ذكرنا من مقتضى الروايات مشكل جدّا.

و ما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) من التمسّك فيما إذا كان العبد الذمّي المقتول لمسلم بالإطلاق في قوله عليه السّلام «دية العبد قيمته» لم يظهر للتمسك بالإطلاق المزبور وجه بعد ورود القيد بأنّ الدية قيمته ما لم يتجاوز ديته دية الحر الظاهر في الحر المسلم إذا كان العبد مسلما و الحرّ الذمّي إذا كان العبد المقتول ذمّيا، و اللّه سبحانه هو العالم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 98

و لو قتل العبد حرّا قتل به (1) و لا يضمن المولى جنايته لكن وليّ الدم بالخيار بين قتله و بين استرقاقه و ليس لمولاه فكّه مع كراهية الوليّ.

و لو جرح حرّا كان للمجروح الاقتصاص منه، فإن طلب الدية فكّه مولاه بأرش الجناية (2) و لو امتنع كان

للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية و إن قصر

______________________________

(1) بلا خلاف يعرف لقوله عليه السّلام في موثقة سماعة: «يقتل العبد بالحر» «1»، و صحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام: «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه» «2»، و ظاهر هذه الصحيحة انّ الاختيار بيد وليّ المقتول و ليس لمولاه إلزام وليّ المقتول بأخذ الدية و نحوها غيرها كما أنّ الوليّ ليس له إلّا الاقتصاص من العبد و استرقاقه و ليس له إلزام مولاه بإعطاء الدية أو إلزامه بردّ التفاوت بين قيمة العبد و دية المقتول بعد الاقتصاص من العبد أو استرقاقه، حيث إنّ مولى العبد لا يغرم أكثر من نفس العبد.

كما يدلّ على ذلك- مضافا إلى ظاهر الصحيحة أي إطلاقها المقامي- صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام حيث ورد فيها «انّ العبد لا يغرم أهله وراء نفسه شيئا» «3».

(2) فللمولى فكّ عبده بأرش جنايته فإن أبى من فكّه بأرش الجناية يكون المجني عليه على التخيير بين أن يسترقّ العبد كلّه إذا أحاطت أرش جنايته تمام قيمته، أو بمقدار نسبة أرش الجناية إلى قيمته فيكون العبد مشتركا بينه و بين مولاه و بين أن يطالب مولاه بالبيع و يستوفي من ثمنه أرش الجناية،

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 71.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 73.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب ديات النفس، الحديث 2: 157.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 99

ارشها كان له أن يسترقّ منه بنسبة الجناية من قيمته، و إن شاء طالب ببيعه و

له من ثمنه ارش الجناية فإن زاد ثمنه فالزيادة للمولى.

______________________________

و إن زادت قيمته عن أرشها فالزيادة للمولى.

و لكن الوارد في حكم جناية العبد على الحرّ صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في عبد جرح حرّا فقال: «إن شاء الحرّ اقتصّ منه و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته و إن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحه و الباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه و يردّ الباقي على المولى» «1».

و ظاهرها أنّ للمجنيّ عليه الاقتصاص من العبد و إذا لم يقتصّ له استرقاق العبد إذا كان أرش جنايته مستوعبا لتمام قيمته، و أمّا إذا لم يستوعب أرشها قيمته فللمولى أن يفكّ عبده بأرش الجناية فإن امتنع يكون العبد مشتركا بين مولاه و المجني عليه بنسبة أرش جنايته إلى قيمته فيباع العبد و يأخذ المجني عليه مقدار حصته و يكون الباقي للمولى. و الفرق بين مدلولها و بين ما ذكره الماتن في أمرين:

أحدهما: انّ مدلول الصحيحة انّ للمجني عليه استرقاق العبد فيما إذا أحاطت جنايتها بقيمته و ليس للمولى إلزام المجني عليه بأخذ أرش الجناية و يدلّ على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب ديات النفس، الحديث 2: 154.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 45 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 77.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 100

و لو قتل العبد عبدا عمدا (1) فالقود لمولاه، فإن قتل جاز و إن

طلب الدية تعلّقت برقبة الجاني، فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه و لا يضمنه مولاه و لكن لو تبرّع فكّه بقيمة الجناية و إن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر

______________________________

و على الجملة ظاهر الصحيحتين أنّ مع إحاطة أرش جناية العبد على الحرّ بقيمته يكون للحر المجني عليه الاقتصاص من العبد أو استرقاقه مع أنّ ظاهر الماتن انّ استرقاقه مترتّب على امتناع مولاه عن أداء أرش جنايته حتى ما إذا كان أرش جنايته محيطا بقيمته.

ثانيهما: انّ مع عدم إحاطة أرش جناية العبد بقيمته يكون المجني عليه مخيرا بين الاقتصاص و طلب أرش الجناية من مولاه، فإن امتنع المولى عن فك العبد بأداء أرش الجناية فهو- يعني العبد- يكون مشتركا بين المولى و المجني عليه فيباع العبد كسائر الأموال المشتركة، فيأخذ كلّ منهما من ثمنه حصّته. فالمتعيّن الأخذ بمدلول الصحيحة لعدم قيام وجه معتبر على التصرّف في مدول الصحيحتين و حمل البيع في صحيحة الفضيل على تخيير المجني عليه مع أنّ ظاهرها كون البيع من مقتضى اشتراك العبد بين المجني عليه و مولاه.

(1) إذا قتل العبد عبدا كان لمولى العبد المقتول القصاص من العبد القاتل، حيث إنّ ولي الدم للعبد المقتول مولاه، و يشهد لقتل العبد بالعبد و الأمة بالأمة بل الأمة بالعبد و العبد بالأمة قوله سبحانه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1» وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ «2» و الحكم في الجملة مما لا إشكال فيه و لا تأمّل.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) سورة البقرة: الآية 178.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 101

قيمة المقتول، و إن كانت قيمته أقلّ فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه و لا يضمن مولى القاتل شيئا إذ المولى لا

يعقل عبدا.

______________________________

إنّما الكلام في جهات:

الأولى: ما هو ظاهر الماتن (قدس سره) من أنّ لمولى العبد المقتول الاختيار في أن يقتصّ من العبد القاتل و أن تطلب الدية، و بما أنّ المولى لا يغرم وراء نفس العبد شيئا و أنّ جناية العبد تكون الدية في رقبته، يكون مقتضى ذلك أنّ له استرقاقه.

أضف إلى ذلك ما تقدّم في قتل العبد حرّا من أنّ وليّ الحر المقتول مخيّر بين قتل العبد و بين استرقاقه كما يدلّ عليه الروايات كصحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه» «1»، و إذا جاز الاسترقاق و ترك قتل العبد إذا قتل الحرّ يكون ترك قتله و جواز استرقاقه أولى فيما قتل العبد عبدا كما قيل.

و لكن لا يخفى ما في الوجهين فإنّ الثابت للوليّ في القتل العمدي هو حقّ القصاص من القاتل و أمّا ثبوت الدية فيحتاج إلى التراضي بينه و بين القاتل، و قد خرجنا عن ذلك فيما إذا قتل العبد حرّا لدلالة صحيحة زرارة و غيرها أنّ وليّ المقتول مخيّر بين الاقتصاص من العبد القاتل أو استرقاقه و رفع اليد عنه فيما إذا قتل العبد عبدا بأن يلتزم أنّ لمولى العبد المقتول استرقاق العبد القاتل و لو بلا رضا مولاه فيحتاج إلى قيام دليل عليه و الأولوية التي ذكرها في الجواهر «2» لم يظهر لها وجه صحيح.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 73.

(2) جواهر الكلام: 42/ 103.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 102

..........

______________________________

و الجهة الثانية: أنّ العبد المقتول إذا كانت قيمته مختلفا مع قيمة العبد القاتل بأن

كان قيمة العبد القاتل أكثر و اقتصّ منه مولى العبد المقتول فهل عليه ردّ الزائد على مولى العبد القاتل أو ليس عليه الردّ؟ المنسوب إلى العلّامة في القواعد و المختار في المسالك هو لزوم الردّ؛ لأنّ في العبد يلاحظ فيه المالية فلا يستوفى الزائد بالناقص، نعم إذا كان الأمر بالعكس بأن كان قيمة العبد المقتول أكثر فمع الاقتصاص من العبد القاتل لا يكون على مولاه شي ء حيث إنّ المولى لا يغرم وراء نفس العبد شيئا.

و لكن لا يخفى أنّ ظاهر الآية المباركة مقابلة النفس بالنفس في الحرّ و في العبد، حيث ذكر سبحانه النَّفْسَ بِالنَّفْسِ و الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ و الخروج عن ذلك يحتاج إلى قيام دليل عليه و ليس في المقام ما يحسب دليلا على الخروج، فيجوز لمولى المقتول قتل العبد القاتل من غير ردّ شي ء إلى مولاه إذا زادت قيمته عن قيمة العبد المقتول.

و الجهة الثالثة: فيما إذا قتل العبد الأمة أو قتلت الأمة عبدا فهل يؤخذ بمقتضى قوله سبحانه النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1» و يحكم بأنّه إذا أراد مولى الأمة المقتولة القصاص من العبد القاتل لا يرد على مولاه نصف قيمته، كما أنّه إذا أراد مولى العبد الذي قتله الأمة الاقتصاص منها لا يأخذ من مولاها نصف قيمة عبده لما تقدّم من أنّ المولى لا يغرم غير نفس العبد شيئا؟

الصحيح ذلك، لما تقدّم من ظهور الآية في مقابلة النفس بالنفس و الخروج عن ذلك في الحرّ و الحرّة إذا قتلت المرأة رجلا، كان لقيام الدليل

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 103

..........

______________________________

عليه و أنّه إذا أراد أولياء الحرّة قتل الرجل الحرّ فعليهم ردّ نصف ديته.

ثمّ إنّه إذا بنى

على أنّ لمولى المقتول استرقاق العبد و لو بلا رضا مولاه لأنّ الدية تتعلق برقبة العبد و يقتضي التعلّق بها جواز استرقاقه يكون استرقاق العبد بتمامه في صورتين:

إحداهما: ما إذا كانت قيمة العبد المقتول أو الأمة المقتولة مساوية مع قيمة العبد القاتل.

ثانيتهما: ما إذا كانت قيمة المقتول أكثر من قيمة العبد القاتل فإنّه لا يكون لمولى المقتول إلّا قتل العبد القاتل أو استرقاقه و لا يضمن مولى القاتل شيئا، حيث إنّ أهل العبد لا يغرم وراء نفسه شيئا و أنّ المولى لا يعقل عبده، و أمّا إذا انعكس الأمر بأن كان قيمة القاتل أكثر من قيمة المقتول فقد تقدّم في الجهة الثانية أنّ لمولى المقتول قتله و لا يرد على مولى القاتل مع قتل القاتل شيئا.

و أمّا إذا أراد استرقاق القاتل فلا يسترقّ منه بأكثر من قيمة مقتوله؛ لأنّ دية مقتوله قيمته فأخذ تلك القيمة و تعلّقها برقبة القاتل الاسترقاق بمقدارها و قد تقدّم أنّ في جرح العبد الحرّ إذا كانت قيمة العبد أكثر من دية الجرح فيسترق المجني عليه مع امتناع مولاه عن دفع أرش جناية عبده بمقدار أرش الجناية.

بقي في المقام أمر و هو أنّ ظاهر كلام الماتن أنّ مولى العبد المقتول إذا طلب الدية لا تكون الدية مضمونة على مولى العبد القاتل حيث أنّ المولى لا يعقل العبد إلّا أنّه إذا أراد فكّ عبده من جنايته فكّه بأرش جناية عبده

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 104

و لو كان القتل خطأ كان مولى القاتل بالخيار بين فكّه بقيمته (1) و لا تخيير لمولى المجني عليه و بين دفعه، و له منه ما يفضل عن قيمة المقتول و ليس عليه ما

يعوز.

______________________________

و أرش جناية عبده في المقام قيمة العبد المقتول.

و لكن لا يخفى أنّه لا دليل على جواز فكّه جناية عبده بأرش جناية عبده أو بقيمة عبده القاتل أو بأقل الأمرين من غير رضا مولى العبد المقتول.

نعم إذا تضمّن طلبه الدية الرضا بالفكّ كان لمولى العبد القاتل الفك المزبور.

(1) إذا قتل العبد عبدا أو أمة خطأ فقد تقدّم ما يدلّ على أنّ جناية العبد تتعلق برقبته و لا يعقل المولى العبد و لكن مولى العبد القاتل مخيّر بين إعطاء قيمة العبد المقتول أو الأمة المقتولة و بين دفع العبد إلى مولى المقتول فيسترقّه بتمامه إذا كانت قيمته مساوية لقيمة المقتول أو المقتولة أو أقل.

و أمّا إذا كانت قيمة العبد القاتل أكثر، فلمولاه الزائد على قيمة المقتول أو المقتولة.

و الوجه في ذلك أنّ مقتضى كون جناية العبد على رقبته و ليس على مولاه ضمان جنايته انّه إذا كانت قيمة المقتول أكثر فلا يتحمل مولى القاتل شيئا و لا يكون عليه ما يعوز بخلاف ما كانت قيمته أكثر فإنّه ليس لمولى المقتول غير ديته، و بما أنّ تلك الدية برقبة العبد فيسترق منه مقدار دية المقتول.

و أمّا أنّ لمولى القاتل دفع دية العبد المقتول أو المقتولة و أنّه مخيّر بين دفعها و دفع عبده فيدلّ عليه صحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في مدبّر قتل رجلا خطأ قال: إن شاء مولاه أن يؤدّي إليهم الدية و إلّا دفعه

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 105

..........

______________________________

إليهم يخدمهم» «1»، فإنّه لا فرق كما سيأتي بين القنّ و المدبّر في هذا الحكم، و أنّ المدبّر ما دام لم يمت مولاه الذي دبّره بحكم القنّ و

بهما يرفع اليد عن اطلاق صحيحة أبي بصير الدالّة على تعيّن دفع العبد القاتل إلى وليّ المقتول، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مدبّر قتل رجلا عمدا فقال: تقيل به قال: قلت: فإن قتله خطأ؟ قال فقال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم رقّا فإن شاءوا باعوا و إن شاءوا استرقّوا و ليس لهم أن يقتلوه قال ثم قال:

يا أبا محمد إنّ المدبّر مملوك» «2». و نحوها صحيحة محمد بن مسلم قال:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مكاتب قتل رجلا خطأ قال فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه ان عجز فهو ردّ في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا استرقّوا و إن شاءوا باعوا» الحديث، هذا على رواية الصدوق. و في رواية الكليني كما في الوسائل: «فإن شاءوا قتلوا و إن شاءوا باعوا» «3» فهو سهو لعدم ثبوت القصاص في القتل الخطئي و لو كان المراد بالخطإ مقابل الصواب لا مقابل العمد خرج الخبر عن مورد الكلام و هو قتل العبد خطأ.

فإنّهما و إن كانتا ظاهرتين في قتل المملوك حرّا خطأ إلّا أنّه لا فرق بين قتله الحرّ أو العبد في كون الدية في رقبة العبد، و قد دلّت صحيحة محمد بن حمران على أنّ للمولى فكّ العبد الجاني خطأ بإعطاء دية المقتول كان المقتول عبدا أو حرا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 3: 155.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 74.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 78.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 106

و لو اختلف الجاني و

مولى العبد في قيمته يوم قتل، فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم يكن للمولى بيّنة (1).

و المدبّر كالقنّ (2) و لو قتل عمدا قتل و إن شاء الولي استرقاقه كان له، و إن

______________________________

(1) و الوجه في ذلك انّ مولى العبد المقتول يدّعي الزيادة على ما يعترف به مولى العبد القاتل أو الجاني، فإن أقام بيّنة على أنّ قيمة عبده عند القتل كانت تلك الزيادة فهو، و إلّا يحلف الجاني أو مولى المقتول على نفي تلك الزيادة.

نعم لو ردّ الجاني أو مولى العبد القاتل الحلف على مولى المقتول فحلف ثبتت تلك الزيادة على ما هو ميزان القضاء.

و في رواية أبي الورد قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل عبدا خطأ، قال: عليه قيمته و لا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم قلت و من يقوّمه و هو ميّت؟ قال: إن كان لمولاه شهود أنّ قيمته يوم قتل كان كذا و كذا أخذ بها قاتله و إن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد باللّه ما له قيمة أكثر مما قوّمته فإن أبى أن يحلف و ردّ اليمين على الولي فإن حلف المولى أعطى ما حلف عليه» الحديث «1».

(2) لما تقدّم في صحيحة أبي بصير من أنّ المدبّر مملوك فيجري عليه ما جرى على قتل العبد عمدا أو خطأ سواء كان المقتول حرّا أو عبدا، فإن كان قتله عمدا كان وليّ المقتول مخيّرا بين قتله قصاصا أو استرقاقه، و إن كان قتله خطأ يكون مولى القاتل مخيّرا بين فكّه بالدية و تسليمه إلى مولى المقتول أو وليّه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 7 من أبواب ديات النفس، الحديث 1:

153.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 107

قتل خطأ فإن فكّه مولاه بأرش الجناية و إلّا سلّمه للرقّ و إذا مات الذي دبّره هل ينعتق قيل لا؛ لأنّه كالوصية؛ و قد خرج عن ملكه بالجناية فيبطل التدبير، و قيل

______________________________

ثمّ يقع الكلام في أنّه إذا صار رقّا لمولى المقتول أو لأوليائه فهل يكون في ملكهم أيضا مدبّرا نظير ما ذكرنا في بيع الراهن العين المرهونة و لازم ذلك أن ينعتق العبد القاتل بمجرّد موت مولاه الذي دبّره أو أنّ التدبير كالوصية بالعبد و إذا خرج العبد الموصى به للغير عن ملك الموصى بالبيع أو بالصلح و نحوها تبطل الوصية.

و مقتضى صحيحة محمد بن حمران انتقال العبد إلى ولي المقتول مدبّرا حيث روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في مدبّر قتل رجلا خطأ قال: «إن شاء مولاه أن يؤدّي إليهم الدية و إلّا دفعه إليهم يخدمهم فإذا مات مولاه يعني الذي أعتقه- رجع حرّا» «1». و نحوها صحيحة جميل قال: «قلت:

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مدبّر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبّره ثمّ يرجع حرّا لا سبيل عليه» «2». و ظاهر هذه أنّه لا يطالب بعد حرّيته بشي ء و لا يستسعى، و قد نقل ذلك عن ظاهر المفيد (قدس سره).

و لكن المنقول عن الشيخ في نهايته و كتابي الأخبار أنّه يستسعى في دية المقتول لأنّ ديته عليه و ذكر الماتن (قدس سره) أنّ الاستسعاء في دية المقتول وهم؛ لأنّ رقبة العبد صارت دية المقتول و لو كان عليه بعد انعتاقه عوضا يكون العوض قيمة رقبته كما يدلّ عليه خبر هشام

بن أحمر، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن مدبّر قتل رجلا خطأ قال: أيّ شي ء رويتم في هذا؟ قال:

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 3: 155.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 155.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 108

لا يبطل بل ينعتق و هو المروي، و مع القول بعتقه هل يسعى في فكّ رقبته؟ فيه خلاف، الأشهر أنّه يسعى، و ربما قال بعض الأصحاب يسعى في دية المقتول و لعلّه وهم.

______________________________

قلت: روينا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول فإذا مات الذي دبّره اعتق، قال: سبحان اللّه فيبطل دم امرئ مسلم! قال: قلت: هكذا روينا قال: غلطتم على أبي يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول فإذا مات الذي دبّره استسعى في قيمته» «1».

و لو كانت هذه الرواية تامّة سندا لكان المتعيّن الالتزام بمدلولها لحكومتها بنظرها إلى المروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لكن ضعفها سندا يمنع عن الأخذ بها و طرح المروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ الشهرة على تقديرها في العمل بمضمونها لوجه آخر و هو ما يقال من أنّ لازم انعتاقه بعد موت المولى الذي دبّره بلا استسعاء ذهاب دم المقتول هدرا حيث إنّه يمكن أن يكون قتل المدبّر خطأ في زمان ثم ان يموت مولاه في زمان ثان قبل أن يسترّقه أولياء المقتول أو مولى المقتول، و هذا و إن كان غير صحيح لأنّ المفروض في صحيحتي محمد بن حمران و جميل استرقاق المدبّر إلى حين موت المولى الذي دبّره و

هذا الاسترقاق الدّية التي تعلّق برقبة العبد، و إذا انعتق بموت مولاه لا يكون عليه شي ء، نظير ما إذا مات بعد استرقاقه، بخلاف ما إذا مات مولاه قبل الاسترقاق، فإنّ دية المقتول على العبد المعتق حيث لم يؤدّ الدية فيكون عليه الاستسعاء في دية المقتول.

و على الجملة، المتعيّن الأخذ بصحيحتي محمد بن حمران و جميل في

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 5: 156.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 109

و المكاتب إن لم يؤدّ من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقنّ (1)،

______________________________

مورد دلالتهما، و في غيره يؤخذ بما ذكرنا من استسعائه بعد انعتاقه في دية المقتول.

(1) بلا خلاف ظاهر أو منقول، و يشهد لذلك ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مكاتب قتل رجلا خطأ قال: فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو ردّ في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا و إن شاءوا باعوا و إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه و كان قد أدّى من مكاتبته شيئا» الحديث «1»، فإنّ ظاهرها أنّ المكاتب المشروط كما هو مقتضى الصدر و المكاتب المطلق الذي لم يؤد شيئا من مال الكتابة كما هو مقتضى التقييد (في ثبوت الحكم الآخر بقوله عليه السّلام و قد أدّى من مكاتبته شيئا) بحكم المملوك القنّ، فيجري عليهما حكم القنّ الذي قتل حرّا عمدا من تخيير أولياء المقتول بين الاقتصاص و بين استرقاقه إلّا أن توافق أولياء المقتول مع مولاه على دفع قيمته على ما تقدّم في فكّه.

و يدلّ على ذلك أيضا ما ورد في

صحيحة أبي ولّاد الحنّاط «انّ المكاتب إن لم يكن قد أدّى من مكاتبته شيئا فإنّه يقاصّ العبد به» «2»، فإن قتل العبد القاتل بقتله عبدا من حكم القنّ كما لا يخفى، و على ذلك فلو قتل المشروط أو المكاتب المزبور عمدا فيجري عليه الاقتصاص و الاسترقاق أو فكّ مولاه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب ديات النفس، الحديث 2: 78.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 78.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 110

و إن كان مطلقا (1) و قد أدّى من مال الكتابة شيئا تحرّر منه بحسابه، فإذا قتل حرّا عمدا قتل به و إن قتل مملوكا فلا قود و تعلّقت الجناية بما فيه من الرقية مبعّضة فيسعى في نصيب الحرّية و يسترقّ الباقي منه أو يباع في نصيب الرق.

______________________________

(1) إذا كان المكاتب مطلقا و قد أدّى من مال الكتابة شيئا تحرّر بمقدار الأداء حينئذ إن قتل حرّا فلأولياء المقتول الاقتصاص منه و لهم أن يسترقّوه في مقدار ما بقي من رقّيته و ليس لهم مطالبة العبد أو مولاه بالدية في نصيب حرّيته لأنّ الثابت لوليّ المقتول القصاص أو الاسترقاق، و حيث إنّه لا يمكن استرقاق المكاتب في مقدار حرّيته يتعيّن استرقاقه في نصيب الرقّية.

نعم، إذا رضي المكاتب بدفع الدية في نصيب حريته فيسعى في نصيب الحرية كما هو الحال فيما إذا قتل المكاتب الذي أدّى بعض مال الكتابة عبدا عمدا فإنّه لا يتعلّق بالمكاتب الذي تحرّر منه البعض القصاص بقتله العبد فإنّ تحرّر بعض العبد يوجب كونه كالحرّ في عدم قتله بالعبد، و يكون لمولى العبد المقتول استرقاق بعض المكاتب أي نصيب رقّيته، و معه تبطل

عقد الكتابة بالإضافة إلى نصيب رقّيته و يسعى العبد فيما تعلّق بذمّته من قيمة العبد المقتول، مثلا إذا قتل المكاتب الذي تحرّر منه ثلثه عبدا عمدا يساوي قيمته تسعمائة دينار يتعلّق بذمّة المكاتب ثلثه أي ثلاثمائة دينار، و إذا استرقّ مولى العبد المقتول ثلثي المكاتب لكون ثلثيه يساوي ستمائة دينار أو أقلّ تبطل عقد الكتابة في ثلثيه و يسعى المكاتب في ثلاثمائة دينار التي تعلّق بذمّته و إذا كان ثلثا المكاتب أكثر قيمة من ستمائة دينار و قلنا بأنّ مولى المكاتب مخيّر بين فكّه بإعطاء ستمائة دينار إلى مولى العبد المقتول و بين دفعه للاسترقاق على ما تقدّم.

فإن فكّه يبقى عقد الكتابة بحاله، و إن دفعه للاسترقاق ففي بقاء؟؟

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 111

..........

______________________________

الكتابة بحاله بالإضافة إلى الجزء الزائد أو لزوم دفع مولى العبد المقتول الزائد من قيمة المكاتب إلى مولاه وجهان لا يبعد الأول؛ لأنّه ليس لولي العبد المقتول الاسترقاق إلّا بمقدار قيمة عبده التي تعلّقت برقبة المكاتب في حصّة رقبته. ثمّ انّ المكاتب الذي تحرّر بعضه و قتل عبدا متعمدا إذا عجز عن السعي فمع عدم المال له يكون الدية على مولاه المكاتب.

و يدلّ على جميع ما ذكرنا صحيحة أبي ولّاد. فإنّه روى في الفقيه بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي ولّاد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مكاتب جنى على رجل حرّ جناية، فقال: إن كان أدّى من مكاتبته شيئا غرم في جنايته بقدر ما أدّى من مكاتبته للحرّ و إن عجز عن حقّ الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه قلت: فإن كانت الجناية لعبد؟ قال: على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه

المكاتب و لا يقاصّ بين المكاتب و بين العبد إذا كان المكاتب قد أدّى من مكاتبته شيئا فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئا فإنّه يقاصّ للعبد منه أو يغرم المولى كلّ ما جنى المكاتب لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئا» «1». و الصحيحة مرويّة في الفقيه كما ذكرنا.

و أما على رواية الكليني و الشيخ (قدس سرهما) ففي صدرها عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه و لكن الصحيح ما في الفقيه فإنّ المكاتب المشروط بحكم القنّ و لا يناسب ما ذكر من بعده، و قوله عليه السّلام: «على مثل ذلك» مقتضاه أنّ مع عجز المكاتب عمّا يتعلّق بذمّته يكون على مولاه إذا قتل عبدا متعمدا كما هو ظاهر صدرها في الجناية على الحرّ.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: 4/ 129.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 112

و لو قتل خطأ فعلى الإمام بقدر ما فيه من الحرية و المولى بالخيار بين فكّه بنصيب الرقّية من الجناية و بين تسليم حصّة الرق لتقاصّ بالجناية (1).

______________________________

(1) ظاهر كلامه (قدس سره) أنّه إذا قتل المكاتب الذي تحرّر منه البعض حرّا أو عبدا خطأ يتعلّق من دية الحر أو قيمة العبد في نصيب حرّيته على عهدة الإمام و مولاه المكاتب- بالكسر-، مخيّرا بين فكّه في نصيب الرقّية من الجناية بدفع قيمة نصيب رقّيته أو دفعه للاسترقاق.

و يستدلّ على ذلك بمعتبرة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «في مكاتب قتل رجلا خطأ قال: عليه ديته بقدر ما اعتق و على مولاه ما بقي من قيمة المملوك فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له إنّما ذلك على إمام المسلمين» «1».

و صحيحة محمد بن مسلم

قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مكاتب قتل رجلا خطأ قال: فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو ردّ في الرق فهو بمنزلة المملوك، فإن شاءوا قتلوا و إن شاءوا باعوا و إن كان مولاه حيث كاتبه لم يشترط عليه و كان قد أدّى من مكاتبته شيئا فإنّ عليّا عليه السّلام كان يقول يعتق من المكاتب بقدر ما أدّى من مكاتبته فإنّ على الإمام أن يؤدّي إلى أولياء المقتول من الدّية بقدر ما أعتق من المكاتب و لا يبطل دم امرئ مسلم و أرى أن يكون ما بقي على المكاتب مما لم يؤدّه رقّا لأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما أدّى و ليس لهم أن يبيعوه» «2».

و لكن تقييد ما يتعلّق بذمّة المكاتب على الإمام بصورة عجزه في المعتبرة المتقدمة يوجب تقييدا لاطلاق في صحيحة محمد بن مسلم و يكون ما عليه على الإمام في صورة عجزه من الأداء كما أنّ ظاهر هذه الصحيحة

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 157.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 78.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 113

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام إذا أدّى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحرّ (1) و قد رجّحها في الاستبصار و رفضها في غيره.

______________________________

بقاء عقد الكتابة و عدم صيرورته رقّا إلّا بمقدار استيفاء الدية الباقية عليه.

و قيل إنّ المراد بالنهي عن بيعه هو النهي عن بيع جميع المكاتب.

و لكن ذلك خلاف ظاهر تقييد استخدامه مدّة حياته بالمقدار الذي بقي عليه من مقدار الدّية.

و الإشكال فيها بأنّ

ظاهر صدرها فرض الجناية و وقوع القتل عمدا و في القتل عمدا لا تكون الدية حتى تكون في مقدار حرّية على الإمام.

يمكن دفعه بأنّ المراد من صدرها أيضا القتل خطأ و ما فيه «فإن شاءوا قتلوا» نسخة فإنّ الصدوق (قدس سره) رواها هكذا «و إن شاءوا باعوا و إن شاءوا استرقّوا».

و المتحصّل ممّا ذكرنا أنّ ما في اطلاق عبارة الماتن من كون دية الحر المقتول خطأ أو قيمة العبد المقتول خطأ في مقدار حريّة المكاتب على بيت المال يؤدّيه الإمام لا يمكن المساعدة عليه بل كون مقدارهما على الإمام إنّما هو فيما لم يكن للمكاتب مال و لم يتمكّن من تحصيله، و ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سليمان من أنّ مولى المكاتب ما بقي من قيمة المكاتب المراد منه جواز فكّ المولى على ما تقدّم.

(1) روى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر سنّه ما عليه؟ قال: إن كان أدّى نصف مكاتبته فديته دية حرّ، و إن كان دون النصف فبقدر ما اعتق، و كذا إذا فقأ عين حرّ. و سألته عن حرّ فقأ عين مكاتب أو كسر سنّه قال: «إذا أدّى نصف مكاتبته تفقأ عين الحرّ أو ديته إن كان خطأ هو بمنزلة الحرّ و إن لم يكن أدّى

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 114

و العبد إذا قتل مولاه جاز للولي قتله (1) و كذا لو كان للحرّ عبدان فقتل أحدهما الآخر كان مخيرا بين قتل القاتل و العفو.

______________________________

النصف قوّم فأدّى بقدر ما اعتق منه و سألته عن المكاتب الذي أدّى نصف ما عليه قال: هو بمنزلة

الحر في الحدود و غير ذلك من قتل أو غيره. و سألته عن مكاتب فقأ عين مملوك و قد أدّى نصف مكاتبته قال: يقوّم المملوك و يؤدّي المكاتب إلى مولى المملوك نصف ثمنه» «1». و ظاهرها خلاف ما تقدّم من أنّ المكاتب في مقدار حرّيته يكون الدية عليه و في مقدار رقّيته تتعلق الدية برقبته و للمولى فكّه بلا فرق بين أدائه من مال الكتابة نصف أو أقلّ منه.

و لو كانت الرواية معتبرة لأمكن رفع اليد بها عن إطلاق ما تقدّم، و لكن في سندها محمد بن أحمد العلوي و لم يثبت له توثيق فإنّ الشيخ (قدس سره) رواها بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي الخراساني عن علي بن جعفر.

(1) إذا قتل العبد مولاه عمدا يكون لولي المولى قتله، و كذا إذا كان له عبدان قتل أحدهما الآخر عمدا فإنّه يكون للمولى قتل الآخر قصاصا أو العفو عنه، و أمّا الاسترقاق فلا مورد له لأنّ القاتل في الأول ملك لأولياء المولى و في الثاني ملك للمولى و المملوك لا يسترقّ مالكه.

و في موثقة إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون السلطان إن أحبّ ذلك؟

قال: هو ماله يفعل به ما شاء إن شاء قتل و إن شاء عفا» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب ديات النفس، الحديث 3: 157.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 44 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 76.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 115

[مسائل ستّ]
اشارة

مسائل ستّ

[الأولى: لو قتل حرّ حرّين]

الأولى: لو قتل حرّ حرّين فليس لأوليائهما إلّا قتله و ليس لهما المطالبة بالدية (1).

______________________________

(1) المراد أنّه ليس لأحدهما أو كلاهما المطالبة بالدية من مال القاتل لما تقدّم من أنّ الثابت لوليّ الدم في القتل عمدا هو القصاص دون مطالبة الدية فإن قتلاه قصاصا ليس لهما المطالبة بنصف الدية لمقتولهما؛ لأنّه لا يجني الجاني أكثر من نفسه.

و أمّا لو اقتصّ أحدهما من القاتل ابتداء فهل لأولياء الآخر طلب الدية من ماله حيث فات مورد القصاص فينتقل الأمر إلى مطالبة الدية أو أنّه ليس لهم المطالبة بها؟

المنسوب إلى المشهور أنّه ليس لهم المطالبة؛ لأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه، و عن جماعة أنّ لهم المطالبة كما إذا قتل شخص الآخر عمدا فمات القاتل قبل القصاص منه، و يستفاد ذلك من موثقة أبي بصير، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه قال: «إن كان له مال اخذت الدية من ماله و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، و إن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم» «1»، فإن مقتضى التعليل عدم الخصوصية لهرب القاتل بل كلّما لم يكن القصاص منه لموته و لو بالقصاص منه من أولياء أحد المقتولين ينتقل الأمر إلى الدية من ماله و إن لم يكن له مال فإلى عاقلته و يأتي إن شاء اللّه تعالى أنّ الأظهر ما اختاره جماعة من الأصحاب خلافا للمشهور.

و ما يقال من أنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه يراد أنّه مع القصاص

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1: 302.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 116

و لو قطع يمين رجل و مثلها من الآخر قطعت يمينه بالأول و يساره بالثاني (1)

______________________________

من النفس في جنايته واحدة لما سيتّضح إن شاء اللّه تعالى و عدم استحقاق الوليين مع القصاص منه بنصف الدية؛ لأنّه مقتضى قوله سبحانه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ و المطالبة بردّ الزائد يحتاج إلى قيام الدليل عليه كما تقدّم.

(1) ظاهر كلام الماتن (قدس سره) وفاقا للمشهور عدم جواز قطع الثاني بيمين القاطع قصاصا بل اليمنى حقّ للأول. نعم إذا عفى الأول أو صالحه على الدية يجوز للثاني قطع يمناه.

و لعلّ المستند في ذلك رواية حبيب السجستاني قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين قال: فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلا و تقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيرا لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأول، قال: فقلت: إنّ عليّا عليه السّلام إنّما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى فقال: إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق اللّه فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في قصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد و الرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد» الحديث «1».

و لكنّ الرواية بحسب سندها ضعيفة، فإنّ حبيب السجستاني لم يثبت له توثيق و مقتضى ما تقدّم في قتل الحرّ حرّين إنّ أيّا من المجني عليهما سبق إلى القصاص فله يده اليمنى و للآخر القصاص من يده اليسرى؛ لأنّ المماثل للجناية مع وجود اليد اليمنى للجاني يده اليمنى، و إذا فقدت من الأصل أو بالقصاص و نحوه يكون المماثل يده اليسرى.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2: 131.

تنقيح مباني الأحكام

- كتاب القصاص، ص: 117

فلو قطع يد ثالث قيل سقط القصاص إلى الدية (1) و قيل قطعت رجله بالثالث و كذا لو قطع رابعا.

______________________________

كما يستفاد ذلك من صحيحة محمد بن قيس الواردة في القصاص من الأعور قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أعور فقأ عين صحيح فقال: تفقأ عينه، قلت: يبقى أعمى، قال: الحقّ أعماه» «1»، فإنّ ظاهرها أنّ الأعور يقتصّ منه بالعين الصحيحة و لو كانت الصحيحة خلاف العين المفقوءة من حيث الطرف.

نعم لو تشاحّا في الاقتصاص فلا يبعد رعاية الجناية السابقة لسبق تعلّق حقّه كما لا يبعد أن تكون رواية حبيب ناظرة إلى ذلك و إلّا فلو كان حقّ الثاني متعلّقا بيده اليسرى لم يكن له قطع اليمنى و لو مع عدم قصاص الأوّل.

و لو قطع اليمنى من شخصين دفعة و تشاحّا في الاقتصاص من يمناه فلا يبعد الرجوع إلى القرعة.

(1) المستند في ذلك رواية حبيب السجستاني المتقدّمة، حيث ورد فيها «فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في قصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد و الرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد» حيث إنّ مقتضاها قطع الرجل ممن لا يد له في اقتصاص من جناية اليد.

و حيث إنّ الرواية في سندها ضعف و يعتبر في القصاص المماثلة و لا يعدّ قطع الرجل مماثلا للجناية بقطع اليد فلفوات مورد القصاص ينتقل الأمر إلى الدية و لكن بناء على العمل بالرواية انتفاء مورد القصاص يكون بعد قطع اليدين و الرجلين من الجاني.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 134.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 118

..........

______________________________

و قد ادّعى عدم ضعفها سندا فإنّها قد وصفت في كلمات بعض الأصحاب ب

«الصحيحة» و إن حمل الوصف بعضهم على كون الرواية صحيحة إلى حبيب التي يعبّر عنها بالصحيح عن فلان، و قد ذكر في الجواهر «1» انّ حمل توصيفهم على اطلاعهم بحال حبيب أولى من حمله على الصحيح إليه، مع أنّه قد ورد في حقّ حبيب مدح فتكون الرواية حسنة و المدح ما ذكر الكشّي عن العياشي من أنّه كان شاديا [يعني من الخوارج] ثمّ دخل في هذا المذهب و كان من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام و كان منقطعا إليهما» «2» أضف إلى ذلك عمل المشهور بالرواية، و لو كان فيها ضعف لكان عملهم جابرا لها. و لكن لا يتمّ شي ء من ذلك، فإنّ التوصيف في كلام بعض الأصحاب لا يفيد شيئا مع عدم ثبوت التوثيق بوجه معتبر و لا يستفاد من كلام العيّاشي إلّا كونه صار إماميا و منقطعا إلى الإمامين عليهما السّلام و عمل المشهور غير محرز كما يظهر ذلك عن تعبير الماتن (قدس سره).

نعم، ذكر الشهيد الثاني (قدس سره) أنّه قد عمل بها الأكثر، و لعلّ بعضهم استظهر ذلك من موثقة اسحاق بن عمار الوارد فيها: قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: تقطع يد الرجل و رجلاه في القصاص» «3»، و لكن ظاهر هذه أنّ قطع اليد و الرجل في القصاص غير قطعهما في حدّ السرقة حيث لا تقطع كلا اليدين و الرجلين في الحدّ، و لكن يقطع كلّ من اليدين و الرجلين في القصاص.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 121.

(2) راجع المعجم: 5/ 205، رقم 2581.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 130.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 119

و أمّا لو

قطع و لا يد له و لا رجل كان عليه الدية لفوات محلّ القصاص (1).

و لو قتل العبد حرّين (2) على التعاقب كان لأولياء الأخير، و في رواية أخرى: يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول، و هذه أشبه، و يكفي في الاختصاص أن يختار الولي استرقاقه و لو لم يحكم الحاكم، و مع اختيار وليّ الأول لو قتل بعد ذلك كان للثاني.

______________________________

(1) فإنّه بناء على العمل برواية حبيب المتقدّمة فالأمر ظاهر فإنّه قد ورد فيها إنّما تجب الدّية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و رجلان فثمّ ستجب عليه الدية؛ لأنّه ليس له جارحة يقاص منها و كذا بناء على ما ذكرنا من أنّه مع عدم اليدين للقاطع ينتقل الأمر إلى الدية في قطع اليمنى أو اليسرى من ثالث؛ لأنّ كلّ مورد لم يمكن القصاص من الجاني ينتقل الأمر إلى الدية، كما يظهر ذلك مما ورد في موت القاتل قبل القصاص منه أو فراره، و ما ورد في موارد تخلّف شرط القصاص، إلى غير ذلك.

(2) إذا قتل العبد حرّين دفعة كان العبد بين أوليائهما فإن شاءوا استرقّوه فيكون عبدا لهم و إن أرادوا القصاص قتلاه و إن أراد أحدهما القصاص كان له ذلك، و إن لم يرض الآخر به فبقصاص أحدهما ينتفي الموضوع لحقّ الثاني؛ لأنّ جناية العبد في رقبته.

و على الجملة، ثبوت حقّ القصاص لكلّ من الوليين على سبيل الاستقلال كما هو مقتضى ما دلّ على أنّ العبد يقتل بالحرّ و بضميمة ما دلّ على أنّ جناية العبد في رقبته ينتفي بقصاص أحد الوليين موضوع الحقّ للثاني و هذا بخلاف ما لو استرقّه أحدهما، فإنّه إذا اختار الآخر أيضا استرقاقه يكون

مشتركا بينهما؛ لأنّ حقّ الاسترقاق ثابت للثاني أيضا من ملك مولاه قبل الجناية، كما إذا اختار القصاص جاز له ذلك كما تقدّم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 120

..........

______________________________

و أمّا إذا قتل الحرّين على التعاقب ثبت أيضا لكلّ من الوليين القصاص منه بنحو الاستقلال، فأيّ منهما بادر إلى القصاص منه انتفى الموضوع لحقّ الآخر، و إذا استرقّه وليّ المقتول أوّلا يجوز لولي المقتول الثاني القصاص منه أو استرقاقه، فإن استرقّه يكون العبد بتمامه للثاني إذا كان قتل الأخير بعد استرقاق الولي الأول، حيث إنّ جنايته يكون في رقبته التي ملك لوليّ المقتول الأوّل.

و يدلّ على ذلك- مضافا إلى كونه على القاعدة- صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في عبد جرح رجلين قال: «هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته» قيل له: فإن جرح رجلا في أوّل النهار و جرح آخر في آخر النهار؟

قال: «هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل» قال: «فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير» «1».

و المراد من الحكم الأوّل تماميّة استرقاقه من المجني عليه الأوّل؛ و لذا ذكر الماتن (قدس سره) و يكفي في الاختصاص أن يختار الولي استرقاقه و لو لم يحكم الحاكم، بل المعيار أنّه مع اختيار وليّ الأول استرقاقه إذا قتل الثاني يكون العبد للثاني بأن يختار الثاني قتله أو استرقاقه، و هذا بخلاف ما إذا كانت جنايته على الثاني قبل استرقاق الأول، فإنّه يكون الحكم كما إذا قتلهما دفعة على ما ذكرنا، و لكن في رواية علي بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد فقال: هو لأهل الأخير من القتلى

و إن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّ أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحقّ من أولياء الأوّل فصار لأولياء

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 45 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 77.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 121

[الثانية: قيمة العبد مقسومة على أعضائه]

الثانية: قيمة العبد مقسومة (1) على أعضائه كما أنّ دية الحر مقسومة على أعضائه فكلّ ما فيه منه واحد ففيه كمال قيمته كاللسان و الذكر و الأنف و ما فيه اثنان ففيهما قيمته و في كلّ واحد منهما نصف قيمته و كذا ما فيه عشر ففي كلّ واحد عشر قيمته. و بالجملة الحرّ أصل للعبد فيما له دية مقدّرة و ما لا تقدير فيه ففيه الحكومة.

______________________________

الثاني، فإذا قتل الثالث استحقّ من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحقّ من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع إن شاءوا قتلوه و إن شاءوا استرقّوه» «1».

و هذه الرواية و إن لم يفرض فيها وقوع الجناية اللاحقة بعد استرقاق الولي السابق إلّا أنّه لا بدّ من حملها عليه للتقييد الوارد في الصحيحة السابقة بقوله عليه السّلام «فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير»، أضف إلى ذلك ضعف سندها بالحسن بن أحمد بن سلمة الكوفي فإنّه مجهول.

(1) ذكر أصحابنا أنّ قيمة العبد مقسومة على أعضائه بنسبة قسمة دية الحرّ على أعضائه، ففي كلّ عضو من الحرّ تمام ديته كالأنف و اللسان و الذكر، ففي العبد ديته تمام قيمته و كلّ عضو من الحرّ اثنان و في كلّ منهما نصف ديته، ففي العبد نصف قيمته و ما يكون في الحرّ عشر ديته كما في دية أصابعه يكون في العبد عشر قيمته.

نعم هذا إذا

لم يتجاوز قيمة العبد دية الحرّ كما تقدّم، و في معتبرة السكوني: «جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 45 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 77.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 2: 298.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 122

فإذا جنى الحرّ على العبد (1) بما فيه ديته فمولاه بالخيار بين إمساكه و لا شي ء له و بين دفعه و أخذ قيمته، و لو قطع يده و رجله دفعة ألزمه القيمة، أو أمسكه

______________________________

و على الجملة، يقال الحرّ أصل للعبد في الجناية على العضو و نحوه التي فيها دية مقدّرة، فيحسب في الجناية على العبد من قيمته بحسب دية الحرّ، و أمّا الموارد التي لا تكون في الجناية على الحرّ تقدير ففيها الحكومة، و معنى الحكومة أنّ العبد فيها أصل لدية الحرّ، حيث يفرض الحرّ عبدا خاليا من ذلك النقص و يقوّم كما يفرض عبدا فيه ذلك النقص فيقوّم و يعيّن نسبة التفاوت بين القيمتين فيؤخذ من دية الحرّ بتلك النسبة، فتكون دية الجناية على الحرّ مقدار تلك النسبة من ديته.

و قد ذكر أنّ الموارد التي لا تكون فيها تفاوت في قيمة العبد بتلك الجناية فيحكم الحاكم فيها بالمقدار الذي رآه صلاحا في الحرّ و العبد من التغريم، و لكن فيما ذكروا في الحكومة كلام يأتي في باب الديات إن شاء اللّه تعالى.

(1) قد تقدّم أنّه لا يقاصّ من الحرّ بالعبد و أنّ دية العبد قيمته و أنّ قيمته تقسّط على أجزائه بحسب تقسيط دية الحر على الأعضاء، و عليه فإن قطع الحر من العبد ما يكون ديته تمام قيمته

كالذكر و اللسان يتخيّر مولى العبد بين أخذ تمام قيمة العبد من الحرّ الجاني و دفع العبد المجني عليه إلى الحرّ الجاني و بين إمساك العبد و لا شي ء له بأن يطالب الجاني به. و قد ذكروا اتفاق الأصحاب أو عدم الخلاف في ذلك. و يستدلّ عليه بأمرين:

الأوّل: موثّقة أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين في أنف العبد أو ذكره أو شي ء يحيط بقيمته أنّه يؤدّي إلى مولاه قيمة العبد و يأخذ العبد» «1»، فإنّ ظاهرها أنّه إذا أعطى قيمة العبد إلى مولاه يؤخذ العبد منه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 3: 298.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 123

..........

______________________________

و الثاني: أنّ قيمة العبد عوضه و إذا أعطى القيمة لمولاه يؤخذ العبد منه لئلا يجتمع المعوّض و العوض في ملك.

و لكن في الاستدلال بالثاني ما لا يخفى، فإنّ القيمة في الفرض دية العضو المقطوع لا تعويض عن العبد، و الرواية كما عبّرنا موثقة يتعيّن الأخذ بمدلولها و هو أن لمولى العبد إمّا أن يعرض عن استحقاقه قيمة العبد و يمسك بعبده أو يدفعه إلى الجاني و يأخذ قيمته.

و قد ذكر في كلماتهم للحكم المزبور قيدان:

أحدهما: أن لا يكون الجاني على العبد غاصبا له و إلّا يأخذ مولاه بقيمته و يمسك بالعبد و علّل ذلك بأنّ الغاصب يؤخذ بأشدّ الأحوال.

و الثاني: أن لا يكون جناية الحرّ على العبد خطأ محضا و إلّا لا يدفع العبد إلى الجاني؛ لأنّ الدّية يعني قيمة العبد في القتل خطأ محضا ليست على الجاني فلا يلزم من إمساكه محذور. نعم بناء على تحمّل عاقلة الجاني دية العبد لا

بدّ من دفعه إلى العاقلة.

أقول: و يمكن استفادة الحكم على هذا التقدير من الموثقة أيضا كما لا يخفى، و مقتضى القاعدة أن يمسك مولى العبد المجني عليه بالعبد و يأخذ قيمته؛ لأنّ قيمته دية العضو الذي ذهب بالجناية، و ظاهر موثقة أبي مريم عدم كون الجاني غاصبا حيث ورد في ذيلها و يأخذ العبد فيؤخذ بمقتضى القاعدة في الخارج عن مورد الرواية و إلّا فالغاصب يؤخذ بأشدّ الأحوال لم يرد بهذا المضمون في رواية فيما فحصنا من الروايات المعتبرة.

و أمّا تحمّل العاقلة جناية الحرّ على العبد إذا كان خطأ محضا فيأتي الكلام فيه في باب الديات إن شاء اللّه تعالى.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 124

و لا شي ء له، و أمّا لو قطع يده فللسيد إلزامه بنصف قيمته (1) و كذا كلّ جناية لا تستوعب قيمته.

و لو قطع يده قاطع و رجله آخر، قال بعض الأصحاب: يدفعه إليهما (2) و يلزمهما الدية أو يمسكه كما لو كانت الجنايتان من واحد و الأولى أن له إلزام كلّ واحد منهما بدية جنايته و لا يجب دفعهما إليه.

______________________________

(1) لما أشرنا إلى أنّ ذلك مقتضى القاعدة الأوّلية حيث إنّ المدفوع إلى مولى العبد المجني عليه بدل العضو الذاهب من العبد بالجناية عليه؛ و لذا يجري ذلك في كلّ جناية على العبد لا تستوعب قيمة العبد و ليس على المولى إلزام الجاني بأخذ العبد في الفرض و إلزامه بقيمته سالما كما أنّه ليس للجاني إلزام مولاه بدفع العبد إليه و أخذ قيمته سالما.

(2) القائل الشيخ (قدس سره) في المبسوط و كأنّه استفاد ذلك من موثقة أبي مريم «1» المتقدمة و أن مولى العبد أو الأمة إذا استوفى تمام

القيمة لزم عليه تسليم العبد أو الأمة إلى من استوفى منه تمام القيمة كان واحدا أو أزيد فيكون كما إذا كانت الجنايتان من واحد.

و لكن لا يخفى أنّ ظاهر الموثقة كون تمام القيمة على الجاني لا على الجنايتين أو أزيد، و الحكم الوارد فيها خلاف مقتضى الأصل كما تقدم.

فلا يمكن التعدّي عن المفروض فيها و عليه يكون لمولى العبد المجني عليه إلزام كلّ من الجانيين بنصف القيمة و الإمساك بعبده أو أمته بل يمكن أن يلتزم بذلك فيما إذا كان الجاني واحدا و لكن كانت الجنايتان منه على التدريج لا دفعة حتّى تحسبا جناية واحدة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 3: 298.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 125

[الثالثة: كل موضع نقول بفكّه المولى فإنّما يفكه بأرش الجناية]

الثالثة: كل موضع نقول بفكّه المولى فإنّما يفكه بأرش الجناية (1) زادت عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت، و للشيخ قول آخر أنّه يفديه بأقلّ الأمرين و الأول مروي.

[الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدين]

الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدين كان كلّ واحد لمالك فإن اختار القود قيل يقدم الأول؛ لأنّ حقّه أسبق و يسقط الثاني بعد قتله (2)؛ لفوات محل الاستحقاق.

______________________________

(1) كما يدل على ذلك ما ورد في صحيحة أبي ولاد من قوله عليه السّلام:

«فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئا فإنّه يقاصّ للعبد منه أو يغرم المولى كلّما جنى المكاتب لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئا» «1».

و لكن قد يقال: إنّ مقتضى كون جناية العبد على رقبته انّ اللازم على مولاه في الفداء عن جناية أقلّ الأمرين من أرش الجناية أو قيمة عبده الجاني.

و فيه أنّ فداء المولى فكّ رقبة العبد عن جنايته و مقتضى ما ورد في صحيحة أبي ولّاد انّ الفكّ يكون بأداء أرش جناية العبد الجاني فلا تنافي بين تعلّق جناية العبد على رقبته و أن يكون لمولاه فكّ رقبته من جنايته بإعطاء أرشها.

(2) لو قتل عبد شخص عبدين يكون كلّ واحد منهما لمالك دون مالك الآخر و أراد كلّ من الموليين القصاص من العبد الجاني.

قيل: يكون القصاص للمولى الذي قتل عبده أوّلا و إذا استوفى حقّه بالقصاص ينتفي الموضوع لحقّ مولى العبد المقتول ثانيا، حيث إنّ جناية العبد على رقبته.

و لكن قد تقدّم سابقا أنّ لكلّ منهما القصاص منه على سبيل الاستقلال فلا يكون قصاص أحدهما بإذن الآخر فأيّهما بادر إلى القصاص منه يسقط عن الآخر حقّه لعدم الموضوع له، كما أنّه لو استرقّه واحد منهما

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10

من أبواب ديات النفس، الحديث 5: 158.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 126

و قيل يشتركان فيه ما لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية (1)، فيكون للثاني و هو أشبه، فإن اختار الأول المال و ضمن المولى تعلّق حق الثاني برقبته و كان له القصاص فإن قتله بقي المال في ذمّة مولى الجاني و لو لم يضمن

______________________________

يكون للآخر أيضا استرقاقه؛ لأنّ لكلّ منهما حقّ تملك العين فتكون مشتركة بينهما.

نعم لو كانت الجناية الثانية منه بعد أن استرقّه مولى المقتول أوّلا يكون حقّ القصاص و الاسترقاق للثاني فإنّ الاسترقاق تملّك المملوك من مالكه و المفروض في جنايته الثانية صيرورته مملوكا لمولى المجني عليه أوّلا فمولى المجني عليه الثاني يتلقّى الملك بالاسترقاق من مالكه وقت جنايته.

(1) لمّا تقدّم من أنّ ولي المجني عليه أو مولاه بالاسترقاق يتملّك العبد عن ملك مولاه وقت الجناية فيكون مشتركا مع من استرقّه قبله، و بهذا يظهر أنّه يشترك مع الأول أيضا في جواز القصاص و لكن الاشتراك بمعنى أنّ لكلّ منهما القصاص عن الجاني مستقلا، فأيّ منهما بدء بالقصاص ارتفع الموضوع لحقّ الثاني، حيث انّ القصاص ليس كالملكية في التبعيض. نعم لو استرقّه مولى المجني عليه ثم وقعت الجناية الثانية يكون الاسترقاق للثاني.

و إن اختار المولى لأحدهما المال- أي قيمة عبده المقتول و ضمن المال مولى العبد الجاني- يكون اختيار القصاص أو الاسترقاق للثاني لارتفاع تعلّق جناية العبد الجاني عن رقبته بضمان مولاه.

و ما في عبارة الماتن من قوله: «فإن اختار الأول المال و ضمن المولى تعلّق حقّ الثاني برقبته» لعلّه من باب المثال، فإنه كما ذكرنا لو اختار الثاني المال و ضمنه مولى الجاني بقي حقّ الأول

على الجاني من غير تزاحم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 127

و رضي الأول باسترقاقه، تعلّق به حقّ الثاني، فإن قتله سقط حقّ الأول و إن استرقّ اشترك الموليان، و لو قتل عبد عبدا لاثنين فطلب أحدهما القيمة ملك منه بقدر قيمة حصّته من المقتول (1) و لم يسقط حقّ الثاني من القود مع ردّ قيمة حصة شريكه.

[الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبدا]

الخامسة: لو قتل عشرة أعبد، فعلى كلّ واحد عشر قيمته، فإن قتل مولاه العشرة، أدّى مولى كلّ واحد ما فضل عن جنايته. و لو لم تزد قيمة كلّ واحد عن جنايته، فلا ردّ. و إن طلب الدية، فمولى كلّ واحد بالخيار، بين فكّه بأرش جنايته، و بين تسليمه ليسترقّ إن استوعبت جنايته قيمته، و إلا كان لمولى المقتول من كلّ واحد بقدر أرش جنايته، أو يردّ على مولاه ما يفضل عن حقّه، و يكون له. و لو قتل المولى بعضا جاز، و يردّ كلّ واحد عشر الجناية، فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتلن أتمّ مولى المقتول ما يعوز، أو يقتصر على قتل من ينهض بقيمته.

[السادسة: إذا قتل العبد حرا عمدا]

السادسة: إذا قتل العبد حرا عمدا، فأعتقه مولاه، صحّ و لم يسقط القود.

و لو قيل: لا يصحّ، لئلّا يبطل حقّ الوليّ من الاسترقاق، كان حسنا. و كذا البحث في بيعته وهبته. و لو كان خطأ؛ قيل: يصحّ العتق، و يضمن المولى الدية على رواية عمر بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام؛ و في عمرو ضعف.

و قيل: لا يصحّ، إلا أن يتقدّم ضمان الدية أو دفعها.

[فروع في: السراية]
اشارة

فروع في: السراية

[الأول: إذا جنى الحرّ على المملوك؛ فسرت]

الأول: إذا جنى الحرّ على المملوك؛ فسرت إلى نفسه؛ فللمولى كمال

______________________________

(1) المراد أنّه إذا قتل عبد شخص عبدا مملوكا لاثنين يكون لكلّ منهما جواز استرقاق العبد الجاني بمقدار حصّته من العبد المقتول، و إذا طلب

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 128

قيمته. و لو تحرّر، و سرت إلى نفسه، كان للمولى أقلّ الأمرين، من قيمة الجناية أو الدية عند السراية، لأنّ القيمة إن كانت أقلّ فهي المستحقة له، و الزيادة حصلت بعد الحرّية، فلا يملكها المولى. و إن نقصت مع السراية، لم يلزم الجاني تلك النقيصة، لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس. مثل أن يقطع واحد يده و هو رقّ، فعليه نصف قيمته، فلو كانت قيمته ألفا، لكان على الجاني خمس مائة. فلو تحرر، و قطع آخر يده، و ثالث رجله، ثم سرى الجميع، سقطت دية الطرف، و ثبتت دية النفس، و هي ألف، فلزم الأول الثّلث، بعد أن كان يلزمه النصف، فيكون للمولى الثّلث، و للورثة الثّلثان من الدية، و قيل: له أقلّ الأمرين هنا من ثلث القيمة و ثلث الدية؛ و الأول أشبه.

[الثاني: لو قطع حرّ يده فاعتق ثم سرت]

الثاني: لو قطع حرّ يده فاعتق ثم سرت، فلا قود، لعدم التساوي، و عليه دية حرّ مسلم، لأنها جناية مضمونة، فكان الاعتبار بها حين الاستقرار، و للسيّد نصف قيمته وقت الجناية، و لورثة المجنيّ عليه ما زاد. و لو قطع حرّ آخر رجله بعد العتق، و سرى الجرحان، فلا قصاص على الأول في الطرف و لا في النفس؛ لأنه لم يجب القصاص في الجناية، فلم يجب في سرايتها، و على الثاني القود بعد ردّ نصف ديته، و لم يسقط القود بمشاركة الآخر في السراية، كما لا تسقط

بمشاركة الأب للاجنبي، و [لا] بمشاركة المسلم الذميّ في قتل الذميّ.

[الثالث: لو قطع يده و هو رقّ، ثم قطع [آخر] رجله و هو حرّ]

الثالث: لو قطع يده و هو رقّ، ثم قطع [آخر] رجله و هو حرّ، كان على الجاني نصف قيمته وقت الجناية لمولاه، و عليه القصاص في الجناية حال الحرية.

فإن اقتصّ المعتق جاز، و إن طالب بالدية، كان له نصف الدية، يختصّ به دون المولى. و لو سرتا فلا قصاص في الاولى، لعدم التساوي، و [له] القصاص في الرّجل، لأنه مكافئ. و هل يثبت القود؟ قيل: لا، لأنّ السراية عن قطعين، أحدهما لا يوجب القود؛ و الأشبه ثبوته مع ردّ ما يستحقّه المولى. و لو اقتصر الوليّ على الاقتصاص في الرّجل، أخذ المولى نصف قيمة المجنيّ عليه وقت

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 129

الجناية، و كان الفاضل للوارث، فيجتمع له الاقتصاص و فاضل دية اليد، إن كانت ديتها زائدة عن نصف قيمة العبد (1).

[الشرط الثاني: التساوي في الدّين]
اشارة

الشرط الثاني: التساوي في الدّين، فلا يقتل مسلم بكافر ذمّيا كان أو مستأمنا أو حربيا، و لكن يعزّر و يغرّم (2) دية الذمي و قيل ان اعتاد قتل أهل الذمّة

______________________________

أحدهما قيمة ما كان يملكه من العبد المقتول و لم يدفعها مولى العبد الجاني يسترقّ من العبد الجاني بمقدار حصّته من العبد المقتول و إن اختار شريكه في العبد المقتول القصاص يجوز له القصاص و لكن مع ردّ قيمة الحصّة التي استرقّها شريكه من العبد الجاني، و لكن في وجوب الردّ تأمّل لأنّ القصاص كما ذكرنا لا يتبعّض و ثبوت حقّ القصاص مع الردّ في بعض الموارد ثبت بالدليل و لم يقم في المقام دليل.

(1) إنما لم نذكر هنا ما يتعلّق بأحكام العبيد لأنّا تعرّضنا سابقا لأحكام الإماء و العبيد في أبواب مختلفة، فليراجع في محلّه.

(2) بلا خلاف معروف أو منقول،

و يشهد لذلك جملة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم» «1».

و في صحيحة اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: رجل قتل رجلا من أهل الذمّة، قال: «لا يقتل به إلّا أن يكون متعوّدا للقتل» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5: 80.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب ديات النفس، الحديث 7: 80.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 130

جاز الاقتصاص (1) بعد ردّ فاضل ديته.

______________________________

و في موثقته قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة قال: لا، إلّا أن يكون معوّدا لقتلهم فيقتل و هو صاغر» «1». إلى غير ذلك مما ورد في قتل المسلم الذمّي.

و أمّا قتله المستأمن و الحربي فلا ينبغي التأمّل في أنّ المسلم لا يقتل بهما، أمّا الحربي فظاهر لعدم حرمة قتله، و أمّا المستأمن فإنّه لا يزيد على الذمّي حيث إنّ الذمي مستأمن مع زيادة على استيمانه كما هو ظاهر.

و أمّا ما ذكره (قدس سره) من التعزير فهو يجري في قتل الذمي و المستأمن دون الحربي، حيث انّ التعزير يجري في موارد المعصية و المعصية مختصّة بقتل الذمّي و المستأمن إلّا أن يكون في قتل الحربي مفسدة اخرى يحرم على المسلم إدخال نفسه أو غيره في تلك المفسدة.

(1) و ينسب جواز قتل المسلم بالذمي إذا كان المسلم متعوّدا لقتل الذمّي، نظير ما تقدّم من جواز قتل الحرّ بالعبد إذا كان

متعودا بقتل العبيد.

و في صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إذا قتل المسلم يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا فأرادوا أن يقيدوا ردّوا فضل دية المسلم و أقادوه» «2».

و لكن نوقش في هذه الرواية و مثلها بأنّه لم يفرض فيها تعوّد المسلم لقتل الذمّي، كما هو الحال في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه و أدّوا فضل ما بين الديتين» «3»، فلا بد من حملهما على التقية؛ لأنّ جواز

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب ديات النفس، الحديث 6: 80.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب ديات النفس، الحديث 2: 79.

(3) الوسائل: ج 29 الباب 47، ص 108، رواية 35273.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 131

..........

______________________________

القصاص من المسلم بقتله الذمّي مذهب بعض العامّة، منهم أبو يوسف الذي قال الشاعر فيه ما قال.

و أمّا ما ورد في صحيحة اسماعيل الهاشمي و موثّقته من قتله إذا كان متعوّدا فهو من أجزاء الحدّ عليه لا من القصاص للمسلم للكافر، و مع القتل حدّا لا مورد لردّ فضل الدّية كما عن العلامة (قدس سره).

و لكن لا يخفى أنّ ظاهر الاستثناء في الصحيحة و الموثّقة الاستثناء عن عدم القصاص من المسلم بقتله الكافر، و في صورة التعوّد يثبت القصاص، و بهذا يحمل اطلاق صحيحة عبد اللّه بن مسكان و صحيحة أبي بصير على صورة التعوّد، فيثبت القصاص مع ردّ فاضل الدّية كما عليه المشهور.

و مثل صحيحتي عبد اللّه بن مسكان و أبي بصير موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «في رجل قتل رجلا من أهل الذمّة فقال:

هذا حديث شديد لا يحتمله الناس و لكن يعطى الذمي دية المسلم ثم يقتل به المسلم» «1»، و المراد الفضل بين الديتين كما في صحيحة أبي بصير الاخرى أيضا، قال: «سألته عن ذمّي قطع يد مسلم قال: تقطع يده إن شاء أولياؤه و يأخذون فضل ما بين الديتين و إن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد فإن شاءوا أخذوا دية يده و إن شاءوا قطعوا يد المسلم و أعطوا إليه فضل ما بين الديتين و إذا قتله المسلم صنع كذلك» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 79.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 138.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 132

..........

______________________________

ثم انّ دية اليهودي و النصراني و المجوسي ثمانمائة درهم كما ورد ذلك في صحيحة ابن مسكان المتقدّمة و في صحيحة ليث المرادي و عبد الأعلى بن أعين جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «دية اليهودي و النصراني ثمانمائة درهم» «1» و نحوهما غيرهما.

و لكن ورد في بعض الروايات أنّ دية هؤلاء أربعة آلاف درهم، و هذا في روايتين أحدهما مرسلة الصدوق (قدس سره)، حيث قال في الفقيه: «و روي أنّ دية اليهودي و النصراني و المجوسي أربعة آلاف درهم لأنّهم أهل الكتاب» «2».

و لكن في الاخرى و هي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم و دية المجوسي ثمانمائة درهم، و قال أيضا: انّ للمجوس كتابا يقال له جاماس» «3».

و ورد في بعض الروايات انّ دية هؤلاء دية المسلم و هذا أيضا في روايتين احدهما صحيحة أبان بن تغلب

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم» «4».

و الاخرى صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ذمة فديته كاملة قال زرارة: فهؤلاء؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 10: 162.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 12: 162.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 4: 163.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 2: 163.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 133

..........

______________________________

«و هؤلاء من أعطاهم ذمّة» «1».

و قد جمع الشيخ (قدس سره) بين الطائفتين الأخيرتين و بين ما دلّ على أنّ ديتهم ثمانمائة درهم بأنّ ما دلّ على ثمانمائة درهم ناظر إلى قتل غير المتعوّد و الطائفتين على قتل المتعوّد و انّ الإمام مخيّر بين تغريم المتعوّد بديّة كاملة أو بأربعة آلاف درهم، و ذكر انّ موثقة سماعة تشهد لهذا الجمع. قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسلم قتل ذمّيا، قال: هذا شي ء شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى يتكل عن قتل أهل السواد و عن قتل الذمي، قال: لو أنّ مسلما غضب على ذمّي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم إذا يكثر القتل في الذمّيين و من قتل ذمّيا ظلما فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمّيا حراما ما آمن بالجزية و لم يجحدها» «2».

و لكن لا يخفى انّ ما عيّن ديتهم في أربعة آلاف درهم ضعيف سندا بالإرسال و وقوع البطائني في

سند الثاني.

و أمّا الروايتان الدالتان على أنّ ديتهم دية المسلم، فتحملان على التقيّة، فإنّها مذهب جماعة من العامّة و لا دلالة في موثقة سماعة على أنّ مقدار دية المسلم محمولة على صورة التعوّد، بل ظاهرها أيضا إنكار كون الدية ثمانمائة درهم، بل على القاتل إعطاء دية المسلم لئلا يكثر قتل الذمي و أهل السواد.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 3: 163.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 1: 163.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 134

و يقتل الذمي بالذمّي و بالذمّية بعد ردّ فاضل الدية (1) و الذمّية بالذمّية و بالذمّي من غير رجوع عليها بالفضل، و لو قتل الذمّي مسلما عمدا دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول و هم مخيّرون بين قتله و استرقاقه (2).

______________________________

(1) إذا قتل الذمي ذمّيا سواء كان كلاهما على دين واحد أم كانا مختلفين يقتل أحدهما قصاصا لقتله الآخر عمدا كما هو مقتضى قوله سبحانه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1»، و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول: يقتصّ اليهودي و النصراني و المجوسي بعضهم من بعض و يقتل بعضهم بعضا إذا قتلوا عمدا» «2».

و إذا قتل الذمّي الذمّية يجوز لأولياء الذمّية القصاص من الذمّي القاتل إذا أدّوا إليه فضل ديته و إلّا قبلوا دية الذمّية التي هي نصف دية الذمّي.

و يشهد لذلك الاطلاق في مثل صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قتلت المرأة رجلا قتلت به، و إذا قتل الرجل المرأة فأرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة و أقادوه بها و إن لم

يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة» «3»، فإنّها تعمّ ما إذا قتل الذمّي الذمّية و نحوها غيرها.

و مما ذكر يظهر أنّه لو قتل الذمّي الكافر المحقون الدم عمدا كالمستأمن و المعاهد يقتل به كما هو مقتضى إطلاق الآية و المعتبرة.

(2) بلا خلاف ظاهر أو منقول، و يشهد لذلك صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام «في نصراني قتل مسلما فلما اخذ أسلم، قال:

أقتله به قيل: و إن لم يسلم قال: يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 48 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 81.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 59.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 135

و في استرقاق ولده الصغار تردّد، أشبهه بقائهم على الحرّية (1) و لو أسلم

______________________________

و إن شاءوا عفوا و إن شاءوا استرقّوا قيل: و إن كان معه عين (مال)؟ قال:

دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله» «1».

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في نصراني قتل مسلما فلما اخذ أسلم، قال: اقتله به، قيل: و إن لم يسلم قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو و ماله» «2».

و قد يقال إنّ قتله و استرقاقه و أخذ أمواله لخروجه عن أهل الذمّة و دخوله في الحربي، و لكن لا يخفى أنّه لو كان الأمر كذلك لكان استرقاقه و أخذ ماله جائزا لكلّ أحد لا لخصوص أولياء المقتول كما هو ظاهر الصحيحتين، كما لا يخفى.

(1) و الوجه في ذلك أنّ ما دلّ على دفع الذمي و ماله إلى أولياء المسلم المقتول لم يذكر فيها استرقاق ولده الصغار،

و مقتضى عقد الذمّة مع الذمّي القاتل كونهم أحرارا.

و ما عن المفيد و سلار و ابن حمزة من استرقاق أطفاله الصغار أيضا للتبعيّة بعد خروجه عن أهل الذمّة و دخوله في أهل الحرب، و من أحكام أهل الحرب استرقاق أطفالهم.

لا يخفى ما فيه، فإنّ مجرّد القتل لا يوجب خروجه عن أهل الذمة؛ و لذا لا يجوز أن يسترقّ الذمّي القاتل غير أولياء المسلم المقتول و جواز استرقاقه لأوليائه حكم شرعي كما ذكرنا. و على الجملة المخرج عن الذمّة عصيانه

______________________________

(1) الوسائل: ج 49، الباب 48 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 81.

(2) التهذيب: ج 10، الرقم 50/ ص 190.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 136

قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلّا قتله (1) كما لو قتل و هو مسلم، و لو قتل الكافر كافرا و أسلم القاتل لم يقتل به (2) و الزم الدية إن كان المقتول ذا دية.

و يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية (3) لتساويهما في الإسلام.

______________________________

بامتناعه عن إعطاء الجزية و جحودها كما ورد ذلك في موثقة سماعة المتقدمة.

(1) كما يدلّ على ذلك صحيحة ضريس الكناسي المتقدمة عن أبي جعفر عليه السّلام حيث ورد فيها في نصراني قتل مسلما فلما اخذ أسلم، قال:

اقتله به، و نحوها صحيحة عبد اللّه بن سنان.

(2) لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام «لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم» «1»، و ظاهرها كما سيأتي أنّه لا يقاد المسلم عند القود بذمّي.

(3) و الوجه في ذلك أنّ الولد تابع للأبوين أو أشرفهما في الإسلام

سواء كان الولد بالوطي الحلال أو بالزنا؛ و لذا يترتب على ولد الزنا جميع أحكام الولد، غاية الأمر لا توارث في الزنا، و عليه لو قتل ولد الرشيدة و هو بالغ رشيد ولد الزنا يكون على القاتل القود كما في قتله ولد الحلال.

و القول بكفر ولد الزنا كما هو المنسوب إلى بعض الأصحاب ضعيف كما أنّ الاعتبار في الحكم بإسلامه بتوصيفه الإسلام بعد بلوغه أو حال تمييزه أيضا بلا موجب و ما ورد في أنّ ديته ثمانمائة درهم الظاهر في إلحاقه بالكافر الذمّي لضعف سنده لا يمكن الاعتماد عليه مع أنّ إلحاقه في الخطأ بالكافر لا يلائم إلحاقه به في قتله عمدا

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5: 80.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 137

[مسائل من لواحق الباب]
[الاولى: لو قطع مسلم يد ذمّي عمدا]

مسائل من لواحق الباب الاولى: لو قطع مسلم يد ذمّي عمدا فأسلم و سرت إلى نفسه فلا قصاص و لا قود (1)، و كذا لو قطع يد عبد ثم اعتق و سرت؛ لأنّ التكافؤ ليس بحاصل وقت الجناية و كذا الصبي لو قطع يد بالغ ثم بلغ و سرت جنايته لم يقطع؛ لأنّ الجناية لم تكن موجبة للقصاص حال حصولها، و يثبت دية النفس؛ لأنّ الجناية وقعت مضمونة فكان الاعتبار بأرشها حين الاستقرار.

______________________________

(1) لا يخفى أنّ في اشتراط التساوي في الدين و أنّ المسلم لا يقتل بذمّي لعبرة بحال الاقتصاص؛ و لذا تقدّم أنّ الذمّي إذا قتل ذمّيا ثمّ أسلم القاتل لا يجوز قتله قصاصا، بل يكون عليه دية الذمّي فإنّ ظاهر قولهم عليه السّلام «لا يقتل المسلم بذمّي» هو اعتبار زمان الاقتصاص إلّا أنّ مع ذلك إذا قطع مسلم يد

ذمي عمدا و أسلم الذمّي و سرت جنايته إلى نفسه لا يقتل المسلم قودا على النفس كما لا يقطع يده قصاصا عن الطرف بل يكون عليه دية نفس المسلم؛ و ذلك لما تقدّم من أنّ القصاص إنّما يترتّب إذا تعمّد قطع يد المسلم أو قتل نفسه و في الفرض لم يقصد القاطع لا قطع يد المسلم و لا قتل نفسه فيكون عليه دية النفس.

و من هنا يظهر الحال إذا قطع الصبي يد بالغ ثمّ بلغ و سرت جنايته إلى النفس حيث يكون دية النفس على عاقلته فإنّ عمد الصبي يحسب من الخطأ المحض.

و مما ذكرنا يظهر انّ ما علّل الماتن (قدس سره) عدم القصاص بأنّ التكافؤ ليس بحاصل وقت الجناية غير صحيح، بل الصحيح ما ذكرنا من أنّ القصد للجناية الموجبة للقصاص لم يحصل وقت الجناية و إلّا فالتكافؤ معتبر وقت الاقتصاص.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 138

[الثانية: لو قطع يد حربي أو مرتد فأسلم]

الثانية: لو قطع يد حربي أو مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود و لا دية؛ لأنّ الجناية لم تكن مضمونة (1) فلم تضمن سرايتها، و لو رمى ذمّيا بسهم فأسلم ثمّ

______________________________

و يدلّ على أنّ عمد الصبي يحسب خطأ محضا صحيحة محمد بن مسلم، قال: «عمد الصبي و خطأه واحد» «1»، و موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: «عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة» «2».

و مما ذكرنا ظهر أيضا ما إذا قطع المسلم يد العبد ثم اعتق و سرت الجناية إلى نفسه حيث يكون على القاطع الحر الدية حيث انّه لم يقصد قطع يد الحرّ كما لا يخفى.

(1) ذكر (قدس سره) أنّه لو قطع المسلم يد حربي عمدا

أو يد مرتدّ ملّي عمدا فأسلم الحربي أو المرتد ثم مات بالسراية فلا يكون في البين قصاص لا من يد المسلم و لا من نفسه بل لا دية على المسلم القاطع لأنّ جنايته على الحربي أو المرتد لم تكن مضمونة حال حدوثها لا بالقود و لا بالدية، فلا يضمن أيضا سرايتها، نظير ما إذا قطع يد السارق حدّا أو يد شخص قصاصا فسرت فمات السارق أو المقتص منه.

أقول: أما عدم القصاص من قطع يد الحربي أو المرتد و كذا عدم القصاص من سراية القطع و لو بعد إسلامهما ظاهر، فإنّه لم يقصد عند القطع قطع يد المسلم و لا قتله و إنّما قصد قطع يد الحربي أو المرتد.

و أمّا عدم ثبوت دية النفس فلا يمكن المساعدة عليه، فإنّه بقطع يد

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2: 307.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3: 307.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 139

أصابه فمات فلا قود و فيه الدّية (1). و كذا لو رمى عبدا فاعتق و أصابه فمات أو حربيا أو مرتدا فأصابه بعد إسلامه فلا قود و تثبت الدية؛ لأنّ الاصابة صادفت مسلما محقون الدم.

______________________________

أحدهما و سراية الجراحة كما هو الفرض يستند قتله إلى قاطع اليد، فقاطعها قد قتل مسلما من غير تعمّد إلى قتله فيكون عليه ديته و عدم الضمان في سراية الجراحة الحاصلة بالحدّ أو بالقصاص للدليل الدالّ على نفي القود و الدية في سراية جراحتهما، و أمّا السراية في الفرض غير منفي فيها الضمان فيدخل فيما دلّ على أنّ من قتل نفسا فعليه ديتها.

(1) ذكر (قدس سره) أنّه لو رمى بسهم ذمّيا

و لكن الذمّي أسلم قبل إصابة السهم إيّاه فأصابه مسلما و مات فلا قود، و لكن تثبت دية النفس، و كذلك إذا رمى بسهم عبدا فاعتق قبل إصابته ثم أصابه حرّا فلا يكون في البين قود، و لكن تثبت أيضا دية النفس.

أقول: أمّا عدم القود فقد ظهر الوجه فيه مما تقدم؛ لأنّ الرامي لم يقصد قتل المسلم أو قتل الحر، و أمّا ثبوت الدية فإنّ الرامي هو القاتل في الفرض، فيكون عليه دية المسلم الحر، حيث إنّه قتل المسلم الحرّ من غير تعمّد إلى قتله.

و مما ذكرنا يظهر أنّه لو رمى كافرا حربيا أو مرتدا فأصابه السهم القاتل بعد إسلامهما لا تثبت القود حيث إنّه لم يقصد برميه قتل المسلم و لكن تثبت الدية المسلم حيث إنّه قتل المسلم من غير تعمد إلى قتل المسلم فتثبت الدية.

و نظير ذلك ما إذا حفر بئرا في طريق حربي أو مرتد ليقع فيه فيموت

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 140

[الثالثة: إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدّا سقط القصاص في النفس]

الثالثة: إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدّا سقط القصاص في النفس (1) و لم يسقط القصاص في اليد؛ لأنّ الجناية به حصلت موجبة للقصاص فلم تسقط باعتراض الارتداد و يستوفي القصاص فيها وليّه المسلم فإن لم يكن استوفاه الإمام.

______________________________

و أسلم قبل وقوعه فيه فإنّه يثبت الدية لا القود و ربما يخطر بالبال عدم الفرق بين الرمي حال كفره أو ارتداده و إصابة السهم بعد إسلامه. و بيّن ما تقدّم في كلام الماتن من أنّه لو قطع يد الحربي أو المرتد ثم أسلما قبل السراية، و لكن بينهما فرق و إن لم يكن فارقا على ما ذكرنا و هو الرمي مع إصابته يحسب جناية، و

عدم ضمان الجناية في السابق أوجب عدم ضمان سرايته بخلاف المقام فإنّ الجناية في الفرض مضمونة عند وقوعها أي إصابة السهم.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، دوم، 1426 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص؛ ص: 140

(1) ذكر (قدس سره) أنّه لو قطع مسلم يد مسلم آخر عمدا فسرت جناية اليد حال ارتداد المقطوع فمات مرتدا ففي هذا الفرض لم يتعلّق على القاطع لا قصاص النفس و لا ديتها؛ لأنّه لا يقتل المسلم بالكافر و لا دية للمرتد كالكافر الحربي، و لكن التزم (قدس سره) انّ قصاص الطرف يتعلّق على الجاني المسلم حيث إنّه قطع يد المسلم عمدا.

و حكي عن المبسوط أنّه لا يتعلق بالمسلم القاطع قصاص الطرف و لا دية الطرف أيضا؛ لأنّ قصاص الطرف و ديته مع السراية يدخل في قصاص النفس و ديتها.

و بتعبير آخر مع سراية الجناية ليس في البين إلّا قصاص النفس و ديتها، و المفروض أنّه لا يقتل المسلم بالمرتد و أنّه لا دية للمرتد و ناقش الماتن (قدس سره) في هذا الاستدلال بأنّ سقوط قصاص الطرف مع الجناية عمدا و ديته مع

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 141

..........

______________________________

الجناية خطأ في صورة إمكان استيفاء الجناية على النفس بالقصاص عن الجاني أو أخذ دية النفس و مع عدم إمكان استيفائها كما هو المفروض في المقام لمانع طريان الارتداد على المجني عليه لا موجب لسقوط قصاص الطرف الثابت قبل ارتداده.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّ دخول قصاص الطرف و ديته في قصاص النفس و ديتها لاتّصاف الجناية بكونها قتلا عمدا

أو خطأ و لا يختلف هذا الاتصاف بين صورة إمكان قصاص النفس أو أخذ ديتها و عدم إمكانهما.

بل لو اغمض عن ذلك فأيضا لا مورد في المفروض لقصاص الطرف فإنّ المستفاد من صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه لا قود على المسلم من جنايته على غيره لا في القتل و لا في الجراحات، حيث قال: عليه السّلام «لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات» «1»، و ظاهرها كما تقدّم سابقا أنّ المجني عليه إذا كان عند القصاص له كافرا لا يقاد المسلم به.

و المفروض أنّ المجني عليه في ظرف قصاص وليّه المسلم مرتد.

أضاف إلى ذلك أنّ قصاص الطرف يثبت للمجني عليه و المجني عليه الكافر ليس له حقّ قصاص الطرف عن المسلم لينتقل هذا الحقّ إلى وارثه المسلم مع موته مرتدا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5: 80.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 142

و قال في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا قود و لا دية؛ لأنّ قصاص الطرف و ديته يتداخلان في قصاص النفس و ديتها، و النفس هنا ليست مضمونة و هو يشكل بما أنّه لا يلزم من دخول الطرف في قصاص النفس سقوط ما يثبت من قصاص الطرف لمانع يمنع من القصاص في النفس، و أمّا لو عاد إلى الإسلام فإن كان قبل أن يحصل سراية ثبت القصاص في النفس (1) و إن حصلت سراية و هو مرتدّ ثمّ عاد و تمّت السراية حتى صارت نفسا ففي القصاص تردّد أشبهه ثبوت القصاص؛ لأنّ الاعتبار في الجناية المضمونة بحال الاستقرار و قيل لا قصاص؛ لأنّ وجوبه مستند إلى

الجناية و كلّ السراية، و هذه بعضها هدر؛ لأنّه حصل حال الردّة و لو كانت الجناية خطأ يثبت الدية لأنّ الجناية صادفت محقون الدم و كانت مضمونة في الأصل.

______________________________

(1) لا فرق بين عوده إلى الإسلام قبل السراية أو أثناء السراية في أنّه في كلّ منهما إذا كانت الجناية على الآخر بقصد قتله أو كانت مسرية إلى النفس في العادة تعلّق القصاص بالجاني؛ لأنّه عند تحقّق القتل كان المجني عليه مسلما فيكون القود تعلّقه بالمسلم في مقابل نفس المسلم، فإنّ ظاهر الصحيحة كما تقدّم أنّ المسلم لا يقاد بالكافر، و هذا غير صادق في الفرض فيؤخذ بالإطلاق في قوله سبحانه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1».

نعم إذا لم يكن قصده القتل و لم تكن الجراحة مسرية إلّا اتفاقا يتعلّق بالجاني الدّية على ما تقدّم، و تقدّم أيضا أنّ ضمان الجناية يكون باستقرارها و العبرة في القصاص و الدية بزمان الاستقرار.

و مما ذكرنا يظهر أنّه لو كان عند قطع يده مرتدّا ثم عاد إلى الإسلام عند السراية يثبت على القاطع دية النفس بلا فرق بين كون جراحته مسرية عادة أم لا، و سواء قصد القتل به أم لا لما تقدّم من أنّه عند الجناية لم يقصد قتل المسلم بل غاية قصده قتل الكافر.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 143

[الرابعة: إذا قتل مرتد ذمّيا ففي قتله تردّد]

الرابعة: إذا قتل مرتد ذمّيا ففي قتله تردّد (1) منشأه تحرّم المرتدّ بالإسلام و يقوى أنّه يقتل للتساوي في الكفر كما قيل في النصراني باليهودي؛ لأنّ الكفر كالملّة الواحدة، و أمّا لو رجع إلى الإسلام فلا قود و عليه دية الذمي.

[الخامسة: لو جرح مسلم نصرانيا]

الخامسة: لو جرح مسلم نصرانيا ثم ارتدّ الجارح و سرت الجراحة فلا قود؛ لعدم التساوي حال الجناية (2)، و عليه دية النصراني (الذمي خ ل).

______________________________

(1) لا يخفى أنّه و إن قيل بعدم القود على المرتد و تثبت عليه دية الذمّي كقتل المسلم الذمي؛ لأنّ للمرتد تحرّما بالإسلام، و لكن لا يخفى ضعفه و انّ الأظهر تعلّق القود عليه؛ و ذلك فإنّ الثابت هو انّ عند القصاص إذا كان المسلم هو الجاني و الكافر هو المجني عليه فلا يقتل المسلم، كما هو ظاهر صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، و في غيره يؤخذ بإطلاق قول اللّه سبحانه النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1».

و على ذلك فإن عاد المرتد إلى الإسلام بعد قتله الذمّي فلا يقتل به، بل يكون عليه دية الذمّي، يعني ثمانمائة درهم و لا يفرق في ذلك بين كون ارتداده عن ملّة أو فطرة لما تقدّم من أنّ عدم قبول توبة الفطري بالإضافة إلى حدّ الارتداد لا بالإضافة إلى ساير أحكام الإسلام، و المرتد الفطري بعد إسلامه أيضا و إن كان غير محقون الدم إلّا أنّه بالإضافة إلى المسلمين لا الكفار.

(2) قد تقدّم انّ التساوي المعتبر في القصاص هو حال القصاص، و في المثال قتل المرتد يكون بإزاء نفس الكافر كما هو مقتضى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ».

نعم، لا يثبت على المسلم بعد ارتداده إلّا دية النصراني و لا يتعلّق به القود إذا لم يقصد عند جنايته قتله و لم

تكن الآلة قاتلة بأن اتفق السراية.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 144

[السادسة: لو قتل ذمّي مرتدا قتل به]

السادسة: لو قتل ذمّي مرتدا قتل به؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي، و لو قتله مسلم فلا قود قطعا (1) و في الدية تردّد، و الأقرب أنّه لا دية، و لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود، و لو وجب قتله بزنا أو لواط فقتله غير الإمام لم يكن عليه قود و لا دية؛ لأنّ عليا عليه السّلام قال لرجل قتل رجلا و ادّعى أنّه وجده مع امرأته: «عليك القود إلّا أن تأتي ببيّنة».

______________________________

(1) لما يظهر مما تقدّم من أنّ المسلم لا يقتل بالكافر و المرتدّ حين القتل محكوم بالكفر بل هو- يعني المرتد- إذا كان ارتداده فطريا يكون غير محقون الدم بالإضافة إلى المسلم قطعا؛ لجواز قتله لكلّ من سمع منه الارتداد. و ما في كلمات جماعة من أنّ المرتد غير محقون الدم بالإضافة إلى الإمام إنّما يتمّ في المرتد الملّي مع عدم توبته بعد الاستتابة، هذا بالإضافة إلى القصاص.

و أمّا عدم الدّية، فقد يستدلّ بذلك بأنّ الدية تثبت في قتل اليهودي و النصراني و المجوسي، و في قتل غيرهم لم يثبت قصاص و لا موجب للدية.

و أمّا إذا قتل المسلم من وجب قتله حدّا بالزنا أو اللواط فقد يقال إنّه لا قود على المسلم و لا دية، كما اختاره في المتن.

و يستدلّ على ذلك برواية سعيد بن المسيب «انّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري انّ ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله، فاسأل لي عليّا عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليّا عليه السّلام فسألته ... إلى أن

قال:

فقال: «إنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد و إلّا دفع برمّته» «1»، فإنّها ظاهرة في أنّه إذا أثبت موجب الحدّ الذي قتل لا شي ء على القاتل.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 69 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 102.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 145

[الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أبا]
اشارة

الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أبا (1) فلو قتل ولده لم يقتل به و عليه الكفارة و الدية و التعزير، و كذا لو قتله أب الأب و إن علا، و يقتل الولد بأبيه.

______________________________

نعم، إنّها واردة في الزنا بزوجته فغايتها التعدّي إلى مرتكب الفجور بأهله كابنته و أمّه مع أنّ السند ضعيف و لا يمكن الاعتماد عليها؛ و لذا قد يقال بثبوت القود على القاتل فإنّ المرتكب محقون الدم بالإضافة إلى غير الإمام، نظير ما قتل غير الولي من يكون عليه القصاص.

نعم، إذا كان القتل مع انطباق عنوان الدفاع عليه فهو خارج عن مفروض الكلام، كما تقدّم ذلك في بحث الدفاع.

و يمكن استظهار ذلك من صحيحة داود بن فرقد «1» التي أوردها في الوسائل بعد حديث سعيد بن المسيب. و على الجملة من التزم بعدم القود في قتل شخص يكون عليه حدّ القتل بالزنا و اللواط و نحوهما فعليه إثبات الانصراف فيما دلّ على القصاص على القاتل عن المورد نظير قوله سبحانه:

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «2».

(1) لا يقتل الأب بولده بلا خلاف معروف أو منقول، و يدلّ عليه عدّة من الروايات كموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «أنّ عليا عليه السّلام كان يقول: لا يقتل والد بولده إذا قتله و يقتل الولد بالوالد إذا قتله، و لا يحدّ

الوالد للولد إذا قذفه و يحدّ الولد للوالد إذا قذفه» «3».

و حسنة حمران عن أحدهما عليه السّلام قال: «لا يقاد والد بولده و يقتل

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 69 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 102.

(2) سورة الاسراء: الآية 33.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 8: 58.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 146

و كذا تقتل الام به (1)، و يقتل بها و كذا الأقارب كالأجداد و الجدات من قبلها و الاخوة من الطرفين و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات.

______________________________

الولد إذا قتل والده عمدا» «1». و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن الرجل يقتل ابنه أ يقتل به؟ قال: لا» «2». إلى غير ذلك.

و عنوان الوالد بل الأب الوارد فيها يعمّ الأب و أب الأب.

بل يجري عدم القصاص على الأب في جنايته على ابنه في الأطراف أيضا، و في صحيحة ظريف بن ناصح عن أمير المؤمنين عليه السّلام: و قضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع أو غيره و يكون له الدية و لا يقاد «3». و ظاهر هذه الصحيحة- مضافا إلى عدم ذهاب دم امرئ هدرا- انتقال الأمر إلى الدية، و أمّا ثبوت الكفّارة فلإطلاق ثبوتها على القاتل عمدا.

و كذا لا ينبغي التأمّل في ثبوت التعزير، فإنّ الموجب له ارتكاب الحرام الذي يعدّ معصية كبيرة، و يدلّ عليه أيضا رواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام «في الرجل يقتل ابنه أو عبده قال: لا يقتل به و لكن يضرب ضربا شديدا و ينفى عن مسقط رأسه» «4»، و لكنّها لضعف

سندها تصلح للتأييد.

(1) كما عليه المشهور بل لم يحك الخلاف إلّا عن الاسكافي فإنّه وافق العامّة في عدم قتل الام بولدها إلحاقا لها بالأب، و لكنّه ضعيف؛ لأنّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 56.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 56.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 10: 58.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9: 58.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 147

[فروع]
[الفرع الأول: لو ادّعى اثنان ولدا مجهولا]

فروع الفرع الأول: لو ادّعى اثنان ولدا مجهولا فإن قتله أحدهما قبل القرعة (1) فلا قود لتحقق الاحتمال في طرف القاتل، و لو قتلاه فالاحتمال بالنسبة إلى كل

______________________________

القصاص منها مقتضى عموم قوله سبحانه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1»، و قد خرج عنه في الأب إذا قتل ولده لما تقدم من التسالم و الروايات، و أمّا الام فيؤخذ فيها بمقتضى العموم كما يؤخذ بمقتضاه ما إذا قتل الولد أمّه.

أضف إلى ذلك فيما قتل الولد أمّه صحيحة أبي عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل أمّه قال: يقتل بها صاغرا و لا اظنّ قتله بها كفارة له و لا يرثها» «2».

و مما ذكرنا يظهر الحال في قتل الأخ أخاه أو اخته أو قتل الاخت أخاه سواء أ كان الأخ أو الاخت من الطرفين أو من طرف الأب الخاصة أو من الام كما يظهر الحال في قتل بعض الأقرباء البعض الآخر، فإنّ كلّ ذلك داخل في العموم المشار إليه.

(1) ظاهر كلامه (قدس سره) أنّه إذا ادّعى شخص أنّه أب لولد مجهول أبوه يقبل قوله و يلحق به مع

احتمال الصدق، و أمّا إذا ادّعى كلّ من الاثنين الابوّة له يقرع بينهما فأيّ منهما أخرجته القرعة يلحق الولد به، و على ذلك فإن قتله الشخص المدّعي الابوة له في الفرض الأول ينتفي عنه القود كما هو مقتضى لحوق الولد به.

و أمّا إذا قتله أحد المدّعيين، فإن كان قتله قبل الاقراع بين المدّعيين

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9: 58.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 148

واحد منهما باق و ربما خطر الاستناد إلى القرعة و هو تهجّم على الدم فالأقرب الأول.

______________________________

لا يقتل القاتل؛ لاحتمال كونه أب المقتول فينتقل الأمر إلى أخذ الدية منه، و لو اشتركا في قتله قبل الاقراع فكذلك ينتفي القصاص عن كلّ منهما لاحتمال الابوة بالإضافة إلى خصوص كلّ منهما فيشتركان في أخذ الدية منهما.

و لكن ذكر (قدس سره) ربما يحتمل الاقراع بعد القتل، فإن أخرج القرعة الأب فإن كان هو القاتل لا يقتص منه و إن كان غيره فيقتصّ منه سواء استقلّ أحدهما في قتله أو اشتركا فيه، غاية الأمر في فرض الاشتراك يؤخذ ممّن حكم بابوّته نصف الدية و يعطى لمن يقتصّ منه نظير ما وقع القتل بعد إخراج الأب بالقرعة، و الماتن (قدس سره) و إن دفع هذا الاحتمال بأنّه تهجّم على الدماء و انّ الأقرب سقوط القصاص عن القاتل في صورة وقوعه عن أحدهما و عنهما في صورة اشتراكهما في القتل إلّا أنّه قد يختار الرجوع إلى القرعة أخذا بما دلّ على أنّها لكلّ أمر مشكل و عدم طلّ دم امرئ مسلم و لأنّ الابوة مانعة عن القصاص فلا يعتنى باحتمال المانع مع إحراز المقتضي

و ليس انتفاء الابوة شرطا في القصاص لئلا يحرز المقتضي مع احتمال الابوة.

أقول: لو بنى على سماع دعوى شخص أنّ فلانا ولده من غير إحراز وطئه أمّه فلا دليل على السماع مع معارضة دعواه بدعوى غيره ليحكم عند المعارضة بالاقراع كما يظهر الوجه من ملاحظة ما ورد في الحمل.

و عليه، فلا مورد للاقراع ليقال بالفرق بين القتل قبل الاقراع أو بعده، بل لو قتله أحد المدعيين يقتص منه و لو اشترك المدّعيان في قتله يقتصّ منهما؛ لأنّ عموم ما دلّ على أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ يقتضي القصاص من القاتل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 149

و لو ادّعياه ثم رجع أحدهما و قتلاه توجّه القصاص على الراجع (1) بعد ردّ ما يفضل عن جنايته و كان على الأب نصف الدية و على كلّ منهما كفارة القتل بانفراده.

______________________________

عمدا و الخارج عن ذلك ما إذا كان القاتل أب المقتول، و مقتضى الاستصحاب في ناحية عدم الابوة جارية بالإضافة إلى كلّ من المدعيين فيتمّ الموضوع للقصاص من غير فرق بين كون الابوة مانعة عن القصاص أو كون عدمها شرطا. مع أنّ الفرق بين كون الابوة مانعة أو عدمها شرطها لا يرجع إلى محصّل في الاحكام بالإضافة إلى موضوعاتها.

و مما ذكرنا يظهر أنّه إذا لم يثبت سماع مجرّد دعوى الابوة و لو مع عدم المعارضة ثبت على المدّعي القاتل القصاص أخذا بالعموم المزبور بضمّ الاستصحاب في ناحية عدم الابوة.

و دعوى أنّ الاعتماد على أنّ الاستصحاب من إراقة الدم بالشبهة كما ترى، فإنّ مع إحراز الموضوع و لو بالأصل لا مورد للشبهة، حتّى بناء على درء الحدود في مثل ذلك فإنّ القصاص غير الحدّ.

(1) ما ذكره (قدس سره) مبني

على نفوذ رجوعه و أن نفوذه ليس من جهة نفوذ الاقرار على النفس و إلّا فلا يسمع الرجوع بالإضافة إلى انتفاء القصاص؛ لأنّه من قبيل الاقرار للنفس، بل من جهة انّ الدعوى بالابوة غير مسموعة إذا تعقّبها الانكار، و عليه فيثبت القصاص على الراجع و يكون على الآخر المشترك في قتله نصف الدية؛ لانتفاء القصاص عنه، و يجب على كلّ واحد من الراجع و غيره كفارة القتل لانفراده، كما هو الحال في ساير موارد القتل عمدا بالاشتراك لصدق القتل على فعل كلّ منهما.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 150

[الثاني و لو ولد مولود على فراش مدعيين له]

و لو ولد مولود على فراش مدعيين له كالأمة أو الموطوءة بالشبهة في الطهر الواحد فقتلاه قبل القرعة لم يقتلا به (1)؛ لتحقّق الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما،

______________________________

هذا كلّه في ولد التداعي عند الماتن و غيره بأن لا يكون مثبت للابوة و الولدية غير الدعوى من شخصين، و بناء على ما ذكرنا يقتصّ من كلّ من المدعي و الراجع عن دعواه، أمّا من المدعي فلما تقدّم، و أمّا من الراجع لنفوذ إقراره عليه و كون رجوعه إقرارا على نفسه بتعلّق القصاص به، فلا حاجة في القصاص عنه إلى ضمّ الاستصحاب في عدم كونه أبا للمقتول.

و مما ذكرنا يظهر ثبوت الكفارة- يعني كفارة قتل العمد- على كلّ منهما؛ لصدق أنّه قتل عمدا، و كذا بناء على ما ذكروه من نفي القصاص للشبهة، فإنّ المنتفي بالشبهة القصاص لا الكفّارة.

و على الجملة فإن أراد وارث المقتول قتل كلّ من المدعيين قصاصا فعليه ردّ نصف الدية على كلّ منهما على ما تقدّم من القصاص من المشتركين في القتل.

نعم إذا علم بأنّ الولد لأحدهما فيجري عليه ما يأتي في

المتولد على فراش مدعيين له.

(1) إذا أتت المرأة بولد عند ما كانت على فراش مدّعيين كالأمة المشتركة بين اثنين وقعا عليها، و ادّعى كلّ منهما أنّ الولد له، فإنّه مع إمكان لحوق الولد بكلّ منهما يقرع بينهما فإن أخرج السهم أحدهما يلحق الولد به و يضمن للآخر نصيبه من الأمة و نصيب تقويم الولد.

و يشهد لذلك صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «بعث رسول اللّه عليّا إلى اليمن فقال له حين قدم: حدّثني بأعجب ما ورد

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 151

و لو رجع أحدهما ثم قتلاه لم يقتل الراجع، و الفرق انّ البنوّة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى، و في الفرق تردد.

______________________________

عليك، فقال: يا رسول اللّه أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما فاحتجّوا فيه كلّهم يدّعيه، فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه و ضمنته نصيبهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلى اللّه إلّا خرج سهم المحقّ» «1».

و كذا إذا وقع المتعدّدون على امرأة في طهر واحد بالشبهة فولدت ولدا يمكن إلحاقه بكلّ منهم، كما يشهد بذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا وقع الحرّ و العبد و المشرك على امرأة في طهر واحد و ادّعوا الولد اقرع بينهم و كان الولد للذي يقرع» «2».

و مقتضى الصحيحتين- خصوصا ما ورد من بيان الكبرى في الاولى- عدم الفرق في الرجوع إلى القرعة بين ما وقع القتل قبل القرعة أو بعدها.

نعم مع رجوع أحدهما عن دعواه قبل القرعة يمكن دعوى أنّ الرجوع إذا كان بعد القتل بل إذا كان قبله

يكون قتل الراجع للأخذ بإقراره على نفسه، فإنّ القرعة في المقام لم يعين الأب و يسمع دعوى الآخر بكون الولد له مع فرض الفراش، كما هو المفروض في المقام.

نعم، إذا كانت الراجع زوجا للموطوءة و فرض دخوله بها فلا ينتفي الولد عنه بمجرّد الرجوع بل يحتاج نفيه إلى اللّعان، و كذا في رجوع ولي الأمة التي وطأها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 6: 188.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1: 187.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 152

[الثالث و لو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص لولدها منه]

و لو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص لولدها منه، قيل لا؛ لأنّه لا يملك أن يقتصّ من والده، و لو قيل يملك هنا أمكن اقتصارا بالمنع على مورد النص (1).

______________________________

(1) و لو قتل الرجل زوجته ففي جواز قصاص ولدها من أبيه كلام.

فقد يقال بعدم الجواز؛ لأنّ الولد لا يجوز له القصاص من أبيه، كما إذا قطع الأب يد ابنه عمدا، حيث ليس للولد إلّا أخذ دية يده من أبيه. ففي الفرض أيضا لا يثبت له حقّ القصاص من أبيه.

و قد يقال إنّه لا يقتل الأب بقتله الولد كما أنّه ليس للولد القصاص من أبيه من الجناية على طرفه، و أمّا أنّه لا يثبت له القصاص من أبيه إذا قتل مورّثه كالامّ في الفرض، فلا يدخل ذلك في شي ء من الموردين.

و لكن مع ذلك، الأظهر عدم جواز القصاص له من أبيه حتى في الفرض، لما ورد في قذف الرجل زوجته الميتة بأنّه ليس لولده حقّ القذف على أبيه، و بتعبير آخر كما ورد في أنّ الأب لا يقذف بقذفه الابن و مع ذلك

قد طبق الإمام عليه السّلام تلك الكبرى على ما انتقل حقّ القذف إلى الابن لموت زوجته المقذوفة كذلك ينطبق قوله لا يقتل الأب بالابن و لا يثبت للابن القصاص من أبيه في المفروض. و في صحيحة محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له ...- إلى أن قال-: و إن كان قال لابنه يا ابن الزانية و أمّه ميّتة و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحد؛ لأنّ حقّ الحدّ صار لولده منها» «1»، حيث انّ المتفاهم منه انّه كلّما لزم قصاص للابن من أبيه فلا حقّ للابن في القصاص من أبيه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 14 من أبواب حدّ القذف، الحديث 1: 447.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 153

و كذا البحث لو قذفها الزوج و لا وارث إلّا ولده منها، و أمّا لو كان لها ولد من غيره فله القصاص بعد ردّ نصيب ولده من الدية و له استيفاء الحدّ كاملا.

[الرابع و لو قتل أحد الولدين أباه ثمّ الآخر أمّه]

و لو قتل أحد الولدين أباه ثمّ الآخر أمّه (1)، فلكلّ منهما على الآخر القود، فإن تشاحّا في الاقتصاص اقرع بينهما و قدّم في الاستيفاء من أخرجته القرعة و لو بدر أحدهما فاقتصّ كان لورثة الآخر الاقتصاص منه.

______________________________

نعم لو كان للزوجة ولد من غير القاتل فله القصاص من زوجها القاتل، و لو كان لها ولد من القاتل و ولد من شخص آخر يثبت لولدها من غيره حقّ القصاص بعد ردّ نصف الدية على ولدها من القاتل، كما هو الحال فيما أوجب القتل ثبوت القصاص لواحد و

الدية للآخر، و أمّا في مسألة القذف فيثبت للولد من الآخر استيفاء الحدّ كاملا كما تقدّم بيانه في إرث حدّ القذف كما ورد ذلك في ذيل الصحيحة من قوله عليه السّلام «و إن كان لها ولد من غيره فهو وليها يجلد له» الحديث «1».

(1) إذا قتل أحد الأخوين من أب و أمّ أباه و قتل الأخ الآخر أمّه يكون قاتل الامّ وليّا للقصاص من أخيه القاتل أباه، و يكون قاتل الأب وليّا للقصاص من أخيه القاتل لامّه، فأيّهما بدر إلى قتل الآخر قصاصا تكون ورثة المقتول وليّا بالقصاص الذي كان حقّا لمورثهم المقتول قصاصا.

و احتمال التهاتر بالإضافة إلى حقّ القصاص الذي كان لكلّ من الأخوين نظير التهاتر في المتقاذفين بلا موجب بعد اقتضاء كلّ من القتلين كون كلّ منهما وليّا على القصاص من الآخر.

و ذكر الماتن أنّه إذا تشاحّا في البادي في الاقتصاص أنّه يقرع بينهما.

و لكن لا موجب للقرعة بعد معلومية ثبوت حقّ القصاص لكلّ منهما.

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 14 من أبواب حدّ القذف، الحديث 1: 447.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 154

[الشرط الرابع: كمال العقل]
اشارة

الشرط الرابع: كمال العقل، فلا يقتل المجنون سواء قتل مجنونا أو عاقلا (1) و تثبت الدية على عاقلته، و كذا الصبي لا يقتل بصبي و لا ببالغ.

______________________________

نعم لو قيل بأنّ ثبوت حقّ القصاص على وليّ المقتول ظلما يتوقّف على حكم الحاكم، فربّما يقال بأنّه يشكل على الحاكم الحكم لأحدهما أوّلا.

و هذا أيضا غير صحيح؛ لأنّ على الحاكم الحكم بثبوت حقّ الاقتصاص لكلّ منهما لكون لكلّ منهما وليّا على المقتول ظلما.

(1) يعتبر فيمن يتعلّق به القصاص كمال العقل بالفعل و البلوغ، و لو قتل المجنون مجنونا أو عاقلا لا

يقتصّ منه، و يتعلق الدية على عاقلته.

و يشهد لذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا» «1»، و معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا فجعل عليه السّلام الدية على قومه و جعل خطأه و عمده سواء «2».

هذا بالإضافة إلى المجنون، و أمّا بالإضافة إلى الصبي ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «عمد الصبي و خطأه واحد» «3»، و في موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول:

عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة» «4». و مقتضى الاطلاق عدم الفرق

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 1: 307.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 5: 307.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2: 307.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3: 307.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 155

..........

______________________________

بين أن يقتل الصبي صبيّا أو بالغا فيحسب قتله خطأ و تكون الدية على عاقلته.

و العبرة في حساب قتل المجنون خطأ محضا ما إذا وقعت الجناية حال جنونه و لو قتل عاقلا ثمّ جنّ لم يسقط عنه القصاص و ذلك مقتضى الاطلاق في مثل قوله سبحانه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1»، و ظاهر الصحيحة و معتبرة السكوني صدور الجناية حال الجنون و استيفاء القصاص حال الجنون مع صدور الجناية حال العقل لا ينافي رفع قلم التكليف عنه، فإنّ

الاستيفاء حقّ مجعول لولي الدم.

و يدلّ على ذلك أيضا رواية معاوية بن بريد العجلي قال: «سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا عمدا فلم يقم عليه الحدّ و لم تصحّ الشهادة عليه حتّى خولط و ذهب عقله ثم انّ قوما آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنّه قتله فقال: إن شهدوا عليه أنّ قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به، و إن لم يشهدوا عليه بذلك و كان له مال يعرف، دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل و إن لم يكن له مال اعطي الدية من بيت المال و لا يبطل دم امرئ مسلم» «2»، و الرواية لا يخلو سندها من الضعف و لذلك تصلح للتأييد كالتأييد بما ورد من عدم سقوط الحدّ عنه إذا كان ارتكابه الموجب حال العقل، و ما في الرواية من دفع الدية من ماله لا ينافي ما تقدّم، فإنّ المفروض في الرواية عدم إحراز وقوع الجناية حال جنونه لتكون الدية على عاقلته.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 29 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 52.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 156

أمّا لو قتل العاقل ثمّ جنّ لم يسقط عنه القود، و في رواية يقتصّ من الصبي إذا بلغ عشرا (1) و في اخرى: إذا بلغ خمسة أشبار و يقام عليه الحدود و الوجه ان عمد الصبي خطأ محض يلزم ارشه العاقلة حتى يبلغ خمسة عشر سنة.

______________________________

(1) قال الشيخ (قدس سره) في الاستبصار انّ الصبي إذا بلغ عشر سنين اقتصّ منه و حكي ذلك عن مبسوطه و نهايته و عن غير واحد لم يظفر

برواية مسندة تدلّ على ذلك. نعم الرواية المرسلة موجودة في الكتب و احتمل بعضهم أنّه (قدس سره) استند في ذلك إلى الصحيح عن أبي أيوب الخزاز قال: سألت اسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: «إذا بلغ عشر سنين، قلت: و يجوز أمره؟ قال فقال: «إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته» «1». و ظاهرها انّ بلوغ الصبي أيضا كالصبية يكون ببلوغ عشر سنين.

و لكنها لا تصح للاعتماد عليها؛ لأنّ قول اسماعيل بن جعفر غير معتبر بل باطل؛ لكونه من القياس.

نعم، ورد في صحيحة سليمان بن حفص المروزي عن الرجل عليه السّلام قال: «إذا تمّ للغلام ثمان سنين جاز أمره و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود» «2». و ظاهرها بلوغه بثمان سنين. و قد روى الشيخ الرواية بسنده عن علي بن الحسن بن فضال عن العبيدي (يعني محمد بن عيسى العبيدي) عن الحسن بن راشد عن العسكري عليه السّلام قال: «إذا بلغ الصبي ثماني سنين فجائز أمره في ماله و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود و إذا تمّ للجارية سبع

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 3: 252.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 13: 526.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 157

..........

______________________________

سنين فكذلك» «1».

و لكن إذا أمكن حمل ذلك على كونه مخيّرا يجوز أمره باذن وليّه و يثبت في حقّه العبادات و يعزّر على ارتكاب المحرّمات كالسرقة و شرب الخمر و الفحشاء فهو، و إلّا فلا مجال

للاعتماد عليها لعدم معهودية العمل بها و معارضتها بغير واحد من الأخبار الدالة على خلافها بل لا يبعد كونها متواترة إجمالا.

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل و غلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه و إذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية» «2»، و قد التزم الشيخ (قدس سره) في الاستبصار بمضمونها و قد حملوا الرواية على كون البلوغ خمسة أشبار أمارة لبلوغه إذا احتمل البلوغ و إلّا فمع العلم بالصغر لا عبرة بالأشبار.

و بتعبير آخر لا يكون لبلوغه خمسة أشبار موضوعية في مقابل بلوغه خمسة عشر سنة أو نبت الشعر الغليظ في عانته أو احتلامه، حيث انّ الالتزام بالموضوعية غير محتمل كما إذا فرض انّ الصبيين قد ولدا في يوم واحد فبلغ أحدهما خمسة أشبار و لم يبلغ الآخر فالالتزام بالقصاص من الأول دون الثاني إذا قتلا شخصا أو قتل كلّ منهما رجلا أو صبيا غير محتمل و إن لم يمكن حملها على الأمارية أيضا كما يدّعى ذلك فلا بدّ من طرحها و إرجاع علمها إلى أهلها لما تقدّم من الروايات الدالّة على أنّ بلوغه

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 9 من أبواب وصية الصبي و العجوز، الحديث 1: 11.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 66.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 158

[فرع]

فرع لو اختلف الولي و الجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال قتلت و أنت بالغ أو أنت عاقل فأنكر فالقول قول الجاني مع يمينه (1)؛ لأنّ الاحتمال متحقّق

فلا يثبت معه القصاص و يثبت الدية على العاقلة (القاتل خ ل) و لو قتل البالغ الصبي قتل به على الأصح (2).

______________________________

لا يكون بذلك و عليه فالالتزام بالقصاص من الصبي مع ورود انّ عمده و خطأه سيّان تحمّله العاقلة غير ممكن، و اللّه العالم.

(1) فإنّ الاستصحاب في كونه صغيرا زمان قتله أو في بقاء جنونه زمانه ينفي الموضوع للقصاص و يثبت الموضوع لكون الدية على العاقلة فعليه يكون ولي الدم مدّعيا لحقّ القصاص فإن أقام البينة على مدّعاه فهو، و إلّا يحلف الجاني المفروض إحراز بلوغه حين الحلف أو إفاقته حينه.

نعم، إذا كان المجنون قبل جنونه مسبوقا بالعقل و ادّعى وليّ الدم وقوع القتل منه قبل طروّ الجنون و ادّعى الجاني كونه بعد جنونه فالمدّعي هو الجاني فعليه إثبات دعواه و إلّا يحلف الوليّ و يثبت عليه القود.

و ظاهر الماتن و غيره عدم الفرق بين الصورتين بناء على مسلك المشهور من إلحاق القصاص بالحدود التي تدرأ بالشبهة، و قد تقدّم الكلام في أصل الحكم في الحدود و في إلحاق القصاص بها فلا نعيد.

(2) كما نسب ذلك إلى المشهور بل ادّعى عليه الاجماع. نعم المحكي عن الحلبي عدم القتل به، و يستدلّ على ما عليه المشهور بإطلاق ما دلّ على ثبوت حقّ القصاص لولي من قتل مظلوما و عمدا، و يضاف إلى ذلك مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ من قتل شيئا

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 159

و لا يقتل العاقل بالمجنون (1) و يثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها بالعمد و على العاقلة إن كان خطأ محضا و لو قصد القاتل

(العاقل خ ل) دفعه كان هدرا و في رواية ديته على بيت المال.

______________________________

صغيرا أو كبيرا بعد أن يتعمّد فعليه القود» «1».

و لكنّ المروي في الفقيه بسنده عن ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كلّ من قتل بشي ء صغير أو كبير بعد أن يتعمّد فعليه القود» «2»، و عليه فالمرسلة مضافا إلى ضعف السند- لا تدلّ إلّا على تعلّق القصاص حتّى إذا قتل بشي ء صغير؛ لأنّه لو لم يكن الصحيح ما نقله الصدوق فلا أقلّ من عدم ثبوت صحّة ما نقله الشيخ (قدس سره).

و أمّا الاطلاق فيما دلّ على ثبوت حقّ القصاص لولي المقتول متعمّدا أو ظلما فيرفع اليد عن الاطلاق المزبور بالتعليل الوارد في عدم تعلّق القود على قاتل المجنون من قوله عليه السّلام في صحيحة أبي بصير «فلا قود لمن لا يقاد منه» «3» فإنّ مقتضى ذلك عدم تعلّق القصاص بقاتل الصبي حيث انّ الصبي لا يقاد منه.

(1) ذكروا عدم الخلاف في ذلك، و يستدلّ على ذلك بصحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا مجنونا فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شي ء عليه من قود و لا دية و يعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين. قال: و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه و أرى انّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 31 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 56.

(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4، رقم الحديث 5221: 112.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 52.

تنقيح مباني الأحكام -

كتاب القصاص، ص: 160

و في ثبوت القود على السكران تردّد و الثبوت أشبه (1) لأنّه كالصاحي في تعلّق الأحكام.

______________________________

ورثة المجنون و يستغفر اللّه و يتوب إليه» «1». و رواية أبي الورد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أو لأبي جعفر عليه السّلام: أصلحك اللّه، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله، فقال: أرى أن لا يقتل به و لا يغرم ديته و تكون ديته على الإمام و لا يبطل دمه» «2». و مع ضعفها بأبي الورد صالحة للتأييد و ظاهرهما ثبوت ديته في صورة قتله دفاعا، على بيت المال.

و لكن استشكل في ذلك بأنّ المقتول المهاجم دمه هدر فلا موجب لضمان الدية.

و لكن الإشكال ضعيف، فإنّ دمه هدر بالإضافة إلى قاتله فلا يضمنه قاتله، و أمّا كون الدية على بيت المال فلا وجه لرفع اليد عمّا دلّ عليه لاحتمال كون الحكمة في ثبوتها تأمين معاش عياله أو غير ذلك.

(1) المنسوب إلى المشهور تعلّق القصاص على السكران فإنّه و إن كان حين الجناية بلا قصد لسكره إلّا أنّه بسوء الاختيار فيتعلّق به أحكام الصاحي.

و ربّما يستدلّ على ذلك بمعتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسجنهم فمات منهم رجلان و بقي رجلان فقال أهل

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 52.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 52.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 161

..........

______________________________

المقتولين يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا فقال للقوم: ما ترون؟ فقالوا: ترى أن

تقيدهما فقال علي عليه السّلام للقوم: فلعلّ ذينك اللذين ماتا قتل كلّ واحد منهما صاحبه، قالوا: لا ندري، فقال علي عليه السّلام: بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و آخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين» «1» فإنّ قوله عليه السّلام فلعلّ ذينك ... إلخ، في أنّه إذا أحرز انّ الباقيين قتلا الذين ماتا لتعلّق بهما القود، فالسكر المحرم كما هو ظاهر الفرض لا يوجب خروج جناية السكران عن حكم التعمد، و لكن جعله عليه السّلام دية المقتولين على قبائل الأربعة ينافي جعل جناية السكران عمدية حيث انّ اللازم أن تكون ديتهما على أنفسهم بأن يكون دية كلّ من المقتولين على الثلاثة أحدهم المقتول الآخر و المجروحين بل ظاهر صحيحة محمد بن قيس أنّه لا يحسب جناية السكران عمديّا فإنّه روي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أربعة شربوا مسكرا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان و جرح اثنان فأمر المجروحين فضرب كلّ واحد منهما ثمانين جلدة و قضى بدية المقتولين على المجروحين و أمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شي ء» «2».

و وجه الظهور أنّ الأمر بجلد كلّ من المجروحين ثمانين هو حدّا لشرب المسكر فيكون الإسكار على وجه المحرم و حكمه عليه السّلام بديّة المقتولين على المجروحين مقتضاه معلومية إسناد القتل إليهما و إلّا كانت الدية على الثلاثة كما تقدّم. و لو كانت جناية السكران من التعمد لكان على المجروحين القود.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2: 173.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1:

173.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 162

و أمّا من بنّج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر فقد ألحقه الشيخ (رحمه اللّه) بالسكران و فيه تردّد (1).

و لا قود على النائم لعدم القصد و كونه معذورا في سببه و عليه الدية (2).

______________________________

و حمل هذه على ما إذا لم يكن وقوع الاقتتال معلوما لهم عند الشرب بأن كان أمرا اتفاقيا و حمل معتبرة السكوني على ما إذا كان وقوعه أمرا عاديّا لعلمهم حين الشرب بأن هذا يؤدّي إلى الاقتتال نوعا نوع جمع تبرّعيّ. نعم هذا التفصيل مقتضى القاعدة التي ذكرنا في تمييز الجناية- يعني القتل عمدا- عن القتل خطأ، و المتعين في المقام الأخذ بها، و اللّه العالم.

(1) ينبغي أن يكون الكلام فيما إذا كان البنج مزيلا للقصد و الاختيار من غير أن يكون مسكرا، و كذلك المراد من شرب المرقد، و مع عدم العذر له في ارتكابه فقد يقال كما عن الشيخ (قدس سره) إلحاقه بالسكران في ثبوت القصاص عليه لاشتراك ذلك مع السكران في زوال القصد بفعله الاختياري. و قد تردّد الماتن (قدس سره) في هذا اللحوق، و لكن الصحيح الالحاق إذا كان ذلك من غير ضرورة مع علمه بأنّ ارتكابه القتل معه أمر عادي بخلاف ما إذا كان أمرا اتفاقيا على ما تقدّم من التفصيل في السكران، و اللّه العالم.

(2) لا ينبغي التأمّل في أنّه إذا قتل النائم بحركته في النوم و انقلابه شخصا طفلا كان أو غيره لا قود عليه؛ لعدم قصده القتل و لا الفعل و كونه معذورا في نومه و حركته. و إنّما الكلام في الدّية في ماله أو أنّ الدية على عاقلته، و ظاهر الماتن في المقام أنّ

الدية على النائم، و صرّح في الديات أنّ الأشبه باصول المذهب كونها على عاقلته.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 163

..........

______________________________

و يستدلّ على كون الدية على النائم بما روي «من نام فانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد» و بأنّ انقلاب النائم لعدم قصد النائم من أسباب القتل التي يكون ضمانها على الفاعل دون العاقلة.

و لكن قد يقال: شي ء من ذلك لا يوجب كون الدية عليه؛ لعدم كون السبب موجبا لكون الدية على الشخص ما لم يكن القتل مستندا إليه بقصده الفعل القاتل و المفروض أنّ النائم غير قاصد للفعل أصلا؛ و لذا قد يشكل كون الدية على عاقلته أيضا، فإنّ الملاك في ضمان العاقلة في موارد الخطأ أن يكون الفاعل قاصدا قتل شي ء فيصيب غيره أو يريد الفعل القاتل لشي ء فيصيب غيره أي يقع على غيره، و هذا غير محقّق في المورد؛ و لذا احتمل أن يكون ديته على بيت المال؛ لأنّ دم المسلم لا يذهب هدرا و هذا أيضا غير ثابت فيما كان الموت مستندا إلى القضاء و القدر كما إذا دفع الريح شخصا من السطح فوقع على غيره فمات الغير.

و لكن الظاهر الفرق بين مسألة إطارة الريح شخصا فيقع على غيره و بين انقلاب النائم فإنّ إتلاف النفس يستند إلى النائم حيث إنّ الفعل صدر عنه و لو بلا قصده بخلاف دفع الريح فإنّ وقوعه على الغير مستند إلى الريح العاصفة كاستناد سقوط الحجارة إليها، و كما أنّه إذا انقلب النائم على مال الغير فأتلفه يكون ذلك موجبا لضمانه المال المتلف كذلك انقلابه على شخص آخر.

نعم الرواية المرسلة لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها و العمدة ما ذكرنا، و يأتي التعرّض

لذلك في مسألة انقلاب الظئر النائم على الطفل و نلتزم فيها بالتفصيل بين ما إذا كانت الظئر ظائرة طلبا للعزّ و الفخر فتكون

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 164

و في الأعمى تردّد أظهره أنّه كالمبصر في توجّه القصاص بعمده (1)، و في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ جنايته خطأ تلزم العاقلة.

______________________________

الدية في مالها و بين ما ظائرت لفقرها تكون الدية على عاقلتها لبعض الروايات الواردة فيها.

(1) فإنّه إذا قصد القتل أو قصد الفعل القاتل يكون قتله عمديّا فيعمّه ما دلّ على ثبوت حقّ القصاص عنه لأولياء المقتول و أنّ النفس بالنفس «1».

و لكن قد ورد في صحيحة العلاء عن محمد الحلبي أنّ قتله يحسب خطأ فيكون دية المقتول على عاقلته قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله قال فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هذان متعدّيان جميعا فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا؛ لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجما فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بديّة عينيه» «2»، و الرواية صحيحة بحسب نقل الصدوق، حيث رواه بإسناده عن العلاء عن الحلبي.

و في موثقة عمّار عن أبي عبيدة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أعمى فقأ عين صحيح فقال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدّية في ماله فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام و لا يبطل

حقّ امرئ مسلم» «3».

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1: 306.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 65.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 165

[الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم]
اشارة

الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم احترازا من المرتدّ بالنظر إلى المسلم (1) فإنّ المسلم لو قتله لم يثبت القود و كذا كلّ من أباح الشرع قتله و مثله من هلك بسراية القصاص أو الحدّ.

______________________________

و قد يشكل على الروايتين بتعارضهما حيث ذكر في الثانية ما يقتضي كون عمده شبه العمد، و في الاولى كون عمده خطأ محضا مع أنّ الوراد فيهما كون الدية مع فقد العاقلة على الأعمى.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنّ مقتضى الجمع بينهما رفع اليد عن إطلاق الصدر في الثانية بما ورد في الاولى من كون الدية في مال الأعمى مع فقد العاقلة، كما يرفع عن إطلاق ذيل الاولى بما ورد في ذيل الثانية من أنّه إذا لم يكن للأعمى عاقلة تكون الدية في بيت المال أو تحمل على التفصيل بين قتل الأعمى و جنايته على الأطراف فيؤخذ في الاولى بخطإ المحض و في الثانية بشبه الخطأ.

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّه إذا ثبت جواز قتل مسلم لمسلم فلا يترتّب على قتله قود فإنّ مع جواز القتل له لا يكون قتله عدوانا و ظلما و على هذا فإن قتل مسلم مرتدّا سواء كان المرتدّ فطريّا أو ملّيا و كان القتل حال ارتداده فلا قود على المسلم القاتل، و عدم ثبوت القود على المسلم القاتل، مضافا إلى جوازه في المرتد الفطري، حيث ورد في مثل موثقة عمار الساباطي قال «سمعت أبا

عبد اللّه عليه السّلام كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمدا صلى اللّه عليه و آله نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه» «1» لكون شرط القصاص التساوي في الدّين و أنّه لا يقتل المسلم بكافر، و أمّا إذا رجع المرتد

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 1 من أبواب حدّ المرتد، الحديث 3: 545.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 166

..........

______________________________

إلى الإسلام فإنّ المقتول إذا كان ارتداده فطريا فلا قود؛ لبقاء جواز قتله بخلاف ما إذا كان ارتداده ملّيا فإنّه يتعلّق على القاتل القود؛ لكونه بعد التوبة مسلم و دمه محترم كسائر المسلمين.

و كذا إذا قتل المسلم من سبّ النبي صلى اللّه عليه و آله أو أحد الأئمة أو فاطمة عليها السّلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فإنّ حدّ السبّ جواز قتله لكلّ من سمع منه.

و قد لا يكون الشخص محقون الدم بالإضافة إلى شخص و لكن يكون محقون الدم بالإضافة إلى الآخر، كما في القاتل عمدا فإنّه غير محقون الدم بالإضافة إلى وليّ الدم، و يكون محقون الدم بالإضافة إلى السائرين، فلو قتله غير وليّ الدم يثبت على قاتله القود و بخلاف ما إذا قتله وليّ الدم.

و يلحق بذلك من أجرى عليه قصاص الطرف أو الحدّ من غير تعدّ عن الحداد و المجني عليه و لكن ترتب على إجراء الحدّ و القصاص موته فإنّه لا قود في الفرض و لا دية لما تقدّم من الروايات من أنّ من قتله الحدّ أو القصاص فدمه هدر، بخلاف ما إذا مات بتعدّ من الحداد و المجني عليه فإنّه يوجب الضمان كما تقدّم في باب الحدود.

و يقع الكلام في المقام في امور ثلاثة:

الأول: ما

إذا كان الشخص- لارتكابه أمرا محرّما- محكوما بالقتل حدّا، كالزاني المحصن و اللائط فإن قتلهما المستند إلى الحاكم يكون من جهة إجراء الحدّ عليهما و هذا لا إشكال فيه و إنّما وقع الإشكال فيما إذا قتله الغير مع إحرازه و علمه بارتكاب الموجب فإنّه و إن يظهر من بعض كلمات الأصحاب بكونهما مهدوري الدم فلا يوجب قتلهما قصاصا على المسلم و إن

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 167

..........

______________________________

فعل حراما؛ لكون إجراء الحد على الزاني و الزانية و اللائط و الملوط كسائر الحدود من وظيفة الحاكم.

نعم إذا لم يتمكّن القاتل من إثبات الارتكاب يجري عليه القصاص على ما هو موازين القضاء، و لكن استشكل في الحكم المزبور جماعة و ذكروا أنّ المرتكب مهدور الدم بالإضافة إلى الحاكم فيتعلّق على القاتل القود نظير قتل من عليه القصاص إذا لم يكن القاتل من أولياء الدم و هذا الإشكال في محلّه فإنّ مقتضى ما دلّ على أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ بعد عدم ثبوت الترخيص للقاتل في قتله تعلّق القود عليه.

الثاني: ما إذا قتل الزوج زوجته إذا رأى أنّها تزني أو قتل الزاني بها فإنّه يستدلّ على جوازه و عدم تعلّق القود على الزوج بقتلهما بروايات. نعم لو لم يتمكّن من إثبات الزنا يتعلّق عليه القود بحسب الحكم الظاهري.

منها رواية سعيد بن المسيب «أنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري انّ ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله، فاسأل عليّا عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليّا فسألته ... إلى أن قال: فقال أبو الحسن: «إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد و إلّا دفع برمّته» «1».

و رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السّلام

«في رجل دخل دار آخر للتلصّص أو الفجور فقتله صاحب الدار، أ يقتل به أم لا؟ فقال:

اعلم انّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه و لا يجب عليه شي ء» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 69 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 102.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 51.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 168

..........

______________________________

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «أيّما رجل اطّلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقئوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم» «1».

و لكنّ الروايتين الأخيرتين ظاهرهما الدفاع عن المال و العرض لا قتل مرتكب الحد بعد ارتكابه، و الرواية الاولى و إن كانت ظاهرة فيما ذكر و لا يحتمل الفرق بين قتل الزاني و الزانية إلّا أنّه من حيث السند ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها.

مع أنّه تعارضها صحيحة داود بن فرقد، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قالوا لسعد بن عبادة: أ رأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: كنت أضربه بالسيف، قال: فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: ما ذا يا سعد؟ فقال سعد:

قالوا لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به، فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد، فكيف بالأربعة الشهود؟ فقال: يا رسول اللّه بعد رأي عيني و علم اللّه أن قد فعل، قال: اي و اللّه، بعد رأي عينك و علم اللّه أن قد فعل، إنّ اللّه جعل لكلّ شي ء حدّا و جعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّا» «2».

و

ما أرسل الشهيد في الدروس أنّ من رأى زوجته تزني فله قتلهما أيضا لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليه، مع أنها لم توجد في كلام من تقدّم على الشهيد.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 50.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 310.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 169

[الفصل الثالث في دعوى القتل و ما يثبت به]

[أما دعوى القتل]
اشارة

الفصل الثالث في دعوى القتل و ما يثبت به و يشترط في المدّعي البلوغ و الرشد حالة الدعوى دون وقت الجناية؛ إذ قد يتحقّق صحّة الدعوى بالسماع المتواتر (1)، و أن يدّعي على من يصحّ منه مباشرة الجناية، فلو ادّعى على غائب لم يقبل، و كذا لو ادّعى على جماعة يتعذّر اجتماعهم على قتل الواحد كأهل البلد، و تقبل دعواه لو رجع إلى الممكن.

______________________________

الثالث: قد ورد الروايات في جواز الدفاع عن النفس و العرض و المال و تقدّم أنّ القتل دفاعا لا يوجب القود و لا الدية، و الكلام في أنّ مهدورية دم المهاجم بالإضافة إلى من يهاجم عليه أو أنّه يجوز قتل المهاجم للغير عند الدفاع عن أخيه المؤمن إذا استدعى نصرته و إعانته. و قد تقدّم أنّه لا يبعد أن يكون المهاجم مهدور الدم حتى بالإضافة إلى من يدافع عمّن يهاجم عليه في مباحث الدفاع.

(1) يقع الكلام في المقام في شرائط سماع الدعوى و ما يترتب عليها، و فيما يثبت به دعوى القتل و ما يتفرّع عليها.

أمّا في شرائط سماعها فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يشترط في سماعها كون المدّعي بالغا رشيدا عند الدعوى، و أمّا الواقعة التي يدّعيها فلا يعتبر بلوغه و رشده عند وقوعها حيث يمكن للصبي بعد بلوغه

و لغير الرشيد بعد رشده العلم بالواقعة المزبورة بالسماع المتواتر و نحوه فيرفع دعواه إلى المرافعة.

و كذا يعتبر في سماع الدعوى كونها بحيث يحتمل صحتها و كون ما يدّعيه ممكن الوقوع، فلو ادّعى على غائب لا يمكن وقوع الجناية منه لغيابه

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 170

..........

______________________________

أو على جماعة لا يمكن اجتماعهم على الجناية كما إذا ادّعى اجتماع أهل البلد على قتل والده لا تسمع.

أقول: قد ذكر (قدس سره) في كتاب القضاء في شرائط سماع الدعوى كون المدّعي بالغا عاقلا و لم يذكر الرشد المقابل للسفاهة، و ذكر في المقام اعتبار البلوغ و الرشد، فإن كان مراده في المقام من الرشد: العقل، فالاشتراط كما ذكرنا في القضاء صحيح؛ لأنّ المتصدّي للدعوى عن الصغير و المجنون وليّهما.

و أمّا إذا كان المراد من الرشد مقابل السفاهة كما هو ظاهره فاعتباره في المدّعي يختصّ بالدعاوى المالية الراجعة إلى التصرّف في أمواله على تفصيل تعرّضنا له في بحث القضاء. و أمّا في المقام- أي دعوى القتل الموجب للقصاص عن الجاني بل الموجب لأخذ الدية منه أو من عاقلته- فلا موجب لاعتباره، فإنّ السفيه غير محجور عليه عن القصاص من الجاني و لا من تملّك الدية عليه أو على عاقلته، غاية الأمر لا يدفع الدية إليه بل إلى وليّه و لا يتحقّق منه المصالحة على الدية بل لوليّه ذلك.

و على الجملة، الحجر عليه في أمواله لا يقتضي أزيد من منع دفع أمواله إليه و عدم نفوذ تصرّفاته فيها.

نعم، قد يقال بعدم سماع دعوى السفيه إذا اقتضى القصاص من الجاني ردّ فاضل الدية عليه.

و لكن لا يخفى أنّ ردّ فاضل الدية حكم شرعي يترتّب على القصاص من الجاني

و القصاص ليس من التصرّف في المال؛ و لذا تسمع دعوى الجناية

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 171

و لو حرّر الدعوى بتعيين القاتل و صفة القتل (1) و نوعه، سمعت دعواه، و هل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل فيه تردّد أشبهه القبول، و لو قال: قتله أحد

______________________________

على السفيه حتّى في موارد ترتّب أخذ الدية منه على ثبوت الجناية، و غاية الأمر يكون المتصدّي لردّ فاضل الدية على الجاني أو إعطاء الدية لجناية السفيه وليّه لكون أمواله بيده.

و يعتبر أيضا في سماع دعواه إمكان وقوع الجناية عن المدّعي عليه وقتها أو مطلقا فلو ادّعى الجناية على غائب وقتها لا تسمع الدعوى و كذا إذا ادّعى على من لا يمكن وقوع الجناية عنه مطلقا كما إذا ادّعى أنّ أهل البلد أجمع قتلوا أباه.

نعم، إن فسّره بشي ء ممكن أو احتمل الإمكان كما إذا بعث الغائب بسمّ في طعام إليه فقتله أو أمر أهل البلد فلانا بقتل أباه تسمع لإمكان الدعوى.

(1) المراد من صفة القتل اتصاف القتل بالمباشرة أو التسبيب، و من النوع كونه عمدا أو شبه عمد أو خطأ و لو عيّن المدّعي في دعواه القاتل و صفة قتله و نوعه فهذا هو المتيقّن من سماع الدعوى، و المراد من سماعه توجّه اليمين على المدّعى عليه.

و أمّا إذا عيّن في دعواه القاتل و لكن أطلق القتل، فقد اختار الماتن (قدس سره) السماع بعد إبرازه التردّد فيه.

أقول: لا ينبغي التردّد في سماعها في الفرض غاية الأمر إذا لم يكن للمدعي بيّنة فيحلف المدعى عليه على عدم وقوع القتل و صدوره عنه، و إن أقام بيّنة و شهدت البينة أيضا على مطلق القتل من غير تعيين

أنّه كان عمدا أو

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 172

هذين، سمع إذ لا ضرر في احلافهما (1) و لو أقاما بينة سمعت لإثبات اللوث ان لو خصّ الوارث أحدهما.

______________________________

شبه عمد أو خطأ فيحكم القاضي بالدية على عاقلة المدّعى عليه؛ لأنّ الأصل عدم وقوع الفعل منه بقصد قتله و لا بقصد عنوان الفعل فيحرز الموضوع لكون الدية على العاقلة.

و إن شهدت البيّنة أنّه قد صدر عنه الفعل بالقصد و لكن لم يشهد بقصده القتل فإن كان الفعل قاتلا نوعا ترتّب عليه القصاص و إلّا يترتّب الدّية على الجاني؛ لأنّ الأصل عدم قصده القتل و لم يكن الفعل قاتلا نوعا على الفرض، فيحرز شبه العمد الموضوع؛ لكون الدية على الجاني.

و هكذا الحال إذا كان المدعي ادّعى على شخص القتل و أطلق و اعترف المدّعى عليه بالقتل، فإن كان اعترافه بالقتل عمدا اقتصّ منه، و إن اعترف بالقتل و لكن قال لا أدري أنّه كان عمدا أو غيره فإنّه يحكم عليه بالدية في ماله لأصالة عدم تعمّده القتل، فإنّه إذا لم يكن الفعل قاتلة نوعا يثبت الموضوع للدية عليه؛ لأنّ الدية في موارد ثبوت القتل بالاعتراف إذا لم يكن القتل عمديّا يكون على المقرّ لا عاقلته كما يأتي؛ و لذا لو اعترف بالقتل بالخطإ المحض يكون أيضا الدية عليه بخلاف البيّنة فإنّه إذا لم يشهد بقصده الفعل يحكم بثبوت الدّية على عاقلته؛ لأنّ الأصل عدم صدوره عنه بالقصد.

(1) قد تقدّم أنّ سماع الدعوى مقتضاه توجّه اليمين على المدّعى عليه مع عدم البيّنة و السماع بهذا المعنى لا محذور فيه؛ لعموم قوله عليه السّلام: «البيّنة على المدّعي و اليمين على من ادّعي عليه» و المدّعى عليه

في الفرض و إن كان أحدهما الجامع بينهما إلّا أنّ الدعوى عليه لا تدفع إلّا بالحلف من كلّ منهما

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 173

..........

______________________________

و ليس في إحلافهما ضرر عليهما حيث لا محذور في الحلف صادقا كما في فرض عدم صدور القتل منهما، بخلاف عدم سماع الدعوى، حيث أنّه يمكن من سماعها بإحلافهما التوصل إلى معرفة القاتل بنكول أحدهما عن الحلف و إقراره بأنّه القاتل فيكون السماع طريقا إلى معرفة القاتل و استيفاء الحقّ منه.

و ما في الجواهر «1» من الإشكال في السماع بأنّ الدعوى لم تتوجّه إلى واحد منهما لا يمكن المساعدة عليه فإنّ الدعوى على الجامع بينهما لا تسقط إلّا باليمين من كلّ منهما، و ذكر (قدس سره) أنّه لو بنى على حصول اللوث بنكولهما عن اليمين أمكن القول بسماع الدعوى، نظير ما ذكر المصنّف و غيره من أنّ المدّعي بكون أحدهما القاتل لو أقامت بيّنة على أنّ أحدهما القاتل سمعت؛ لأنّ البيّنة المزبورة تثبت اللوث إذا اختصّ الوارث المدّعي بالقتل أحدهما المعيّن فيكون على ذلك المعيّن إقامة البيّنة على أنّه ليس بقاتل و إن لم تقم بيّنة كذلك أثبت الوارث المدّعي القتل عليه بالقسامة، و مقتضى التقييد في سماعها بما إذا اختص الوارث أحدهما المعيّن بعد إقامة البيّنة المزبورة أنّه لا فائدة للبيّنة المزبورة مع عدم هذا التعيين.

أقول: إذا بنى على أنّ نكولهما عن اليمين يثبت اللوث أو أنّ قيام البينة على أنّ أحدهما هو القاتل يثبته فلا يضرّ عدم تعيين الوارث أحدهما المعيّن فإنّه يثبت في الفرض حكم الدعوى في مورد اللّوث و حكمه على ما يستفاد من بعض الروايات على ما يأتي في بحث القسامة انّ مع

عدم قيام المدّعى عليهم البينة على نفي التهمة يكون على المدّعي القسامة و إذا أقامها

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 195.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 174

[مسائل]
[الاولى: لو ادّعى أنّه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم سمعت دعواه]

مسائل الاولى: لو ادّعى أنّه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم سمعت دعواه (1) و لا يقضي بالقود و لا بالدية؛ لعدم العلم بصحّة المدّعي عليه من الجناية و يقضي بالصلح حقنا للدم.

______________________________

قسّط الدية على المتّهمين و لا يقتصّ منهم و لا من بعضهم لعدم تعيّن القاتل.

و كذا إذا لم تقم المدّعي القسامة و لكن المدّعى عليهم أيضا نكلوا من إقامة القسامة على نفي التهمة عنهم، و أمّا إذا أقاموها تسقط دعوى التهمة منهم و يعطى الدية من بيت المال مطلقا أو إذا كان الإعطاء صلاحا بنظر الحاكم لئلا يذهب الدم المسلم هدرا نظير القتيل في الزحام كما يأتي.

بل إذا عيّن الوارث المدّعي القاتل بعد نكولهما أو بعد قيام البيّنة على أنّ أحدهما قاتل ففي سماع تعيينه تأمّل حيث إنّه ينافي دعواه السابق بأنّ القاتل أحدهما و لا يدري تعيينه و أن لا يبعد سماعه إذا ادّعى ظهور التعيين له بعد ذلك. و لو شكّ في أنّ نكولهما أو قيام البينة المزبورة يعدّ من اللّوث أم لا؟ لا يبعد الحكم بترتّب حكم اللوث كما هو مقتضى الاطلاق في مثل موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أنّ البينة على المدّعي و اليمين على من ادّعي عليه، و حكم في دمائكم أنّ البيّنة على المدّعى عليه و اليمين على من ادّعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» «1».

(1) قد يذكر في المسألة

الاولى صورتان:

الاولى: ما إذا ادّعى وليّ المقتول أنّ زيدا قتل أباه مع جماعة مشتركين

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 4: 115.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 175

..........

______________________________

في قتله عمدا لا أعلم عددهم، و ظاهر الماتن أنّ في هذه الصورة لا يجوز لولي المقتول القود حتّى من زيد كما لا يجوز أخذ الدية منه، و لكن يسمع دعواه فيقضي بالصلح مع زيد قهرا حقنا للدم.

و كلامه هذا ناظر إلى صورة إثبات القتل على طبق دعواه، و علّل عدم تعلّق القود بزيد بأنّ من شرط القصاص من أحد الشركاء في القتل ردّ المشتركين الفاضل من الدية إلى أوليائه و هذا غير ممكن في الفرض لعدم العلم بعدد الشركاء.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّه لم يثبت في الاشتراك في القتل أنّ جواز قصاص الولي من بعضهم مشروط بدفع ساير الشركاء الفاضل من الدية إلى أوليائه، بل يجوز له القصاص و وجوب إعطاء فاضل الدية وظيفة المشتركين مع الجاني المقتول قصاصا، فإذا لم يمكن ردّهم لعدم العلم بعدد الشركاء يقتصر المعلومون منهم على المقدار المتيقّن أو يجبر على المصالحة مع أولياء الجاني المقتول فالصحيح جواز الاقتصاص من زيد في الفرض.

الصورة الثانية: ما إذا ادّعى ولي المقتول أنّ زيدا مع شركائه لا يعلم عددهم قتلوا أباه خطأ و في هذا الفرض يحكم الحاكم بالمصالحة بين وليّ المقتول و زيد و ساير المعلومين من الشركاء؛ لأنّ أخذ تمام الدية من زيد و شركائه موقوف على العلم بعدد الشركاء، و كذا الحال إذا كانت دعوى الولي القتل بالخطإ المحض فإنّه يحكم بالمصالحة بين وليّ الدم و عاقلة زيد و

المعلومين من الشركاء على ما تقدّم، و ذلك لما علم من اهتمام الشارع بالتحفّظ على الدم حتّى بناء على أنّ مثل هذه الدعوى لا تسمع في المال.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 176

[الثانية: لو ادّعى القتل و لم يبيّن عمدا أو خطأ]

الثانية: لو ادّعى القتل و لم يبيّن عمدا أو خطأ الأقرب أنّه تسمع (1) و يستفصله القاضي و ليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى، و لو لم يبيّن قيل طرحت دعواه و سقطت البينة بذلك؛ إذ لا يمكن الحكم بها، و فيه تردّد.

______________________________

(1) إذا ادّعى القتل على أحد و لم يعيّن نوعه من العمد الموجب للقصاص أو الخطأ الموجب للدية على الجاني أو عاقلته، تسمع دعواه، فإن احتمل القاضي أنّه لم يبيّن نوعه لمصلحة له في الاخفاء يستفصله و الاستفصال ليس تلقينا بناء على ما تقدّم من أنّه إن لم يفصّل و أثبت دعواه بالبيّنة التي شهدت بمطلق القتل تثبت الدية على عاقلته لأصالة عدم التعمّد و عدم قصده الفعل الذي ترتّب عليه القتل اتفاقا، و لو ادّعى وقوع الفعل منه قصدا و لكن ذكر عدم علمه بقصده القتل أم لا، يترتّب الدّية على الجاني لأصالة عدم قصده القتل. و بتعبير آخر يحكم بضمّ الوجدان المحرز بالبيّنة إلى الأصل بمقتضاها.

لا يقال: إذا ثبت الفعل بالبيّنة أو بالإقرار يحكم بكونه عمديا؛ لكون الأصل وقوع الفعل عن الفاعل بالقصد.

فإنّه يقال: الأصل الثابت بسيرة العقلاء على حمل الفعل الصادر عن فاعل بصورة القصد و التعمّد غير جار في أمثال المقام ممّا كان التعمّد و الخطأ كلّ منهما موضوع لحكم خاص، فإنّه ليس بنائهم فيها على التعمّد و القصد.

نعم لو كان المثبت لدعوى مطلق القتل ثابتا بإقرار المدّعى عليه يتعلّق الدّية على الجاني لما

يأتي من عدم ثبوت الدّية بإقرار الجاني على عاقلته بل الاستفصال إذا كان بقصد أن يعيّن المدّعي نوع القتل لاحتمال صدقه و غفلته

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 177

[المسألة الثالثة: لو ادّعى على شخص القتل منفردا]

المسألة الثالثة: لو ادّعى على شخص القتل منفردا، ثمّ ادّعى على آخر لم تسمع الثانية برّأ الأوّل أو شرّكه لإكذابه نفسه (1) بالدعوى الاولى، و فيه للشيخ قول آخر.

______________________________

عن التعيين و أن لا يبطل دم امرئ مسلم فلا بأس، و إن قيل بأنّ مع عدم التعيين بعد ذلك لا تسمع الدعوى و لا تفيد البيّنة القائمة بمطلق القتل، و لكن القول بعدم السماع ضعيف كما تقدّم.

بل يمكن أن يقال: إنّ الدعوى إذا كانت مطلق القتل و شهدت البيّنة بالتعمّد أو بالخطإ شبيه العمد أو بالخطإ المحض فتعتبر البيّنة من غير حاجة إلى ضمّ الأصل و لا يكون عدم التعيين في الدعوى موجبا لسقوطها عن الاعتبار أخذا بما دلّ على ثبوت القود أو الدية بشهادة رجلين.

(1) علّل عدم سماع الدعوى الثانية بأنّ الدعوى الاولى تكذيب لها، و مقتضى ذلك عدم سماع الدعوى الاولى أيضا، فإنّ الثانية تكذيب للاولى أيضا و مع احتمال الصدق في الثانية، نعم مع إبداء العذر عن الدعوى الاولى لا تبعد سماع الثانية حفظا على الدم من الضياع.

و حكي عن الشيخ (قدس سره) أنّه لو أقرّ المدّعى عليه في الدعوى الثانية بها تسمع و مقتضاه عدم سماع الدعوى الاولى سواء كانت الدعوى في الثانية القتل بالانفراد أو بالاشتراك، و لا تكون هي مكذّبة للدعوى الثانية مع تصديق المدّعى عليه و لا يبعد أن يستفاد ذلك من صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و يأتي نقلها في ثبوت القتل بالاقرار، فإنّ

الاقرار إذا كان بلا دعوى على المقرّ و مع الشهود على خلافه نافذ فمع عدمهم على الخلاف و الدعوى عليه نافذ بالأولوية.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 178

[المسألة الرابعة: لو ادّعى قتل العمد ففسّره بالخطإ]

المسألة الرابعة: لو ادّعى قتل العمد ففسّره بالخطإ لم تبطل أصل الدعوى (1) و كذا لو ادّعى الخطأ ففسّره بما ليس خطأ.

[و تثبت الدعوى بالاقرار أو البيّنة أو القسامة]
[أمّا الإقرار]

و تثبت الدعوى بالاقرار أو البيّنة أو القسامة، أمّا الإقرار فيكفي المرّة (2) و بعض الأصحاب يشترط الإقرار مرّتين، و يعتبر

______________________________

(1) بل تكون دعواه القتل خطأ إذا كان ممن يحتمل عدم معرفته بمعنى العمد الخطأ، كما قيل انّ الغالب على الناس عدم المعرفة، و كذلك الحال إذا ادّعى القتل خطأ ثمّ فسّره بالعمد، و إلّا فلا تسمع الدعوى الاولى و لا الثانية؛ لأنّ كلّ منهما مكذّبة للاخرى كما تقدّم، و لم يظهر وجه صحيح للتفرقة بين هذه المسألة و السابقة في الصورة التي أشرنا إليها في السابقة من إمكان كون الدعوى الاولى ناشئة عن الاشتباه و إبدائه العذر المحتمل في حقّه.

(2) على المشهور بين المتأخرين، و قد اعتبر جماعة من المتقدّمين كالشيخ و ابني ادريس و البراج و الطبرسي- المرّتين، و كأنّ الوجه في الاعتبار الاحتياط في الدماء و كون كلّ إقرار شهادة واحدة، و قد تقدّم في بحث الحدود أنّه لا مورد للاحتياط إذا قام الدليل على النفوذ بالمرّة الواحدة، و كون الإقرار مرّة بمنزلة شهادة واحدة وارد في ثبوت الزنا و نحوه، فيؤخذ في المقام بما دلّ على نفوذه و لو كان بمرّة واحدة، و قد يقال: إنّ دعوى القتل ليس بأدون من ثبوت السرقة فإنّه يعتبر في ثبوت القتل بالإقرار كونه بمرّتين كالسرقة.

و فيه أنّه: إن قلنا باعتبار التعدّد في ثبوت السرقة فلا يتعدّى إلى غيرها و إلّا فيمكن أن يقال: إنّ القتل عمدا ليس أدون من الزنا فيعتبر في ثبوته كالزنا الإقرار بأربع مرّات.

و على الجملة، مقتضى الاطلاق نفوذ

الاقرار بالقتل، و لو كان بمرّة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 179

..........

______________________________

واحدة كقوله عليه السّلام في صحيحة الفضيل بعد بيان نفوذ الاقرار مرّة واحدة في الحدود التي من حقوق اللّه بمعنى أنّ الحاكم يجري الحدّ على المقرّ بخلاف حقّ الناس، فإنّه لا يجري عليه الحدّ بالاقرار إلّا بعد مطالبة ذوي الحقّ:

«و أمّا حقوق المسلمين، فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتّى يحضر صاحب الفرية أو وليّه و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم» «1». بل دعوى أنّ ظاهر الصحيحة نفوذ الإقرار بمرّة غاية الأمر ما كان من حقوق الناس يحتاج إلى مطالبة ذي الحقّ أو وليّه في الاستيفاء بخلاف ما لم يكن في حقوق الناس.

و ربّما يستدلّ على ذلك أيضا بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي و جاءه قوم فشهد عليه الشهود أنّه قتل عمدا فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يريموا حتّى أتاهم رجل فأقرّ عند الوالي أنّه قتل صاحبهم عمدا و أنّ هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبه فلا تقتلوه به و خذوني بدمه، قال فقال أبو جعفر عليه السّلام: إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه و لا سبيل لهم إلى الآخر» الحديث «2».

فإنّها واردة في بيان تعيين شهود القاتل في شخص و إقرار الآخر بكونه القاتل، و لو كان إقراره بمرّة واحدة.

و نظيرها مرسلة علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اتي أمير المؤمنين برجل وجد في خربة و بيده سكّين

______________________________

(1)

الوسائل: ج 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 344.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 5 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 108.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 180

في المقرّ: البلوغ و كمال العقل و الاختيار و الحرّية (1).

______________________________

ملطّخ بالدم و إذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فأقيدوه به» الحديث «1». و رواها في الوسائل عن الصدوق (قدس سره) بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين و لكنّها في الفقيه رواية مرسلة فراجع.

(1) اعتبار كون المقرّ بالغا عاقلا و كونه غير مكره ظاهر تقدّم الكلام فيه في ثبوت موجب الحدّ و يقتضيه رفع القلم عن الصبي و المجنون و المكره عليه.

و أمّا اعتبار الحريّة ففيه تفصيل و هو أنّه إذا اعترف العبد بشي ء من مال أو جناية فإن كان بتصديق مولاه نفذ فإنّ الحقّ لا يعدوهما و عدم سماع اعترافه لحقّ مولاه و المفروض أنّه معترف، و أمّا إذا لم يصدّقه مولاه فإن كان إقراره بمال فلا يبعد نفوذ إقراره به، فيؤخذ بالمال على تقدير عتقه، و إن كان جناية موجبة للقصاص فإن أمكن القصاص بعد انعتاقه يقتصّ منه و إلّا أخذ منه الدية.

لا يقال: يحتمل أن لا يكون لإقرار العبد أثر إلّا إذا بقي على اعترافه بعد انعتاقه لاحتمال دخالة رقّيته في إقدامه على اعترافه السابق و لو كان اعترافه السابق مقارنا لتصديق مولاه ينفذ اعتراف مولاه بالإضافة إليه لا إلى العبد، فيجوز لأولياء المقتول استرقاقه لا القصاص و لا يبعد أن يستظهر عدم السماع من صحيحة الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه

عليه السّلام يقول:

«إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع و إن شهد عليه شاهدان قطع» «2»، فإنّها مطلقة من حيث تصديق مولاه و عدم تصديقه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 107.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 35 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 532.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 181

..........

______________________________

نعم، يظهر من رواية الوابشي أنّ عدم سماع إقرار العبد لكونه إقرارا على مولاه و إذا اعترف مولاه بجنايته الموجبة للقصاص أو ضمان المال نفذ، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها قال: «لا يجوز إقرار العبد على سيده فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على العبد اخذ بها العبد أو يفتديه مولاه» «1».

فإنّه يقال: لا وجه للاحتمال المزبور، فإنّ الظاهر من عدم سماع إقرار العبد بمناسبة الحكم و الموضوع رعاية حقّ مولاه، فإذا اعترف مولاه به نفذ كما هو ظاهر رواية أبي محمد الوابشي، و العمدة ما ذكرنا. و الرواية و إن كانت كالصريحة فيه إلّا أنّ لضعفها لا تصلح إلّا للتأييد.

لا يقال: مقتضى صحيحة الفضيل الاخرى سماع إقرار العبد و لو كان مع إنكار سيّده فضلا عن عدم تصديقه فإنّه قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّه مرّة واحدة حرّا كان أو عبدا أو حرّة كانت أم أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه للذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان، إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ثمّ يرجمه» «2».

فإنّه يقال:

هذه الصحيحة معرض عنها في كلا الحكمين في نفوذ إقرار العبد و الأمة و عدم سماع الإقرار الزاني المحصن و أنّ اللازم في ثبوت الزنا من شهدة أربعة شهود فلا تصلح لرفع اليد بها عمّا تقدّم.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 121.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 342.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 182

و أمّا المحجور عليه لسفه أو فلس فيقبل إقراره بالعمد (1) و يستوفى منه القصاص، و أمّا الخطأ فيثبت (و أمّا بالخطإ فتثبت ديته خ ل) و لكن لا يشارك الغرماء، و لو أقرّ واحد بقتله عمدا و الآخر بقتله خطأ تخيّر الولي تصديق أحدهما و ليس له على الآخر سبيل (2).

______________________________

و الظاهر أنّ العبد إذا كان رهنا فلا يسمع إقراره بالجناية على الغير سواء كان إقراره بما يوجب القصاص أو الدّية، إلّا إذا صدّقه المرتهن أيضا و لا يكفي تصديق مولاه، حيث إنّ جناية العبد تكون في رقبته، فيكون إقراره إقرارا على المرتهن. نعم لا بأس بإقرار العبد إذا كان أجيرا خاصّا فإنّ المستأجر لا يملك إلّا العمل الذي يكون بذمة العبد فمع ثبوت جنايته بإقراره و الاقتصاص منه تبطل اجارته.

(1) و ذلك فإنّ المحجور عليه لسفه أو فلس يكون حجره بالإضافة إلى أمواله و الإقرار بالجناية الموجبة للقصاص ليس تصرّفا فيها، هذا بالإضافة إلى المحجور عليه لسفاهته، و أمّا إذا كان للفلس فيسمع إقراره بالجناية خطأ أيضا، و إذا صدّقه الغرماء يشاركهم مع تصديقهم. و أمّا مع عدم تصديقهم يثبت المال على ذمّته و لا يشاركهم أولياء المقتول في أمواله لما ذكرنا

من أنّ الحجر عليه بالإضافة إلى تلك الأموال بلا فرق بين أن يسند الموجب للدية إلى ما قبل الحجر عليه أم إلى ما بعده و لا يقاس بإقراره بالدين على الغير قبل الحجر عليه و لا بالبيّنة على الموجب السابق قبل الحجر عليه.

(2) و الوجه في ذلك نفوذ إقرار كلّ منهما على نفسه، فللوليّ أن يأخذ أيّا منهما على إقراره حيث إنّ إقرار كلّ منهما بالقتل بانفراده و لا يجوز له الأخذ بكليهما، فإنّه من الأخذ بما يعلم بعدم الحقّ كذلك، و يدلّ على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 183

و لو أقرّ بقتله عمدا فأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله و رجع الأول، درئ عنهما القصاص و الدية (1) و ودي المقتول من بيت المال و هو قضية الحسن عليه السّلام.

______________________________

ذلك رواية الحسن بن صالح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان إلى وليّه فقال أحدهما: أنا قتلته عمدا، و قال الآخر:

أنا قتلته خطأ، فقال: إن هو أخذ صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل، و إن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل» «1». و الرواية ضعيفة سندا بحسن بن صالح الثوري فإنّه زيدي بتريّ متروك العمل بما يختصّ بروايته صالحة للتأييد.

و دعوى أنّ الراوي عنه الحسن بن محبوب و هو من أصحاب الإجماع أو انّ ابن الوليد لم يستثن الحسن بن صالح من رجال نوادر الحكمة و عدم استثنائه دليل على وثاقته لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ دعوى كون الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع، ككون غيره منهم لا يكون توثيقا للرواة في السند من قبله، و حسن بن صالح

الذي لم يستثنه القمّيون من رجال نوادر الحكمة غير هذا الحسن فإنّ هذا من رجال الصادق و الباقر عليهما السّلام، و هو ممّن روي عنه في نوادر الحكمة، يعني الحسن بن صالح بن محمد الهمداني و اختلط أحدهما بالآخر في كلام بعضهم، فراجع.

(1) المشهور بين أصحابنا قديما و حديثا أنّه لو أقرّ شخص بقتل الآخر عمدا و أقرّ شخص آخر أنّه هو الذي قتله دون المقرّ أوّلا، و رجع المقرّ الأول أيضا عن إقراره سقط القصاص و الدية عن كلّ من المقرّين و ودي المقتول من بيت المال.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 3 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 106.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 184

..........

______________________________

و مقتضى ما تقدّم في السابق على ذلك أنّه لا اعتبار برجوع الأوّل عن إقراره و أنّ أولياء الدم يتخيّرون في القصاص من أيّ المقرّين مع احتمال صدور القتل من كلّ منهما أخذا بأيّ من الاقرارين.

و لكن ذكروا أنّه يرفع اليد عن ذلك برواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اتي أمير المؤمنين عليه السّلام برجل وجد في خربة و بيده سكّين ملطّخ بالدم، و إذا برجل مذبوح يتشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فأقيدوه به، فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرع ... إلى أن قال: فقال أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين للأول: ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: و ما كنت أستطيع أن أقول و قد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال و أخذوني و بيدي سكّين ملطّخ بالدم، و الرجل يتشحّط

في دمه و أنا قائم عليه خفت الضرب فأقررت و أنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة و أخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرجل متشحّطا في دمه فقمت متعجّبا فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن و قولوا له ما الحكم فيهما، قال: فذهبوا إلى الحسن و قصّوا عليه قصّتهما، فقال الحسن عليه السّلام: قولوا لأمير المؤمنين عليه السّلام إن كان هذا ذبح ذاك فقد أحيى هذا، و قد قال اللّه عز و جل: وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً يخلّا عنهما و تخرج دية المذبوح من بيت المال» «1».

و لكن الرواية واردة في مورد خاص و في سندها إرسال و رفع و عمل الأصحاب بها لا يدفع احتمال اختصاص الحكم بصورة معلومية صدق المقرّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 4 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 107.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 185

[و أمّا البينة]
اشارة

و أمّا البينة فلا يثبت ما يجب به القصاص إلّا بشاهدين و لا يثبت بشاهد و امرأتين (1)، و قيل يثبت به الدية و هو شاذ، و لا بشاهد و يمين، و يثبت بكلّ منهما

______________________________

الثاني كما يقتضيه الجواب «إن كان هذا ذبح ذاك فقد أحيى هذا» فسراية الحكم إلى صورة احتمال الاقرار من كلّ منهما غير ممكن لو لم يكن العمل بأصل الرواية مشكلا.

هذا مع رجوع الأوّل عن إقراره على ما ذكروا، و مع معلومية الكذب في إقراره على ما ذكرنا و إلّا يتخيّر أولياء المقتول كما يقتضيه ما تقدّم في المسألة السابقة.

(1) قد ذكرنا في بحث الشهادات أنّ الأخبار الواردة في ثبوت القتل بشهادة

النساء على طوائف ثلاث:

منها: ما يدلّ على قبول شهادتهن في القتل، كصحيحة جميل بن دراج و محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلنا: أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده انّ عليّا عليه السّلام كان يقول لا يبطل دم امرئ مسلم» «1».

و منها: ما تدلّ على عدم ثبوت القتل بشهادتهنّ كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم و لا تجوز شهادة النساء في القتل» «2».

و طائفة ثالثة: تدلّ على عدم ثبوت القود بشهادتهنّ كمعتبرة غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «لا تجوز شهادة

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، باب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 1: 258.

(2) الوسائل: ج 18، باب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 28: 264.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 186

ما موجبه الدية (و يثبت بذلك ما يوجب الدية خ ل) كقتل الخطأ و الهاشمة و المنقّلة و كسر العظام و الجائفة.

______________________________

النساء في الحدود و لا في القود» «1».

و قلنا بأنّ مقتضى الجمع بين الأخبار الالتزام بعدم ثبوت القصاص بشهادة النساء منفردات أو منضمّات كشهادة رجل و امرأتين، فيحمل الدالّة على عدم قبول شهادتهنّ على عدم ثبوت القصاص بشهادتهنّ و أنّه لو شهدن منفردات أو منضمّات بموجب القصاص يثبت الدية خاصة كما يقتضيه التعليل في صحيحة جميل و محمد بن حمران فإنّ مقتضى عدم ذهاب دم المسلم هدرا أنّه لم يثبت القصاص بل انتقل إلى الدية بل قلنا إنّه إذا شهدت امرأة واحدة بالقتل و لو عمدا ثبت ربع الدية على المشهود عليه

كما يدل على ذلك صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاما في بئر فقتله فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة» «2».

و يدلّ على ذلك أيضا رواية عبد اللّه بن الحكم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبيّا في بئر فمات قال: على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة» «3».

و قد ظهر مما ذكرنا أنّ ما ذكر الماتن (قدس سره) من نسبة القول الذي ذكره الشيخ و جماعة إلى الشذوذ و عدم الرضا به ضعيف.

لا يقال: على ذلك لو شهد رجل واحد على القتل عمدا يثبت به

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، باب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 29: 264.

(2) الوسائل: ج 18، باب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 26: 263.

(3) الوسائل: ج 18، باب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 33: 265.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 187

..........

______________________________

نصف الدّية أخذا بما دلّ على عدم ذهاب دم امرئ مسلم هدرا، و لفحوى صحيحة محمد بن قيس.

فإنّه يقال: التعليل المزبور وارد في قبول شهادة النساء في القتل مع ورود أنّه لا يثبت القود بشهادتهنّ و لم يثبت قبول شهادة رجل واحد على القتل عمدا من غير ضمّ شهادة رجل آخر أو شهادة النساء ليحمل عليه ثبوت الدية و ما ورد في صحيحة محمد بن قيس مورده شهادة المرأة الواحدة و قبول شهادتها في ربع الدية حكم على خلاف القاعدة لا يمكن التعدّي عن موردها و ما هو المفروض فيها.

ثمّ انّه ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يثبت بشهادة رجل و امرأتين و كذا بشهادة

رجل و يمين المدّعي، ما يكون موضوعا لثبوت الدية على الجاني أو عاقلته كالشهادة بالقتل خطأ أو بالجرح الذي لا يثبت فيه إلّا الدية، و كذا الشهادة بكسر العظام، و تدخل فيه الهاشمة و المنقّلة أيضا. و يعلّل ذلك كما في الجواهر «1» و غيره بأنّه يثبت بكلّ منهما المال الذي منه الدية.

أقول: قد ذكرنا في بحث القضاء و الشهادات أنّه يثبت بشهادة رجل و يمين المدّعي الدّين، و هو المال الثابت على الذمة و غيره من العين و ساير حقوق الناس و القصاص أيضا من حقوق الناس إلّا أنّه ذكرنا في ذلك البحث أنّه يرفع اليد عن الاطلاق في مورد قيام الدليل على خلافه، و هو كذلك بالإضافة إلى القصاص مطلقا لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه في دعوى القتل و لو كان القتل خطأ على ما يأتي.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 209.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 188

و لا تقبل الشهادة إلّا صافية عن الاحتمال (1) كقوله: ضربه بالسيف فمات، أو فقتله أو فأنهر دمه فمات في الحال، أو فلم يزل مريضا منها حتى مات و إن طالت المدة، و لو أنكر المدّعى عليه ما شهدت به البيّنة لم يلتفت إلى إنكاره (2)، و إن صدّقها و ادّعى الموت بغير الجناية كان القول قوله مع يمينه.

______________________________

(1) و قد يقال: يعتبر في الشهادة على القتل أن يكون كلام الشاهد صريحا في استناد القتل إلى الجاني، كقوله: ضربه بالسيف فمات بالضربة، أو أنهر دمه فمات في الحال، أو ضربه بالسيف فلم يزل مريضا حتّى مات من ذلك.

و لكن لا يخفى أنّه إذا كان لكلام الشاهد ظهور في إسناد القتل إلى الجاني يكفي ذلك

الظهور في سماع الشهادة؛ لاعتبار الظواهر؛ و لذا لو اعترف الجاني بالقتل بمثل ذلك الكلام يؤخذ بإقراره كما لو قال ضربته فمات، و إذا كان ذلك إقرارا بالقتل يكون الأمر في الشاهد أيضا كذلك.

(2) إذا شهدت البيّنة أنّ فلانا قتل زيدا و أنكر المشهود عليه أنّه قتله لم يلتفت إلى إنكاره، فإنّ البيّنة حجّة على المدّعى عليه منكرا كان أم لا.

و إذا شهدت بالفعل القاتل عادة دون القتل و صدّقه المدّعى عليه و لكن ادّعى أنّه لم يقتل و القتل وقع بغير ذلك الفعل، كان القول قوله إذا احتمل صدقه، و لا يبعد أن يكون الشهادة على الفعل غير القاتل أيضا كذلك حتّى إذا لم يعترف المشهود عليه بقتله فإنّ المفروض انّ الشهادة لم تقع على القتل و إنّما وقعت على الفعل، و قد تقدّم أنّه يعتبر في سماع الشهادة من الشاهد إسناد القتل إلى المشهود عليه، و يمكن دعوى أنّ المورد مع البيّنة المزبورة يكون من موارد اللوث فيترتّب عليه الحكم في موارده.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 189

و كذا الحكم في الجراح، فإنّه لو قال الشاهد: ضربه فأوضحه، قبل (1)، و لو قال: اختصما ثم افترقا و هو مجروح فوجدناه مشجوجا، لم يقبل؛ لاحتمال أن يكون من غيره، و كذا لو قال: فجرى دمه. و أمّا لو قال: فاجري دمه قبلت، و لو قال: أسأل دمه فمات، قبلت في الدامية دون ما زاد، و لو قال: أوضحه و وجدنا فيه موضحتين سقط القصاص (2)؛ لتعذّر المساواة في الاستيفاء و يرجع إلى الدية، و ربما

______________________________

(1) و ذكر الماتن (قدس سره) انّ السماع و عدمه في الشهادة على الجروح أيضا، كذلك فيثبت الجرح

الموجب للقصاص إذا كانت الشهادة صافية خالية عن الاحتمال، فإن قال الشاهد: ضربه فأوضحه، يثبت الشهادة على الموضحة، و أمّا لو قال: اختصما ثم افترقا و هو مجروح أو ضربه فوجدناه مشجوجا لم يقبل؛ لاحتمال أن يكون سبب الجرح و الشجاج أمرا آخر.

و من هذا القبيل لو قال: ضربه فجرى دمه، حيث إنّ الشهادة خالية عن إسناد سيلان الدم إلى الضارب بخلاف ما لو قال: ضربه فأجرى دمه، فإنّه تقبل و تثبت الدامية، و لو قال: أسأل دمه فمات، تثبت الدامية و لا يثبت القتل.

أقول: قد تقدّم منه (قدس سره) أنّه إذا شهدت البيّنة على أنّه ضربه بالسيف فمات يثبت القتل، فالفرق بينه و بين الشهادة على أنّه أسأل دمه فمات فيه تأمّل ظاهر.

و أمّا أصل الحكم، فقد ذكرنا المتّبع في الشهادة ظهور الكلام و لا يعتبر الصراحة بالمعنى المتقدّم بلا فرق بين الشهادة بالقتل أو الشهادة بالجرح.

(2) و هذا أيضا متفرّع على اعتبار كون الشهادة صافية فإنّه لو قال:

ضربه فأوضحه و وجدنا فيه موضحتين لعدم تعيين الموضحة التي بفعل المشهود عليه سقط القصاص؛ لأنّه يعتبر في القصاص في الجرح المماثلة من

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 190

خطر الاقتصاص بأقلّهما، و فيه ضعف؛ لأنّه استيفاء في محل لا يتحقق توجّه القصاص فيه. و كذا لو قال قطع يده و وجد مقطوع اليدين (1). و لا يكفي قوله:

فأوضحه أو شجّه، حتّى يقول: هذه الموضحة أو هذه الشجّة؛ لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر، و يشترط فيها التوارد على الوصف الواحد.

______________________________

حيث المساحة و المحلّ، و يتعذّر ذلك مع تعدّد الموضحتين، مع العلم أو الاحتمال بكون أحدهما بفعل المشهود عليه و ينتقل الأمر إلى الدية؛ لعدم

اختلاف الدية في الموضحة و احتمال أن يكون القصاص بأقلّهما ضعيف؛ لأنّ الاستيفاء يعتبر فيه المماثلة من حيث موضع الجناية مع موضع القصاص.

و كذا فيما إذا شهدت البيّنة على الجناية في عضوه بأن قال: قطع يده فوجدناه مقطوع اليدين، فإنّه مع عدم اليقين لا يمكن القصاص المعتبر فيه المماثلة، لمثل قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ.

و كلّ موضع امتنع فيه القصاص من الجاني ينتقل فيه الأمر إلى الدية.

و على الجملة، البيّنة لا تثبت القصاص إلّا أن تشهد على عين الجناية مع وجدان المتعدّد بأن يقول هذه الموضحة أو هذه الشجّة أو هذه اليد قطعها فلان، و هكذا.

(1) ذكر (قدس سره) أنّه يعتبر في سماع الشهادة أن لا تختلف في شهادتهما في وصف الجناية، كأن شهد أحدهما بالقتل بالسيف، و الآخر بالقتل بالسكّين، أو شهد أحدهما بالقتل ليلا و الآخر بالقتل نهارا، أو شهد أحدهما أنّه قتله في مكان كذا، و شهد الآخر أنّه قتله في مكان آخر، فلا يثبت القتل بمثل هذه الشهادة؛ لأنّ المعتبر في الشهادة أن يكون المخبر به

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 191

..........

______________________________

في إخبار أحدهما هي الواقعة المخبر بها في شهادة الآخر و لم يتحقّق ذلك في الفرض.

و هل يكون المورد مع عدم توارد الشاهدين على وصف واحد من موارد اللوث كما عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط لاتّفاقهما على حصول القتل و اتّفاقهما على صدور الجناية من المشهود عليه أم لا؟

الأظهر عدم ثبوت اللوث؛ لأنّ الشهادة من عدل واحد تعدّ لوثا إذا لم تتعارض مع شهادة الآخر، نظير ما إذا شهد أحدهما بصدور القتل من المدّعى عليه و الآخر بأنّه أقرّ بجنايته

و أنّه قاتله؛ لأنّ هذا المفروض خال عن التكاذب بين الشهادتين.

أقول: قد ذكرنا في بحث الشهادات أنّه إذا اتّفق الشاهدان في الشهادة و الحضور في واقعة واحدة بأن قال أحدهما: أنا و صاحبي رأينا أنّ فلانا قتل المقتول في مكان كذا، و قال الآخر أيضا هذا الكلام، و لكن قال أحدهما أنّه كان يوم الجمعة، و قال الآخر: أنت مشتبه كان يوم السبت، أو قال أحدهما: أنا و صاحبي كنّا حاضرين عند ما قتل هذا فلانا، و قال الآخر أيضا كذلك، و لكن وصف أحدهما مكان القتل بأنّه كان القتل بإزاء بيت فلان، و قال الآخر: أنت مشتبه كان بإزاء بيت شخص آخر، و نحو ذلك مما يرجع إلى تخطئة كلّ منهما الآخر في خصوصيات الواقعة و نسيانها مع اتفاقهما في الشهادة بواقعة خارجية واحدة، فهذا المقدار يكفي في الشهادة و لو لم يكن هذا كافيا في الدم، فلا أقلّ من أنّه من موارد اللوث.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 192

فلو شهد أحدهما أنّه قتله غدوة، و الآخر عشية، أو بالسكّين، و الآخر بالسيف، أو القتل في مكان معيّن و الآخر في غيره، لم يقبل، و هل يكون ذلك لوثا؟

قال في المبسوط: نعم، و فيه إشكال؛ لتكاذبهما. أمّا لو شهد أحدهما بالإقرار و الآخر بالمشاهدة لم يثبت و كان لوثا؛ لعدم التكاذب.

[و هنا مسائل:]

و هنا مسائل:

الاولى: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقا، و شهد الآخر بالإقرار عمدا ثبت القتل (1). و كلّف المدّعى عليه البيان، فإن أنكر القتل لم يقبل منه؛ لأنّه إكذاب

______________________________

(1) و ذلك لأنّ شهادة الشاهدين ليست بنفس القتل بل على الإقرار بصدور القتل، فيمكن أن يقرّ عند أحدهما بالقتل من غير

توصيف، و عند الآخر بالقتل عمدا أو سمع أحدهما التوصيف و لم يسمع الآخر.

و عليه فإنّ بيّن المدّعى عليه بعد تكليفه بالبيان أنّه كان عمدا و صدّقه الولي، أو قال: كان خطأ مع تصديق الولي فلا خفاء في الحكم.

و أمّا إذا أنكر القتل، فلا يسمع منه الإنكار؛ لأنّه تكذيب للبيّنة، و إن نفى العمد، فإن ادّعى الولي خلافه فعليه الإثبات. و ظاهر كلام الماتن و غيره أنّ شهادة الشاهد الواحد بإقرار الجاني بالقتل عمدا لا يوجب اللوث الموجب لثبوت القتل عمدا مع إنكار المشهود عليه العمد و إقراره بالخطإ فلا يثبت دعواه العمد بالقسامة؛ و لذا لو أقام المدّعي في الفرض البيّنة على عمده فهو، و إلّا يحلف الجاني على عدم العمد و يثبت القتل خطأ، و لكن يتحمّلها الجاني لما تقدّم من أنّ إقرار الجاني بالقتل خطأ لا يوجب الدية على العاقلة، بل تكون الدية عليه كما أنّ ظاهره أنّه لو لم يحلف الجاني على عدم القتل عمدا و ردّ اليمين على الولي بردّه أو بنكوله و حلف الولي على تعمّده ثبت القصاص، و هذا بخلاف ما إذا شهد أحدهما بالقتل عمدا و الآخر بالقتل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 193

للبيّنة، و إن قال: عمدا قتل، و إن قال: خطأ و صدّقه الولي فلا بحث و إلّا فالقول قول الجاني مع يمينه، و لو شهد أحدهما بالقتل عمدا و الآخر بالقتل المطلق و أنكر القاتل العمد و ادّعاه الولي كانت شهادة الواحد لوثا و يثبت المولى دعواه بالقسامة إن شاء.

______________________________

المطلق، و أنكر الجاني القتل عمدا و كان الولي مدّعيا التعمّد فإنّه تحسب شهادة الواحد حيث لا ينكرها الآخر لوثا، فعلى الولي

المدّعي للتعمّد إثباته بالقسامة إن شاء.

أقول: قد تقدّم أنّه لا تتحقّق البيّنة على أمر معيّن خارجي إلّا بإخبار كلّ من الشاهدين بذلك الأمر بعينه، و إذا أخبر أحدهما بأمر معيّن و الآخر بأمر معيّن آخر و كان الأمران مشتركين في العنوان الموضوع لا يثبت ذلك الموضوع بالبيّنة.

و عليه، فإذا أخبر أحد الشاهدين أنّ فلانا أقرّ عندي أنّه قتل زيدا عمدا و أخبر الآخر أنّه أقرّ عندي بقتل زيد من غير توصيف بالعمد، فلا يثبت شي ء من الإقرارين بالبيّنة.

و إطلاق كلام الماتن كغيره من ثبوت القتل بذلك، فإن أنكر قتله فلا يقبل؛ لأنّه تكذيب بالبيّنة لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ البيّنة لم تقم على القتل و لا على إقرار معيّن.

نعم لو أخبرا بإقرار معيّن واحد، و قال أحدهما أنّه وصف قتله زيدا بالعمد، و قال الآخر ما وصفه فيه بالعمد أو ما سمعت التوصيف بالعمد ثبت الإقرار بالقتل بالبيّنة.

و أيضا ما ذكروا من انحصار حصول اللوث على ما إذا أخبر أحدهما

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 194

الثانية: لو شهدا بقتل على اثنين فشهد المشهود عليهما على الشاهدين أنّهما هما القاتلان على وجه لا يتحقّق معه التبرّع، أو إن تحقّق لا يقتضي إسقاط الشهادة، فإن صدّق الولي الأوّلين حكم له (1) و طرحت شهادة الآخرين، و إن صدّق الجميع أو صدّق الآخرين سقط الجميع.

______________________________

بالقتل عمدا و الآخر بمطلق القتل و لا يحصل بإخبار أحدهما بإقراره بالقتل عمدا و إخبار الآخر بإقراره بمطلق القتل لا يمكن المساعدة عليه سواء قلنا بعدم ثبوت الاقرار بالقتل بالاخبار بالإقرارين من الشاهدين كما في إخبار أحدهما بإقرار و إخبار الآخر بإقرار آخر، أو قلنا بالثبوت كما تقدّم فذلك المورد

أيضا من موارد اللوث، إلّا أن يثبت تسالم على خلاف ذلك و انّ موارد الإخبار بالإقرار لا يدخل في اللوث، و سيأتي التكلّم فيه إن شاء اللّه تعالى.

(1) للمسألة فرضان:

الأوّل: أن يدّعي أولياء المقتول على اثنين أنّهما قتلا مورّثهم و أقاموا البيّنة على دعواهم، و بعد ما شهدت البيّنة على دعواهم أو قبل شهادتهما، شهد الاثنان على أنّ البيّنة هما اللذان قتلا مورّثهم، و في مثل ذلك لا يسمع شهادة المدّعى عليهما؛ لأنّهما متّهمان بدعوى المدّعي بدفع الضرر عنهما، و تسمع البيّنة التي شهدت على الدعوى.

نعم، لو صدّقهما المدّعي بعد شهادتهما أو صدّق الجميع، تسقط الدعوى؛ لأنّ دعواه أوّلا تكذيب لتصديقه و تصديقه تكذيب لدعواه.

و الثاني: إذا شهدت البيّنة حسبة على اثنين أنّهما قتلا فلانا و قلنا بسماع الشهادة حسبة في المقام و شهد الاثنان على أنّ الشاهدين هما قتلاه.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 195

الثالثة: لو شهدا لمن يرثانه (1) أنّ زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت و لا تقبل قبله؛ لتحقّقه التهمة على تردّد، و لو اندمل بعد الاقامة فأعاد الشهادة قبلت؛ لانتفاء التهمة، و لو شهدا لمن يرثانه و هو مريض قبلت، و الفرق أنّ الدّية يستحقّانها ابتداءً و في الثانية يستحقّانها من ملك الميّت.

______________________________

فظاهر الماتن (قدس سره) انّ الحكم في هذا الفرض أيضا كما في فرض سبق دعوى الولي.

و فيه تأمّل ظاهر، فإنّ مجرّد السبق في الشهادة لا يوجب التهمة في البيّنة الأخيرة؛ و لذا يقال إنّه إن صدّق الولي إحدى البيّنتين تعلّق بالاخرى القصاص، و إلّا يكون مخيرا في القصاص من أيّ منهما.

ففيه أيضا انّ الفرض غير منصوص و قياسه بالشهادة و بالإقرار من غير المشهود عليه ليس من

مذهبنا، و لا يبعد أن ينتقل الأمر بأخذ الدية؛ لعدم إمكان القود من الجميع و لا من أيّ من البيّنتين، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر (قدس سره) أنّه إذا شهد الشاهدان لمن يرثانه أنّ فلانا جرحه بجراحة و كانت شهادتهما بعد اندمال جرحه و عدم سرايته إلى نفسه قبلت شهادتهما بخلاف ما إذا كان قبل الاندمال مع احتمال السراية، فإنّه لا تقبل شهادتهما حيث تتحقّق في شهادتهما التهمه. نعم إذا اندمل الجرح و لم يسر إلى النفس فأعاد الشهادة قبلت؛ لانتفاء التهمة.

و لا يبعد أن يقال: إذا شهدا لمن يرثانه قبل اندمال الجرح تبقى شهادتهما معلّقة على سراية الجرح و اندماله، فإن اندمل تقبل لإحراز عدم كون شهادتهما لنفسهما بخلاف ما إذا مات بالسراية، فإنّه يجب شهادتهما من الدعوى على الجارح. و ما في كلام الماتن من التردّد في عدم سماع

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 196

..........

______________________________

شهادتهما قبل اندمال الجرح بإطلاقه لا يمكن المساعدة عليه.

و على الجملة، عدم سماع شهادتهما قبل ظهور الاندمال الموجب لانتفاء السراية لاحتمال كون شهادتهما من دعواهما على الجارح، و لا يقاس ذلك بما إذا شهدا لمن يرثانه بالمال على الغير أو عند الغير و كان المشهود له مريضا مرض الموت، فإنّه تقبل شهادتهما؛ لعدم كون شهادتهما من دعواهما على الغير، حيث انّ المال ينتقل بشهادتهما إلى ملك المريض، حتى مع موته فيما بعد؛ و لذا يحكم بنفوذ تصرّفاته قبل موته، و يؤدّى منه ديونه و ينفذ فيه وصاياه.

و أمّا الدية فإنّه على تقدير السراية للوارث ابتداء و لا مجال لتوهّم دخولها في ملك الميت بموته بدعوى أنّه يؤدّى منها أيضا ديونه و ينفذ وصيته من الدية

أيضا و عدم جواز تصرّفه فيها قبل موته بتمليكها للغير مجانا أو معارضة أو مصالحة أو إسقاط إنّما هو لعدم صحّة التمليك قبل التملّك و عدم صحة الإسقاط قبل الثبوت.

و الوجه في عدم المجال أنّ ما ذكر من أداء دينه منها و نفوذ وصيّته منها حكم تعبّدي يثبت حتى مع ثبوت الدية صلحا على القصاص من وليّ الدم، و أيضا لا دليل على ردّ الشهادة بمجرّد تحقّق عنوان التهمة حتّى يفرق بين الأمرين بما ذكر، بل الثابت ردّ الشهادة بامور انتزع منها عنوان التهمة في كلماتهم، و ليس احتمال وصول الدية أو تعلّقها بالشاهد من تلك الامور إذا كان المشهود به مجرّد الجرح قبل السراية و لا يدخل الشاهدان وقت الشهادة في عنوان المدّعي كما هو ظاهر.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 197

الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل (1)، فإن كان القتل عمدا أو شبيها به أو كانا ممن لا يصل إليهما العقل حكم بهما و طرحت شهادة القتل، و إن كانا ممن يعقل عنه لم تقبل؛ لأنّهما يدفعان عنها الغرم.

الخامسة: لو شهد اثنان أنّه قتل، و آخران على غيره أنّه قتله، سقط القصاص وجبت الدية عليهما نصفين (2). و لو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما، و لعلّه

______________________________

(1) ذكر (قدس سره) أنّه تقبل الشهادة من أفراد العاقلة بفسق الشاهدين على القتل إذا كان المشهود به القتل عمدا أو شبه العمد، فإنّ شهادتهما تحسب جرحا في شاهدي القتل، فتطرح شهادتهما. بخلاف ما إذا كان المشهود به القتل خطأ محضا، فإنّهما يدخلان فيمن يدفعان الغرم عن نفسهما بشهادتهما، فتحقّق التهمة الموجبة لردّ شهادتهما بفسق شهود القتل، و قد عمّم (قدس سره)

سماع شهادتهما بفسق الشهود ما إذا كان المشهود به القتل خطأ محضا، و لكن كانا ممن لا يصل إليهما العقل كما إذا كان في عصبة القاتل من هو أقرب إليه منهما، بأن كانا متقرّبين للقاتل بأبيهما خاصة، و كان في العصبة من المتقربين إلى القاتل من طرف أبيه المتقرّب بأبويه، و كذا ما إذا كان المتقرّب بأبويه من أقرباء الأب للقاتل فقيرا بناء على اعتبار الغنى فيمن يتحمّل الدية من عصبة الميت، و لكن في تقديم المتقرّب بالأبوين على المتقرّب بالأب و كذا في اعتبار الغنى في من يتحمّلها تأمّل و إشكال يأتي الكلام في باب العاقلة إن شاء اللّه تعالى.

(2) و كأنّه لدلالة البيّنتين على أنّ غير المشهود عليهما غير قاتل و لتردّد القاتل بينهما و عدم إمكان القصاص يكون دية المقتول عليهما، هذا فيما إذا كان القتل عمدا. و أمّا إذا كان خطأ محضا تكون الدية على عاقلتهما نصفين.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 198

احتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة بتصادم البيّنتين و يحتمل هذا وجها آخر و هو تخيّر الولي في تصديق أيّهما شاء، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد منهما بقتله منفردا و الأوّل أولى.

السادسة: لو شهدا أنّه قتل زيدا عمدا فأقرّ آخر أنّه هو القاتل و برء المشهود عليه (1)، فللولي قتل المشهود عليه و يردّ المقرّ نصف ديته، و له قتل المقرّ و لا ردّ لإقراره بالانفراد، و لو قتلهما بعد أن يردّ على المشهود عليه نصف ديته دون المقر، و لو أراد الدّية كانت عليهما نصفين، و هذه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام.

______________________________

و لكن لا يخفى أنّ ثبوت الدلالة على أنّ غيرهما

غير قاتل على تقدير كون المشهود عليه في كلّ من البيّنتين قاتلا، و هذا غير ثابت مع تعارضهما كما أوضحنا ذلك في بحث تعارض الخبرين، و عليه لا مقتضي للقصاص منهما، و لا لأخذ الدية منهما، و لا أخذها من عاقلتهما، إذا كان القتل خطأ.

و ما ذكر الماتن (قدس سره) من تخيير الولي في تصديق أيّهما شاء نظير ما أقرّ اثنان كلّ منها بقتله بانفراده، فإنّه قياس مع الفارق بين المسألتين على ما تقدّم.

و الظاهر أنّ مع تعارض البيّنتين لا قصاص و لا دية و لا اعتبار لتصديق وليّ الدم لما ذكرنا في بحث القضاء أنّ على المدّعي إثبات دعواه بالبيّنة التي تحسب حجّة و البيّنة المعارضة بمثلها لا تكون حجّة.

(1) في المسألة صور:

الاولى: أن يعلم أولياء المقتول بكذب المقرّ خاصة أو بكذب البيّنة خاصة، و في مثل ذلك لا يجوز لهم القصاص ممن يعلمون أنّه ليس بقاتل،

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 199

و في قتلهما إشكال؛ لانتفاء الشركة، و كذا في إلزامهما بالدية نصفين، و القول بتخيّر الولي في أحدهما وجه قوي، غير أنّ الرواية من المشاهير.

______________________________

و صحيحة زرارة المشار إليها في المتن منصرفة عن هذه الصورة.

الثانية: ما إذا احتمل اشتراك المشهود عليه و المقرّ في القتل، و قول المقرّ بأنّه قاتل و إن كان نافذا فإنّه اعتراف على نفسه، إلّا أن تبرئته المشهود عليه غير معتبر في نفي القصاص عن المشهود عليه؛ لأنه ليس من الاعتراف على نفسه.

و على ذلك، فإن كانت شهادة البيّنة بكون المشهود عليه قاتلا للمقتول من غير أن تنفي اشتراك الآخر، فمقتضى مدلولها و ما هو معتبر من قول المقرّ كونهما مشتركين في القتل.

و كذلك ما إذا

شهدت البيّنة بأنّ المشهود عليه قاتل، و ليس غيره قاتلا فإنّ شهادتهما بأنّ غيره ليس قاتلا يسقط بإقرار المقرّ بأنّه قاتل و يجري في المقام حكم الاشتراك أيضا بمعنى أنّه لو أخذ أولياء الميت القصاص من المشهود عليه فقط يجب على المقرّ ردّ نصف الدية إلى أولياء المشهود عليه، فإن قتلوا المقرّ فلا يردّ المشهود عليه نصف الدية أخذا بالمقرّ على إقراره بأنّه هو القاتل دون المشهود عليه و إن قتل أولياء المقتول كلا من المشهود عليه و المقرّ يجب عليهم ردّ نصف الدية على أولياء المشهود عليه و لا يردون شيئا على أولياء المقرّ أخذا بإقراره.

و روى زرارة في صحيحته عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي و جاءه قوم فشهد عليه الشهود أنّه قتل عمدا، فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يريموا حتّى أتاهم رجل فأقرّ

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 200

..........

______________________________

عند الوالي أنّه قتل صاحبهم عمدا و أنّ هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبه فلا تقتلوه به، و خذوني بدمه، قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام:

إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه و لا سبيل لهم على الآخر، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، و إن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوا و لا سبيل لهم على الذي أقرّ، ثمّ ليؤدّ الدية الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية قلت: أ رأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا، قال: ذاك لهم و عليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف

الدية خاصّا دون صاحبه، ثمّ يقتلونهما، قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدية؟ قال فقال: الدية بينهما نصفان؛ لأنّ أحدهما أقرّ و الآخر شهد عليه، قلت: كيف جعلت لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية، حيث قتل و لم تجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شهد عليه و لم يقرّ؟ قال فقال: لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ، الذي شهد عليه لم يقرّ و لم يبرّأ صاحبه، و الآخر أقرّ و برّأ صاحبه فلزم الذي أقرّ و برّأ صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه و لم يقرّ و لم يبرّأ صاحبه» «1».

أقول: يمكن أن يقال بأنّ مقتضى ذيل الرواية و إن يمكن جواز قتل المشهود عليه قصاصا مع قتل المقرّ حتّى في الصورة الثالثة التي يعلم بعدم اشتراك في القتل بينهما، إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بذلك؛ لعلم أولياء المقتول أنّ قتل واحد منهما عدوان و بغير نفس، فيكون مخالفا للمنع الوارد في الكتاب العزيز.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 5 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 108.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 201

..........

______________________________

و لذا يقال: إنّه يجوز لأولياء المقتول القصاص من المقرّ لنفوذ إقراره حتّى مع المعارضة للبيّنة و لا اعتبار للبيّنة مع الإقرار، و لا يردّ إلى أولياء المقرّ نصف الدية لا من قبل أولياء المقتول و لا من المشهود عليه؛ لعدم ثبوت كونه قاتلا.

و على الجملة، الصحيحة محمولة على صورة احتمال الشركة.

و ربّما يخطر بالبال ظهور صدر الصحيحة في صورة العلم بعدم الاشتراك حيث ذكر عليه السّلام فيه «إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه و لا سبيل

لهم على الآخر».

فإنّ قوله عليه السّلام «و لا سبيل لهم على الآخر» لا يجتمع مع جواز قتلهم المشهود عليه، و كذا في قوله عليه السّلام «إن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه و لا سبيل لهم على الذي أقرّ».

و على ذلك، فلا بأس بالالتزام بالتخيير مع عدم احتمال الشركة أخذا بالرواية.

و لكنّه توهّم و لا يمكن حمل الصدر على صورة عدم احتمال الاشتراك؛ لأنّه ذكر في الصدر ردّ المقرّ نصف الدية على ورثة المشهود عليه، و لا بدّ من حمل الصحيحة صدرا و ذيلا على صورة احتمال الاشتراك، و في غيرها يؤخذ المقرّ بإقراره؛ لنفوذ الإقرار و لو مع المعارضة مع البيّنة، و تطرح البيّنة لسقوطها عن الاعتبار بالتعارض مع الإقرار، و اللّه سبحانه هو العالم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 202

السابعة: قال في المبسوط: لو ادّعى قتل العمد و أقام شاهدا و امرأتين ثمّ عفى، لم يصحّ؛ لأنّه عفى عمّا لم يثبت (1)، و فيه إشكال؛ إذ العفو لا يتوقّف على ثبوت الحقّ عند الحاكم.

[و أمّا القسامة]
[الأول في اللوث]
اشارة

و أمّا القسامة، فيستدعى البحث فيها مقاصد الأول في اللوث (2) و لا قسامة مع ارتفاع التهمة و للولي إحلاف المنكر يمينا واحدة و لا يجب التغليظ و لو نكل فعلى ما مضى من القولين و اللوث أمارة يغلب معها الظن بصدق المدّعي كالشاهد و لو واحدا.

______________________________

(1) لا يخفى أنّه لا يصحّ العفو قبل تمام الموضوع لحقّ القصاص، و أمّا إسقاطه قبل إحراز وجوده الواقعي بأن يسقطه على تقدير تحقّقه واقعا فلا إشكال فيه؛ لأنّه على التقدير حقّ قابل للإسقاط.

(2) ذكر أصحابنا أنّه لا يثبت دعوى القتل بالقسامة إلّا في مورد اللوث و في غير مورده

لا يثبت دعوى القتل عمدا أو خطأ بها، بل يكون على المدّعي إثبات دعواه بالبيّنة و مع عدمها و عدم إقرار المدّعى عليه فللوليّ إحلاف المدّعى عليه على نفي دعواه كما في ساير الدعاوى، و إذا حلف المدعى عليه سقطت الدعوى.

و مع نكوله إمّا يحكم الحاكم بثبوت الدعوى بمجرّد نكوله أو بردّ اليمين على المدعي ليحلف على دعواه، و إذا حلف المنكر على نفى دعواه لا يجب عليه التغليظ في حلفه على النفي حتى مع مطالبته الحاكم، كما هو الحال في ساير الدعاوى.

و المراد باللوث على ما يظهر من كلماتهم أن يكون في البين ما يوجب للحاكم الظن بصدق المدّعي في دعواه غالبا كالشاهد الواحد أو كما وجد المدعى عليه عند المقتول و معه سلاح عليه الدم إلى غير ذلك. فيقع الكلام

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 203

و كما (و كذا خ ل) لو وجد متشحّطا بدمه و عنده ذو سلاح عليه الدم أو في دار قوم أو في محلّة منفردة عن البلد لا يدخلها غير أهلها، أو في صفّ مقابل للخصم بعد المراماة.

______________________________

في اشتراط اعتبار القسامة باللوث و كون المراد باللوث ما ذكروه.

أمّا اشتراط اعتبارها به فهو أمر متسالم عليه كما ذكرنا. و لكن نوقش في استفادة هذا الاشتراط من الأخبار، حيث انّ مقتضى الاطلاق في بعض الأخبار أنّه إذا لم يكن للمدّعى عليه بيّنة على نفي كونه قاتلا، فللمدّعي إثبات دعواه بالحلف، كموثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، و حكم في دمائكم أنّ

البيّنة على المدّعى عليه و اليمين على من ادّعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» «1». فإنّ مقتضى اطلاقها أنّه تصل النوبة في ثبوت دعوى القتل إلى الحلف إذا لم يكن للمدّعى عليه بيّنة على النفي كان في المورد لوث أم لا؟

نعم، إذا كان للمدّعي بيّنة على ثبوت دعوى القتل لا تصل النوبة إلى ثبوتها بالقسامة، بل تثبت دعواه بالبيّنة، و هذا التقييد مستفاد من بعض الروايات الواردة في المقام، كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر عليه السّلام قال:

«كان أبي رضي اللّه عنه إذا لم يقم القوم المدّعون البينة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه حلف المتّهمين بالقتل خمسين يمينا باللّه ما قتلناه» الحديث «2».

و ما ورد في صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 4: 115.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 6: 115.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 204

..........

______________________________

«سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلّها البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، إلّا في الدم خاصّة فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا، فقالت الأنصار إنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللّه للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم اقيده (أقده) برمّته فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلا اقيده برمّته» الحديث «1».

و في الثانية دلالة واضحة على أنّ مع وجود البيّنة للمدعى حتى في مورد اللوث تثبت دعوى القتل بالبيّنة و أنّ الوصول إلى ثبوتها إلى القسامة إنّما هو مع

عدم إقامتها. أضف إلى ذلك إطلاق ما دلّ على اعتبار البيّنة.

و على الجملة، موثقة أبي بصير تدلّ على ثبوت دعوى القتل بالقسامة إذا لم يكن للمدّعى عليه بيّنة على النفي، و أمّا ثبوت دعوى المدّعي بالبيّنة و لا تصل معها النوبة إلى القسامة في ثبوتها فلا تنفيه إلّا بالإطلاق اللازم رفع اليد عنه، بما ورد في مثل الصحيحتين من ثبوت دعوى القتل ببيّنة المدّعي، و كذا ثبوتها بالقسامة مع عدم إقامتها، كما أنّ موثقة أبي بصير دالّة على ثبوتها بها إذا لم يكن للمدّعى عليه بيّنة على النفي.

و يبقى الكلام في اطلاق الموثّقة و غيرها بالإضافة إلى عدم اعتبار اللوث، و قد ذكرنا أنّ اعتباره متسالم عليه بين أصحابنا بل عند مخالفينا أيضا إلّا الكوفي على ما قيل.

و كيف كان، فيمكن استفادة ذلك من بعض الروايات، و يرفع اليد بها

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 114.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 205

..........

______________________________

عن إطلاق مثل موثقة أبي بصير، كمعتبرة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إنّما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشرّ المتّهم فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم» «1».

و في صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّما جعلت القسامة احتياطا للناس لكيما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل» «2».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: «إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط يحتاط على الناس لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص» «3». فإنّه يستفاد منها كون المدّعى عليه شخصا فاجرا

تكون بينه و بين المقتول عداوة من مصاديق اللوث، و جعل القسامة احتياطا على دماء الناس يقتضي اعتباره و إلّا فيمكن لفاجر أن يقتل مورّثه ثمّ يقيم الدعوى على أحد بأنّه قتل مورّثه و يحلف معه خمسون من الفجّار على دعواه فيذهب دم المدّعى عليه المؤمن هدرا.

و ظهر مما ذكر أنّ ما ذكر الماتن مثالا للّوث في كلامه يختلف باختلاف الموارد، و أنّ المعيار في اللوث أن يكون في البين ما تحسب قرينة على صدق دعوى المدّعي و كون المدّعى عليه متّهما بها و إلّا فمجرّد كون المدّعى عليه في صفّ مقابل للخصم بعد المراماة لا يكون لوثا في جميع موارد القتل و نحوه غيره.

و على الجملة، إذا ثبت في مورد اللوث، فإن كان للمدّعي بينة على

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 7: 116.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 114.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 9: 116.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 206

و لو وجد في قرية مطروقة أو في خلة من خلال العرب أو في محلّة منفردة و إن انفردت كما كان هناك عداوة، فهو لوث (1) و إلّا فلا لوث؛ لأنّ الاحتمال متحقّق هنا، و لو وجد بين قريتين فاللوث لأقربهما إليه و مع التساوي في القرب فهما في اللوث سواء.

______________________________

المدّعى عليه يحكم بثبوت الدعوى بها، و إذا لم يقم المدّعي البيّنة و أقام المدّعى عليه البيّنة على نفي الدعوى تسقط الدعوى، و إذا لم يقم المدّعى عليه أيضا البيّنة تصل النوبة

إلى ثبوت الدعوى بالقسامة و إن لم تقم المدّعي القسامة فلا بدّ في سقوط الدعوى من إقامة المدّعى عليه القسامة على نفي الدعوى، فإن أقام القسامة سقطت الدعوى و إلّا الزم بالدعوى.

(1) لا يخفى أنّ القود يترتّب بالقسامة عند اللوث فيما إذا ادّعى أولياء المقتول على شخص معيّن أو أشخاص كذلك القتل عمدا، و أمّا مع عدم التعيين للمدّعى عليهم فلا يؤخذ إلّا الدية، و كذا مع عدم دعواهم فإنّه يحكم بضمان أهلها الدّية إلّا إذا أقاموا بيّنة على أنّهم ما قتلوه أو مع القسامة على عدم قتلهم مع وجود اللوث كما هو الفرض.

و يكفي في ثبوت الدية على أهلها صحيحة محمد بن قيس قال:

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل قتل في قرية أو قريبا من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بيّنة على أهل تلك القرية أنّهم قتلوه» «1».

و كذلك إذا وجد قتيلا بين قريتين أحدهما أقرب إلى مكان القتيل و إلّا يتقسّط ديته إلى أهل القريتين.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 5: 112.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 207

..........

______________________________

و في موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يوجد قتيلا في القرية أو بين قريتين قال: يقاس ما بينهما فأيّهما كانت أقرب ضمنت» «1».

و أمّا ما ورد في رواية محمد بن قيس قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لو أنّ رجلا قتل في قرية أو قريبا من قرية و لم يوجد بيّنة على أهل تلك القرية أنه قتل عندهم فليس عليهم شي ء» «2» فلضعفها بالإرسال

لا يمكن الاعتماد عليها.

و أمّا صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «في رجل كان جالسا مع قوم فمات و هو معهم أو رجل وجد في قبيلة و على باب دار قوم فادّعى عليهم قال: ليس عليهم شي ء و لا يبطل دمه» «3».

ففي التهذيب «4» بعد نقله عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبان عن محمد بن مسلم قال: و عنه عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام نحوه قال: «و لا يبطل دمه و لكن يعقل».

و روى بإسناده عن حماد عن ابن المغيرة عن ابن سنان مثله. ثمّ قال:

و لا تنافي بين هذين الخبرين و بين الأخبار المتقدّمة الدالّة على ضمان أهل القرية و القبيلة الدية إذا كانوا متّهمين بقتله و امتنعوا من القسامة، فأمّا إذا لم يكونا متّهمين بقتله أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم و يؤدّى دية القتيل

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 4: 112.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 112.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 111.

(4) التهذيب: ج 10، ص 205، باب 4، رواية 14.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 208

..........

______________________________

من بيت المال.

أقول: يمكن أن يقال إنّه لم يفرض في صحيحة محمد بن مسلم اللوث أو يقيّد إطلاقها بما إذا حلفوا أنّهم ما قتلوه، و في هذا الفرض يؤدّى الدّية من بيت المال كما هو كذلك في جميع موارد اللوث إذا حلف

المدّعى عليهم بأنّهم ما قتلوه و لا يعرفون له قاتلا، كما يستفاد ذلك من فعل النبي صلى اللّه عليه و آله في قتيل خيبر على ما ورد في صحيحة بريد بن معاوية المتقدّمة. و علّق فيها ضمان المدّعى عليهم الدية على حلفهم على عدم قتلهم و عدم علمهم بالقاتل.

و ما في صحيحة مسعدة بن زياد «حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يمينا باللّه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلا ثمّ يؤدّى الدّية إلى أولياء القتيل» «1» فالمراد أداء الدية من بيت المال لا أداء المتّهمين مع حلفهم بأنّهم ما قتلوه و لا علموا قاتلا؛ و لذا أتى قوله عليه السّلام «ثمّ يؤدّى» بصيغة المفرد المجهول لا الجمع المعلوم كما يدلّ على ذلك رواية علي بن الفضيل أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه و لا يعلمون له قاتلا فإن أبوا أن يحلفوا اغرموا الدّية فيما بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين» «2».

و ما في رواية أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّه اتي علي عليه السّلام بقتيل وجد بالكوفة مقطّعا فقال: «صلّوا عليه ما قدرتم عليه منه ثم

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 6: 115.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 5: 115.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 209

أمّا من وجد في زحام على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع فديته على بيت المال (1)، و كذا لو وجد في جامع عظيم أو شارع، و كذا لو وجد في

فلاة و لا يثبت

______________________________

استحلفهم قسامة باللّه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلا و ضمنهم الدية» «1» من استظهار ضمان الدية على المتّهمين بعد حلفهم بأنّهم ما قتلوه و لا علموا له قاتلا لا يمكن الالتزام به لضعفها سندا و منافاتها مع ما تقدّم.

أضف إلى ذلك احتمال أنّه لم يكن مورد اللوث و لو لعدم انحصار المتّهمين؛ و لذا لم يحلفهم بل ضمن عليه السّلام لأهل القتيل الدية.

(1) و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل وجد مقتولا لا يدري من قتله قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام و يصلّون عليه و يدفنونه، قال: و قضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات أنّ ديته من بيت مال المسلمين» «2».

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي عليه السّلام بالكوفة فقتلوا رجلا فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين» «3».

و في موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام ليس في الهايشات عقل و لا قصاص و الهايشات الفزعة تقع بالليل و النهار

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 8: 113.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 109.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 6 من

أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 109.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 210

الملوث بشهادة الصبي و لا الفاسق و لا الكافر، و لو كان مأمونا في نحلته (1). نعم لو أخبر جماعة من الفسّاق أو النساء مع ارتفاع المواطاة أو ظنّ ارتفاعها كان لوثا و لو كان الجماعة صبيانا أو كفّارا لم يثبت اللوث ما لم يبلغوا حدّ التواتر.

______________________________

فيشجّ الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدري من قتله و شجّه» «1».

و في صحيحة مسعدة بن زيادة الواردة في القسامة «ذلك إذا قتل في حيّ واحد، فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال» «2».

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، دوم، 1426 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص؛ ص: 210

و في معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال» «3».

(1) كأنّ الوجه في عدم ثبوت اللوث بذلك عدم اعتبار خبرهم، و لكن خبر الكافر الثقة معتبر و إن لم يثبت به القتل كما لا يثبت القتل بخبر العدل الواحد أيضا مع أنّه ذكر بأنّ خبر العدل يوجب اللوث و كذا الحال في خبر المرأة الواحدة لا يكون لوثا، و لكن إذا أخبر جماعة من النساء أو الفسّاق مع ارتفاع المواطاة أو ظنّ بارتفاعها كان لوثا.

و أعجب من ذلك ما ذكره (قدس سره): «و لو كان الجماعة صبيانا أو كفّارا لم يثبت اللوث

إلّا إذا بلغ حدّ التواتر»، مع أنّ بلوغه حدّ التواتر يثبت القتل لا اللوث إلّا أن يكون المراد صورة عدم تعيين القاتل من الجميع فإنّه

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 110.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 6: 115.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 5: 110.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 211

و يشترط في اللوث خلوصه عن الشك (1) فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح متلطّخ بالدم مع سبع من شأنه قتل الإنسان بطل اللوث؛ لتحقّق الشك، و لو قال الشاهد: قتله أحد هذين كان لوثا (2)، و لو قال: قتل أحد هذين لم يكن لوثا و في الفرق تردّد.

______________________________

يثبت اللوث. و قد ذكرنا فيما تقدّم ملاك اللوث. و لو شكّ في مورد صدق اللوث و عدمه يؤخذ بإطلاق ما دلّ على اعتبار القسامة على قرار ما تقدّم سابقا.

(1) كأنّ مراده أن لا يكون في مورد اللوث ما يمنع عن حصول التهمة أي الظن باستناد القتل إلى من يقتضيه اللوث كما إذا وجد في القرب من القتيل ذو سلاح متلطّخ سلاحه بالدم و يوجد في قربه أيضا سبع من عادته قتل الإنسان، فإنّ الدعوى على ذي السلاح لا يكون من موارد اللوث لتثبت بالقسامة.

(2) إذا شهد عدل بأنّ القتيل قتله أحد هذين و ادّعى الوليّ تعيين القاتل في المعيّن منهما، تثبت دعواه بالقسامة؛ لأنّ شهادة العدل المزبور يوجب اللوث.

و أمّا إذا شهد عدل واحد بأنّ فلانا و هو شخص معيّن قد قتل أحد هذين

المقتولين و ادّعى وليّ أحد المقتولين بأنّ الشخص المزبور قاتل قتيله لا تثبت دعوى وليّ المقتول بالقسامة؛ لأنّ تعيين الشاهد القاتل و ترديده في مقتوله لا يوجب اللوث في دعوى وليّ أحد المقتولين. و ذكر الماتن (قدس سره) في الفرق تردّد.

و لكن لا يبعد الفرق فإنّ الصورة الاولى لا تقصر عن وجدان القتيل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 212

و لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه (1) و لا في القسامة حضور المدّعى عليه.

______________________________

بين قوم يظنّ أنّ فيهم قاتله حيث لا يعتبر في تحقّق اللوث تعيين القاتل بعينه. بخلاف الصورة الثانية، فإنّ الشاهد فيها لم يعيّن القاتل لا في شخص معيّن و لا بين جمع، بالإضافة إلى القتيل الذي ادّعى وليّه على الشخص المعيّن.

و ما عن المسالك من المناقشة في الصورة الاولى في كونها مورد اللوث و التزم بأنّ الثانية مورد اللوث حيث عيّن الشاهد فيها القاتل في شخص معيّن فيكون دعوى الوليّ موافقا لتعيين الشاهد بخلاف الصورة الاولى، ضعيف؛ فإنّه لم يعيّن الشاهد قاتل خصوص القتيل الذي يدّعي وليّه كما هو ظاهر.

(1) يمكن أن يراد بأثر القتل الجراحة كما يظهر من بعض الكلمات، فإن كان المراد ذلك فلا يشترط وجوده في اللوث حيث يمكن القتل بغيرها فلا يلتفت إلى ما حكي عن أبي حنيفة من قوله إن لم يكن جراحة و لا دم فلا قسامة و إن كان جراحة تثبت و إن لم يكن دم و إن كان دم فإن خرج من اذنه تثبت لا أن خرج من أنفه.

و إن كان المراد أن يكون في البين أثر أنّه مات بالقتل لا من حتف أنفه فلا اعتبار به حيث إنّه

يكفي في ثبوت اللوث أمارة على القتل و لا يلزم كونها أثرا للقتل.

و دعوى أنّ المفروض في الروايات كون الشخص قتيلا لا يمكن المساعدة عليها مع وجود الاطلاق في بعضها و جريان التعليل الوارد في

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 213

[مسألتان:]

مسألتان:

الاولى: لو وجد قتيلا في دار فيها عبده (1) كان لوثا و للورثة القسامة لفائدة التسلط بالقتل أو افتكاكه (انفكاكه خ ل) بالجناية لو كان رهنا.

الثانية: لو ادّعى الولي أنّ واحدا من أهل الدار قتله (2) جاز إثبات دعواه بالقسامة، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه و لم يثبت اللوث؛ لأنّ اللوث يتطرّق إلى من كان موجودا في تلك الدار و لا يثبت ذلك إلّا بالاقرار أو البيّنة.

______________________________

اعتبار القسامة في موارد أمارة القتل و إن لم يكن في البين أثر القتل، كما إذا وجد ميت على ساحل الشط و لم يعلم أنّه غرق فيه ثمّ القي في الساحل أو أنّه اغرق في الشط ثم اخرج إلى الساحل.

و كذا لا يعتبر في ثبوت القتل بالقسامة في مورد اللوث حضور المدّعى عليه و لكن إذا حضر المدّعى عليه كان له حجّته كما ذكرنا في القضاء على الغائب.

(1) يعني إذا قتل شخص في دار و كان في تلك الدار عبده و ادّعى ورثته أنّ قاتله عبده فيمكن للورثة إثبات القتل على العبد بالقسامة إذا كان في البين لوث و فائدة القسامة إذا كانت الدعوى القتل عمدا قتل العبد قصاصا أو لافتكاكه عن الرهانة حتى فيما لو كانت الدعوى القتل خطأ بناء على شمول ما دلّ على الافتكاك صورة قتل العبد مولاه، و فيه تأمّل، فإنّ الافتكاك مدلول التزامي لاسترقاقه

الذي لا يحصل في الفرض بل يحصل ما إذا قتل العبد غير مولاه، و اللّه العالم.

(2) فإن قتل شخص في داره أمارة على كون قاتله من أهل تلك الدار و على ذلك فإن ادّعى المدّعى عليه أنّه لم يكن وقت القتل في الدار لم يثبت

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 214

[الثاني: كمّيّتها]

الثاني: كمّيّتها و هي في العمد خمسون يمينا (1) فإن كان له قوم حلف كلّ واحد يمينا أن كانوا عدد القسامة، و إن نقصوا عنه كرّرت عليهم الايمان حتى يكملوا القسامة، و في الخطأ المحض و الشبيه بالعمد خمس و عشرون يمينا، و من الأصحاب من سوّى بينهما و هو أوثق في الحكم و التفصيل أظهر في المذهب.

______________________________

كون الدعوى عليه مورد اللوث و أمّا إذا ثبت ذلك بإقراره أو قيام البيّنة على كونه فيها في ذلك الوقت ثبت اللوث.

(1) لا خلاف في أنّ القسامة مع دعوى القتل عمدا خمسون يمينا، و المشهور أنّها في قتل الخطأ خمسة و عشرون يمينا، و عن بعض الأصحاب كالمفيد و الديلمي و ابن ادريس عدم الفرق بين دعوى العمد و بين دعوى الخطأ و شبيه العمد، و اختاره جماعة.

و يدلّ على التفصيل صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في القسامة خمسون رجلا في العمد و في الخطأ خمسة و عشرون رجلا» «1».

و في صحيحة ابن فضال و محمد بن عيسى عن يونس جميعا عن الرضا عليه السّلام «و القسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلا و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلا» «2».

و ظاهرهما التفصيل بين دعوى القتل عمدا و خطأ و ليس في البين

ما ينافي هذا التفصيل حتى الاطلاق فإنّ ما ورد في قضية دعوى الأنصاري على اليهودي كان دعوى العمد، فطلب رسول اللّه خمسين يمينا فلا يدلّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 11 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 119.

(2) الوسائل: ج 19، باب 11 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 120.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 215

و لو كان المدعون جماعة قسّمت عليهم الخمسون بالسوية في العمد و الخمس و العشرون في الخطأ (1).

______________________________

على كون القسامة خمسين يمينا حتّى في دعوى الخطأ.

و إطلاق الصحيحتين يدفع أيضا ما حكي عن ابن حمزة من أنّه يكفي في القسامة دعوى العمد خمسة و عشرون إذا كان في البين شهادة عدل واحد على الدعوى، و كأنّ حكمه بذلك مبنيّ على أنّ القسامة- أي الخمسون- بمنزلة شاهدين عدلين، و إذا كان في البين شهادة عدل واحد يكفي نصف القسامة، و هو كما ترى لا يخرج عن التخمين.

و على الجملة في القتل خطأ بخمسة و عشرين و ما ذكر الماتن من أنّ التساوي أوثق في الحكم يتمّ فيما إذا كان الزائد مع البذل، و أمّا مع الامتناع لا يكون في البين احتياط.

(1) ثم انّه إذا كان للمدعي قوم عالمون بصحة دعواه حلف كلّ واحد منهم يمينا إن كانوا بعدد القسامة، و يحسب المدّعي منهم في انضمام حلفه إلى حلفهم، و المراد بقومه أقربائه سواء كانوا كلّهم أو بعضهم من الوارثين للقصاص أو الدية أم لا.

نعم إذا كان في غير الوارث عدلان يشهدان يكون شهادتهما بيّنة و لا تصل النوبة إلى القسامة، كما أنّه إذا كان خبر قومه مفيدا للعلم فلا حاجة إلى

القسامة و كذا الحال في القسامة على القتل خطأ.

و ذكر الأصحاب أنّ المدّعي و قومه الباذلين لليمين إذا كانوا أقلّ من عدد القسامة كرّرت عليهم اليمين حتى يكملوا القسامة- أي خمسين يمينا في العمد و خمسة و عشرين في دعوى الخطأ- حتى قالوا إنّه لو لم يكن

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 216

..........

______________________________

للمدعي قوم باذلون يحلف هو خمسين في العمد و خمسة و عشرين في الخطأ.

و قد ناقش في ذلك بعض الأصحاب بأنّ التكرير على المدعى و قومه إذا لم يبلغوا عدد القسامة فضلا عن التكرير على المدّعي إذا لم يكن له قوم باذلون لا يستفاد من شي ء من الروايات بل مقتضى صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عدم الثبوت بالتكرير، حيث ورد فيها: «فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للطالبين ... فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلا أقيده برمته» «1».

و كذا ورد في صحيحه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم» «2».

و الحاصل انّ ظاهرهما عدم تحقّق القسامة إلّا بحلف خمسين رجلا، و لكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بالتكرير إذا كان المدعون للقتل أقلّ من عدد القسامة؛ لكون الحكم بالتكرير متسالم عليه، و أنّه لو لم يجز التكرير لكان اعتبار القسامة مع ما ورد فيه من أنّ اعتبارها للتحفظ على الدم و اغتيال العدو كاللغو، حيث إنّ وجدان الولي للدم خمسين رجلا من قومه و بذلهم الحلف على مقالته أمر نادر.

و دعوى أنّ الظاهر عدم المناقشة في التكرير فإنّه مقتضى موثقة أبي بصير عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم في

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 114.

(2) الوسائل: ج 19، باب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 117.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 217

..........

______________________________

أموالكم، حكم في أموالكم أنّ البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعى عليه، و حكم في دمائكم أنّ البيّنة على المدّعى عليه و اليمين على من ادّعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» «1».

و ظاهرها أنّه إذا لم يكن للمدّعى عليه بيّنة على نفي دعوى القتل عليه يكون على المدّعي اليمين، و ما ورد في صحيحة بريد بن معاوية المتقدمة موردها قضية الأنصار، و كذا في صحيحة زرارة، و في ذلك المورد كان الحلف من خمسين رجلا أمرا ممكنا، حيث ذكروا الرسول صلى اللّه عليه و آله «إنّا لنكره أن نقسم على ما لم نره» فلا تمنعان عن الأخذ بظاهر مثل موثقة أبي بصير.

و الحكم بجواز الحلف من المدّعي في مورد اللوث إذا لم يكن في البين باذلون لليمين لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ الوارد في الموثقة و في صدر صحيحة بريد كون الحلف بعنوان القسامة على المدّعي إذا لم يكن للمدّعى عليه بيّنة على نفي الدعوى، و الحلف بعنوان القسامة هو حلف خمسين رجلا كما في صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «في القسامة خمسون رجلا في العمد و في الخطأ خمسة و عشرون رجلا و عليهم أن يحلفوا باللّه» «2».

نعم، ربّما يستدلّ على التكرير بما ورد في صحيحة ابن فضال و محمد بن عيسى

عن يونس جميعا عن الرضا عليه السّلام بعد بيان الدية و بيان القسامة في

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 4: 115.

(2) الوسائل: ج 19، باب 11 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 119.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 218

..........

______________________________

الجروح قال: «فإن لم يكن للمصاب من يحلف معهم ضوعفت عليه الإيمان» «1».

و لكن ذكرنا أنّ موردها القسامة في الأعضاء و ديتها و في التعدّي منها إلى دية النفس في القتل خطأ فضلا عن القصاص تأمّل.

ثمّ إنّه يبقى الكلام في أمرين:

أحدهما: اعتبار كون خمسين رجلا من أقرباء المدّعي دون الأجانب.

و الثاني: في لزوم التسوية في التكرير أو لزوم التكرير عليهم بحسب سهام الإرث إذا كانوا وارثين.

أمّا الأمر الأوّل، فهو ظاهر كلمات الأصحاب في المقام و ما ورد في الروايات من كون القسامة خمسين رجلا كما في صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة و غيرها، إلّا أنّ الوارد في صحيحة سليمان بن خالد أنّه سأل الإمام عليه السّلام «فقلت فعلى من القسامة؟ قال على أهل القتيل» «2» و في صحيحة زرارة الواردة في قضية الأنصار «فليقسم خمسون رجلا منكم» «3».

و لكن مع ذلك فاستفادة اعتبار الأقرباء للمدّعي في القسامة لا يخلو عن الإشكال، حيث يحتمل أن يكون المراد بكون القسامة على أهل القتيل، الاتيان بالقسامة عليهم لدعواهم، و التقييد في خمسين رجلا بكلمة «منكم» في صحيحة زرارة لكون الأنصار كانوا مدّعين فكان عليهم الإتيان بالقسامة

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 11 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 120.

(2) الوسائل: ج 19، باب 10 من أبواب دعوى القتل و

ما يثبت به، الحديث 7: 119.

(3) الوسائل: ج 19، باب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 117.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 219

..........

______________________________

بحلفهم، أي حلف خمسين رجلا منهم.

و على الجملة، الأمر يدور بين اعتبار كون الحالفين بخمسين مدّعين أو حلف خمسين رجلا و لو لم يكن بعضهم من أقرباء المدّعي، فاعتبار كونهم من أقرباء المدّعي لا يخلو عن التأمّل.

و أمّا الأمر الثاني، أي إذا لم يكن للمدّعي خمسين رجلا يحلفون على دعواه بأن كان عددهم أقلّ، فهل تكرار اليمين عليهم بالسوية كما هو ظاهر عبارة الماتن بلا فرق بين كونهم مدّعين وارثين بالسوية أو مع التفاوت في السهام أو لم يكونوا وارثين، أو يكون الحلف موزّعا على الوارثين على حسب اختلاف سهامهم؟

قد تقدّم انّ تكرير الأيمان عليهم غير مستفاد من الروايات، بل ظاهرها لزوم خمسين رجلا في القسامة، و قد رفعنا اليد عن ذلك بالتسالم على التكرير فيما إذا كان عدد القسامة أقلّ و بالقرينة التي أشرنا إليها و مقتضى ذلك الاقتصار بالقدر المتيقن، و هو ملاحظة التكرير بنحو يجزي مع اعتبار التفاضل و عدمه، كما إذا كان المدّعي ابنا و بنتا، فيحلف الابن أربعا و ثلاثين رعاية لكون سهمه من المال ضعف سهم البنت، و تحلف البنت خمسا و عشرين رعاية لاحتمال التساوي في التكرير.

أقول: لا يبعد عدم ملاحظة التفاضل بناء على عدم اعتبار كون الحالفين في القسامة مدّعيا و لا وارثا، فإنّه بناء على ذلك لا دخل للوارث و لا للدعوى في اعتبار القسامة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 220

و لو كان المدّعى عليهم أكثر من واحد ففيه تردّد أظهره أنّه على كلّ واحد

خمسين يمينا (1) كما لو انفرد؛ لأنّ كلّ واحد منهم يتوجّه عليه دعوى بانفراده، و أمّا لو كان المدّعى عليه واحدا فاحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته حلف

______________________________

(1) المشهور بين الأصحاب بل نفي عنه الخلاف انّ المدّعى عليه إذا كان واحدا حضر من قومه خمسين رجلا يحلف كلّ على براءته، و إن لم يكن له قوم و لو باذلين، حلف هو خمسين مرّة ببراءته و يسقط عنه الدعوى بخلاف ما إذا كان المدّعى عليهم أكثر، ففيه خلاف عندهم فهل على مجموع المدّعى عليهم الحلف خمسين مرّة ببراءتهم أو أن اللازم حلف كلّ منهم خمسين ببراءته اختار الماتن (قدس سره) لزوم اليمين على كلّ منهم بخمسين مرّة كما لو انفرد كلّ منهم في الدعوى عليه و لم يكن له قوم يحلفون فإنّ الدعوى في القرض أيضا متوجّه إلى كلّ منهم.

و على ذلك يقع الكلام في جهتين:

الاولى: إن كان للمدّعى عليه قوم باذلين، حلفوا على براءته عن دعوى القتل عليه، و إن كان عددهم أقلّ أو لم يكن له قوم باذلين أصلا كرّرت عليه عدد القسامة، و لا يكتفى بحلفه خمسين مرّة بنفسه إذا كان له قوم باذلين كما هو الحال في قسامة المدّعى.

و قد يقال: إنّ هذا لا يستفاد من شي ء من الروايات، فإنّ ما ورد في رواية أبي بصير من قوله «فإذا ادّعى الرجل على القوم أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدم قبل المدّعى عليه فعلى المدّعي أن يجي ء بخمسين يحلفون أنّ فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه، فإن شاءوا عفوا و إن شاءوا قتلوا و إن شاءوا قبلوا الدية و إن لم يقسموا فإن على الذين ادّعى

تنقيح مباني الأحكام - كتاب

القصاص، ص: 221

كلّ واحد منهم يمينا، و لو كانوا أقلّ من الخمسين كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا العدد.

و لو لم يكن للولي قسامة و لا حلف هو، كان له إحلاف المنكر خمسين

______________________________

عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا و لا علمنا له قاتلا، فإن فعلوا» الحديث «1».

فإنّ ظاهره كون الحلف على النفي، على الذين ادّعى عليهم لا أنّ المدّعى عليه يحضر من قومه من يحلف معه بخمسين. أضف إلى ذلك انّ في سندها علي بن أبي حمزة.

و لكن هذه المناقشة مورد تأمّل، فإنّ القتل لا يصدر عن خمسين شخص أو أزيد حتّى يكون كلّهم المدّعى عليه في دعوى القتل، فظاهرها دعوى على طائفة أو عشيرة أنّ فلانا منكم قد قتل قتيلنا، و في هذا الفرض يكون حلفهم على النفي، من القوم المدّعى عليهم، و لا يحتمل الفرق بين ذلك و بين أن يدّعى على واحد من غيره و قوم إنّك قتلت قتيلنا و احضر قومه للحف على النفي. نعم سندها ضعيف كما ذكر بل ظاهر صحيحة مسعدة بن زياد أنّ الحلف بخمسين يمينا على المتّهم نفسه حيث ورد فيها «إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يمينا باللّه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلا ثمّ يؤدّي الدية إلى أولياء القتيل» الحديث «2». و ظاهرها أنّ المباشر للحف بخمسين يمينا هو المتّهم.

و قد يستظهر من صحيحة بريد بن معاوية حيث ورد فيها «و إلّا حلف

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 5: 118.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و

ما يثبت به، الحديث 6: 115.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 222

يمينا إن لم يكن له قسامة من قومه، و إن كان له قوم كان كأحدهم، و لو امتنع عن القسامة، و لم يكن له من يقسم الزم الدعوى و قيل له ردّ اليمين على المدّعي.

______________________________

المدّعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلنا و لا علمنا قاتلا و إلّا اغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهر هم إذا لم يقسم المدّعون» «1»، فإنّه لو كان المباشر بخمسين حلفا نفس المدّعى عليه لكان حلفه بقسامة خمسين رجلا ما قتلت و لا علمت قاتلا، و لكن لا يخفى أنّ المراد من المدّعى عليه المتعدّدون، فمع نكولهم عن هذا الحلف بعدم حلفهم تكون الدية عليهم كما هو ظاهر الصحيحة و هو قوله عليه السّلام «و إلّا اغرموا الدية» و هذه قرينة على أنّ المراد من المدّعى عليه الجماعة المدّعى عليهم.

و على الجملة، إذا كانت الدعوى القتل عمدا على شخص في مورد اللوث كما هو ظاهر الفرض في مورد قضية الخبر الواردة في الصحيحة لكان نكول المدّعى عليه موجبا لثبوت الدعوى فيترتّب عليه القصاص أو الدية، بخلاف ما إذا لم يكن المدّعى عليهم شخصا معيّنا كما في القتيل في قوم و طائفة فإنّه في الفرض إذا نكل المدّعى عليهم و المتهمين عن الحلف تكون عليهم الدية فقط بخلاف ما إذا حلفوا بقولهم ما قتلناه و لا علمنا قاتلا فإنّه تسقط الدية عنهم.

و ما ورد في صحيحة مسعدة بن زياد في فرض حلفهم من قوله عليه السّلام «ثم يؤدى الدية إلى أولياء المقتول» «2»، الأداء من بيت المال؛ و لذا لم يقل (ثمّ يؤدّون الدية) على ما تقدّم.

و على

الجملة، المستفاد من الروايات أنّه إذا لم يقم في موارد اللوث

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 114.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 6: 115.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 223

القسامة في الجروح و الجناية على الأعضاء (1):

و تثبت القسامة في الأعضاء مع التهمة و كم قدرها؟ قيل: خمسون يمينا احتياطا إن كانت الجناية تبلغ الدية و إلّا فبنسبتها من خمسين يمينا، و قال آخرون

______________________________

المدّعي القسامة على دعواه بعد أن لم تكن له بيّنة عليها و لا المدّعى عليه على نفيها، يحلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلا- أي خمسين يمينا- على نفي الدعوى، و إن نكل لزمه الدعوى من غير حاجة إلى ردّ اليمين إلى المدّعي و لو مرّة؛ لأنّ الردّ لم يثبت في مورد توجّه اليمين إلى المدّعي أوّلا، بل ظاهر ما ورد في مثل صحيحة بريد بن معاوية المتقدمة «و إلّا اغرموا بالدية» كون الموضوع في ثبوت دعوى المدّعي نكول المدعى عليه.

و أمّا الجهة الثانية فإن كانت الدعوى بحيث يتوجه إلى كلّ من المتعدّدين فعلى كلّ منهم قسامة خمسين رجلا فإنّه يستفاد من الروايات انّ المسقط لدعوى القتل في مورد اللوث عن المدّعى عليه قسامة خمسين رجلا، و أمّا إذا لم يتوجّه الدعوى إلى كلّ منهم بأن ادّعى المدعون أنّ قتيلهم قتل بيد أهل هذه البيت أو القرية و نحوها فلا يبعد كفاية خمسين يمينا من مجموعهم، بناء على أنّ هذا النحو من الدعوى مسموعة في موارد اللوث كما هو غير بعيد بملاحظة بعض روايات الباب حتّى يكون عليهم الحلف كذلك بمجرّد

وجدان القتيل فيهم.

(1) لا خلاف بين أصحابنا في ثبوت الدعوى على الجناية في الأعضاء و الجروح بالقسامة و المشهور بينهم اعتبار اللوث في ثبوتها بها كما في اعتباره في ثبوت دعوى القتل و المحكي عن الشيخ في مبسوطه عدم اعتبار اللوث في ثبوت الجناية بها على الأعضاء و الجروح كما هو المحكي عن أكثر العامة.

و لعلّ المنشأ في عدم الاعتبار الأخذ بإطلاق ما ورد في صحيحة أبي بصير

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 224

ست أيمان فيما فيه دية النفس و بحسابه من ستّ فيما فيه دون الدية و هي رواية أصلها ظريف.

______________________________

من قوله عليه السّلام «و حكم في دمائكم أنّ البيّنة على المدّعى عليه و اليمين على من ادّعى» «1»، و رفع اليد عن إطلاقه باعتبار اللوث في كون اليمين على من ادّعى بما تقدّم في دعوى القتل و أمّا في غير دعواه يؤخذ بالإطلاق.

و لكن لا يخفى أنّ شمول الاطلاق لغير دعوى القتل غير ظاهر و إنّما التزمنا باعتبار القسامة في دعوى الجناية في الأعضاء و الجروح بصحيحة عبد اللّه بن سنان «2» و معتبرة زرارة «3» الواردين في التعليل على اعتبار القسامة. و ظاهرهما اعتبار اللوث في دعوى القتل أو الجناية على الأطراف.

ثمّ يقع الكلام في مقدار القسامة في دعوى الجناية على الأطراف، فعن المفيد و سلّار و ابن ادريس أنّه خمسون يمينا كالنفس إذا كانت الجناية تبلغ ديتها دية النفس كالأنف و الذكر و إلّا فبمقدار نسبة ديتها إلى دية النفس، و قد أطلق البعض و لم يفرّق بين دعوى الجناية على الأطراف عمدا أو خطأ و بعضهم فرّق بين العمد و الخطأ و قال في دعوى الخطأ بمقدار

نسبة ديتها من دية النفس خطأ.

و لكن المعروف عن الشيخ و أتباعه و بين المتأخّرين أنّ القسامة في دعوى الجناية على الأطراف ستّ أيمان في الجناية التي ديتها دية النفس و في ما دونها بحساب ديتها من دية النفس، و المستند لذلك رواية ظريف و ما رواه يونس بن عبد الرحمن في الصحيح عن الرضا عليه السّلام حيث ورد فيها: «و على

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 4: 115.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 9: 116.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 7: 116.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 225

..........

______________________________

و ما بلغت ديته من الجروح ألف دينار ستة نفر و ما كان دون ذلك فحسابه من ستة نفر و القسامة في النفس و السمع و البصر و العقل و الصوت من الغنن و البحح و نقص اليدين و الرجلين فهو ستّة أجزاء الرجل. تفسير ذلك: إذا اصيب الرجل من هذه الأجزاء الستة و قيس ذلك فإن كان سدس بصره أو سمعه أو كلامه أو غير ذلك حلف هو وحده» الحديث «1».

و ذكر في الجواهر «2» أنّ تفسير ذلك ليس من تتمّة الحديث بل هو إضافة من كلام الكليني (قدس سره).

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّ الشيخ (قدس سره) رواها من كتاب علي بن إبراهيم بتلك الاضافة، و على كلّ، ففي ما ورد فيه قبل التفسير المزبور كفاية في الدلالة على ما ذكر كما ذكر ذلك في الجواهر أيضا.

ثم انّه قد ذكر بعض الأصحاب (قدس سرهم)

انّ القسامة على الجناية في الأعضاء و الجروح و ان تثبت وقوعها إلّا أنّه لا يترتّب على ثبوتها القصاص فإنّه ليس في البين الدليل على ترتّب القصاص بثبوت الجناية بها.

و صحيحة يونس لا يستفاد منها أزيد من ثبوت الدية بها.

و لكن لا يخفى انّ اختصاص القسامة بثبوت القتل عمدا في ترتّب القود غير ظاهر بل مقتضى صحيحة عبد اللّه بن سنان «3» الواردة في تشريع القسامة ثبوت القود في الأعضاء و الجروح أيضا. قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط يحتاط على الناس لكي إذا رأى

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 120.

(2) جواهر الكلام: 42/ 255.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 9: 116.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 226

و يشترط في القسامة علم المقسم (1) و لا يكفي الظنّ و في قبول قسامة الكافر على المسلم تردّد أظهره المنع (2).

______________________________

الفاجر عدوه فرّ منه مخافة القصاص «1».

غاية الأمر يمكن أن يقال: بأنّ القسامة في الجروح و الأعضاء في غير مورد ثبوت الدية هي حلف خمسين رجلا أو خمسون حلفا كالقسامة في القتل أخذا بما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان الاخرى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «في القسامة خمسون رجلا في العمد، و في الخطأ خمسة و عشرون رجلا، و عليهم أن يحلفوا باللّه» «2» و اللّه العالم.

(1) يمتاز الشهادة عن اليمين بأنّه يعتبر في الشهادة بواقعة حضورها و الحسّ بها فلا يكفي مطلق اليقين و العلم بها و لو بالحدس بخلاف الحلف فإنّه يعتبر

فيه العلم بما يحلف عليه و التعبير عن القسامة بالشهادة في بعض الروايات كمعتبرة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشرّ المتّهم فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم» «3» بنوع من العناية و في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يحلف الرجل إلّا على علمه» «4»، و نحوها غيرها، و بهذا يظهر أنّه لا يجوز الحلف على الظن.

(2) كما عليه جماعة من الأصحاب قديما و حديثا و ذلك فإنّ مقتضى ما ورد في الدعوى أنّ البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعي عليه و إنّما

______________________________

(1) الوسائل: ج 29، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 9: 116.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 119.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 7: 116.

(4) الوسائل: ج 16، الباب 22 من أبواب الأيمان، الحديث 3: 180.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 227

..........

______________________________

خرجنا عن الاطلاق في دعوى المسلم في القتل و الجرح بما ورد في أنّ الحكم في الدماء أنّ اليمين على المدّعي في دعوى الدم لئلا يبطل دم امرئ مسلم، كما ورد ذلك في موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1».

و ورد في صحيحة بريد بن معاوية إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة «2».

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان «إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط يحتاط على الناس لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص» «3».

فإنّ ظاهرها حصر وضع القسامة لإثبات السبيل إلى القصاص، فكلّ مورد

لا قصاص فيه كما في قتل المسلم الكافر حيث لا يثبت لوليّه الكافر القصاص من المسلم فلا مورد للقسامة. نعم يرفع اليد عن هذا الاطلاق ما لو ثبت في مورد اعتبار القسامة مع عدم ثبوت القصاص في ذلك المورد، كما في دعوى القتل الخطئي على المسلم فيؤخذ بمقتضى الدليل الخاص و يؤخذ في غيره بالإطلاق.

أقول: الروايات الواردة فيها وجه تشريع القسامة ناظرة إلى قسامة المدّعي، و الوجه الوارد فيها من قبيل الحكمة، و لو كان الوجه من قبيل العلّة بحيث يدور ثبوت القسامة مدار وجود ذلك الوجه لما اعتبر القسامة فيما كان دعوى وليّ القتيل الكافر على كافر آخر، مع أنّ ظاهر الماتن و غيره اختصاص عدم القبول بقسامة الكافر على مسلم، و ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان «إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط يحتاط على الناس لكي

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 4: 115.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 114.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 9: 116.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 228

..........

______________________________

إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص» «1»، لا يوجب دخول ما ذكرنا من الفرض في اعتبار القسامة فيه؛ لأنّ مثل صحيحة بريد الوارد فيها «إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكفّ عن قتله» «2» أخصّ، بالإضافة إلى صحيحة عبد اللّه بن سنان حيث إنّ مفاد الاولى أنّ ثبوت القصاص في قتل المسلم بالقسامة هو

الموجب لتشريعها.

و الأظهر انّ الوارد في هذه الروايات من قبيل الحكمة فلا يدور مورد مشروعيّة القسامة بما إذا لم يكن المقتول كافرا و المدّعى عليه مسلما، و لا بمورد ثبوت القصاص خاصّة دون الدية كما في المثال المتقدّم.

نعم، دلالتها على اعتبار اللوث في مورد اعتبار القسامة و أنّها لا تعتبر مع عدم اللوث تامة. و قد ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ قال: «سألته عن القسامة كيف كانت فقال: هي حقّ و هي مكتوبة عندنا و لو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثمّ لم يكن شي ء و إنّما القسامة نجاة للناس» «3».

و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «إنّما جعلت القسامة احتياطا للناس لكيما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل» «4»، حيث إنّ ثبوت الدية في ثبوت القتل عمدا

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 9: 116.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 115.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 114.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 114.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 229

و لمولى العبد مع اللوث إثبات دعواه بالقسامة (1) و لو كان المدّعى عليه حرّا تمسّكا بعموم الأحاديث.

و يقسم المكاتب في عبده كالحرّ (2).

______________________________

بالقسامة أيضا يمنع الفاجر عن القتل كما إذا أراد قتل طفل مسلم أو مجنون من المسلمين إلى غير ذلك.

و أمّا

ما ورد في صحيحة زرارة من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للأنصار بعد إبائهم عن الحلف «فيقسم اليهود» «1» فهي قسامة المدّعى عليهم إذا لم يقيمها المدّعون فلا يرتبط بمحلّ الكلام، و اللّه العالم.

(1) قد ظهر الوجه في ذلك و أنّ القسامة تثبت مع اللوث، و حيث إنّ المولى ولي الدم لعبده يكون له إقامة القسامة حتّى فيما إذا كان المدّعى عليه حرّا؛ لما تقدّم من عدم اختصاص القسامة بصورة كون المورد، مورد القصاص.

الثالث في أحكامها:

لو ادّعى على اثنين و له على أحدهما لوث، حلف خمسين يمينا، و يثبت دعواه على ذي اللوث و كان على الآخر يمين واحدة كالدعوى في غير الدم، ثمّ إن أراد قتل ذي اللوث ردّ عليه نصف ديته.

(2) و الوجه في ذلك انّ المكاتب سواء كان مكاتبا مطلقا أو مشروطا كالحرّ بالإضافة إلى كسب المال و تملّكه فيكون بالإضافة إلى عبده كالحرّ بالإضافة إلى عبده، و يثبت له في مورد اللوث في قتل عبده القسامة و لو كان المدّعى عليه حرا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 3: 117.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 230

و لو ارتدّ الولي منع القسامة (1) و لو حالف وقعت موقعها؛ لأنّه لا يمنع الاكتساب و يشكل هذا بما أنّ الارتداد يمنع الارث فيخرج عن الولاية فلا قسامة.

و يشترط في اليمين ذكر القاتل المقتول و الرفع في نسبهما بما يزيل الاحتمال و ذكر الانفراد أو الشركة (2) و نوع القتل. امّا الاعراب فإن كان من أهله كلّف و إلّا قنع بما يعرف معه القصد، و هل يذكر في اليمين أنّ النيّة نية

المدّعي قيل نعم دفعا لتوهّم الحالف، و الأشبه أنّه لا يجب.

______________________________

(1) ظاهر عبارته أنّ الحاكم يمنع الولي المرتد عن إقامة القسامة على دعواه في مورد اللوث، و لكن إذا أقامها ثبتت بها دعواه و بين الحكمين تهافت فإنّ القسامة لو كانت معتبرة من الولي المرتد فلا وجه لمنعه عن إثبات دعواه بها فإنّ المرتدّ الملّي لا يمنع عن اكتساب المال في زمان الإمهال لتوبته و لا تنتقل أمواله إلى ورثته. نعم إذا كان المقتول مسلما و كان زمان القتل مرتدّا فلا حقّ له في إقامة القسامة؛ لأنّ المرتدّ كافر و الكافر لا يرث المسلم فلا دعوى له على الجاني القاتل، و منه يظهر الحال في المرتد الفطري حيث إنّه لو كان ارتداده بعد زمان القتل أيضا فلا دعوى له على الجاني القاتل لانتقال أمواله و حقوقه بالارتداد.

(2) الثابت أن يكون الحلف من الحالف مطابقا لدعوى المدّعي بأن يحلف على وقوع ما يدّعيه المدّعي و إن لم يكن الحلف مطابقا لها فلا أثر للحلف المزبور بأن يدّعي المدّعي وقوع القتل عمدا و يحلف الحالف على القتل خطأ، فإنّ الحلف المزبور لا أثر له بل إن لم يذكر في حلفه القتل عمدا أو ما يفيد معناه فلا أثر له أيضا. و أمّا غير ذلك من الامور فغير معتبر مع صدق أنّه حلف على دعوى المدّعي و إن رفع لفظ الجلالة بواو القسم أو نصبه كما هو ديدن غير المتمكّنين من رعاية الإعراب في كلامهم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 231

[الثالث في أحكامها]
اشارة

المقصد الثالث في أحكامها لو ادّعى على اثنين و له على أحدهما لوث (1) حلف خمسين يمينا و يثبت دعواه على ذي اللوث و كان

على الآخر يمين واحدة كالدعوى في غير الدم ثمّ إن أراد قتل ذي اللوث ردّ عليه نصف ديته.

و لو كان أحد الوليين غائبا و هناك لوث حلف الحاضر (2) خمسين يمينا و يثبت حقّه و لم يجب الارتقاب و لو حضر الغائب حلف بقدر نصيبه و هو خمس و عشرون يمينا و كذا لو كان أحدهما صغيرا.

______________________________

(1) و ذلك فإنّ ثبوت اللوث بالإضافة إلى دعواه إلى أحدهما دون الآخر يوجب الاختلاف في مثبت دعواه بالإضافة إلى كلّ منهما.

و على الجملة، غير مورد اللوث باق تحت قولهم عليهم السّلام «البينة على المدّعي و اليمين على من ادّعى عليه» ثم انّ الولي إذا أراد قتل ذي اللوث دفع إليه نصف الدية لاعترافه بأنّه أحد القاتلين و كذا إذا أراد قتل الآخر إذا ثبت عليه القتل عمدا باليمين المردودة.

(2) و لو كان للقتيل وليّان أحدهما حاضر و الآخر غائب، و ادّعى الحاضر على شخص أنّه القاتل في مورد اللوث كما هو الفرض، و كان دعواه القتل عمدا، فإن جاء بالقسامة مع عدم البيّنة للمدّعى عليه ثبت له حقّ القود. و لو حضر الغائب و كان حضوره بعد القصاص من المدّعى عليه و رضائه بالقصاص فلا شي ء له، و إن لم يرض بالقصاص و طالب بالدية فعلى الولي الحاضر دفع نصف الدية إليه لاعترافه باستحقاقه عليه نصف الدية.

و أمّا إذا كان حضوره قبل أخذ الحاضر بالقصاص بأن أخذ من المدّعى عليه نصف الدّية فإن أراد الغائب القصاص منه أو أخذ الدية أيضا فهل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 232

..........

______________________________

يحتاج إلى إقامة القسامة، و على تقدير إقامتها فهل قسامته خمسون أو خمسة و عشرون؟

الظاهر عدم الحاجة إلى

القسامة إذا كانت قسامة الحاضر خمسين رجلا و حلف كلّ منهما على دعواه فإنّ القسامة بمنزلة إقامة أحد الوليين البيّنة على المدّعى عليه في كفايته بالإضافة إلى الولي الآخر أيضا. و أمّا إذا كانت قسامة الحاضر خمسين حلفا، فعلى الغائب بعد حضوره الحلف بخمسة و عشرين حلفا؛ لأنّ القسامة بخمسين حلفا لم يثبت كونها قسامة معتبرة إلّا بالإجماع و التسالم، و المتيقّن من التسالم كفايتها في حقّ المباشر بالحلف فقط، فيكون على الغائب الحلف بخمس و عشرين حلفا كما هو مقتضى تقسيط الحلف على المدّعين مع عدم الحالف لهم.

و مما ذكر يظهر الحال فيما كان دعوى الحاضر على الجاني القتل خطأ حيث إنّه يحلف بخمسة و عشرين و يأخذ نصف الدية فيكون الغائب على حجته على نحو ما ذكر.

و ما في عبارة الماتن من أنّ الغائب إذا حضر يحلف بقدر نصيبه. ففي اطلاقه منع كما بيّنا من الصور المفروضة في المسألة.

و يجي ء فرض الصور فيما إذا كان أحد الوليين كبيرا و الآخر صغيرا و ادّعى الكبير على شخص أنّه القاتل إن لم يقم وليّ الصغير بالدعوى، أو قلنا بعدم نفوذ إقامته الدعوى التي يثبتها الحلف؛ لأنّه من الحلف في حقّ الغير.

و يمكن أن يقال بأنّ على الغائب إذا حضر بعد القصاص أو قبله و طالب بالدية يكون عليه الحلف بخمسة و عشرين، حيث انّ المطالب منه

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 233

و لو أكذب أحد الوليين صاحبه لم يقدح ذلك في اللوث (1) و حلف لإثبات حقّه خمسين يمينا و إذا مات الولي قام و إرثه مقامه (2) و لو ماث أثناء الأيمان قال الشيخ يستأنف الإيمان؛ لأنّه لو أتمّ لا يثبت

حقّه بيمين غيره.

______________________________

نصف الدية هو ورثة الجاني إذا كان حضوره بعد القصاص و اعتراف الحاضر باستحقاقه نصف الدية لا يعدّ إقرارا على النفس، حيث إنّ اللازم على الحاضر دفع نصف الدية عند قصاصه إلى الجاني أو ورثته لا إلى الولي الآخر. فالولي الآخر يستحقّ نصف الدية عند مطالبتها على ورثة الجاني لا على الولي الذي أخذ بالقصاص، كما لا يخفى.

(1) المراد أنّه إذا ادّعى أحد الوليين في مورد اللوث القتل على أحد و قال الولي الآخر أنّه ليس قاتلا سواء ادّعى أنّ القاتل غيره أو قال أنّه ليس بقاتل فإنّ تكذيبه صاحبه في دعواه لا يبطل اللوث بالإضافة إلى المدّعى عليه فيكون للمدّعي إثبات كون القاتل هو بالقسامة، غاية الأمر يكون تكذيب الولي الآخر من قبيل عدم دعواه على المدّعى عليه، فيكون إثبات الولي المدّعى دعواه بخمسين رجلا أو خمسين حلفا؛ لأنّ دعوى القتل عمدا في مورد اللوث يثبت بذلك.

(2) و ذلك لانتقال حقّ الدعوى إليهم كما في ساير الحقوق التي ينتقل إلى الوارث و لكونهم أولياء الدم بعد موت مورّثهم و على ذلك ففي مورد اللوث كما هو الفرض يقيمون القسامة على دعواهم على المدعى عليه و كذا إذا مات مورّثهم أثناء الأيمان من القسامة، حيث يتعيّن على القسامة استيناف الأيمان؛ لأنّ على المدّعى إثبات دعواه بالقسامة و المدّعي بعد موت المورّث هم الورثة و يكون عليهم الإتيان بالقسامة بعد دعواهم على المدّعى عليه حيث إنّ الإتيان بالقسامة وظيفة المدّعي و ما نقل عن الشيخ من التعليل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 234

[مسائل]

مسائل الاولى: لو حلف مع اللوث و استوفى الدية ثمّ شهد اثنان انّه كان غائبا في حال القتل

غيبة لا يقدر معها القتل بطلت القسامة و استعيدت الدية (1).

______________________________

بأنّه لا يثبت حقّ الوارث بيمين غيره لا يخلو عن المناقشة، فإنّه يمكن أن لا يكون بعض القسامة أو جلّها مدّعيا، و مع ذلك يثبت دعوى المدّعي بيمينهم.

و الصحيح ما ذكرنا من أنّ الوارث لم يكن مدّعيا حال حياة المورّث و بعد موته و دعواه على المدّعى عليه فعليه إقامة القسامة على دعواه.

(1) لأنّ اعتبار القسامة معلّق على عدم البيّنة للمدّعى عليه على نفي الدعوى، و إذا قامت البيّنة بذلك تبطل القسامة التي كانت مستند الاثبات، و عليه فإن أخذ المدّعي الدّية فعليه ردّها على المدّعى عليه.

و كذا إذا كان ذلك بعد الاقتصاص بالقسامة ما لم يعترف أنّه كذب في دعواه، حيث يحسب اقتصاصه من القتل من غير تعمّد، و إذا اعترف بأنّه كاذب في دعواه يؤخذ بالقصاص.

و ما ورد في عدم سماع البيّنة بعد الحلف هو بيّنة المدّعي، فإن أقامها بعد رضاه بيمين المنكر فلا تسمع و لا يفيد إقامتها بعد يمينه و لا يجري ذلك في المقام كما لا يخفى.

نعم لو لم يقم المدّعي في المقام البيّنة أو القسامة بدعواه و رضي بيمين المدّعى عليه و قسامته فلا يسمع منه البيّنة أو القسامة على دعواه أخذا بإطلاق قوله عليه السّلام: «ذهبت اليمين بدعوى المدّعي و لا دعوى له».

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 235

الثانية: لو حلف و استوفى الدية ثمّ قال هذه حرام فإن فسّره بكذبه في اليمين استعيدت منه (1) و إن فسّره بأنّه لا يرى القسامة لم يعترضه و إن فسّر بأنّ الدية ليست ملكا للباذل فإن عيّن المالك الزم دفعها إليه، و لا يرجع على القاتل بمجرّد قوله،

و إن لم يعيّنه اقرّت في يده.

الثالثة: لو استوفى بالقسامة و قال آخر أنا قتلته منفردا قال في الخلاف: كان الولي بالخيار (2). و في المبسوط ليس له ذلك؛ لأنّه لا يقسم إلّا مع العلم فهو مكذوب للمقر.

______________________________

(1) أخذا عليه بإقراره بخلاف ما إذا فسّره بأنّه لا يرى القسامة مثبتة لدعواه على مذهبه فإن الحاكم حيث يرى استحقاقه بها لا يستردّها منه.

و لكن يمكن أن يقال فيمن لا يرى على مذهبه الدية بالقسامة بأنّ على المدّعى عليه إلزامه بالاسترداد إلزاما له بما التزموا به على مذهبهم.

نعم لو لم يكن في البين مورد لقاعدة الإلزام كما إذا فسّر بأنّ الدية ليست ملكا لباذلها يؤخذ بإقراره فيما إذا عيّن مالكها و يلزم بردّها عليه، و لا يكون له الرجوع إلى القاتل بمطالبة الدية منه لنفوذ إقراره على نفسه لا على على القاتل و لو لم يعيّن المالك فللحاكم إبقائها في يده إذا كان هو أو معطيها من أهل الصدقة في المال المجهول مالكه.

(2) إذا ادّعى على الغير في مورد اللوث و أقام القسامة على كونه القاتل سواء أخذ منه الدية أو لم يأخذها ثمّ أقرّ شخص بأنّه القاتل منفردا لا يجوز للمدّعي الأخذ على المقرّ بإقراره بأن يأخذ الدية منه لأنّ دعواه على المدّعى عليه إقرار بأنّه لا يستحقّ على المقرّ.

و ما ذكر الشيخ (قدس سره) من كونه مخيّرا في أخذ الدية من أيّ منهما

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 236

الرابعة: إذا اتّهم و التمس الولي حبسه حتّى يحضر بيّنة ففي إجابته تردّد، و مستند الجواز ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).

______________________________

لا يمكن المساعدة عليه، و لو صدّق المقرّ في

إقراره لا يجوز له أخذ الدية من المدّعى عليه أيضا و إن استوفاها منه قبل ذلك تستردّ منه؛ لأنّ تصديقه يعتبر إقرارا بأنّه لا يستحقّ الدية من المدّعى عليه و تكذيب لقسامته التي أقامها.

(1) روى الشيخ بأسانيده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام فإن جاء أولياء الدم بثبت و إلّا خلّي سبيله» «1».

و ناقش الماتن في الرواية بالسكوني مع أنّ الشيخ (قدس سره) وثّقه في العدّة، و يظهر من كلامه أنّه لا ضعف في الرواية بالنوفلي مع أنّه لم يوثّق، و قد ذكر أنّه لا يبعد كونه من المعاريف الذين لم يرد فيهم قدح و مقتضى إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين التماس المدّعي و عدمه و يمكن دعوى عدم اختصاصها بدعوى لقتل بل يجري في دعوى الجراح أيضا و لكن ما ورد فيها من قوله عليه السّلام حاكيا عن النبي صلى اللّه عليه و آله فإن جاء أولياء الدم بثبت ظاهره دعوى القتل دون الجراح.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 121.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 237

[الفصل الرابع في كيفية الاستيفاء]

اشارة

الفصل الرابع في كيفية الاستيفاء قتل العمد يوجب القصاص (1) لا الدية فلو عفى الولي على مال لم يسقط القود و لم تثبت الدية إلّا مع رضاء الجاني، و لو عفى و لم يشترط المال سقط القود و لم تثبت الدية و لو بذل الجاني القود لم يكن للولي غيره.

______________________________

(1) لا خلاف في ثبوت القصاص في القتل متعمّدا و المشهور

بين الأصحاب بل المنفي عنه الخلاف ثبوته لولي الدم على نحو التعيين لا على نحو التخيير بينه و بين الدية فلا تثبت الدية إلّا مع رضاء الجاني إذا عفى الولي على شرط المال سواء كان بمقدار الدية أو الأقل أو الأكثر و إذا لم يرض الجاني لم يسقط حقّ القصاص و لم يثبت لوليّ الدم المال حتّى ما لو كان بمقدار الدية.

و يدلّ على ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه إلّا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية فإن رضوا بالدية و أحبّ ذلك القاتل فالدية» «1».

فإنّ مقتضى تقييد نفوذ رضاء أولياء المقتول في أخذ الدية بحبّ الجاني اعتبار رضاه في الانتقال إلى الدية.

و المنسوب إلى العماني و الاسكافي تخيير الولي بين القصاص و أخذ الدية مع عدم عفوه.

و يستظهر ذلك من روايات:

و هي صحيحة عبد اللّه بن سنان و ابن بكير جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 9: 144.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 238

..........

______________________________

قال: «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا ... إلى أن قال، فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه فإن عفو عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستين مسكينا توبة إلى اللّه عز و جل» «1».

و صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «أنّه سئل عن رجل قتل مؤمنا متعمدا و هو يعلم أنّه مؤمن غير أنّه حمله الغضب على أنّه قتله هل له من توبة إن

أراد ذلك أو لا توبة له قال توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه فأعلمهم أنّه قتله فإن عفى عنه أعطاهم الدية و اعتق رقبة و صام شهرين متتابعين و تصدّق على ستين مسكينا» «2».

و وجه الاستظهار أنّه إذا وجب على الجاني إعطاء الدية مع عفو الولي أو الأولياء عن القصاص فلا محالة يكون مطالبتهم الجاني بالدية و إغماضهم عن القصاص حقّا لهم عليه و نحوهما رواية أبي بكر الحضرمي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل قتل رجلا متعمّدا، قال: جزاءه جهنّم، قال قلت له: هل له من توبة؟ قال: نعم، يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا و يعتق رقبة و يؤدّي ديته، قال قلت: لا يقبلون منه الدية، قال: يتزوّج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها، قال قلت: لا يقبلون منه و لا يزوّجونه، قال: يصرّه صررا يرمي بها في دارهم» «3»، و وجه

______________________________

(1) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب الكفارات، الحديث 3.

(3) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب الكفارات، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 239

..........

______________________________

الاستظهار ما تقدّم.

و في النبوي: «من قتل له قتيلا فهو مخيّر بين النظرين إمّا أن يفدي أو يقتل» «1».

و في النبوي الآخر: «من اصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إمّا أن يقتصّ أو يأخذ العقل أو يعفو» «2».

و لكن لا يخفى أنّ النبويين لا يمكن الاعتماد عليهما، و كذلك رواية أبي بكر الحضرمي مع أنّ مدلولها وجوب إعطاء الدية حتّى مع امتناع ولي الدم عن أخذها، فضلا عن عدم مطالبته بها.

و يمكن أن يقال: إنّ صحيحة عبد

اللّه بن سنان الاولى المذكورة دليلا على القول المشهور تعدّ قرينة على أنّ إعطاء الجاني مع العفو عن القصاص مقيّد في الصحيحتين الأخيرتين بصورة التراضي، و مع عدم إمكان هذا التقييد تقدّم الصحيحة الاخرى؛ لموافقتها لظاهر الكتاب المجيد «3».

حيث إنّ ظاهرها أنّ المجعول للولي في مورد القتل متعمّدا الولاية على القصاص الذي هو النفس بِالنَّفْسِ؛ و لذا لو عفى الولي عن القصاص على شرط المال لم يسقط القصاص و لم تثبت الدية، كما أنّه لو عفى عن القصاص و لم يشترط المال سقط حقّ القصاص و لم يكن له المطالبة بالدية.

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 52.

(2) سنن البيهقي: 8/ 53.

(3) سورة المائدة الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 240

و لو طلب الدية فبذلها الجاني صحّ و لو امتنع لم يجبر (1)، و لو لم يرض الولي بالدية جاز المفاداة بالزيادة.

______________________________

(1) و لكن قد يقال إذا اختار الولي الدية يجب على الجاني دفعها و ليس له الامتناع إلّا من بذل نفسه للقصاص، حيث يجب عليه حفظ نفسه الموقوف على بذل الدية أو حتى فيما إذا طلب الولي بالزائد عليها. هذا مع تمكّنه على بذلها أو بذل الزائد عليها.

و فيه: انّ وجوب حفظ النفس إذا كان متعلّقا لحقّ الغير غير ثابت؛ و لذا يجب تسليم نفسه إلى الولي إذا أراد التوبة حتّى مع علمه بأنّه يأخذ القصاص منه.

و على تقدير القول بوجوب حفظ نفسه مع تمكّنه على أداء الدية أو حتى الزائد عليها لا يكون هذا الوجوب معيّنا لحقّ الولي و تخييره بين القصاص أو أخذ الدية بحيث لو امتنع الجاني عن إعطاء المال مع مطالبة الوليّ يجوز للولي المقاصّة من مال الجاني أو يتصدّى

الحاكم لإعطائها من أمواله. نعم إذا لم يمكن للوليّ الاقتصاص أو توقّف الاقتصاص على ردّ الدّية يكون للولي المطالبة بالدية.

و يدلّ على الانتقال إلى الدية في الأوّل صحيحة ابن أبي نصر عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجل قتل رجلا عمدا ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات قال:

إن كان له مال اخذ و إلّا اخذ من الأقرب فالأقرب» «1».

و موثقة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل رجلا متعمّدا ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه قال: إن كان له مال اخذت الدية من

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3: 303.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 241

و لا يقضى بالقصاص ما لم يتقين التلف بالجناية و مع الاشتباه يقتصر على القصاص في الجناية (1) لا في النفس. و يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج و الزوجة (2)

______________________________

ماله و إلّا فمن الأقرب فالأقرب و إن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم» «1»، و مقتضاه أنّه مع عدم المال تؤخذ الدية من عاقلته و مع عدمها يتحمل الإمام و يؤدّي من بيت المال.

و الروايتان و إن كانتا واردتين في موت الجاني و هربه من القصاص إلّا أنّ الانتقال إلى الدية حكم لعدم إمكان القصاص، و لو كان من غير جهتي الفرار و الموت كما هو مقتضى تفريع عدم التمكّن من القصاص على فراره.

أضف إلى ذلك مقتضى التعليل الجاري في جميع موارد عدم التمكّن، و لو كان عدمه شرعا كما في قتل الوالد ولده متعمدا فإنّه يتعيّن حقّ وليّ الدم في الدّية، و أمّا كون وليّ الدم مخيّرا بين

القصاص مع ردّ الدية أو أخذ الدية فيدلّ عليه ما ورد في قتل الرجل المرأة متعمّدا على ما تقدّم تفصيله، و فيما إذا عفى بعض الأولياء عن الجاني و فيما إذا اشترك اثنان في قتل واحد و فيما إذا كان الجاني قد أخذ على الجناية على عضوه دية أو ذهب عضوه قصاصا ثمّ قتل آخر عمدا.

(1) فإنّ استناد قتل النفس إلى الجارح إنّما يكون بسراية الجرح و استناد تلف النفس إليه، و إذا لم يحرز ذلك بالبيّنة العادلة و إقرار الجاني يكون مقتضى الاستصحاب عدم كون التلف مستندا إلى الجرح فيؤخذ القصاص في الجناية أو يؤخذ فيها بالأرش على ما يأتي.

(2) الظاهر أنّ عدم إرث الزوج أو الزوجة حقّ القصاص مجمع عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1: 302.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 242

فإنّ لهما نصيبهما من الدية في عمد أو خطأ، و قيل: لا يرث القصاص إلّا العصبة دون الاخوة و الأخوات من الام و من يتقرّب بها و هو الأظهر. و قيل: ليس للنساء

______________________________

بين الأصحاب. نعم، إذا ثبت الدية أصلا أو صلحا يكونان كبقية الوارث بحسب سهامهما ثمنا أو ربعا.

و عن جماعة من أصحابنا قديما و حديثا أنّه يرث القصاص من يرث المال غير ما قلنا من استثناء الزوج و الزوجة كما نقل ذلك عن الشيخ في المبسوط و ابن ادريس في السرائر في موضع منها.

و عن العلّامة و الشهيد و عن الأصحاب من استثنى ممن يرث المال الاخوة و الأخوات و غيرهما ممن يتقرّب إلى المقتول من طرف الام، و إلى ذلك أشار الماتن (قدس سره) بقوله: و قيل لا يرث القصاص إلّا العصبة

دون الاخوة و الأخوات من الام و ممن يتقرّب بها و هو الأظهر.

و عن بعض الأصحاب قول آخر و هو انّ النساء لا يرثن من حقّ القصاص أصلا و إلى ذلك أيضا أشار الماتن بقوله و قيل ليس للنساء عفو و لا قود.

و مستند هذا موثقة أبي العباس البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قلت للنساء قود أو عفو قال: لا، ذلك للعصبة» «1».

قال الشيخ (قدس سره) يعد روايتها بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال قال علي بن الحسن: هذا خلاف ما عليه أصحابنا، و ذكر في الوسائل بعد نقلها: هذا محمول على التقيّة.

و قد يقال: إنّما تحمل الرواية على التقيّة في مورد المعارضة و ليس في البين ما يدلّ على ثبوت القود للام أو النساء من العصبة حتّى تحمل الموثقة

______________________________

(1) الوسائل: ج 17، الباب 8 من أبواب موجبات الارث، الحديث 6: 432.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 243

عفو و لا قود (على الأشبه خ ل).

______________________________

على التقيّة، و إنّما الموجود في مقابلها الاطلاق كما في الآية المباركة وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «1» المقتضي لثبوت حقّ القصاص للنساء أيضا، و يرفع اليد عنه بالموثقة الدالّة على كون المراد بالولي ذكور الورّاث من النسب و عدم ثبوته للنساء.

و دعوى انّ الموثقة معرض عنها لقول علي بن الحسن بن فضال: هذا خلاف ما عليه أصحابنا، لا يمكن المساعدة عليها؛ فإنّه لم يثبت الاعراض الموهن، خصوصا بملاحظة ما ذكره البعض من أنّ النساء لا يرثن من الدية، فإنّه إذا لم يكن لهنّ الارث من الدية فمن القصاص بالأولوية.

و قد يقال: ما ثبت بالروايات كما يأتي أنّ المتقرّب بالام لا يرث

من الدية سواء كان ذكرا أم انثى و يتعدّى منه إلى القصاص أيضا، فإنّ المتقرب بها إذا لم ترث من الدية فمن القصاص أولى، و أمّا الاناث من المتقرّبات إليه بالأب أو نفس الام فيمكن استظهار أنّهنّ يرثن بقدر سهامهنّ من حقّ القصاص مضافا إلى إطلاق مثل الآية من صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل و له أم و أب و ابن، فقال الابن: أنا اريد أن أقتل قاتل أبي، و قال الأب: أنا اريد أن أعفو، و قالت الام: أنا اريد أن آخذ الدية، قال فقال: فليعط الابن أمّ المقتول السدس من الدية و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا و ليقتله» «2».

و وجه الاستظهار انّ ثلث الدية الذي يعطيه الابن دية الجاني لا دية أبيه حتّى يرثها بمقدار حصّته من دية ابنها المقتول فحكمه عليه السّلام بأنّها تأخذ سدس

______________________________

(1) سورة الاسراء: الآية 33.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 52 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 83.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 244

و كذا يرث الدية من يرث المال و البحث فيه كالأول غير انّ الزوج و الزوجة يرثان من الدية على التقديرات (1).

______________________________

الدية عفو عن حقّ قصاصها على الدية، و لو لم يكن لها حقّ القصاص لم يكن يستحقّ الأخذ من دية الجاني سدس الدية لأنّها لا تستحقّ من دية ابنها المقتول إلّا إذا صولح القصاص بالدية إذا لم يكن للام حقّ القصاص، و المفروض أنّ أب المقتول و ابنه لم يصالحا حقّ القصاص بالدية بل أسقط أحدهما حقّه قصاصا و دية، و الثاني استوفى حقّ القصاص. و بتعبير

آخر:

لم يثبت في الفرض الدية للمقتول على الجاني أصالة، و إلّا لم يكن مورد القصاص من الابن كما أنها لم يثبت على الجاني صلحا لأنّ أب الميت عفى القاتل من القصاص و الدية، و الابن أراد القصاص فما تعطى لام الميّت عوض عن حقّ قصاصها الذي عفته و طالبته بالدية، فيكون الابن ضامنا لها كما يضمن لورثة الجاني عفو الأب قصاصا و دية. فهذه الصحيحة- على تقدير دلالة معتبرة أبي العباس- معارضة لها في جهة الام و لا مجال للجواب عن المعارضة بأنّ عدم ثبوت حقّ القصاص للام لا ينافي حقّها في الدية. نعم يمكن دعوى اختصاصها بالام و يؤخذ في غيرها بدلالة المعتبرة.

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّ المتقرّب بالامّ إلى المقتول لا يرث الدية من غير فرق بين الذكور و الاناث كالاخوة و الأخوات للمقتول من أمّه، و يدلّ على ذلك صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قضى عليّ عليه السّلام في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين إلّا الاخوة و الأخوات من الامّ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئا» «1».

______________________________

(1) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 1: 393.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 245

..........

______________________________

و صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ الدّية يرثها الورثة إلّا الاخوة و الأخوات من الام فإنّهم لا يرثون من الدّية شيئا» «1».

و صحيحة محمد بن قيس على الأظهر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال قال:

«الدية يرثها الورثة على فرائض الميراث إلّا الاخوة من الام فإنّهم

لا يرثون من الدية شيئا» «2».

و معتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يرث الاخوة من الام من الدية شيئا» «3».

و الروايات و إن ذكرت فيها الاخوة و الأخوات إلّا أنّه يلحق بهما ساير الأقرباء من طرف الام؛ لعدم احتمال الفرق إن لم يكن الإلحاق بالفحوى.

نعم، نفس الام ترث من دية ولدها المقتول؛ لأنّ إرثها الدية- مضافا إلى أنّه مقتضى الاطلاق في حساب الدية من تركته- مستفاد من موثقة سماعة، قال: «سألته عن رجل ضرب ابنته و هي حبلى فأسقطت سقطا ميتا فاستعدى زوج المرأة عليه فقالت المرأة لزوجها: إن كان لهذا السقط دية ولي فيه ميراث فإنّ ميراثي فيه لأبي، قال: لا يجوز لأبيها ما وهبت له» «4».

و على الجملة، تستحقّ الام الدية و إن بنى على عدم حقّ القصاص للنساء و منهن الام على ما تقدّم في معتبرة أبي العباس البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال

______________________________

(1) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 2: 393.

(2) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 4: 393.

(3) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 5: 394.

(4) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 7: 395.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 246

..........

______________________________

«قلت: هل للنساء قود أو عفو قال: لا و ذلك للعصبة» «1»، و المراد من العصبة الذكور المتقرّب إلى الميت من ولده أو من طرف أبيه.

و كذا الحال في الزوج و الزوجة، فإنّه لا يرث القصاص أحدهما إذا قتل الآخر، و لكن يرث أحدهما من دية الآخر كما يشهد لذلك موثقة محمد بن قيس

عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أيّما امرأة طلّقت فمات عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها فإنّها ترثه ثمّ تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها، و إن توفيت في عدّتها ورثها، و إن قتلت ورث من ديتها، و إن قتل ورثت من ديته ما لم يقتل أحدهما الآخر» «2».

و مثلها موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ توفّى عنها و هي في عدّتها قال: ترثه ثمّ تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، و إن ماتت ورثها، فإن قتل أو قتلت و هي في عدّتها ورث كلّ واحد منهما من دية صاحبه» «3».

و أمّا ما ورد في موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّا عليه السّلام كان لا يورّث المرأة من دية زوجها شيئا و لا يورّث الرجل من دية امرأته شيئا و لا الاخوة من الام من الدية شيئا» «4» فتحمل على التقية في مقام المعارضة لو لم يمكن حملها على صورة قتل أحدهما صاحبه، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل: ج 17، الباب 8 من أبواب موجبات الارث، الحديث 6: 432.

(2) الوسائل: ج 17، الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 8: 531.

(3) الوسائل: ج 17، الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 9: 532.

(4) الوسائل: ج 17، الباب 11 من أبواب موانع الارث، الحديث 4: 396.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 247

و إذا كان الولي واحدا جاز له المبادرة (1) و الأولى توقّفه على إذن الإمام، و قيل: تحرم المبادرة و يعزّر لو بادر، و تتأكّد الكراهة في قصاص الطرف، و إن كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلّا بعد الاجتماع، أمّا بالوكالة أو

بالاذن لواحد (2). و قال الشيخ (رحمه اللّه) يجوز لكلّ منهم المبادرة و لا يتوقّف على إذن الآخر، و لكن يضمن حصص من لم يأذن.

______________________________

(1) و ذلك فإنّ جواز المبادرة بعد ثبوت حقّ القصاص مقتضى سلطنة ولي المقتول، و القصاص لا يدخل في الحدود التي تكون بيد الإمام عليه السّلام أو من نصبه خاصّا أو عاما، على ما تقدّم في بحث الحدود، و نسب جواز المبادرة إلى أكثر الأصحاب أو أكثر المتأخرين.

و عن جماعة اعتبار الاستيذان فلا تجوز المبادرة إليه، فإن بادر فعل حراما؛ و لذلك يعزّر و ربما قيل يشير إلى عدم الجواز رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة» «1».

و لكن لا يخفى مع أنّ في سندها محمد بن عبد اللّه بن هلال مقتضى التقييد فيها أنّه لو لا أمر الإمام يثبت علي ولي الدم الدية، و لم يلتزم و لا يمكن الالتزام به، و المراد بأمر الإمام أن يثبت حقّ الاقتصاص للمستوفى عند الإمام. نعم لا بأس بالالتزام بأنّ الاحتياط استحبابا الاستيذان خروجا عن الخلاف في مقام الاستيفاء.

(2) يقع الكلام في المقام في أنّ مع تعدّد أولياء الدم يثبت لمجموعهم حقّ واحد قائم بالمجموع بما هو مجموع، بحيث لو عفى واحد منهم سقط

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 8: 47.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 248

..........

______________________________

حقّ القصاص عن الجميع، نظير إرث الخيار في البيع و نحوه، حيث يسقط بإسقاط البعض أو أنّ حقّ القصاص ثابت لعنوان وليّ الميت بنحو صرف الوجود أو بنحو الانحلال فإن كان بنحو

صرف الوجود يكون كالأوّل في سقوطه و لو بإسقاط واحد منهم أو بنحو الانحلال فلا يسقط عن الآخرين بإسقاط البعض؟

الأظهر في المقام كونه بنحو الانحلال، و لا يقاس بحقّ الخيار، فإنّ الخيار المنتقل إلى الورثة هو الخيار الثابت لمورثهم، و هو حقّ واحد لا يتبعّض، فإن اجتمعوا على الفسخ انفسخت المعاملة و إلّا تنفذ بخلاف حقّ القصاص فإنّه ثابت لولي الدم ابتداء، غاية الأمر يحتمل ابتداء لحاظه بنحو صرف الوجود، و لكن المستفاد من صحيحة أبي ولّاد الحنّاط كونه بنحو الانحلال، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل و له أم و أب و ابن فقال الابن: أنا اريد أن أقتل قاتل أبي، و قال الأب: أنا اريد أن أعفو، و قالت الام: أنا اريد أن آخذ الدّية، قال: فقال: فليعط الابن أمّ المقتول السدس من الدية، و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفى و ليقتله» «1»، و يستفاد منها أيضا ضمان المستوفي حصّة الآخر من الدية إذا لم يعفو حتّى عن الدية، و مع العفو عنها يضمن لورثة الجاني.

أضف إلى ذلك أنّه لو كان حقّ القصاص ثابتا للمجموع أو بصرف وجود الوارث أنّه لو قتل الجاني أحد الورثة مستقلا فاللازم أن يتعلّق عليه القصاص على الأول و أن يسقط حقّ القصاص بعفو واحد من الورثة ابتداء عليهما.

______________________________

(1) (3) الوسائل: ج 19، الباب 52 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 83.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 249

..........

______________________________

لا يقال: لا بأس بالالتزام بسقوط القصاص عن الجاني بعفو أحد الورّاث و لو مع عدم رضاء الباقين، كيف؟ و قد يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن في حديث قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجلان قتلا رجلا عمدا و له وليّان فعفا أحد الوليين قال فقال: إذا عفا بعض الأولياء درئ عنهما القتل و طرح منهما من الدية بقدر حصّة من عفا و أدّى الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا» «1».

و صحيحة أبي مريم الأنصاري، أو حسنته، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام فيمن عفا من ذي سهم فإنّ عفوه جائز و قضى في أربعة اخوة عفا أحدهم قال: يعطى بقيّتهم الدية، و يرفع عنهم بحصّة الذي عفا» «2».

و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجلين قتلا رجلا عمدا و له وليّان فعفا أحد الوليّين فقال: إذا عفا عنهما بعض الأولياء درئ عنهما القتل و طرح عنهما من الدية بقدر حصّة من عفا و أدّى الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف» «3».

و في رواية غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز و سقط الدم و تصير دية و يرفع عنه حصّة الذي عفا» «4».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 85.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 85.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3: 86.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 85.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 250

..........

______________________________

و هذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في سقوط حقّ القصاص عن الباقين بعفو بعض الورثة عن القصاص، و لكن

لا دلالة لها على عدم جواز القصاص مستقلا قبل عفو بعض الورثة بأن يعتبر في جواز القصاص اجتماع الورثة عليه كما هو ظاهر الماتن و المحكي عن العلّامة و الشهيدين و الفاضل المقداد و الأردبيلي و الكاشاني، و مع ذلك لا بدّ من رفع اليد عن هذه الأخبار و الأخذ بصحيحة أبي ولّاد الحنّاط المتقدّمة الظاهر في انحلال حقّ القصاص و أنّه يتعلّق على من أخذ بالقصاص إعطاء حصّة ساير الورثة من الدية إذا عفوا عن القصاص خاصة، و ذلك فإنّه موافقة لظاهر الآية المباركة الدالّة على جعل السلطان لولي المقتول ظلما حتّى و إن عفى بعض الولي عنه.

أضف إلى ذلك أنّ السقوط مذهب معظم العامّة كما أنّ المشهور عند أصحابنا أو مذهب الأكثر من أصحابنا كون حقّ القصاص انحلاليّا، و ظاهر المبسوط الإجماع عليه كما قيل.

و لكن لا يخفى انّ هذا في حقّ قصاص النفس الذي يثبت لأولياء المقتول ابتداء.

و أمّا إذا كان حقّ القصاص بالارث من واحد كما إذا مات وليّ المقتول قبل الأخذ بالقصاص أو كان القصاص في الطرف لا في النفس و مات المجني عليه قبل استيفاء القصاص و العفو يكون الأمر فيه كما في إرث الخيار من ثبوته لمجموع الورثة، حيث انّ الحقّ الموروث واحد كما في إرث الخيار.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 251

القصاص مع تعدّد الأولياء:

و ينبغي للإمام أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين فطنين احتياطا (1) و لاقامة الشهادة إن حصلت مجاحدة. و يعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة خصوصا في قصاص الطرف (2) و لو كانت مسمومة فحصلت منها جناية بسبب السمّ ضمنه،

______________________________

(1) لم يرد بذلك نصّ في المقام و لكن الاحتياط في محلّه، بل لازم

إذا احتمل الحاكم انّ أولياء المقتول يجعلون حقّ القصاص ذريعة في قتلهم شخصا آخر ظلما أو خيف من وقوع الفتنة أو الاتهام و لو بعد حين بدعوى ورثة الجاني، انّ القتل بالقصاص لم يحصل و إنّما قتلوه ظلما.

(2) إن كان المراد انّ الآلة إذا كانت مسمومة لا يحصل القصاص فلا سبيل لنا إلى ذلك حتّى في قصاص الطرف، و إن كان المراد عدم جواز ذلك تكليفا فإنّ كونها مسمومة يؤثّر في جسد المقتول من تفرّق الأعضاء بحيث يشكل تجهيزه، فهذا لا يجري فيمن اغتسل و لبس الكفن قبل القصاص، و على كلّ فلا بأس بالالتزام بعدم الجواز إن أوجبت هتكا في المقتول في جسده قبل الدفن، و هذا في قصاص النفس.

و أمّا في قصاص الطرف، فإن كان السمّ معرضا لسراية الجرح فلا يجوز فإنّه تعدّي على الجاني؛ و لذا يحكم بضمان المقتصّ إذا تعدّى و كذا إذا سرى السمّ، و إذا كانت السراية أمرا قاتلا غالبا أو كان قصده ذلك يتعلّق القصاص على المقتصّ و إلّا يؤخذ منه الدية.

نعم، إذا استند موت الجاني إلى القصاص و السمّ، يدفع إلى أولياء المقتصّ الدية في القصاص منه، كما في صورة كون السراية إلى النفس غير مقصود، و لا أمرا غالبيا لكون الجناية مستندة إلى أمرين أحدهما مضمون و الآخر غير مضمون أو يؤخذ منه الدية.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 252

و يمنع من الاستيفاء بالآلة الكالّة تجنّبا للتعذيب، و لو فعل أساء و لا شي ء عليه، و لا يقتصّ إلّا بالسيف و لا يجوز التمثيل به (1) بل يقتصر على ضرب عنقه، و لو كانت الجناية بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو بالرضخ.

______________________________

(1) حيث انّ

المثلة حرام و قد ورد النهي عنه حتّى بالإضافة إلى البغاة على الإمام عليه السّلام.

و يدلّ عليه أيضا جملة من الروايات:

منها صحيحة الحلبي و رواية أبي الصباح الكناني، جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجيز عليه بالسيف» «1».

و رواية اسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ اللّه يقول في كتابه وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ما هذا الإسراف الذي نهى عنه؟ قال: نهى أن يقتل غير قاتله أو يمثّل بالقاتل» «2».

و لا يخفى انّ مقتضاهما عدم جواز القصاص بالآلة الكالّة أيضا. فإن القصاص به نوع عبث بالجاني و إسراف في قتله.

و ظاهر الصحيحة و الرواية التي لا تبعد اعتبارها تعيّن القصاص بالسيف و كونه بالضرب في عنقه خاصّة، فيمكن استفادته ممّا ورد في تجهيز المقتول قصاصا و لكن سندها ضعيف كدلالتها.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 62 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 95.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 62 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 95.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 253

و اجرة من يقيم الحدود من بيت المال، فإن لم يكن بيت مال أو كان هناك ما هو أهمّ كانت الاجرة على المجني عليه (1) و لا يضمن المقتصّ سراية القصاص.

نعم لو تعدّى ضمن فإن قال: تعمّدت، اقتصّ منه في الزائد، و إن قال: أخطأت،

______________________________

و دعوى أنّ الجاني يقتل بما هو المتعارف في كلّ عصر أخذا بالإطلاق في الروايات الواردة

في ولاية ولي المقتول بقتل الجاني و التحديد بالضرب بالسيف لكونه هو المتعارف في ذلك الزمان لا لخصوصيّة فيه، لا يمكن المساعدة عليه. فإنّ ظاهر الصحيحة و نحوها تحديد القصاص المشروع بالضرب بالسيف كسائر التحديدات الواردة في ساير الموارد، كما أنّ القول بأنّه يجوز القصاص بمثل ما قتل أخذا ببعض النبوي مع ضعفه سندا و معارضته بما تقدّم و إعراض الأصحاب عنه لا يعبأ به.

و على الجملة، فالقصاص عن الجاني القاتل عمدا في جواز كيفية القصاص تكليفا مقيّد بكونه بالإجهاز عليه بالسيف، فإذا كان القصاص بغير هذه الكيفية يكون محرّما في كيفيّته و يستحقّ الولي المرتكب التعزير عليه.

(1) المراد من المجني عليه من يقام عليه الحدّ أو يجري عليه القصاص، و أمّا الاجرة على إقامة الحد فلا ينبغي التأمّل في أنّها على بيت المال، فإنّ إقامتها وظيفة الحاكم و لو بالتوكيل و التسبيب، و إذا احتاجت إلى الاجرة تكون على بيت المال؛ لأنّ إقامتها من مصالح المسلمين و لا يجب على من يقيم عليه الحدّ إلّا تسليم نفسه لإقامته. و قد تقدّم مورد وجوب التسليم في بحث الحدود، و لو لم يكن بيت مال أو كان في البين أمر آخر أهمّ لصرفه استدان الحاكم على بيت المال، و قد تقدّم انّ من الذين يرتزقون من بيت المال الحدّاد، و أمّا القصاص فيمكن أن يكون الأمر فيه أيضا كذلك.

و يمكن دعوى كون الاجرة على أولياء الدم إذا لم يباشروا القصاص،

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 254

اخذت منه دية العدوان، و لو خالفه المقتصّ منه في دعوى الخطأ كان القول قول المقتصّ مع يمينه، و كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف،

و من لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف.

______________________________

فإنّ مجري القصاص هم الأولياء و لو بالتسبيب. نعم إذا وصلت النوبة إلى قصاص الإمام لعدم الولي يكون الاجرة على بيت المال، فإنّ الإمام يكون له القصاص بما هو إمام، و لا يكون في القصاص الاجرة على الجاني، فإنّه ليس له إلّا تسليم نفسه للقصاص. و تنزيله منزلة البائع إذا باع المكيل و الموزون في كون اجرة الكيل و الوزن عليه فيه ما لا يخفى.

و أمّا عدم ضمان المقتصّ سراية القصاص، فقد تقدّم أنّ من قتله القصاص أو الحدّ لا دية لا فضلا عن ثبوت القصاص، كما يشهد لذلك عدّة من الروايات، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له» «1».

و صحيحة أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عمّن اقيم عليه الحد أ يقاد منه أو تؤدّى ديته؟ قال: لا، إلّا أن يزاد على القود» «2».

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام في حديث: «و من قتله القصاص فلا دية له» «3».

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن» «4»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9: 47.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 47.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5: 47.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 46.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 255

[و هاهنا مسائل:]
[الاولى: إذا كان له أولياء لا يولّى عليهم]

و هاهنا مسائل:

الاولى: إذا كان له

أولياء لا يولّى عليهم (1) كانوا شركاء في القصاص، فإن حضر بعض و غاب الباقون قال الشيخ للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية، و كذا لو كان بعضهم صغارا.

______________________________

نعم، لو تعدّى المقتصّ في اقتصاصه يضمن التعدّي، فإن كان التعدّي عن عمد يقتصّ منه في مورد القصاص، و إن كان عن غير عمد يؤخذ منه الدية، و كذا في مورد عدم إمكان القصاص.

و أمّا إذا اختلف المقتصّ منه أو أوليائه في التعدّي أو في التعمّد في التعدّي كان القول قول المقتصّ لأصالة عدم التعدّي و عدم تعلّق القصاص أو الدية عليه، فيحلف على عدم التعدّي أو عدم التعدّي عمدا، و لا مورد في الدماء و نحوها لأصالة العمد ليثبت بحلف الخصم على نفي الخطأ.

و أمّا جريان القصاص في الطرف في كلّ ما يجري فيه القصاص في النفس و عدم جريانه في كلّ ما لا يجري فيه القصاص في النفس على ما تقدّم في شرائط القصاص فهو مقتضى الاطلاق في أدلّة الاشتراط بل التصريح في الاطلاق في بعضها كما في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام:

«لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات» «1»، فراجع.

(1) إذا كان للمقتول أولياء كاملون بحيث لا يولّى عليهم، كانوا شركاء في القصاص عند الماتن و غيره، و مقتضاه على ما تقدّم ان لا يجوز لأحدهم الاقتصاص إلّا بموافقة الآخرين، و على ذلك فلو كان بعض الأولياء غائبين أو قاصرين و قيل بأنّ الولي على وليّ الدم لا يملك الاقتصاص منه يشكل الاقتصاص من الأولياء الحاضرين أو غير القاصرين.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5: 80.

تنقيح مباني الأحكام

- كتاب القصاص، ص: 256

و قال: لو كان الولي صغيرا و له أب أو جدّ لم يكن لأحد أن يستوفي حتّى يبلغ، سواء كان القصاص في النفس أو الطرف (1)، و فيه إشكال. و قال: يحبس القاتل حتّى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون، و هو أشدّ إشكالا من الأوّل.

______________________________

و لكن مع ذلك قال الشيخ (قدس سره) أنّه يجوز للحاضر أو الحاضرين أو الكامل و الكاملين الاقتصاص و يضمنون للغائب أو القاصر حصّته من الدية. و ظاهر الماتن قبول هذا القول الذي صحيح على مسلك الشيخ من كون حقّ الاقتصاص انحلاليّا، و أمّا إذا كان حقّا واحدا ثابتا لمجموع الأولياء فيجري الإشكال في الاقتصاص، و لكن علّل ذلك كما في الجواهر «1» بأنّ التأخير في الاقتصاص إلى مجي ء الغائب أو بلوغ القاصر أو إفاقته معرض لزوال حقّ الحاضر أو الكامل و إلزامهما القاتل بإعطاء نصيبهما من الدية كحبس القاتل إلى مجي ء الحاضر، أو بلوغ القاصر ضرر على القاتل.

أقول: قد تقدّم انّ حقّ الاقتصاص انحلالي، و عليه فلا إشكال في جواز اقتصاص الحاضر أو الكامل، و يضمن الغائب أو القاصر حصّته من الدية. و أمّا إذا لم يكن حقّ الاقتصاص انحلاليّا كما إذا مات ولي الدم قبل الاقتصاص و انتقل حقّ قصاصه إلى ورثته المتعدّدين بعضهم غائب أو قاصر فلا يجوز للحاضر و الكامل الاستقلال في الاقتصاص، كما تقدّم. فمع عدم ثبوت الاقتصاص لوليّ الغائب أو القاصر- كما سيأتي- ينتقل الأمر إلى جواز مطالبة الحاضر أو الكامل نصيبه من الدية إذا كان انتظار مجي ء الغائب أو كمال القاصر معرّضا لبطلان دم امرئ مسلم و ذهابه هدرا كما في ساير موارد تعذّر القصاص، و اللّه العالم.

(1) إذا

كان ولي الدم صغيرا أو مجنونا كما إذا قتل واحد أم الصغير

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 303.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 257

[الثانية: إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص]

الثانية: إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص، و لو اختار بعضهم الدية و أجاب القاتل جاز، فإذا سلّم سقط القود على رواية (1).

______________________________

أو المجنون و كان للصغير أب و جدّ للأب فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنّه لا يجوز للأب أو الجد الاقتصاص من الجاني، و ذلك فإنّ ظاهر الأدلّة ثبوت حقّ الاقتصاص لوليّ المقتول، و المفروض أنّه صغير أو مجنون و ولاية الأب أو الجد للأب على الصغير و المجنون لم يثبت في حقّ الاقتصاص منه. و ظاهر الأدلّة- كما ذكر- جعل حقّ الاقتصاص لوليّ المقتول في قصاص النفس و لنفس المجني عليه في قصاص الطرف، و على ذلك فإن كان في أخذ الدية صلاح الطفل أو المجنون فيجوز لوليّهما أخذ الدية له لثبوت الولاية لهما بالإضافة إلى الأموال و لا دلالة في آية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ «1» و غيره على أزيد من جواز أخذ الدية عند الصلاح، كما لا يخفى.

نعم، إذا لم يبذل الجاني الدية و خيف فراره إلى بلوغ الطفل أو لم يكن رجاء بإفاقة المجنون يجوز في الأول حبسه و في الثاني إلزامه بإعطاء الدية لتوقّف استيفاء الحقّ عليه في الأول؛ و لأنّه لا يذهب دم امرئ مسلم هدرا في الثاني.

(1) قد تعرّضنا لتلك الروايات و أجبنا عنها بأنّها تحمل على التقية، مع أنّ موردها عفو بعض الورثة و عدم مطالبة الجاني بشي ء حتّى الدية، و المفروض في المسألة أخذ بعض الورثة نصيبه من الدية أو الفداء زاد عن نصيبه أم نقص. و قد تقدّم أنّ

صحيحة أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الواردة في مقتول له أب و ابن و أم أن أخذ الام الدية لا يوجب سقوط حقّ القصاص للابن كما لا يسقطه عفو الأب للجاني، و على ذلك فإن امتنع

______________________________

(1) سورة الأنعام: الآية 152.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 258

و المشهور أنّه لا يسقط و للآخرين القصاص بعد أن يردّوا عليه نصيب من فاداه، و لو امتنع من بذل نصيب من يريد الدية جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه، و لو عفا البعض لم يسقط القصاص و للباقين أن يقتصّوا بعد ردّ نصيب من عفا على القاتل.

[الثالثة: إذا أقرّ أحد الوليّين أنّ شريكه عفا عن القصاص]

الثالثة: إذا أقرّ أحد الوليّين أنّ شريكه عفا عن القصاص على مال لم يقبل إقراره على الشريك (1) و لا يسقط القود في حقّ أحدهما و للمقرّ أن يقتل لكن بعد أن يرد نصيب شريكه فإن صدّقه فالردّ له و إلّا كان للجاني و الشريك على حاله في شركة القصاص.

______________________________

الجاني عن بذل نصيب من يريد الدية جاز لمن يريد الاقتصاص أن يقتصّ و يضمن نصيب من أراد الدية.

و ظاهر الماتن أنّ ثبوت حقّ القصاص منوط بدفع نصيب من أراد الدية و لكن الثابت الضمان و الأداء كما هو مدلول الصحيحة. نعم الأداء قبل الاقتصاص أحوط.

و على الجملة، يستفاد من صحيحة أبي الولّاد المزبورة أنّ حقّ القصاص للأولياء لا يسقط بعفو بعض الورثة أو بمطالبته بالدية، بل من يريد الاقتصاص يكون عليه ضمان دية من يريد الدية، كما يكون عليه ضمان من عفى عن القصاص و الدية بأن يدفع حصّته من الدية إلى الجاني.

(1) فإنّ إخباره بأنّ شريكه عفى عن القصاص بمال

إقرار على شريكه في القصاص فلا ينفذ بل يبقى الشريك على حقّه في الاقتصاص منه فإن اقتصّ المقرّ من الجاني فعليه أن يردّ نصيب شريكه من الدية، فإن صدّقه في إخباره فالردّ له، فإن قال: عفوت الجاني، يكون نصيبه للجاني، كما تقدّم الوجه في ذلك في المسألة الثانية.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 259

[الرابعة: إذا اشترك الأب و الأجنبي في قتل ولده]

الرابعة: إذا اشترك الأب و الأجنبي في قتل ولده أو المسلم و الذمّي في قتل ذمّي فعلى الشريك القود (1) و يقتضي المذهب أن يردّ عليه الآخر نصف ديته و كذا لو كان أحدهما عامدا و الآخر خاطئا كان القصاص على العامد بعد الردّ، و لكنّ هنا (هذا خ ل) الرد من العاقلة، و كذا لو شاركه سبع لم يسقط القصاص لكن يردّ عليه الولي نصف ديته.

______________________________

(1) إذا قتل شخص و كان قاتله اثنان و القتل بالإضافة إلى أحدهما موجب للقصاص عنه، و بالإضافة إلى الآخر موجب للدية فقط، كما إذا قتل والد مع أجنبي ولده أو قتل مسلم مع ذمّي ذمّيا آخر، فلوليّ المقتول أن يقتصّ ممّن يثبت القصاص في حقّه و على الجاني الآخر أن يعطي الدّية لورثة الجاني المقتصّ منه أو للجاني.

و إذا كان القتل بالإضافة إلى أحد القاتلين قتلا عمديّا موجبا للقصاص و كان من الآخر موجبا للدية على عاقلته كما إذا كان خطأ محضا فللولي أن يقتصّ ممّن يكون قتله موجبا للقصاص و يكون نصف الدية للجاني من عاقلة من يكون قتله خطأ محضا.

و إذا كان القتل بفعل اثنين و كان قتل أحدهما موجبا للاقتصاص منه و الفعل من الآخر غير مضمون عليه كالسبع يكون نصف الدية على وليّ القصاص يدفعه إلى من يريد

الاقتصاص منه، و كأنّ ما ذكر متسالم عليه بين أصحابنا و الخلاف من بعض العامّة، حيث ذكروا عدم القصاص و لعلّ نظرهم في سقوط القصاص هو انّ القود يتعلّق على من يكون القتل صادرا عنه و في المفروض القتل لم يصدر عنه بل يكون مستندا إلى مجموع الفعلين من فاعلين.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّ القود يتعلّق بالقاتل عمدا، كان مستقلا في فعله أم لا، كما تقدّم في مسائل الشركة في القتل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 260

[الخامسة: للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص]

الخامسة: للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص لاختصاص الحجر بالمال (1) و لو عفى على مال و رضى القاتل قسّمه على الغرماء، و لو قتل و عليه دين فإن أخذ الورثة الدّية صرفت في ديون المقتول و وصاياه كما له، و هل للورثة استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الديون، قيل: نعم، تمسّكا بالآية، و هو أولى، و قيل: لا، و هو مروي (2).

______________________________

(1) لا يخفى أنّ المحجور عليه بالفلس يكون محجورا عليه بالإضافة إلى الأموال التي حجر عليه فيها، و كذلك السفيه بالإضافة إلى أمواله الموجودة، و عليه فلا موجب لمنع المفلس أو السفيه عن الاقتصاص؛ لأنّ الاقتصاص ليس تصرّفا ماليّا، كما انّ أحدهما إذا عفى عن القصاص على مال كان له ذلك فإن أخذ المال لا يكون تصرّفا في أمواله الموجودة؛ و لذا يجوز للمفلس أن يوجر نفسه للعمل و يستحقّ السفيه اجرة المثل على من استعمله بل الاجرة المسمّى إذا استأجره.

و على الجملة، إذا عفى المحجور عليه عن القصاص على مال كان ذلك المال محسوبا من الدية، فيعامل معها معاملة التركة لما دلّ على حساب دية القتل من

تركة الميت، و لو كانت الدية ثبوتها للتراضي بها عن القصاص.

(2) التعبير ب (قيل) إشارة إلى الاختلاف، و هذا القول قائله الشيخ (قدس سره) في النهاية، حيث ذكر انّ الورثة إذا استوفوا القصاص يكون الدين للغرماء عليهم، و يستدلّ على ذلك بما رواه في التهذيب عن الصفّار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن أسلم الجبلي عن يونس ابن عبد الرحمن عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقتل و عليه دين و ليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟ فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن وهبوا أوليائه

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 261

..........

______________________________

دية القاتل فجائز، و إن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتّى يضمنوا الدين للغرماء و إلّا فلا» «1».

و لكن لا يخفى أنّ مقتضى ما ورد فيها من أنّ أصحاب الدّين هم الخصماء للقاتل ان تؤخذ الدية من القاتل لا نفوذ هبة الأولياء الدية له مع أنّه قد ذكر بعده فإن وهبوا أوليائه دية القاتل فجائز.

و قد روى الشيخ بإسناده عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل و عليه دين و ليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟ فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن وهب أوليائه دمه للقاتل ضمنوا الدّية للغرماء و إلّا فلا» «2»، و مقتضاها انّ مع عفو القاتل عن الدم بترك القصاص و أخذ الدية من قبل الأولياء يوجب ضمانهم الدية للغرماء، و إلّا أي إن لم يكن عفو كذلك بأن أخذ

القصاص أو أخذ و الدية فليس عليهم ضمان، فإنّه مع أخذهم الدية تحسب الدية من تركة الميت، و تصرف في ديونه، و إن أخذوا بالقصاص فقد استوفوا حقّهم.

و مع تعارض النقلين في ضمان الدّين في صورة القصاص و عدم ضمانه يؤخذ بالنقل الثاني؛ لصحّة سنده، بل كونه موافقا للكتاب المجيد من قوله سبحانه: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «3»، و على هذا فإن عفوا عن القصاص على الدية فهو، و إلّا أي عفوا عن الدم ضمنوا الدية للغرماء.

______________________________

(1) الوسائل: ج 13، الباب 24 من أبواب الدّين، الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 59 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 92.

(3) سورة الاسراء: الآية 33.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 262

[السادسة: إذا قتل جماعة على التعاقب ثبت لوليّ كلّ واحد منهم القود]

السادسة: إذا قتل جماعة على التعاقب ثبت لوليّ كلّ واحد منهم القود (1) و لا يتعلّق حقّ واحد بالآخر، فإن استوفى الأول سقط حقّ الباقين لا إلى بدل على تردّد، و لو بادر أحدهم فقتله فقد أساء و سقط حقّ الباقين و فيه إشكال من حيث تساوي الكلّ في سبب الاستحقاق.

______________________________

و يؤيّد ذلك رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال «قلت له: جعلت فداك، رجل قتل رجلا متعمّدا أو خطأ و عليه دين و ليس له مال، و أراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: «إن وهبوا دمه ضمنوا ديته» فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: «إن قتل عمدا قتل قاتله و أدّى عنه الإمام الدّين من سهم الغارمين» قلت: فإنّه قتل عمدا و صالح أولياؤه قاتله على الدّية فعلى من الدّين، على أوليائه من الدّية؟ أو على إمام المسلمين؟

فقال: «بل يؤدّوا دينه من

ديته التي صالحوا عليها أولياؤه فإنّه أحقّ بديته من غيره» «1».

(1) فإنّ لكلّ من أولياء المقتولين ولاية بالاقتصاص منه، و لا يكون اشتراك في حقّ القصاص الواحد بأن يكون ثبوته و سقوطه باشتراك الكلّ في القصاص أو العفو عنه أو يضمن المستوفي الدّية على السائرين. و عليه فإن اجتمعوا و رضوا كلّهم بالقصاص عنه فقط فقد استوفوا كلّهم حقّهم.

و ظاهر الماتن انّ وليّ المقتول الأوّل أولى بالقصاص ممّن بعده من ولي المقتول الثاني، حيث قال: لو بادر الأول إلى القصاص سقط حقّ الباقين، و لو بادر أحدهم- أي غير الأول- فقد أساء و سقط حقّ الباقين. و الظاهر هو انّه إن رضوا كلّهم بالقصاص فلا مورد لأخذ الدية، و إن طالب بعضهم الجاني بالدية و رضى الجاني به لا يسقط حقّ الباقين في القصاص، و لكن إن

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 59 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 92.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 263

[السابعة: لو و كلّ في استيفاء القصاص فعزله قبل القصاص]

السابعة: لو و كلّ في استيفاء القصاص فعزله قبل القصاص ثمّ استوفى فإن علم فعليه القصاص (1) و إن لم يعلم فلا قصاص و لا دية.

أمّا لو عفا الموكل ثمّ استوفى و لمّا يعلم فلا قصاص أيضا و عليه الدية للمباشرة و يرجع بها على الموكل لأنّه غار.

______________________________

لم يرض بالدية لا يكون على الجاني إلّا الاقتصاص؛ لأنّ ثبوت الدية للباقين لا موضوع له، حيث ثبوت الدية إمّا يكون بالتراضي مع الجاني أو بالتعبّد و شي ء منهما غير مفروض في المقام.

و مما ذكر يظهر أنّه لا فرق بين قتل المتعدّد متعاقبا أو دفعة، بل لا فرق بين اقتصاص واحد من الأولياء أو قتل الأجنبي الجاني، فإنّه في

جميع الصور ينتفي مورد حقّ القصاص. نعم يمكن دعوى انّ الدية تثبت على بيت المال لئلا يذهب دم المقتولين هدرا، و لكن هذا أيضا لا يخلو عن الإشكال.

(1) قد تقدّم أنّه لا يجب في الاقتصاص مباشرة الولي بأنّ لولي الدم التوكيل في استيفاء حقّه، فإن و كلّ الآخر في الاستيفاء ثمّ عزله، فإن علم الوكيل بالعزل فلا يجوز له الاستيفاء بل لو استوفى يكون عليه القصاص؛ لأنّ قتله تعمّد في التعدّي- أي القتل-، و لكن لو استوفى قبل أن يبلغه العزل لا يثبت عليه قصاص و لا دية، بل يسقط حقّ الولي؛ لأنّ فعل الوكيل نافذ ما لم يبلغه العزل و لا يسقط وكالته بمجرّد العزل.

و لو عفا الولي القاتل ثمّ استوفى الوكيل القصاص بلا علمه بالعفو يكون على الوكيل الدية لقتله و لاعتقاده جواز القتل يحسب شبه عمد و لكن يرجع في الدية بعد إعطائها لورثة الجاني المعفو عنه إلى وليّ الدم لأمره بقتل الجاني و عدم إبلاغه عفوه المعبّر عن ذلك بالغرور.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 264

[الثامنة: لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع]

الثامنة: لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع، و لو تجدّد حملها بعد الجناية (1)، فإن ادّعت الحمل و شهدت لها القوابل ثبت، و إن تجرّدت دعواها قيل: لا يؤخذ بقولها؛ لأنّ فيه دفعا للولي عن السلطان، و لو قيل يؤخذ كان أحوط و هل يجب على الولي الصبر حتّى يستقلّ الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم، دفعا لمشقّة اختلاف

______________________________

و لا يبعد أن يكون الحكم كذلك إذا مات الموكّل و لم يعلم به الوكيل و استوفى القصاص، فإنّه يكون عليه الدية و يرجع بها إلى تركة الميت.

(1) لا ينبغي التأمّل في الحكم من لزوم تأخير الاقتصاص

إلى وضع الحمل؛ لأنّ الاقتصاص من الحامل إسراف في القتل و إتلاف نفس- أي الحمل- بغير حق.

و أمّا إذا كان قبل ذلك من كون الحمل علقة أو مضغة فمقتضى إطلاق كلمات الأصحاب عدم الفرق في لزوم تأخير القصاص بينه و بين الحمل الذي و لجته الروح، و استدلّ على ذلك بالروايات الدالّة على تأخير إجراء الحدّ على المريض و المجروح و المستحاضة، حيث يكون إجرائه مظنّة تلف النفس، بل يجب تأخير الاقتصاص بعد وضع الحمل أيضا إذا كان الطفل من غير الارتضاع من أمّه في معرض التلف، و كذا إذا لم يوجد كافل له من غير أمّه.

و ما ذكر ظاهر ما لو كان الحمل عند ولوج الروح أو كونه جنينا لحرمته، و أمّا إذا كان قبل ذلك، ففي استفادة الحكم من الروايات المشار إليها تأمّل، و لا يبعد دعوى الاطمينان بعدم الفرق، و لا أقلّ من كون التأخير أحوط على الوليّ.

و قد يقال بأنّه لا يبعد دعوى قبول قولها في كونها حاملا و إن لم تشهد القوابل به إذا احتمل صدقها، فإنّ القبول مقتضى اطلاق قوله سبحانه:

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 265

اللبن، و الوجه تسليط الولي إن كان للولد ما يعيش به من غير لبن الام و التأخير إن لم يكن، و لو قتلت المرأة حاملا فبانت حاملا فالدية على القاتل، و لو كان المباشر جاهلا به و علم الحاكم ضمن الحاكم.

______________________________

وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ «1» الملازم لقبول قولهنّ حتّى في الحمل.

و لكن الآية واردة في المطلقات و احتمال الخصوصية متحقّق؛ لأنّ دعوى الحمل عن المطلّقة الاخبار بكون عدّتها وضع حملها، فلا يمكن التعدّي.

نعم، روى

الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق عليه السّلام «في قوله تعالى: وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ قال: قد فوّض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض و الطهر و الحمل» «2»، و لكنّها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها.

و إذا اقتصّ الولي من المرأة فبان كونها حاملا، فإن كان و لجته الروح فمع جهله بالحال يكون الدية على عاقلته على المنسوب إلى المشهور، و قيل بأنّه يكون الدية على المباشر؛ لأنّ قتل الام إتلاف للحمل المفروض ولوج الروح فيه، و حيث إنّه كان جاهلا بالحال يكون إتلافه موجبا لضمانه الدية.

و كذا يضمن الدية للتلف إذا كان قبل و لوجه، بل حتّى لو كان علقة أو مضغة. نعم لو كان المباشر غير الولي و كان القتل بأمره يمكن أن يقال بجواز رجوعه إلى الولي لكونه غارّا و لا يعتبر في الرجوع إلى الغارّ علمه بالحال.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 228.

(2) مجمع البيان: 2: 326.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 266

[التاسعة: لو قطع يد رجل ثمّ قتل آخر قطعناه أوّلا ثمّ قتلناه]

التاسعة: لو قطع يد رجل ثمّ قتل آخر قطعناه أوّلا ثمّ قتلناه (1) و كذا لو بدأ بالقتل توصّلا إلى استيفاء الحقّين، و لو سرى القطع في المجني عليه و الحال هذه كان

______________________________

نعم لو كان ولي الدم الحاكم و المباشر مأذون منه يكون استقرار الضمان على بيت المال؛ لما دلّ على «أنّ خطأ القضاة في بيت المال»، نعم لو فرض علم الحاكم بكونها حاملا فاستقراره عليه لا على بيت المال، و لكن لا يخفى انّ إتلاف الامّ أمر جائز لولي الدم و المفروض أنّه قصده خاصة و لم يلتفت و لم يقصد فعلا يتعلّق بالحمل فاللازم أن يحسب القتل خطأ محضا

و تكون الدية على العاقلة إلّا أن يقال لا دليل في دية الجنين قبل ولوج الروح على العاقلة حتّى في الاتلاف بخطإ محض.

(1) إن كان المراد أنّه يجب على وليّ المقتول أن يصبر إلى أن يستوفى الاقتصاص من قطع اليد، فالظاهر أنّه لا دليل عليه؛ لأنّ وليّ الدم له سلطنة على الجاني بالاقتصاص من النفس.

نعم، يجوز للمجني عليه الاقتصاص من يده المقطوعة، و لا يجوز لولي الدم الممانعة عنه، فإنّ للمجني عليه حقّ الاقتصاص من يده المقطوعة مستقلا كاستقلال ولي الدم في الاقتصاص من النفس.

و بالجملة، ما يظهر من عبارة الماتن من تعيّن الجمع بين الحقّين حتّى فيما إذا قتل واحدا ثمّ قطع يد شخص آخر بمعنى أنّه لا يجوز لولي الدم الاقتصاص من النفس أوّلا لا يمكن المساعدة عليه، و إلّا كان اللازم أن لا يجوز له الاقتصاص إذا كان المجني عليه قاصرا أو غائبا. و على كلّ، فإن اقتصّ الولي من الجاني قصاص النفس ففي رجوع المقطوع يده إلى دية يده المقطوع من تركة الجاني كلام تقدّم في قتل الواحد اثنين و اقتصّ أحد الوليين من غير تراض من الولي الآخر.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 267

للولي نصف الدية من تركة الجاني (1) لأنّ قطع اليد بدل عن نصف الدية، و قيل:

لا يجب في تركة الجاني شي ء؛ لأنّ الدية لا تثبت في العمد إلّا صلحا، و لو قطع يديه فاقتصّ ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه جاز لوليّه القصاص في النفس.

______________________________

(1) إذا قطع شخص يد الآخر عمدا و قتل رجلا آخر، قطعت يده اقتصاصا من قطعها و قتله وليّ الآخر قصاصا من النفس.

و لو سرى جراحة المجني عليه بقطع يده و مات،

ففي المسألة أقوال:

أحدها: ما اختاره الماتن (قدس سره) من أنّه يأخذ أولياء المقتول بالسراية نصف الدية من تركة الجاني، حيث انّ الاقتصاص من الجاني بقطع يده بدل نصف الدية، فيكون عليه في تركته نصف الدية، و قيل لا يكون على الجاني في تركته شي ء؛ لأنّ الثابت في مورد الجناية عمدا القصاص، و الدية تثبت بالتراضي، و حيث انّه فات مورد القصاص بقتل الجاني من وليّ المقتول الآخر، لم يبق على الجاني شي ء.

و لكن لا يخفى انّ هذا القول يتمّ إذا قيل بأنّ سراية الجراحة الواردة عمدا يوجب قصاص النفس مطلقا، و لو كانت السراية اتفاقية و لم يقصد الجاني القتل بجنايته، و أمّا بناء على ما تقدّم من أنّ القصاص من النفس على الجاني يثبت في مورد غالبية السراية أو قصده القتل فالثابت في الفرض تمام الدية على الجاني، فيخرج من تركته و قطع يده أوّلا قصاص من جنايته العمدية و ليس بدلا عن نصف الدّية، فيتعيّن في المقام القول الثالث، و هو ثبوت الدية الكاملة على الجاني في تركته كما اختاره العلّامة في القواعد و وجّهه في المسالك بل نسبه في كشف اللّثام إلى المشهور.

و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا قطع الجاني يدي آخر و اقتصّ منه بقطع يديه، ثمّ سرت جراحة المجني عليه و مات، فإنّه إذا كان الجاني قاصدا القتل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 268

و لو قطع يهودي يد مسلم فاقتصّ المسلم ثمّ سرت جراحة المسلم كان للولي قتل الذمّي (1) و لو طالب بالدية كان له دية المسلم إلّا دية يد الذمي و هي أربعمائة درهم، و كذا لو قطعت المرأة يد رجل فاقتصّ ثمّ سرت

جراحته كان للولي

______________________________

أو كان الجراحة سارية عادة، يتعلّق عليه القصاص بالنفس و الاقتصاص بقطع يديه، مع عدم حصوله و ان يدخل في قصاص النفس و لكن مع حصوله أوّلا غير مضمونة، و إن لم تكن سارية في الغالب و لم يقصد بها القتل يتعلّق على الجاني دية النفس، و اللّه العالم.

(1) المحكي عن الشيخ (قدس سره) أنّه لو قطع ذمي يد المسلم فاقتصّ المسلم منه بقطع يد الذمي ثمّ سرت جراحة المسلم و مات، يجوز لوليّ المسلم قتل الذميّ قصاصا من النفس و أنّه يجوز للولي مطالبة الذمّي الجاني بدية النفس، يعني دية نفس المسلم، و لكن يستثنى من دية نفسه مقدار دية يد الذمي التي هي أربعمائة درهم نصف دية نفس الذمي و ديته ثمانمائة درهم على ما تقدّم.

و قال أيضا: بأنّ الحال كذلك لو قطعت امرأة يد رجل مسلم قطع المسلم يدها قصاصا ثمّ سرت جراحة الرجل المسلم فمات، فإنّ لوليّ الرجل المسلم قتل المرأة قصاصا من النفس و يجوز له مطالبتها بديّة نفس الرجل و يكون له ثلاث أرباع دية النفس ينقص دية اليد المرأة الجانية التي نصف دية نفس المرأة و يظهر من ذلك أنّه لو قطعت يدي الرجل و رجليه فاقتصّ المجني عليه منها بقطع يديها و رجليها ثمّ مات الرجل المجني عليه بالسراية كان لوليّه القصاص من المرأة نفسا، و ليس للولي مطالبتها بالدية؛ لأنّه استوفى تمام ما يقوم مقام الدية. و كذا الحال إذا قطع رجل يدي رجل آخر فاقتصّ المجني عليه من الجاني بقطع يديه ثمّ مات المجني عليه بالسراية، فإنّ لوليّه القصاص

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 269

القصاص، و لو طالب بالدية كان

له ثلاثة أرباعها، و لو قطعت يديه و رجليه فاقتصّ ثمّ سرت جراحاته كان لوليّه القصاص في النفس، و ليس له الدية؛ لأنّه استوفى ما يقوم مقام الدية، و في هذا كلّه تردّد؛ لأنّ للنفس دية على انفرادها و ما استوفاه وقع قصاصا.

______________________________

من الجاني نفسا، و لكن ليس له مطالبة الدية؛ لأنّ بدل الدية استوفى بقطع يديه أوّلا.

و قال (قدس سره) في آخر كلامه: أنّه ليس في البين قتل يوجب القصاص و يعفى عنه في مقابل المال إلّا هذه المسألة. و ذكر الماتن (قدس سره) انّ ما ذكره الشيخ كلّه في المقام غير ثابت؛ لأنّ السراية جناية قتل النفس أي جناية اخرى موجبة للقصاص و لها دية النفس، و ما استوفى المجني عليه عن جناية سابقة غير مضمونة على المقتص المجني عليه، فلا يقام ذلك الاقتصاص لا مقام بعض دية النفس و لا في مقام تمامها.

أقول: في كلام الشيخ (قدس سره) موارد للنظر، فإنّه لو قطع الذمي يد المسلم فاقتصّ من الذمي ثمّ مات المسلم بالسراية، فإن قلنا بأنّ السراية في الجروح يحسب قتلا عمديا فاللازم أن يدفع الذمي و أمواله إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه و تملّكوا أمواله، و إن شاءوا استرقّوه، فأخذ دية المسلم منه إلّا مقدار دية يده المقطوعة، أي أربعمائة درهم، لا يناسب الحكم، و إن حسب السراية قتلا شبه عمد كما ذكرنا فيؤخذ تمام دية المسلم و قطع يده من قبل اقتصاصا لا يرتبط بدية النفس الثابتة بالموت، فإنّ الموت جناية اخرى غير عمدية.

و أيضا ما ذكره و لو طالب بالدية يكون له دية المسلم إلّا دية الذمي، لو كان نقص الدية لضمان المجني عليه قطع يده لوقوعه في

غير محلّه مع السراية

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 270

[العاشرة: إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص]

العاشرة: إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص، و هل تسقط الدية (1) قال في المبسوط: نعم، و تردّد في الخلاف، و في رواية أبي بصير: إذا هرب و لم يقدر عليه حتّى مات اخذت من ماله و إلّا فمن الأقرب فالأقرب.

______________________________

فاللازم دفع دية يده إذا أراد وليّ المسلم الاقتصاص من النفس.

و كذا فيما ظاهر كلامه انّ الولي مخيّر في هذه الموارد بين القصاص و مطالبة الدية، فإنّه في موارد ثبوت القصاص للولي تكون مطالبة الدية بالتراضي لا بالقهر، و مع التراضي على الدية يكون المقدار الناقص عن الدية أو الزائد عنه تابعا للتراضي لا بالقهر، و على كلّ حال فقد ظهر مما ذكرنا سابقا انّ مجرّد السراية لا تحسب قتلا عمديّا بل يكون الموت معها من قتل شبه العمد و تثبت دية النفس.

(1) يستدلّ على ثبوت الدية بما دل من قولهم عليهم السّلام «لا يبطل دم امرئ مسلم». و بما دل على ثبوت الدية فيمن قطع يد الآخر و ليس له يد، و برواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل رجلا متعمّدا ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال اخذت الدية من ماله و إلّا فمن الأقرب و الأقرب، و إن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام عليه السّلام فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم» «1».

و صحيحة ابن أبي نصر عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجل قتل رجلا عمدا ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات قال: إن كان له مال اخذ منه و إلّا اخذ من الأقرب فالأقرب» «2».

______________________________

(1) الوسائل:

ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1: 302.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3: 303.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 271

[الحادية عشرة: لو اقتصّ من قاطع اليد ثمّ مات المجني عليه بالسراية]

الحادية عشرة: لو اقتصّ من قاطع اليد ثمّ مات المجني عليه بالسراية ثمّ الجاني وقع القصاص بالسراية موقعه (1)، و كذا لو قطع يده ثمّ قتله فقطع الولي يد الجاني ثمّ سرت إلى نفسه، أمّا لو سرى القطع إلى الجاني أوّلا ثمّ سرى قطع المجني عليه لم يقع سراية الجاني قصاصا لأنّها حاصلة قبل سراية المجني عليه فكانت هدرا.

______________________________

و قد يناقش بأنّ ما ورد في عدم بطلان دم امرئ مسلم لا يدلّ على ثبوت الدية في تركة الجاني، و رواية أبي بصير واردة في هرب الجاني حيث يحتمل أنّ أخذه من ماله عقوبة على فراره و ما في ذيلها من التعليل ناظر إلى أداء الإمام لا على كونها في مال الجاني، و الأخذ من العاقلة و رواية البزنطي خالية عن التعليل.

(1) ذكر جماعة أنّه لو اقتصّ المجني عليه من قاطع يده ثمّ مات المجني عليه بالسراية ثمّ مات الجاني أيضا بسراية جراحة قطع يده وقع موته بالسراية موضع القصاص في النفس فلا يكون في تركته دية لأولياء المجني عليه حتّى بناء على الانتقال إلى الدية من تركة الجاني مع عدم إمكان الاقتصاص لموته، بل ذكر عدم الخلاف في ذلك.

و أمّا إذا مات الجاني أوّلا ثمّ مات المجني عليه بالسراية يكون المورد من موارد انتفاء موضع القصاص و يجي ء فيه احتمال رجوع أولياء المجني عليه في ديته من تركة الجاني؛ لأنّه في الفرض لا يكون موت الجاني قصاصا بل يكون هدرا، فإنّه يتعلّق حقّ القصاص لأولياء المجني

عليه بعد موته.

أقول: الظاهر عدم الفرق بين الصورتين، فإنّ موت الجاني بالسراية بعد موت المجني عليه لا يعدّ قصاصا من نفس المجني عليه، فإنّ القصاص من نفس المجني عليه يثبت لأولياء المجني عليه لا للمجني عليه، و سراية جراحة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 272

[الثانية عشرة: لو قطع يد إنسان فعفى المقطوع]

الثانية عشرة: لو قطع يد إنسان فعفى المقطوع (1)، ثمّ قتله القاطع، فللولي القصاص في النفس بعد ردّ دية اليد، و كذا لو قتل مقطوع اليد قتل بعد أن يرد عليه دية يده إن كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص و لو كانت قطعت

______________________________

الجاني غير مضمونة على المجني عليه ليكون في البين تهاتر.

و المتعيّن في المقام أن يقال: إن كان قصد كلّ من الجاني و المجني من القطع القتل أو كانت الجراحتان مما يقتل عادة لا يبقى مع موتهما مورد الاقتصاص و يقع التهاتر في مطالبة الدية بناء على وصول النوبة إلى الدية مع فوت مورد القصاص، و أمّا إذا لم يكن قصدهما القتل و لم تكن الجراحة مما تقتل عادة تثبت في مال الجاني الدية بلا فرق بين موته أوّلا بالسراية أو موت المجني عليه كذلك؛ لأنّ سراية جراحته غير مضمونة على المجني عليه، بخلاف موت المجني عليه بسراية جراحته فإنّها مضمونة على الجاني، فإنّ السراية في الحدود و القصاص هدر.

و دعوى أنّ أولياء المجني عليه يرجعون إلى نصف الدية؛ لأنّ النصف الآخر استوفى ببدله بقطع المجني عليه يد الجاني، لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ القطع لا يكون استيفاء من دية النفس. نعم بناء على أنّ الدية لا تثبت بفوت مورد القصاص، فلا يكون لأولياء المجني عليه أيضا دية في مال الجاني إذا

كان قصد الجاني القتل أو كانت جراحته قاتلة.

(1) ظاهره كون المراد ما إذا قطع الجاني يد الآخر عمدا فعفى المجني عليه الجاني عن جنايته التي هي قطع اليد، ثمّ قتل الجاني المجني عليه عمدا، يثبت لأولياء المجني عليه الاقتصاص من الجاني في النفس بعد ردّ دية اليد عليه، و قد تقدّم أنّ الجناية على المجني عليه بقتله جناية اخرى غير الجناية التي بقطع يده أوّلا، و مقتضى القاعدة أن يكون للأولياء القصاص في النفس من

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 273

..........

______________________________

الجاني من غير ردّ دية اليد، حيث انّ القصاص من اليد لا يدخل في القصاص من النفس إذا كان كلّ منهما بجناية مستقلّة، و لكن المحكي عن المشهور على ما قيل الالتزام بما ذكره الماتن (قدس سره) مستندا إلى رواية سورة ابن كليب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن رجل قتل رجلا عمدا و كان المقتول أقطع اليد اليمنى فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده و يقتلوه، و إن شاءوا طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي، قال: و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله، و لا يغرم شيئا، و إن شاءوا أخذوا دية كاملة، قال: و هكذا وجدنا في كتاب علي عليه السّلام» «1».

و هذه الرواية و إن تشمل ما إذا كان قاطع يد المقتول قاتله، و لكنها لا تقتضي ردّ الدية في صورة

عفو المقطوع عن جنايته مطلقا، فإنّ ظاهر أخذ الدية استيفائها، ففي فرض كون قطع اليد اقتصاصا من الجناية أو أخذ الدية على يده المقطوعة يتعلّق على قاتله الاقتصاص في النفس بعد ردّ دية اليد عليه، و لكن سورة بن كليب لم يثبت له توثيق و المدح المنقول في حقّه ضعيف سندا، فرفع اليد عن القاعدة بها لا يخلو عن التأمّل و الإشكال.

و مما ذكر يظهر الحال فيما ذكر الماتن (قدس سره) و كذا لو قتل مقطوع اليد قتل بعد أن يرد عليه دية اليد إن كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص و لو كانت قطعت في غير جناية و لا أخذ لها دية قتل.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 50 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 82.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 274

من غير جنابة و لا أخذ لها دية قتل القاتل من غير ردّ و هي رواية سورة بن كليب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و كذا لو قطع كفّا بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع (1).

______________________________

و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا قطع الكفّ ممّن قطع أصابعه في جناية أو أخذ الدية عليها.

(1) و المستند في ذلك رواية الحسن بن العباس عن الجريش عن أبي جعفر الثاني قال: «قال أبو جعفر الأول لعبد اللّه بن عباس: يا ابن عباس انشدك اللّه هل في حكم اللّه اختلاف؟ قال فقال: لا، قال: فما تقول في رجل قطع رجل أصابعه بالسيف حتّى سقطت فذهبت، و أتى رجل آخر فأطار كفّ يده فأتى به إليك و أنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفّه، و

أقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت، و ابعث إليهما ذوي عدل. فقال له: قد جاء الاختلاف في حكم اللّه و نقضت القول الأول، أبى اللّه أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود و ليس تفسيره في الأرض، اقطع يد قاطع الكفّ أصلا ثمّ اعطه دية الأصابع هذا حكم اللّه» «1».

و في السند ضعف بسهل بن زياد و الحسن بن العباس و مقتضى القاعدة ثبوت القصاص في قطع الكفّ من غير ردّ الدية بلا فرق بين أخذ المقطوع دية أصابعه أو اقتصّ منها أم لا؛ و لذا لو كان قاطع الكفّ قاطعا للأصابع أوّلا ثمّ قطع كفّه كان للمجني عليه العفو عن الجناية على الأصابع و الاقتصاص من الجناية بقطع كفّه من غير ردّ الدية.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب القصاص في الطرف، الحديث 1: 129.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 275

و لو ضرب (1) ولي الدم الجاني قصاص و تركه ظنّا أنّه قتله و كان به رمق فعالج نفسه و برأ لم يكن للولي القصاص في النفس حتّى يقتصّ منه بالجراحة أوّلا و هذه رواية أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما عليه السّلام و في أبان ضعف مع

______________________________

(1) ذكر (قدس سره) أنّه إذا ضرب وليّ المقتول ظلما القاتل حتّى تركه اعتقادا أنّه قتل و لكن كان في الجاني رمق فعالج نفسه و برأ لم يكن للوليّ المزبور قتله ثانيا حتّى يقتصّ الجاني منه بالجراحة التي أوقعها عليه أوّلا.

و يدلّ على ذلك مرسلة أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما عليهما السّلام قال: «اتي عمر بن الخطاب برجل قد قتل أخا رجل فدفعه إليه و أمره بقتله، فضربه الرجل حتى

رأى أنّه قد قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقا فعالجوه فبرأ فلما خرج أخذه أخو المقتول الأول فقال أنت قاتل أخي، ولي أن أقتلك، فقال: فقد قتلتني مرّة، فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج و هو يقول: و اللّه قتلتني مرّة، فمرّوا على أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره خبره فقال: لا تعجل حتّى أخرج إليك، فدخل على عمر فقال: ليس الحكم فيه هكذا! فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ فقال: يقتصّ هذا من أخي المقتول الأول ما صنع به أولا ثمّ يقتله بأخيه، فنظر الرجل انّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه فعفا عنه و تتاركا» «1».

و هذه الرواية مع إرسالها لم يقيّد بصورة ما ليس الاقتصاص به، بل إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الصورتين مع أنّ أخذ القصاص من الولي المفروض أنّه قصد القتل كان استيفاء لحقّه لا ينطبق على القواعد.

و الأظهر أنّه إذا كان ضرب الولي بما ليس له الاقتصاص به فليس له القصاص من الجاني إلّا بعد اقتصاص الجاني من الجراحة التي أوردها عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 61 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 94.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 276

إرساله السند، و الأقرب أنّه إن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به اقتصّ منه و إلّا كان له قتله، كما لو ظنّ أنّه أبان عنقه ثمّ تبين خلاف ظنّه بعد انصلاحه فهذا له قتله و لا يقتصّ من الولي؛ لأنّه فعل سائغ.

______________________________

أوّلا، فإنّ الجراحة المزبورة لم تكن قتلا ليقال إنّه تعدّى في كيفية استيفاء حقّه فيستحقّ التعزير، كما تقدّم في تعدّي الولي في كيفية الاقتصاص من الجاني. و أمّا إذا كان ضربه بما له

الاقتصاص به فله الاقتصاص من الجاني ثانيا بقتله، غاية الأمر جنايته على الجاني أوّلا جناية خطأ يكون عليه الدية أو الارش.

***

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 277

[القسم الثاني في قصاص الطرف]

اشارة

القسم الثاني في قصاص الطرف و موجبه الجناية بما يتلف العضو غالبا أو الاتلاف بما قد يتلف لا غالبا مع قصد الاتلاف (1)، و يشترط في جواز الاقتصاص التساوي في الإسلام و الحرّية، أو يكون المجني عليه أكمل فيقتصّ للرجل من المرأة و لا يأخذ الفضل، و يقتصّ لها منه بعد ردّ التفاوت في النفس أو الطرف، و يقتصّ للذمي من الذمي و لا يقتصّ له من مسلم، و للحرّ من العبد، و لا يقتصّ للعبد من الحرّ، كما لا يقتصّ له في النفس.

______________________________

(1) المراد من الطرف: العضو، سواء كان العضو من الأعضاء المعروفة من أجزاء الجسد، كاليد و الرجل و الأنف و نحوها، أم لا، كالجرح في الظهر و البطن. و قد تقدّم انّ الموجب للقصاص هي الجناية عمدا، و يكون الجناية العمدي في الطرف بما يتلف العضو غالبا، أو يتلف العضو اتفاقا، و لكن كان بقصد اتلافه، و قد ذكر سبحانه في قوله وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ الآية «1».

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 278

..........

______________________________

و قد وردت الروايات في القصاص من الطرف و الجروح، و يأتي التعرّض لها في المباحث الآتية.

و قد ورد في صحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام فيما كان من جراحات الجسد أنّ فيها القصاص أو يقبل المجروح

دية الجراحة فيعطاها» «1»، و مثلها صحيحته الثانية «2».

و بالجملة القصاص في الطرف يثبت مع الجناية عليه عمدا، و أمّا إذا كان من شبه العمد أو الخطأ المحض فيثبت الدية على ما مرّ في الجناية على النفس.

و كما يعتبر بعض الامور في القصاص في النفس من التساوي في الإسلام و الحرّية أو كان المجني عليه مسلما أو حرّا و هو المراد بقول الماتن «أو يكون المجني عليه أكمل» فكذلك يثبت ذلك في القصاص في الطرف.

و أمّا اشتراط التساوي في الدّين بمعنى أنّه إن جنى الذمّي و نحوه على المسلم يقتصّ منه، و أمّا إذا جرح المسلم الذمّي و نحوه لا يقتصّ من المسلم فيدلّ عليه في الجناية على الأطراف صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم» «3».

و لكن في صحيحة أبي بصير قال: «سألته عن ذمّي قطع يد مسلم، قال: تقطع يده إن شاء أوليائه و يأخذون فضل ما بين الديتين، و إن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد فإن شاءوا أخذوا دية يده و إن شاءوا

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3: 132.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 5: 133.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 127.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 279

..........

______________________________

قطعوا يد المسلم و أدّوا إليه فضل ما بين الديتين، و إذا قتله المسلم صنع كذلك» «1». و لكنّ الرواية مضمرة و مضمونها مما لا يمكن الأخذ

به، فإنّ أمر القصاص في الطرف بيد المجني عليه لا أوليائه سواء كانت على مسلم أو على ذمّي، مع أنّ المسلم إذا اقتصّ من الذمي بقطع يده لا يكون له فضل ما بين الديتين، كما هو الحال في الاقتصاص من الذمّي في النفس.

و عن بعض الأصحاب حملها على صورة الاعتياد.

و فيه مع أنّه لا شاهد للحمل المزبور، ففي تلك الصورة أيضا لا يكون الأمر بيد الأولياء.

و أمّا التساوي في الحرّية بمعنى أنّه يقتصّ من العبد بالحرّ في الجناية على الطرف و لا يقتصّ من الحرّ بجنايته على العبد في الطرف كما في الجناية على النفس فيدلّ عليه صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «في عبد جرح حرّا فقال: إن شاء الحر اقتصّ منه، و إن شاء أخذه إن كانت الجناية تحيط برقبته، و إن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحه و الباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه و يردّ الباقي على المولى» «2».

نعم، و ان يتعيّن القصاص في مورد الجناية عمدا و مطالبة غيره يتوقّف على التراضي إلّا أنّه يرفع اليد عن اطلاق ما دلّ على تعيّن القصاص في مورد جناية العبد على الحرّ كما هو ظاهر الصحيحة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 138.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 3 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 124.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، دوم، 1426 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص؛ ص: 280

تنقيح مباني

الأحكام - كتاب القصاص، ص: 280

..........

______________________________

و لا يقتصّ من الحرّ بالعبد بلا خلاف من غير فرق بين القصاص في النفس و الطرف، كما يدلّ على ذلك ما في صحيحة أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ... «و لا تقاص بين المكاتب و بين العبد إذا كان المكاتب قد أدّى من مكاتبته شيئا، فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئا فإنّه يقاص العبد به أو يغرّم المولى كلّ ما جنى المكاتب؛ لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئا» «1»، فإنّه إذا تحرّر بعض العبد لم يجز الاقتصاص منه للعبد، ففي الحرّ المطلق يكون بالأولوية.

و يمكن الاستدلال على ذلك بما ورد في معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «ليس بين العبيد و الأحرار قصاص فيما دون النفس» «2»، و في رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه «يقاص من أمّ الولد للمماليك و لا قصاص بين الحرّ و العبد» «3».

ثمّ انّه كما يكون لأولياء المرأة المقتولة الاقتصاص لها في النفس من الرجل القاتل و لكن بعد ردّ نصف الدية و لأولياء الرجل المقتول القصاص له من المرأة القاتلة من غير أخذ الفضل كذلك الحال في القصاص في الطرف، فيقتصّ الرجل المجني عليه من المرأة الجانية في الطرف من غير أخذ الفضل، و تقتصّ المرأة المجني عليها من الرجل الجاني في الطرف، و لكن بعد ردّ نصف الدية عليه.

و يشهد لذلك- مع أنّ الحكم متسالم عليه عن الأصحاب- صحيحة

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 78.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3:

139.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 43 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 76.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 281

..........

______________________________

الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل فقأ عين امرأة فقال: إن شاءوا أن يفقئوا عينه و يؤدّوا إليه ربع الدية و إن شاءت أن تأخذ ربع الدية، و قال في امرأة فقأت عين رجل انّه إن شاء فقأ عينها و إلّا أخذ دية عينه» «1»، مضافا إلى ما تقدّم من الروايات الدالّة على انّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه.

نعم بما أنّ المرأة تعادل الرجل في الدية إلى أن يبلغ الثلث أو جاوز الثلث لا يكون في اقتصاص المرأة المجني عليها عن الرجل الجاني ردّ الدية ما لم يبلغ دية الجراحة الثلث أو ما لم يتجاوز الثلث.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جراحات الرجال و النساء سواء، سنّ المرأة بسنّ الرجل، و موضحة المرأة بموضحة الرجل، و اصبع المرأة باصبع الرجل، حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية ضعّفت دية الرجل على دية المرأة» «2».

و نحوها صحيحة جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة بينها و بين الرجل قصاص، قال: «نعم في الجراحات حتّى تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل و سفلت المرأة» «3».

و في صحيحة الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جراحات الرجال و النساء في الديات و القصاص السنّ بالسن و الشجّة بالشجّة و الاصبع بالاصبع سواء حتّى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا جازت الثلث

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 2 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 124.

(2) الوسائل: ج 19، الباب

1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 122.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3: 122.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 282

..........

______________________________

صيّرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية و دية النساء ثلث الدية» «1».

و في مقابل كلّ ذلك موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال:

«ليس بين الرجال و النساء قصاص إلّا في النفس» «2»، و قد حمل هذه الموثقة على عدم التساوي في القصاص و عدم ثبوت القصاص من غير ردّ.

و لكن هذا الحمل لا يناسب الاستثناء، فإنّ في الاقتصاص في النفس أيضا لا يجوز الاقتصاص لأولياء المرأة من الرجل من غير ردّ.

و الظاهر أنّ الرواية شاذّة لا عامل بها، و مع الاغماض يؤخذ بالروايات المتقدّمة لموافقتها لظاهر الكتاب أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «3».

ثمّ انّ الوارد في الروايات المساواة في القصاص حتّى يبلغ ثلث الدية، يعني دية النفس، و لكن في معتبرة ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قطع اصبع امرأة قال: تقطع اصبعه حتّى تنتهي إلى ثلث المرأة فإذا جاز الثلث اضعف الرجل» «4»، و ظاهرها اختصاص القصاص من غير ردّ بصورة تجاوز الثلث، و لكن لا بدّ مع اختلاف بين الطائفتين في هذه الجهة الرجوع إلى ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل، فيتعيّن الرد فيما إذا بلغ الثلث، و إن لم يتجاوز.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 6: 123.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 7: 124.

(3) سورة المائدة: الآية 45.

(4)

الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 4: 123.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 283

و التساوي في السلامة، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء و لو بذلها الجاني، و تقطع الشلاء بالصحيحة (1).

______________________________

(1) المراد أنّه يعتبر في ثبوت قصاص العضو أن يكون العضو من المجني عليه مساويا للعضو من الجاني إذا أراد المجني عليه القصاص دون العكس، فيلزم على ذلك أنّه لو قطع الجاني اليد الشلاء من الآخر عمدا لا يجوز للمجني عليه أن يقتصّ من الجاني بقطع يده الصحيحة، بل ينتقل الأمر إلى أخذ الدية بخلاف ما إذا قطع الشلاء اليد الصحيحة من الآخر، فإنّه يجوز للآخر قطع اليد الشلاء من الجاني.

و قد ذكر في الجواهر «1» اعتبار المماثلة كذلك في الشلل و المحلّ و الاصالة و الزيادة و نفى عنه الخلاف و قال عدم جواز قطع اليد الصحيحة باليد الشلاء مفروغ منه عندهم.

و يستدلّ على ذلك برواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل قطع يد رجل شلاء قال: عليه ثلث الدية» «2» بدعوى انّ اطلاقها يعمّ ما إذا كان قطعها عمديّا أم لا، و مقتضى ثبوت ثلث الدية في الصورتين عدم مشروعيّة القصاص، و عليه فلو بذل الجاني اليد الصحيحة للاقتصاص لم يجز للمجني عليه الاقتصاص، بل له أخذ دية يده الشلّاء.

و يضاف إلى ذلك قوله سبحانه فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ. وَ إِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ «3» بناء على كون المراد المماثلة في المتعدى به.

و لكن قد يناقش في الحكم بضعف الرواية سندا، فإنّ من رجال السند

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 348.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب ديات

الأعضاء، الحديث 1: 253.

(3) سورة البقرة: الآية 194.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 284

..........

______________________________

حماد بن زيد (زياد) و لم يثبت له توثيق، و لا أنّه من المعاريف الذين لم يرد فيهم قدح، و رواية ابن محبوب لا يفيد شيئا، مضافا إلى إطلاق قوله سبحانه وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «1»، و النسبة بين الآية و الرواية و إن كانت العموم من وجه لشمول الجروح في الآية إلى غير قطع اليد و شمول الرواية لصورة قطع اليد الشلّاء خطأ، إلّا أنّه لا اعتبار لاطلاق الرواية عند المعارضة مع اطلاق الآية و قوله سبحانه فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «2» و قوله وَ إِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ «3» ظاهرهما المماثلة في أصل الاعتداء و العقاب، بحيث يصدق عليه القصاص لا الاعتداء و الظلم.

و قد يستدلّ على الحكم برواية الحسن بن صالح، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عبد قطع يد رجل حرّ و له ثلاث أصابع من يده شلل، فقال: و ما قيمة العبد؟ قلت: اجعلها ما شئت، قال: إن كان قيمة العبد أكثر من دية الاصبعين الصحيحتين و الثلاث الاصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة و أخذ العبد، و إن شاء أخذ قيمة الاصبعين الصحيحتين و الثلاث الأصابع الشلل، قلت: و كم قيمة الاصبعين الصحيحتين مع الكفّ و الثلاث الأصابع الشلل؟ قال: قيمة الاصبعين الصحيحتين مع الكفّ ألفا درهم، و قيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكفّ ألف درهم لأنّها على الثلث من دية الصحاح» قال: «و إن كانت قيمة العبد أقلّ من دية الاصبعين الصحيحتين و الثلاث الأصابع الشلل دفع العبد

______________________________

(1) سورة المائدة:

الآية 45.

(2) سورة البقرة: الآية 194.

(3) سورة النحل: الآية 126.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 285

..........

______________________________

إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه و يأخذ العبد» «1». و وجه الاستدلال أنّ مقتضاها عدم جواز قطع يد العبد قصاصا و يتعيّن أخذ العبد أو دية جنايته.

و لكن مضافا إلى ضعف سنده يجري فيه ما تقدّم في رواية سليمان بن خالد من كونها ناظرة إلى بيان الدية إذا كان يد المجني عليه شلّاء أو بعض أصابعه كذلك، و ليست في مقام نفي القصاص إذا أراد المجني عليه الاقتصاص من الجاني الذي يده شلّاء، و بالجملة الروايتان نظير صحيحة الحلبي الواردة في بيان كميّة الدية في قطع اليد الشلّاء لا نفي القصاص في موردها إذا كان للجاني اليد الصحيحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يكسر ظهره قال: فيه الدية كاملة، و في العينين الدية، و في أحدهما نصف الدية، و في الاذنين الدية، و في إحداهما نصف الدية، و في الذكر إذا قطعت الحشفة و ما فوق الدية، و في الأنف إذا قطع المارن الدية، و في الشفتين الدية» «2»، فإنّ بيان الدية في الصحيحة مع ثبوت القصاص في مثل قلع العين و فقأها لا ينافي ما ورد فيها من بيان كمية ديتها.

ثمّ انّ المراد بالشلل يبس اليد بحيث لا تعمل، و أن يكون لها حسّ أو حركة ضعيفة، و أمّا عدم سلامة اليد من ناحية غير الشلل لا يوجب سقوط الاقتصاص كما هو مقتضى الاطلاق في قوله تعالى: وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «3»، فيقطع اليد القويّة اقتصاصا من قطع صاحبها اليد الضعيفة من الآخر عمدا، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من

أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 253.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4: 215.

(3) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 286

إلّا أن يحكم أهل الخبرة أنها لا تنحسم (1) فيعدل إلى الدية تفصّيا من خطر السراية.

و تقطع اليمين باليمين (2) فإن لم يكن يمين قطعت بها يسراه، و لو لم يكن له يمين و لا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية، و كذا لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه و رجلاه بالأول فالأول و كان لمن يبقى الدية.

______________________________

(1) المراد إحراز انّ القصاص من الجاني بقطع يده الشلاء يوجب هلاكه لسرايته إلى نفسه، و حيث لا يجوز إتلاف نفس الجاني ينتقل الأمر إلى الدية على ما يستفاد مما ورد في موارد متعدّدة من أنّه مع المحذور في القصاص ينتقل الأمر إلى الدية.

(2) لأنّ مع وجود اليد المماثلة من جهة الطرف يكون الجزاء بالمثل، الاقتصاص بالعضو المماثل في الطرف، و هذا بخلاف ما لم يكن للجاني المماثل في الطرف، فإنّ الاقتصاص بغير المماثل في الطرف يعدّ جزاء بالمثل.

و يدلّ على ذلك ما ورد في صحيحة محمد بن قيس قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام أعور فقأ عين صحيح فقال: تفقأ عينه، قال: قلت: يبقى أعمى، قال: الحقّ أعماه» «1». فإنّ الاطلاق في الجواب يقتضي عدم الفرق بين أن يكون عينه الصحيحة التي تفقأ مماثلا مع جنايته في المحلّ و عدمه.

و يدلّ على ذلك أيضا الصحيح عن حبيب السجستاني قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، قال: «يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلا، و تقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا؛

لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأول، قال: فقلت: إنّ عليا كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى؟ فقال: إنّما كان يفعل ذلك في ما

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 134.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 287

..........

______________________________

يجب من حقوق اللّه، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان) و الرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد، فقلت له: أو ما تجب عليه الدية و تترك له رجله؟

فقال: إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يد و لا رجلان فثمّ تجب عليه الدية؛ لأنّه له جارحة يقاس منها» «1».

و لكن في سند الرواية ضعف حيث لم يثبت لحبيب توثيق و لا مدح و لا أنّه من المعاريف الذين لم يرد فيهم قدح، بل في مدلولها أيضا كلام، فإنّ مقتضى ذيلها أنّه إذا لم يكن له رجل يقتصّ من ساير أعضائه التي لها نصف الدية، مع أنّه ذكر فيها مع عدم الرجل الانتقال إلى الدية و لو كان المراد بالمماثل المماثل عضوا فلا يكون الرجل عضوا مماثلا لليد، و مقتضى ما تقدّم أنّه مع عدم اليد ينتقل الأمر إلى الدية.

و مما ورد في صدر الرواية يظهر الحال فيما ذكر الماتن (قدس سره): و كذا إذا قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه و رجلاه على التعاقب بالأول فالأول و كان لمن يبقى الدية.

و حيث ذكرنا ضعف الرواية فمقتضى القاعدة انّ لكلّ من قطع يمينه فله الاقتصاص من يمينه إذا لم يقتصّ غيره قبله بقطع يمينه نظير ما تقدّم في قتل

شخص عدّة أشخاص عمدا، و إذا اقتصّ غيره قبله من الجاني بقطع يمينه يقطع هو شماله و إذا لم يبق له يمين و شمال ينتقل الأمر إلى الدية بالإضافة إلى الباقين، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2: 131.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 288

و يعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا و عرضا (1)، و لا يعتبر نزولا بل يراعى حصول اسم الشجّة لتفاوت الرءوس في السّمن، و لا يثبت القصاص فيما

______________________________

(1) هذا معروف بحسب كلمات الأصحاب و نفى عنه الخلاف بل يدّعى عليه التسالم بينهم فلا يقنع من الجراحة الواسطة طولا بالضيّقة و لا يقتصّ من الضيّقة بالواسعة. و صرّح غير واحد منهم عدم اعتبار التساوي في العمق بل المعتبر أن يصدق على الجرح الذي يقع من المجني عليه اقتصاصا عنوان الجراحة التي اقتصّ منها بأن يصدق عليها عنوان الباضعة مثلا فيما كانت جراحة الجاني باضعة.

و ذكروا في وجه ما ذكر بعد ثبوت القصاص في الجروح كما دلّ عليه الكتاب المجيد و الروايات اعتبار المماثلة و العدل و عدم جواز الجور في القصاص و مقتضاها اعتبار المساحة في الجراحتين، و أمّا عدم اعتبارها في العمق لاختلاف الرءوس في السمن و عدمه فلا بدّ من رعاية الاسم و العنوان الخاص المنطبق على جراحة المجني عليه في الجراحة التي تقع قصاصا.

و على الجملة، الاختلاف في الرءوس من حيث السمن كالاختلاف في الأطراف من حيث الصغر و الكبر، و كما لا يعتبر المساحة في الأطراف فيقطع اليد الكبير باليد الصغير كذلك يقع الجراحة التي أكثر عمقا قصاصا من الجراحة التي أقلّ منها عمقا بحسب المساحة مع رعاية صدق

الاسم و الاختلاف كذلك لا يوجب عدم صدق الاقتصاص المماثل و عدم التعدي فيه.

أقول: لازم اعتبار التساوي بين الجراحتين في المساحة فيما كان رأس المجني عليه كبيرا و رأس الجاني صغيرا أن يجرح مثلا تمام رأس الجاني طولا أو عرضا فيما كانت مساحة رأسه طولا أو عرضا بمقدار طول الجراحة التي

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 289

فيه تعزير (1) كالجائفة و المأمومة، و يثبت في الحارصة و الباضعة و السمحاق و الموضحة و في كلّ جرح لا تعزير في أخذه و سلامة النفس معه غالبة، فلا يثبت في الهاشمة و لا المنقّلة و لا كسر شي ء من العظام لتحقّق التقرير.

______________________________

حصلت في رأس المجني عليه طولا أو عرضا و لو كانت مساحتها بالإضافة إلى رأسه الكبير بالنصف حتّى صرّح بعضهم لو كانت مساحتها أكثر من مساحة طول رأس الجاني أو عرضه لا ينزل في الاقتصاص في وجه الجاني أو قفاه بل يقتصر على مساحة رأسه و يؤخذ في الزائد الدية، مثلا في الباضعة إذا كانت الجراحة المقتصّ بها ثلثي مساحة جراحة المجني عليه يأخذ المجني عليه ثلث الدية.

و لكن لا يمكن المساعدة على ما ذكروه، فإنّه كما يلاحظ الجراحة في العمق بحسب كلّ رأس لاختلاف الرءوس و صدق المماثلة مع صدق الاسم كذلك في الجراحة بحسب المساحة، فإنّه إذا كانت جراحة المجني عليه بحسبها ثلثي رأسه طولا يتعيّن أن يكون جراحة الجاني أيضا ثلثي مساحة رأسه.

(1) قد ذكروا أنّه لا يثبت القصاص في الجراحة و نحوها، مما يكون تلف النفس أو تلف العضو فيه غالبيا، و عدم التعدّي في الاقتصاص أمر نادر كما في الهاشمة التي تهشم العظم أي تكسره، و إن لم

يشتق حيث كون القصاص بحيث لا يتعدّى عن مقدار الجناية أمر نادر، و كذا في الجائفة.

و المأمومة و المنقّلة بل في مطلق كسر العظام، و يدلّ على ذلك رواية غياث بن كلوب عن اسحاق بن عمار عن جعفر أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: «ليس في عظم قصاص» «1».

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 140.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 290

..........

______________________________

و مقطوعة أبان انّ في روايته: «الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلّا الحكومة و المنقّلة تنقل منها العظام و ليس فيها قصاص إلّا الحكومة و في المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلّا الحكومة» «1»، و نحوها رواية أبي حمزة «2».

و على الجملة، إنّما جعلت القصاص حفظا لسلامة الناس و المحافظة على أمنهم بالتعدّي و الجور عليهم و إذا استلزم القصاص التعدّي نوعا فلا يثبت.

نعم، للمجني عليه القصاص في هذه الموارد بالأقل، حيث لا يكون في الاقتصاص بالأقل تعزير و مطالبة الجاني بالارش في جنايته الزائدة بالدية، و بتعبير آخر: إذا وقعت الجراحة عمدا- كما هو المفروض- فللمجني عليه إذا كانت جراحته أكثر أن يقتصّ من الجاني بالأقل و يطالبه في الأكثر الذي لا يقتصّ منه بالدية بحذف دية الأقل، كما ذكر ذلك جملة من الأصحاب أخذا بقوله سبحانه: وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «3»، مع رعاية عدم جواز الاقتصاص من الأكثر.

بقي أمر و هو أنّه قد ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السنّ و الذراع يكسران عمدا لهما ارش أو قود؟ فقال:

قود، قال قلت: فإن اضعفوا الدية؟ قال: إن أرضوه بما شاء فهو له» «4»،

______________________________

(1) الوسائل: ج

19، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 135.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2: 135.

(3) سورة المائدة: الآية 45.

(4) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 4: 133.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 291

و هل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال، قال في المبسوط: لا، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها (1)، و قال في الخلاف بالجواز مع استحباب الصبر، و هو أشبه.

______________________________

و هذه الصحيحة و إن تكن أخصّ بالإضافة إلى ما ورد «ليس في كسر العظام قصاص» إلّا أنّ إعراض الأصحاب عن العمل بها مع ملاحظة ما ذكرنا يوجب حملها على ما إذا كان الكسر بحيث تكون السنّ أو الذراع تالفا بحيث لا يرجى سلامتهما و إلّا فلا يمكن الأخذ بها.

(1) إذا جرح الآخر عمدا و أراد المجني عليه القصاص من الجاني مع احتمال سراية الجراحة إلى نفس المجني عليه فهل يجوز له الاقتصاص من جرحه أو يلزم الصبر فإن برء- أي لم تسر جراحته- ثبت له قصاص من جراحته، و إن سرت ثبت لوليّه القصاص بالنفس مطلقا كما عليه المشهور، أو فيما إذا كان قصد الجاني القتل أو كانت جراحته قاتلة نوعا و المشهور أنّه يجوز للمجني عليه الاقتصاص قبل الاندمال بل يقال لم يعلم الخلاف إلّا عن الشيخ في المبسوط و ربما يقال عدم الخلاف في المسألة؛ لأنّه قال في المبسوط: و التأخير أحوط، و لعلّه أراد الاستحباب نظير ما ذكر في الخلاف.

و كيف كان، فيستدلّ على ذلك بأنّ مقتضى قوله سبحانه وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «1» ثبوت حق القصاص بمجرّد تحقّق الجناية الجرحية و احتمال السراية و تبدّله بالقصاص

من النفس منفي بالأصل.

أقول: إذا كان قصد الجاني بجرحه قتله فسرت جراحته فمات فموته كاشف عن عدم ثبوت حقّ الاقتصاص من الجراحة للمجني عليه، فإنّ قوله

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 292

..........

______________________________

سبحانه وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «1» حصر القصاص في الاقتصاص بالنفس و ثبوته لولي المقتول، و لا ينحصر مدلول الآية بما إذا كان القتل آنيّا مترتّبا على الجراحة فورا، كما هو ظاهر.

و على ذلك، فإن أراد الولي الاقتصاص من الجاني فاللازم دفع دية الجراحة التي أوردها المجني عليه حيث أنّه لم يكن جنايته إلّا لقيام الحجّة عنده بأنّ قصاص الجراحة حقّ له كما هو مقتضى الاستصحاب في عدم السراية.

و هذا بخلاف ما إذا لم يكن جراحته قاتلة غالبا و لم يكن من قصد الجاني قتله، و لكن اتفقت السراية فإنّه ليس في الفرض حقّ الاقتصاص للولي بل له أخذ دية النفس من غير أن يرد على الجاني شيئا من الدية؛ لأنّه كان في الفرض حقّ القصاص للمجني عليه عند حدوث الجناية واقعا و قد استوفاه.

و لكن ربّما يقال ينافي القصاص قبل الاندمال ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: «لا يقضى في شي ء من الجراحات حتّى تبرأ» «2».

و فيه انّ مدلولها عدم القضاء فيما كان لبرء الجراحة أثر، و أمّا إذا لم يكن كذلك بأن لم يكن لبرئها أثر فلا يعمّه.

و قد ذكرنا أنّ الأثر يختلف إذا كان الجراحة بحيث تكون قاتلة أو كان قصد الجاني القتل فإنّه إذا حصل البرء يثبت القصاص للمجني عليه و إذا

______________________________

(1) سورة الاسراء: الآية 33.

(2) الوسائل:

ج 19، الباب 42 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2: 211.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 293

و لو قطع عدّة من أعضائه خطأ جاز أخذ دياتها و لو كانت أضعاف الدية (1)، و قيل يقتصر على دية النفس حتى يندمل ثم يستوفي الباقي أو يسري فيكون له ما أخذه و هو أولى؛ لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا.

______________________________

لم يحصل بأن سرت و مات المجني عليه ثبت القصاص لوليّه، ففي مثل ذلك يمكن أن يقال مقتضى الرواية وجوب الصبر و عدم اعتبار الاستصحاب و أمّا إذا لم يكن قصد الجاني القتل و لم تكن الجناية قاتلة فالاقتصاص من الجراحة حقّ ثابت للمجني عليه سواء حصل البرء أم لا، و ما ذكر في الجواهر «1» ظاهره أنّ حقّ الاقتصاص من الجراحة ثابت للمجني عليه حتّى في صورة علمه بالسراية أخذا بالعموم، غاية الأمر إذا لم يستوف المجني عليه حتّى مات دخل في القصاص من نفس الجاني لم يعلم له وجه صحيح، بل مقتضى ما تقدّم انحصار الحقّ في الولي.

(1) ظاهر كلامه (قدس سره) أنّه إذا وقعت الجناية في عدّة أعضاء المجني عليه خطأ بحيث يكون مجموع دياتها أكثر من دية النفس جاز للمجني عليه المطالبة بجميع دياتها و إن احتمل السراية فإنّ جوازها مبني على ما تقدّم من أنّ وقوع الجنايات موجبة لجواز المطالبة حيث انّ الأصل عدم السراية حيث إنّ السراية إلى النفس موجبة لدخولها في دية النفس، و لكن قد تقدّم أنّ مقتضى رواية إسحاق بن عمار عدم جواز المطالبة بها حيث لا يقضى في شي ء من الجراحات حتّى يبرأ و أنّ مقتضاها إلغاء اعتبار الاستصحاب في بقاء الجناية.

نعم، قد يقال

هذا بالإضافة إلى ما للبرء دخل في الحكم و هو بالإضافة إلى الزائد من دية النفس و أمّا بالإضافة إلى مقدار ديتها فهو مما

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 358.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 294

و كيفية القصاص في الجراح أن يقاس بخيط أو شبهه (1) و يعلم طرفاه في موضع الاقتصاص ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاخرى، فإن شقّ على الجاني جاز أن يستوفى منه في أكثر من دفعة و يؤخّر القصاص في الأطراف في شدّة الحرّ

______________________________

يستحقّ على الجاني على كلّ تقدير، فإنّ مدلولها عدم كون الحكم فصلا و إنهاء في الجراحات قبل البرء فلا بدّ في القضاء- أي انهاء الحكم في الجراحة- من انتظار البرء، و عليه فإذا كان استحقاق مقدار دية النفس قطعيّا يؤخذ بها.

و فيه انّ دية الأعضاء على تقدير عدم السراية تدخل في ملك المجني عليه من حين الجناية و دية النفس و إن يكن في حكم التركة إلّا أنّها تدخل في ملكه حين موته فتملك المجني عليه مقدار دية النفس حين الجناية عليه ليس أمرا قطعيّا بناء على ما ذكرنا من كون موته كاشفا عن كون الدية دية النفس، و على ذلك فمطالبته مقدار دية النفس بعد وقوع الجناية ليس أمرا متيقّنا حتّى يقال لا أثر للبرء بالإضافة إليه و لو كان أمر السند في الرواية تامّا فالمتعيّن الصبر إلى أن تظهر السراية أو عدمها، فالالتزام بما ذكر الماتن أوّلا و ما جعله أولى أخيرا، و هو المحكي عن الشيخ في المبسوط و العلّامة في التحرير و الارشاد و الشهيد و الأردبيلي، محلّ تأمّل، و اللّه العالم.

(1) المعتبر في القصاص هو المماثلة بين الجناية و الاقتصاص منها

و قياس الجراح بخيط أو شبهه و ضبط الجاني حين الاقتصاص و لو اضطرب الجاني عند القصاص بحيث استندت الزيادة إليه فلا يضمن المقتص و إلّا فالضمان على المقتص لتوقّف إحراز المماثلة عليه و لو شقّ على الجاني الاقتصاص منه دفعة جاز الاقتصاص بمقدار جنايته في أكثر من دفعة؛ لأنّ حقّ الاستيفاء للمجني عليه فله اختيار الطريق الأسهل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 295

و البرد إلى اعتدال النهار، و لا يقتصّ إلّا بحديدة (1). و لو قلع عين إنسان، فهل له قلع عين الجاني بيده؟ الأولى انتزاعها بحديدة معوجّة فإنّه أسهل.

و لو كانت الجراحة تستوعب عضو الجاني و تزيد عنه لم يخرج في القصاص إلى العضو الآخر (2) و اقتصر على ما يحتمله العضو و في الزائد بنسبة المتخلّف إلى

______________________________

و أمّا ما ذكر (قدس سره) من وجوب تأخير القصاص في شدّة الحرّ أو البرد إلى اعتدال النهار فلا بأس بالالتزام به إذا كان الاقتصاص في شدّتهما موجبا لتعريض نفس الجاني للتلف لوجوب حفظ النفس المحترمة عن الهلاك و سراية الجراح، و أمّا إذا كان ذلك موجبا للمشقّة على الجاني فقد تقدّم ان استيفاء القصاص حقّ للمجني عليه فله اختيار الأسهل لا أنّ عليه أن يؤخّر الاستيفاء.

(1) ذكروا ذلك في كلماتهم، و لكن لم يرد في شي ء من الروايات اعتبار الحديدة في قصاص الأطراف، اللهم إلّا أن يقال انصراف القصاص بالجرح إليها فإنّ ظاهره الآلة المناسبة له و الآلة المناسبة ما كان من الحديد حتّى في مثل قلع العين اقتصاصا من العين، فإنّه يتعيّن كونه بحديدة معوجّة لا يوجب الجرح في غير موضع العين فإن أمكن للمجني عليه الاقتصاص من الجاني كذلك و إلّا

يعيّن من ينوب عنه في ذلك. و يؤيّد ذلك ما ورد في القصاص من النفس من أنّه لا يترك وليّ القصاص يعبث بالجاني أو يمثّل بالقاتل «1».

(2) ذكروا أنّه لو كان العضو الذي وقعت جناية الجراح فيه من المجني عليه كبيرا و من الجاني صغيرا بحيث لو أراد المجني عليه الاقتصاص بالمساوي

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 62 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1 و 2: 95.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 296

أصل الجرح من الدية، و لو كان المجني عليه صغير العضو فاستوعبته الجناية لم يستوعب في المقتصّ منه و اقتصر على قدر مساحة الجناية.

و لو قطعت إذن إنسان فاقتصّ ثمّ ألصقها المجني عليه كان للجاني إزالتها لتحقّق المماثلة (1) و قيل: لا، لأنّها ميتة و كذا الحكم لو قطع بعضها. و لو قطعها

______________________________

في المساحة تعدّى الجرح إلى العضو الآخر من الجاني فلا يجوز في الاقتصاص هذا التعدّي بل يقتصر بالمقدار الذي يتحمّله عضو الجاني و يؤخذ بالدية في المقدار الباقي من الاقتصاص، فلو كان القصاص من الجاني بثلثي جنايته من حيث المساحة يقتصّ منه بالثلثين و يؤخذ منه ثلث دية جنايته و لا يجوز للمجني عليه الاقتصاص بجرح آخر بمقدار المتخلّف و لو في جانب آخر من ذلك العضو و كذا في العكس، فإن كان المجني عليه صغير العضو فاستوعب الجناية ذلك العضو من حيث المساحة لا يجوز له الاقتصاص من الجاني إذا كان كبير العضو إلّا بمقدار الجناية من حيث المساحة، كلّ ذلك لاعتبار المماثلة في الاقتصاص و أنّه إذا لم يمكن القصاص من الجاني و لو لفقد العضو المحلّ ينتقل الأمر إلى الدّية و مع عدمها الحكومة.

و لكن قد

تقدّم أنّ اعتبار المماثلة في الجناية في العمق يقتضي ملاحظة عضو الجاني و عضو المجني عليه بلحاظ أنفسهما كذلك الحال في مقدار المساحة أيضا، و إذا كانت الجراحة الجرحية ثلثا من مساحة عضو المجني عليه فلا بدّ من كون رعاية الثلث بحسب مساحة رأس الجاني و كذا العكس و لم يقم في المقام ما يرفع اليد عن ذلك، فالتفكيك بين العمق و المساحة في تحقّق المماثلة غير تامّ.

(1) في المقام مسألتان:

إحداهما: أنّه لو قطعت اذن إنسان فألصقها المجني عليه بعد الجناية و قبل القصاص فالتحم فهل للمجني عليه القصاص من الجاني بقطع اذنه أم لا؟

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 297

و تعلّقت بجلدة (جلده خ ل) ثبت القصاص؛ لأنّ المماثلة ممكنة.

______________________________

و ربما يتفرّع جواز الاقتصاص على إزالتها و عدمها فما دام لم تزل فليس للمجني عليه حقّا للاقتصاص و هو كما ترى، فإنّ الجناية بوقوعها توجب القصاص فجواز الإزالة للجاني و عدمها غير دخيل في ترتّب القصاص و عدمها.

و لكن يمكن أن يقال: إذا كان الالتحام قبل القصاص، لم يثبت القصاص؛ لأنّ حقّ القصاص من الجاني لحصول الشّين للمجني عليه و إذا لم يحصل لم يثبت القصاص، بل ينتقل الأمر إلى الارش، كما في سائر الموارد التي لم يمكن الاقتصاص و لا يخلو عن تأمّل.

و الثانية: أنّه إذا قطعت اذنه أو بعضها فاقتص من الجاني في جنايته ثمّ ألصقها المجني عليه فالتحم فهل للجاني الإزالة؟ قد يقال: نعم، لتحقّق المماثلة و ربّما يقال: لا، لأنّ الملصوق بحكم الميتة، فإزالته للحاكم من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و لا يخفى ما فيه، فإنّ بعد الالتحام لا يكون ميتة.

و لكن يكون للجاني حقّ

الازالة لرواية اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السّلام «أنّ رجلا قطع من بعض اذن رجل شيئا، فرفع ذلك إلى عليّ عليه السّلام فقاده فأخذ الآخر ما قطع من اذنه فردّه على اذنه بدمه فالتحمت و برئت فعاد الآخر إلى عليّ عليه السّلام فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية و أمر بها فدفنت و قال عليه السّلام: إنّما يكون القصاص من أجل الشّين» «1»، و مقتضى التعليل عدم الشّين بالالتحام.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 23 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 140.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 298

و يثبت القصاص في العين و لو كان الجاني أعور خلقة (1) و إن عمى فإنّ الحق أعماه، و لا ردّ، و أمّا لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين اقتصّ له بعين واحدة

______________________________

(1) يثبت القصاص في العين لقوله سبحانه: الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «1»، و لو كان الجاني أعور و جنى على صحيح العين يؤخذ القصاص منه و إن عمى الأعور بالاقتصاص حيث إنّ حقّ القصاص أعماه، كما ورد ذلك في صحيحة محمد بن قيس قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أعور فقأ عين صحيح، فقال: «تفقأ عينه» قال قلت: يبقى أعمى، قال: «الحقّ أعماه» «2»، و نحوها مرسلة أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3»، و الاولى صحيحة فإنّ في سندها عاصم بن حميد، و هو قرينة على أنّ المراد بمحمد بن قيس هو الثقة الذي يروي قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام.

مضافا إلى أنّ القصاص منه مقتضى اطلاق قوله سبحانه: الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «4» و كذا الروايات التي بمفادها و مقتضاهما عدم لزوم ردّ شي ء على الجاني من الدية أو غيرها.

نعم، إذا جنى ذو العينين على

الأعور فقلع عينه الصحيحة فالأكثر تخيير الأعور المجني عليه بين الاقتصاص من مثل عينه و على الجاني نصف الدية أيضا، و بين أن يأخذ من الجاني دية النفس يعني دية العينين و المستند لذلك صحيحة محمد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أعور اصيبت عينه الصحيحة ففقئت أن تفقأ إحدى

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 134.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 134.

(4) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 299

إن شاء، و هل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل: لا؛ لقوله تعالى: وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ و قيل: نعم، تمسّكا بالأحاديث، و الأوّل أولى.

______________________________

عيني صاحبه و يعقل له نصف الدية، و إن شاء أخذ دية كاملة و يعفا عن عين صاحبه» «1».

و نحوها رواية عبد اللّه بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور، فقال: عليه الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتصّ من صاحبه و يأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل؛ لأنّ له الدية كاملة، و قد أخذ نصفها بالقصاص» «2».

و عن جماعة كالمفيد و ابن ادريس أنّه ليس للأعور المجني عليه إلّا الاقتصاص من ذي العينين بإحدى عينيه من غير أن يرد عليه نصف الدية استنادا إلى ظاهر الآية الدالّة على أنّ العين بالعين، و ما هو ظاهر من الروايات بمفادها.

و فيه أنّ مقتضى الآية و الروايات و إن كان ما ذكر إلّا أنّ دلالتهما بالإطلاق حيث يعمّان عين الأعور فيرفع اليد عن

الاطلاق بالدليل الخاصّ على خلافه.

ثمّ انّ المصرّح به في كلمات بعض الأصحاب أنّ ردّ نصف الدية على الأعور من ذي العينين الجاني ما إذا ذهبت إحدى عينيه خلقة أو كان ذلك بآفة، و أمّا إذا ذهبت بجناية جان عليه من قبل فلا يستحقّ ردّ النصف عليه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 252.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4: 253.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 300

..........

______________________________

و قد ذكر في وجه ذلك تارة بالإجماع و اخرى بأنّ الثابت في العين الواحدة نصف الدية و أنّ الأعور قد استوفاه من قبل بالعفو الداخل في الاستيفاء كالأخذ، و ثالثة بأنّ صحيحة محمد بن قيس لا إطلاق لها، فإنّها واردة في قضية شخصية و لا يمكن التعدّي منها، مع احتمال الخصوصية.

و أمّا رواية عبد اللّه بن الحكم فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأنّ أبي عمران كعبد اللّه بن حكم، ضعيف و ما ورد في عين الأعور من أنّ فيها الدية كاملة كما في صحيحة الحلبي «1» و غيره مطلق و حملها على ما إذا كان أعور بغير الجناية عليه لا قرينة عليه.

و على ذلك فمع ثبوت القصاص كما هو المفروض في المقام لا دليل على الردّ عليه بنصف الدية إذا كان أعوريته بالجناية عليه، و أمّا إذا لم يثبت القصاص كما إذا كان قلع عينه خطأ فالثابت على الجاني خطأ تمام الدية أخذا بالإطلاق.

و دعوى الاجماع على الخلاف لاحتمال الاستناد على الوجوه المتقدّمة لا يمكن إثبات كونه على تقديره تعبّديا، و يتعيّن ما ذكرنا فيما إذا كان الجاني على الأعور أعور مثله، فإنّه يثبت للأعور المجني

عليه القصاص بعين الأعور الجاني من غير ردّ لخروجه عن فرض الصحيحة و رواية عبد اللّه بن الحكم، و لو كان خطأ يكون على الجاني الأعور الدية كاملة أخذا بإطلاق صحيحة الحلبي و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1: 252.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 301

و لو أذهب ضوء العين دون الحدقة توصل في المماثلة (1) و قيل يطرح على الأجفان قطن مبلول و يقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس حتى يذوب الناظر (تذهب الباصرة خ ل) و تبقى الحدقة.

______________________________

(1) أمّا ثبوت القصاص فالظاهر عدم الخلاف فيه و يقتضيه قوله سبحانه: الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «1» و لكن اللازم اعتبار المماثلة في ذهاب ضوء العين من غير جناية زايدة كما يقتضيه ذلك قوله سبحانه: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «2»، و أنّ الجناية الزائدة داخل في عنوان الظلم و التعدّي.

و قد يقال في كيفية القصاص ما ذكر الماتن (قدس سره) و المستند فيه رواية رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انّ عثمان (عمر) أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه فأنزل الماء فيها و هي قائمة ليس يبصر بها شيئا، فقال له:

اعطيك الدية، فأبى قال: فأرسل بهما إلى عليّ عليه السّلام و قال: احكم بين هذين، فأعطاه الدية فأبى، قال: فلم يزالوا يعطونه حتّى أعطوه ديتين قال فقال: ليس اريد إلّا القصاص، قال: فدعا عليّ عليه السّلام بمرآة فحماها ثمّ دعا بكرسف فبلّه ثمّ جعله على أشفار عينيه و على حواليها ثمّ استقبل بعينه عين الشمس قال: و جاء بالمرآة فقال انظر فنظر فذاب الشحم و بقيت عينه قائمة و ذهب البصر» «3».

و لكن الرواية ضعيفة

بسليمان الدهّان و لا دلالة لها على انحصار كيفية الاقتصاص بالوارد فيها، و لعلّه إحدى الطرق إليه.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 45.

(2) سورة البقرة: الآية 194.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 129.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 302

و يثبت في الحاجبين و شعر الرأس و اللحية، فإن نبت فلا قصاص (1) و في

______________________________

(1) ذكروا القصاص في إذهاب شعر الرأس و اللحية و الحاجبين مع فساد المحل إذا أمكن الاقتصاص من غير تعدّ، و المراد بفساد المحلّ عدم نبات الشعر ثانيا، و أمّا إذا نبت ثانيا فلا قصاص كما هو ظاهر الماتن، حيث ذكر أنّه فإن نبت فلا قصاص حيث إنّه مع النبات ينتقل الأمر إلى الدية أو الارش.

و عن بعض الأصحاب ثبوت القصاص مطلقا بمعنى أنّه يثبت القصاص مع عدم فساد المحل، و مع فساده إذا أمكن القصاص في الثاني.

و يظهر من بعض الروايات عدم ثبوت القصاص في شي ء من الصورتين، و في رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة فإن نبتت فثلث الدية» «1»، و ظاهرها إن لم يكن مختصّا بالعمد، لكون الحلق فعلا عمديا فلا أقلّ من إطلاقها.

و في رواية سلمة بن تمام قال: أهرق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل، فذهب شعره، فاختصموا في ذلك إلى عليّ عليه السّلام، فأجّله سنة فلم ينبت شعره فقضى عليه بالدية» «2»، و ظاهرها أيضا ثبوت الدية حتّى مع العمد.

و قريب منهما مرسلة علي بن خالد (حديد) عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت: الرجل يدخل الحمام فيصبّ عليه صاحب

الحمام ماء حارّا فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت فقال: «عليه الدية كاملة» «3».

و المناقشة في الروايات بضعف أسنادها و أنّ مقتضى إطلاق قوله

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1: 26.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3: 261.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 261.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 303

قطع الذكر (1) و يتساوى في ذلك ذكر الشاب و الشيخ

______________________________

سبحانه فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «1» ثبوت القصاص في الصورة الاولى، بل في الثانية إذا أمكن، ففيها أنّ الصدوق روى رواية مسمع بسنده عن السكوني، و لا مناقشة فيها بحسب السند «2».

و أمّا المرسلة فقد رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد «3» قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ... فلا مجال للمناقشة اللّهمّ إلّا أن يقال دلالة هذه الروايات على تعيّن الدية بالإطلاق حتّى صحيحة هشام حيث انّ ذكر «عليه الدية» لا يقتضي العمد، بل كون الدية على الجاني لكون الجناية شبه العمد، و دلالة الآية المباركة أيضا على حكم الجناية الموجبة لإزالة الشعر بالإطلاق و مع المعارضة لا اعتبار بإطلاق الروايات فالمتعيّن القصاص في الصورتين إمكانه، و اللّه العالم.

(1) أمّا أصل القصاص فمضافا إلى الاطلاق في قوله سبحانه فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «4» يدلّ عليه الاطلاق في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام فيما كان من جراحات الجسد أنّ فيها القصاص أو يقبل المجروح

دية الجراحة فيعطاها» «5».

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 194.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1: 26.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 261.

(4) سورة البقرة: الآية 194.

(5) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3: 132.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 304

و الصبي و البالغ (1) و الفحل و الذي سلّت خصيتاه و الأغلف و المختون. نعم لا يقاد الصحيح بذكر العنين (2) و يثبت بقطعه ثلث الدية، و في الخصيتين

______________________________

(1) هذا هو المشهور بين الأصحاب في قصاص النفس بأن يقتل قاتل الصبي قصاصا، و لكن لا يقتل الصبي بالبالغ و كذا يقتصّ من البالغ اقتصاصا من عضو الصبي، و لكن لا يقتصّ من الصبي اقتصاصا من عضو البالغ لما ورد من أنّ عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة.

و لكن لا يخفى أنّ العموم الوارد في عدم جواز القصاص من العاقل اقتصاصا من جنايته على المجنون كما يدلّ عليه صحيحة أبي بصير يقتضي عدم جواز القصاص من البالغ في جنايته على الصبي أيضا، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا مجنونا فقال: «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه (فقتله) فلا شي ء عليه من قود و لا دية و يعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين» قال: «و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، و أرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون و يستغفر اللّه و يتوب إليه» «1».

فإنّ مقتضى قوله عليه السّلام «لا قود لمن لا يقاد منه» عدم جواز الاقتصاص من البالغ بجنايته عمدا

على الصبي سواء كانت الجناية تلف النفس أو تلف العضو.

(2) كما صرّح بذلك العلّامة و الشهيد الثاني و غيرهما و كأنّ العنن من شلل العضو، فقد ورد أنّه لا يقاصّ من صحيح اليد باليد المشلولة، بل يثبت على الجاني ثلث الدية؛ و لذا ذكر الماتن (قدس سره) في المقام لا يقاد الصحيح بذكر العنين و يكون عليه بقطعه ثلث الدية.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 51.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 305

القصاص (1)، و كذا في إحداهما إلّا أن يخشى ذهاب منفعة الاخرى فيؤخذ ديتها.

______________________________

و لكن التعدّي من شلل اليد إلى ذكر العنين وجهه غير ظاهر بل حصر قياس مع أنّ الحكم في اليد المشلولة أيضا مشكل لما تقدّم من ضعف المستند، و مقتضى عموم ما دلّ على ثبوت القصاص في الجراحات ثبوته في المقام، و مجرد العنن لا يخرج عن المماثلة كما إذا قطع الشاب ذكر من بلغ الهرم الذي لا ينتشر ذكره فإنّه يقطع ذكر الشاب كما تقدّم.

و كون الدية أيضا ثلث الدية محلّ إشكال، فإنّ مقتضى معتبرة السكوني ثبوت الدية الكاملة، فإنّ الكليني روى بسنده عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في ذكر الصبي الدّية و في ذكر العنين الدية» «1».

لا يقال: مقتضى إطلاقها تعيّن الدّية حتّى في الجناية على الصبي بقطع ذكره عمدا أو على العنين بقطع ذكره كذلك و نفي القصاص.

فإنّه يقال: مقتضى ما ورد في الجروح قصاص ثبوت القصاص في قطع ذكر العنين عمدا و التعارض بالعموم من وجه و ثبوت القصاص موافق لعموم الكتاب فيؤخذ بما دلّ عليه.

(1) لإطلاق ما دلّ على

ثبوت القصاص في الجروح فإن قطع اليمنى اقتصّ بقطعها و إن قطع اليسرى قطعت اليسرى؛ لتحقّق المماثلة.

نعم إذا كان القطع مما يوجب انتفاء منفعة الاخرى بأن يصير الجاني عقيما يسقط القصاص للتغرير المتقدّم بأنّه يوجب الانتقال إلى الدية.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 259.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 306

و يثبت في الشفرين (1) كما يثبت في الشفتين، و لو كان الجاني رجلا فلا قصاص و عليه ديتهما، و في رواية عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إن لم يؤدّ ديتها قطعت لها فرجه و هي متروكة.

______________________________

و لكن فيه إشكال، فإنّ قطع المماثل يعدّ قصاصا و ما يتلف بالقصاص بالمماثل لا يدخل في الضمان على ما يستفاد مما ورد في أنّ من قتله القصاص أو الحدّ فلا قود و لا دية له، اللّهمّ إلّا إذا كان القصاص مؤدّيا إلى التلف أو الفساد في العضو الآخر فلا بأس بالالتزام بالانتقال إلى الدية لخروج القصاص بذلك عن المماثلة.

(1) إذا قطعت امرأة الشفرين من امرأة اخرى قطعت شفريها قصاصا أخذا بما دلّ على ثبوت القصاص في الجروح.

و المناقشة في القصاص باختلاف الشفرين في النساء كما ترى بعد صدق المماثلة كما في اختلاف الناس في الأعضاء.

نعم، إذا قطع الرجل الشفرين من المرأة عليه دية النفس أي دية المرأة التي هي نصف دية الرجل، و في صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل قطع فرج امرأة (امرأته) قال: إذن اغرمه لها نصف الدية» «1» و المراد نصف دية النفس الظاهرة في دية الرجل كلّما اطلقت، كما لا يخفى.

و قد

ذكر في الجواهر «2» في باب دية الشفرين «و في خبر آخر رجل قطع فرج امرأة فقال اغرمه لها نصف ديتها و هو محمول على ما إذا قطع

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 36.

(2) جواهر الكلام: 43/ 274.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 307

و لو كان المجني عليه خنثى، فإن تبيّن أنّه ذكر فجنى عليه رجل كان في ذكره و انثييه القصاص (1). و في الشفرين الحكومة. و لو كان الجاني امرأة كان في

______________________________

أحد الشفرين كما أنّ خبر عبد الرحمن بن سيابة محمول على قطعهما معا حيث ورد فيه ثبوت دية نفسها كما ترى، و أيضا ورد في رواية عبد الرحمن بن سيابة إن لم يؤدّ الرجل ديتها يقطع ذكره قصاصا إذا طلبت المرأة ذلك، فإنه روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام لو أنّ رجلا قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها، و إن لم يؤدّ إليها الدية قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك» «1».

و قد ذكر الماتن انّ ما ورد فيها متروك، و لعلّ الوجه في ترك العمل خروج ما ذكر عن القصاص و إلّا لم يكن جوازه مترتّبا على عدم أداء الدية لها و إن كان يمكن القول باعتبار سندها؛ لأنّه من غير البعيد كونه من المعاريف الذين لم يرد فيهم القدح بل توكيل الصادق عليه السّلام له في إيصال المال إلى عوائل من قتل في قضية زيد كاشف عن أمانته، و بذلك يشكل الخروج و طرح الرواية بمجرد الاستبعاد و لكن

موردها و المفروض فيها على نسخة الوسائل عن الكافي قطع الرجل فرج امرأته و لا يمكن التعدّي منها لاحتمال الخصوصية بعد كون الحكم على خلاف القاعدة، و اللّه العالم.

ثم انّ دية فرجها نصف الدية الظاهرة في الدية الكاملة للنفس لا دية نفس المرأة فما في صحيحة أبي بصير لا تنافي رواية عبد الرحمن، كما لا يخفى.

(1) فإنّ ذلك مقتضى ثبوت القصاص في الجروح و اعتبار الاقتصاص بالمماثل و إذا جنى الرجل على الخنثى المتبيّن كونه ذكرا في شفريه يرجع في

______________________________

(1) الكافي: 7/ 313؛ الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 26.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 308

المذاكير الدية و في الشفرين الحكومة؛ لأنّهما ليسا أصلا، و لو تبيّن أنّه امرأة فلا قصاص على الرجل فيهما و عليه في الشفرين ديتهما و في الذكر و الانثيين الحكومة، و لو جنت عليه امرأة كان في الشفرين القصاص و في المذاكير الحكومة، و لو لم يصبر حتّى يستبان حاله فإن طالب بالقصاص لم يكن له لتحقّق الاحتمال (1) و لو طالب بالدية اعطي اليقين و هو دية الشفرين، و لو تبيّن بعد ذلك أنّه رجل أكمل له دية الذكر و الانثيين و الحكومة في الشفرين أو تبيّن أنّه انثى أعطى الحكومة في الباقي، و لو قال: اطالب بدية عضو مع بقاء القصاص في الباقي، لم يكن له، و لو طالب بالحكومة مع بقاء القصاص صحّ و يعطى أقلّ الحكومتين.

______________________________

جنايته إلى الحكومة؛ لأنّ الشفرين ليسا أصليين بل هما لحم زائد و أمّا لو كان الجاني عليه امرأة فلا مورد للقصاص من المرأة في مذاكير الخنثى فيرجع إلى الدية و في شفريه إلى الحكومة؛

لأنّ الشفرين من الخنثى ليستا أصليين حتّى يقتصّ من المرأة فيهما، هذا كلّه فيما إذا ظهر الخنثى ذكرا.

و أمّا إذا ظهر أنّه امرأة و كان الجاني رجلا لا يقتصّ للخنثى من الرجل لعدم المماثلة في العضو الواقع فيه الجناية، بل يرجع إلى الدية إذا قطع الشفرين و إلى الحكومة إذا قطع الذكر و الانثيين و أمّا إذا جنت عليها المرأة كان في الشفرين القصاص و في المذاكير الحكومة.

(1) يعني إذا طالب الخنثى بالقصاص فلا يسمع طلبه سواء كان الجاني عليه رجلا أو امرأة أو خنثى لاحتمال اختلاف الجاني معه في الذكورية و الانوثية، فإن كان الجاني رجلا احتمل كونه انثى و إن كانت امرأة احتمل كونه ذكرا، و كذا إذا كان الجاني خنثى، و هذا بخلاف ما إذا طالب بالدية، فإنّ ثبوت الدية على الجاني مع رضاه بالدية يقيني، غاية الأمر الشكّ في دية الشفرين لاحتمال كون الخنثى امرأة، فإن تبيّن بعد ذلك أنّه ذكر يأخذ باقي

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 309

و يقطع العضو الصحيح بالمجذوم (1) إذا لم يسقط منه شي ء، و كذا يقطع الأنف الشامّ بالعادم له، كما يقطع الاذن الصحيحة بالصماء، و لو قطع بعض الأنف نسبنا المقطوع إلى أصله (2) و أخذنا من الجاني بحسابه لئلّا يستوعب أنف

______________________________

الدية و يثبت في الشفرين الحكومة، و إن تبيّن كونه امرأة فقد أخذ دية الشفرين و ترجع في الباقي إلى الحكومة، و ظاهر الفرض وقوع الجناية على الخنثى في المذاكير و الشفرين، و لذا لو طالب بالحكومة مع بقاء القصاص له في عضوه الأصلي صحّ، و لكن يؤخذ بأقلّ الحكومتين.

(1) قد تقدّم أنّه يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء و ما

ورد في عدم قطعها به ضعيف سندا، و على تقدير الاغماض لا يتعدّى عن موردها بعد صدق كون اليد باليد و الاذن بالاذن و الأنف بالأنف إلى غير ذلك، و عليه يقطع اليد الصحيحة باليد المجذومة حتى ما إذا سقط منها شي ء فإنّ سقوط اصبع أو أزيد منه يكون كسقوطهما من اليد الصحيحة فإنّه يقتصّ له ممن لم يقطع من يده اصبع.

(2) لم يرد في خصوص المفروض رواية، و لكن ما ذكروا فيه من الاقتصاص بالنسبة مقتضى الاطلاق فيما دلّ على ثبوت القصاص في الجروح و في الأنف بعد التقييد بالمماثلة فإنّه إذا كان للمجني عليه أنف صغير قطع نصفه و كان للجاني أنف كبير يكون قطع نصفه في الاقتصاص من القصاص بالجرح المماثل، بخلاف ما إذا قطع ربعه المساوي لنصف أنف المجني عليه بحسب المساحة، فإنّه لا يعدّ هذا اعتداء بالمثل، كما ذكرنا ذلك في مطلق الجرح الذي ذكروا فيه اعتبار المساحة في القصاص منه.

و لذا ذكر الماتن انّ تقدير المساحة في مفروض المقام يوجب ذهاب تمام أنف الجاني إذا كان صغيرا بحيث يساوي تمامه مقدار المقطوع من المجني

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 310

الجاني بتقدير أن يكون صغيرا، و كذا يثبت القصاص في أحد المنخرين، و كذا البحث في الاذن و تؤخذ الصحيحة بالمثقوبة، و هل تؤخذ بالمخرومة قيل لا (1)، و يقتصّ إلى حدّ الخرم و الحكومة فيما بقي، و لو قيل يقتصّ إذا ردّ دية الخرم كان حسنا.

______________________________

عليه، و ذكر في الجواهر «1» انّ تقدير النسبة في القصاص في المقام ينافي ما يعتبر في القصاص في الشجاج من تقدير المساحة.

و لكن لا يخفى انّ الإشكال ليس في ملاحظة

النسبة في المقام، بل فيما ذكروا من اعتبار المساحة في القصاص في الشجاج في العضو.

و مما ذكر يظهر ثبوت القصاص في أحد المنخرين فإنّه إذا جنى بقطع أحدهما يقطع اقتصاصا من الجاني أحدهما أيضا مراعيا المماثلة في اليمنى أو اليسرى و النسبة على ما يأتي بالإضافة إلى المحلّ.

(1) ذكر (قدس سره) ثبوت القصاص في الاذن كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ «2» و تؤخذ الصحيحة بالمثقوبة سواء عدّ الثقب زينة أم لا للصدق. نعم لو كان مخرومة من المجني عليه هل يقتص من الجاني مع عدم كون اذنه مخرومة؟ قيل: لا، بل يؤخذ بالقصاص إلى مقدار الخرم و بالحكومة في المقدار الزائد، كما قيل بالانتقال إلى الدية، و ذكر الماتن أنّه لو قيل بالقصاص في كلّ المقدار و على المجني عليه ردّ دية الخرم كان حسنا.

و الظاهر انّ اختيار الأخير لخبر الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال قال: أبو جعفر الأول عليه السّلام لعبد اللّه بن عباس: يا ابن عباس

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 384.

(2) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 311

و في السنّ القصاص (1) فإن كانت سنّ مثغر و عادت ناقصة أو متغيّرة كان فيها الحكومة، و إن عادت كما كانت فلا قصاص و لا دية، و لو قيل بالارش كان

______________________________

انشدك اللّه هل في حكم اللّه اختلاف قال فقال: لا، قال: فما تقول في رجل قطع رجل أصابعه بالسيف حتّى سقطت فذهب و أتى رجل آخر فأطار كفّ يده فأتى به إليك و أنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: «أقول لهذا القاطع اعطه دية كفّه و أقول لهذا المقطوع

صالحه على ما شئت و أبعث إليهما ذوي عدل، فقال له: قد جاء الاختلاف في حكم اللّه و نقضت القول الأول أبى اللّه أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود و ليس تفسيره في الأرض، اقطع يد قاطع الكف أصلا ثمّ اعطه دية الأصابع هذا حكم اللّه» «1».

و لكن قد تقدّم ضعفها سندا و عدم إمكان استفادة الكبرى الكلّية منها.

و الأظهر ثبوت الاقتصاص بالمخرومة لصدق المماثلة و إطلاق قوله سبحانه وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ «2».

(1) كما هو مقتضى قوله سبحانه: السِّنَّ بِالسِّنِّ 3 و لكن إذا قلع أو أسقط سنّ الطفل الذي سقطت أسنانه التي نبتت من زمان الرضاعة و عادت سنّه المقلوعة ناقصة أو متغيّرة كان فيها الحكومة، أي ملاحظة كونه معيوب السنّ و تداركه بالمال على ما نذكر في معنى الحكومة، و إن عادت كما كانت لم يكن في البين قصاص و لا دية. و ذكر الماتن (قدس سره): و لو قيل بردّ الارش في هذه الصورة كان حسنا بأن يلاحظ كونه لو لا القطع كان ذا سنّ في تلك المدّة فيلاحظ ذلك و يتدارك.

و لكن لا يخفى انّ القصاص و إن لم يثبت في الفرض كما يأتي إلّا أنّه

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 129.

(2) (2) و (3) سورة المائدة: الآية 45.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 312

حسنا و أمّا سنّ الصبي فينتظر بها سنة، فإن عادت ففيها الحكومة و إلّا كان فيها القصاص، و قيل في سنّ الصبي بعير مطلقا، و لو مات قبل اليأس من عودها قضى

______________________________

قد يقال بثبوت الدية أخذا بإطلاق ما دلّ على ثبوتها في السنّ بعد ملاحظة عدم ثبوت

القصاص.

و ما في مرسلة جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السّلام أنّه قال في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثمّ تنبت قال: «ليس عليه قصاص و عليه الارش» «1»، لا ينافي ثبوت الدية، فإنّ الارش يعمّ الدية و لا ينحصر في الحكومة.

و أمّا رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ عليا قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيرا في كلّ سن «2».

و كذا رواية السكوني «3» فلا يمكن الاعتماد عليهما لضعفهما سندا، فإنّ سند الشيخ إلى النوفلي ضعيف و سنده إلى سهل بن زياد و إن كان معتبرا إلّا انّ في السند ابن شمون و الأصم مضافا إلى ضعف سهل بن زياد.

و تفصيل الكلام في المقام أنّه إذا قلع أو أسقط السنّ من البالغ الذي لا ينبت مكان المقلوع و الساقط سنّ عادة فمع التعمّد يثبت القصاص و في غيره يثبت الدية، و لو عاد في هذا الفرض مكانه سنّ سواء كانت سنّا كما كانت في الأصل أو سنّا ناقصة فظاهر الماتن أنّه يسقط القصاص و الدية.

غاية الأمر إذا كانت متغيّرة أو ناقصة كان فيها الحكومة، و هي على المشهور تفاوت القيمة ما بين كونه بسنّ تامّة و كونه بسنّ ناقصة على تقدير

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2: 134.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2: 258.

(3) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3: 258.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 313

لوارثه بالأرش و لو اقتصّ البالغ بالسنّ فعادت سنّ الجاني لم يكن للمجني عليه إزالتها؛ لأنّها ليست بجنسه.

______________________________

كونه عبدا أو مع ملاحظة كونه

بسنّ في تلك المدّة و كونه بلا سنّ مع كون سنّه متغيّرة.

و لكنّ الصحيح أنّه يثبت القصاص في الفرض مع التعمّد و الدية بدونه سواء نبتت مكانه سنّ تامّة أو متغيّرة و ناقصة أو كاملة أم لم تنبت فإنّ الجناية الاولى موجبة للقصاص أو الدية و النابت يحسب عضوا جديدا وهبه اللّه إيّاه فلا يرتفع موضوع الاقتصاص أو أخذ الدية.

و أمّا إذا كان المقلوع سنّه أو المسقط عنه صبيّا مثغرا بأن كان المقلوع أو الساقط سنّا أصليّة حيث سقطت من قبل أسنانه التي كانت من زمان الرضاعة تثبت على الجاني الدية دون القصاص سواء نبتت سنّ مكان المقلوع أو الساقط اتفاقا أم لا، و سواء كان جنايته مع التعمّد أو بدونه. و ذلك لما ورد في صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا مجنونا قال: «... و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه و أرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون و يستغفر اللّه و يتوب إليه» «1».

و وجه الدلالة اطلاق قوله عليه السّلام «لا قود لمن لا يقاد منه» فإنّ الصبي كالمجنون لا يقاد منه في جنايته على البالغ نفسا أو طرفا، فيكون مقتضاه عدم الاقتصاص من البالغ بسنّ الصبيّ كسنّ المجنون، بل يكون عليه الدّية و الاستغفار، و هذا على رغم انّ المشهور التزموا بالقصاص إذا لم تنبت السنّ

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 51.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 314

..........

______________________________

في محل المقلوعة.

و لو كان الطفل لم يثغر حيث انّ عدم نبات السنّ في

محل المقلوعة يكشف أنّها قد سقطت من أصلها.

و أمّا إذا نبتت مكانها السنّ و عادت صحيحة فلا قصاص و لا دية، و إنّما يكون على الجاني الارش، أي تفاوت القيمة ما بين كون الطفل مقطوعها مدة لو كان رقّا و بين كونه غير مقلوعة كما هو ظاهر الماتن (قدس سره).

و لعلّ وجهه أنّ كونه مقلوع السنّ مدّة نقص دخل على المجني عليه بفعل الجاني فلا يكون هدرا و عود السنّ تامّة كاملة يوجب انتفاء القصاص و الدية لا الارش و مع عدم التفاوت يثبت التعزير فقط.

و على الجملة ما دلّ على القصاص أو الدية منصرف عن صورة العود لكون السنّ سن غير مثغر بحيث يكون عودها أمرا عاديا، و يؤيّده مرسلة جميل المروية في الكافي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السّلام أنّه قال: في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثمّ تنبت قال: «ليس عليه قصاص و عليه الارش» «1». بخلاف كونها سنّ مثغر، فإنّ عودها كما كانت هبة من اللّه سبحانه، فإن كان سنّ الصبي فلا قصاص لما تقدّم، لأنّ الصبي لا يقاد منه فلا قود له، فينتقل إلى الدية، و يؤيّده إطلاق المرسلة.

و أمّا إذا كان بالغا فإنّه لا موجب لسقوط القصاص مع التعمّد و الدية مع الخطأ.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2: 134.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 315

و يشترط في الأسنان التساوي في المحل، فلا يقلع سنّ بضرس (1) و لا بالعكس، و لا أصليّة بزائدة، و كذا لا تقلع زائدة بزائدة مع تغاير المحلّين، و كذا حكم الأصابع الأصليّة و الزائدة، و تقطع الاصبع بالاصبع مع تساويهما، و كلّ

______________________________

ثمّ ما ذكره العلّامة

(قدس سره) و تبعه جماعة من الانتظار سنة لا أعرف له مستندا، و لذا اطلق المصنّف (قدس سره) الانتظار بها إذا كان الطفل غير مثغر و الانتظار يحمل على العادة، فقد يزيد على السنة و قد لا يزيد عنها و المعيار إحراز عدم العود لإحراز تعلّق حقّ الاقتصاص من الجاني عند المشهور و الدية بناء على ما ذكر حيث لو طالب وليّه الدية قبل ذلك لم يجب إجابته؛ لعدم إحراز الاشتغال بالدية. نعم لو قيل بثبوت الدية حتّى مع عودها وجبت الإجابة، و اللّه العالم.

(1) التساوي في الأسنان بمعنى أنّه لا يقلع الناب بالضرس و لا من الثنايا بالضرس مما لا ينبغي التأمّل في اعتباره؛ لأنّ المعتبر في القصاص المماثلة في المعتدى به و أمّا تساويهما في الموضع بأن يكون المقلوع من الأعلى فمع وجوده في الموضع في المقتصّ منه فلا يبعد اعتباره؛ لأنّ قلع مثله في غير مثل موضعه مع وجوده في مثل موضعه لا يعدّ من المماثل، بخلاف ما إذا لم يكن من المقتصّ منه في ذلك الموضع، فإنّه يصدق معه القصاص بالمماثل، نظير ما إذا قطع اليد اليمنى من رجل و لم يكن للجاني إلّا اليد اليسرى، فإنّه قد تقدّم أنّه مع اليد اليمنى للجاني تقطع يمينه و أمّا مع عدمها لا ينتقل الأمر إلى الدية، بل تقطع يسراه.

و مما ذكرنا يظهر أنّ القول بعدم اعتبار التساوي في الموضع مطلقا أو عدم اعتبار التساوي في العنوان الخاص في القصاص بالسنّ مطلقا لا يمكن المساعدة عليه.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 316

عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده مثل أن يقطع اصبعين و له واحدة أو يقطع كفّا تامّا

و ليس للقاطع أصابع (1).

______________________________

و يجري ما ذكر في القصاص في قطع الاصبع، فلو قطع الاصبع السبّابة من يده اليمنى و لم يكن للجاني في يده اليمنى الاصبع السبّابة تقطع السبّابة من يده اليسرى، و هكذا.

و لكن لا تقطع الابهام بدل السبّابة و لو من يده اليمنى كما يظهر أيضا أنّه لا يقطع العضو الزائد من الجاني بدل العضو الأصلي من المجني عليه، كما لا يجوز ذلك في العكس، كما إذا كانت جنايته بقطع اصبع أصليّة من المجني عليه و لم يكن للجاني إلّا اصبع زائدة، و كذا الأمر بالعكس، كما إذا قطع من المجني عليه اصبع زايدة فلا يقطع اصبعه الأصلية.

نعم، إذا كان لكلّ من المجني عليه و الجاني اصبع زايدة فيجوز الاقتصاص بقطع الزائدة و إن اختلف موضعهما من يدهما، و كذا الحال في السنّ الزائدة منهما، و كلّ ذلك لرعاية المماثلة في القصاص بنظر العرف.

(1) إذا لم يمكن الاقتصاص من الجاني في قصاص الطرف لعدم العضو المماثل للجاني أو أنّ جنايته لا يقتصّ منها لعدم إمكان رعاية المماثلة تصل النوبة إلى أخذ الدية؛ لأنّه لا يمكن الالتزام بذهاب حقّ المجني عليه هدرا فإن لم تكن لجنايته دية تصل النوبة إلى الدية الثابتة بالحكومة.

نعم، ذكرنا فيما تقدّم أنّه في الموارد التي لا تضبط القصاص و انتقل الأمر إلى الدية يجوز الاقتصاص من الجاني بالأقلّ و يعطي دية الجناية بعد وضع الدية من الجناية التي اقتصّ منها و على ذلك فللمجني عليه حقّ الاقتصاص بالأقلّ أو مطالبة الدية لجنايته.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 317

[مسائل:]

[الاولى: إذا قطع يدا كاملة و يده ناقصة اصبعا]

مسائل:

الاولى: إذا قطع يدا كاملة و يده ناقصة اصبعا كان للمجني عليه قطع الناقصة، و هل يأخذ

دية الاصبع؟ قال في الخلاف: نعم (1)، و في المبسوط: ليس

______________________________

(1) إذا قطع الجاني الذي يده ناقصة اصبعا يدا كاملة يثبت للمجني عليه الاقتصاص من الجاني بقطع يده الناقصة، و هل له مع ذلك مطالبة الجاني بالدية لاصبعه أو أصابعه؟

قال الشيخ في الخلاف: نعم؛ لأنّه ليس للجاني الاصبع أو الأصابع فينتقل الأمر فيها إلى الدية.

لا يقال: إذا قطع الجاني ذو اليد الشلّاء اليد الصحيحة من آخر، فقد تقدّم أنّ للمجني عليه قطع اليد الشلّاء من الجاني. فإنّه يقال: ليس الفرض كما في الجاني الأشل؛ لأنّ اليد الشلاء تامّة، و لكن غير صحيحة بخلاف الفرض في المقام فإنّ يد الجاني فاقدة للاصبع الذي قطع بقطع اليد.

و فصّل في المبسوط بين ما كان النقص في يد الجاني بالجناية التي أخذ ديتها فللمجني عليه المطالبة بالدية و إلّا فلا حقّ له إلّا بقطع يده الناقصة.

و يستدلّ على التفصيل بما رواه الكليني و الشيخ (قدس سرهما) بإسنادهما عن سورة بن كليب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل قتل رجلا عمدا و كان المقتول أقطع اليد اليمنى فقال: «إن قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده و يقتلوه، و إن شاءوا طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي» قال: «و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئا، و إن شاءوا أخذوا دية كاملة» قال: «و هكذا وجدناه في

تنقيح مباني الأحكام - كتاب

القصاص، ص: 318

له ذلك، إلّا أن يكون أخذ ديتها.

______________________________

كتاب عليّ عليه السّلام» «1».

أقول: مع الاغماض عن سند الرواية لعدم ثبوت توثيق لسورة بن كليب و لا أقلّ من تردّده بين الأسدي و النهدي مدلولها ما إذا كان المجني عليه بالقتل ناقص العضو دون الجاني، و المفروض في المقام كون المجني عليه بغير القتل تامّ العضو و الجاني ناقصا، فلا يمكن التعدّي من الأوّل إلى الثاني حتّى مع فرض العمل بالرواية.

و ذكر جماعة أنّه لو كان المجني عليه ناقص العضو كما إذا قطع من كانت يده تامّة يدا ناقصة يقتصّ من الجاني بعد دفع دية النقص للجاني. و في استظهاره من رواية سورة بن كليب مع ضعف سندها و ورودها في القتل تأمّل.

نعم، ربّما يستظهر ذلك من رواية الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني قال: قال أبو جعفر الأول عليه السّلام لعبد اللّه بن عباس: «يا ابن عباس انشدك اللّه هل في حكم اللّه اختلاف قال فقال: لا، قال: فما تقول في رجل قطع رجل أصابعه بالسيف حتّى سقطت، فذهبت و أتى رجل آخر فأطار كفّ يده فأتي به إليك و أنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع اعطه دية كفّه، و أقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت و أبعث إليهما ذوي عدل، فقال له: قد جاء الاختلاف في حكم اللّه و نقضت القول الأول، أبى اللّه أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود و ليس تفسيره في الأرض، اقطع يد قاطع الكفّ أصلا، ثمّ اعطه دية الأصابع هذا حكم اللّه» «2». و لكنّ الرواية ضعيفة سندا، و مقتضى إطلاق ما دلّ على القصاص قطع يد الجاني بلا ردّ

شي ء عليه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 50 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 82.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 129.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 319

و لو قطع اصبع رجل فسرت إلى كفّه ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما (1) و هل له القصاص في الاصبع و أخذ الدية في الباقي الوجه لا لإمكان القصاص فيهما و لو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص و لو قطع معها بعض الذراع اقتصّ في اليد (2) و له الحكومة في الزائد و لو قطعها من المرفق اقتصّ منه و لا يقتصّ في اليد و يأخذ ارش الزائد و الفرق بيّن.

______________________________

(1) ذكر (قدس سره) أنّه لو قطع عمدا اصبعا من آخر فسرت جراحة الاصبع إلى الكفّ بحيث سقطت كفّه ثمّ انقطعت السراية بحيث اندملت كان للمجني عليه الاقتصاص من اصبع الجاني و كفّه بقطعهما، و لو أراد المجني عليه الاقتصاص بقطع اصبع الجاني و مطالبة الارش لكفّه فليس له ذلك إلّا أن يرضى الجاني فإنّ حقّه منحصر في القصاص.

أقول: فيما ذكره (قدس سره) تأمّل لما تقدّم من أنّ السراية إذا لم تكن عمدية و لا عادية لا تحسب من الجناية العمديّة، فعليه فإن اتّفقت من غير قصد السراية حتّى سقطت كفّه فليس للمجني عليه إلّا القصاص في الاصبع و له مطالبة الدية لكفّه الساقطة.

نعم، إذا كان الجرح بقصد السراية و إسقاط يده أو كان أمرا غالبيا كما إذا كان بآلة مسمومة ثبت للمجني عليه القصاص، كما يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس عند السراية الغالبية و العمديّة.

و لا يقاس ذلك بما إذا كانت الجناية على العضو متعدّدة كما إذا

قطع أصابعه أوّلا ثمّ قطع كفّه ثانيا فإنّ على المجني عليه القصاص في كلّ من الأصابع و الكفّ فالسراية فيما إذا كانت موجبة للقصاص يكون كما إذا قطع كفّه من مفصل الكوع فإنّه يوجب القصاص بالمثل بقطع يد الجاني من كوع.

(2) ذكر (قدس سره) أنّه لو قطع عمدا يده من الكوع أي من مفصل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 320

[الثانية: إذا كان للقاطع اصبع زائدة]

الثانية: إذا كان للقاطع اصبع زائدة (1) و للمقطوع كذلك ثبت القصاص

______________________________

الكفّ الذي يلي الإبهام ثبت القصاص أخذا بإطلاق ما دلّ على القصاص في الأعضاء و الجروح و لكن لو قطع مع كفّه بعض الذراع أيضا ثبت القصاص في اليد فيقطع من الجاني يده من الكوع و يؤخذ منه في الزائد بالحكومة حيث لا يجري القصاص على الزائد فإنّه يدخل في بعض العضو الداخل قطعه في كسر العظام.

و هذا بخلاف ما إذا قطع يده من المرفق، و ليس له القصاص في اليد بقطعها من الكوع و مطالبة ارش الزائد، أي ديته؛ و ذلك لأنّ القصاص فيما إذا كان القطع من المرفق ثابت فيكون الأخذ بغيره موقوفا على التراضي بل جواز قطع يده من الكوع و الأخذ بالارش على الزائد محلّ إشكال؛ لأنّه ليس له حقّ القطع من الكوع حتّى مع رضا الجاني و لا يقاس بما تقدّم في مثل المأمومة من جواز القصاص في الأقلّ و الأخذ في الزيادة بالارش، حيث انّ الجناية بالأقل كانت واقعة من الجاني بخلاف المقام.

أقول: فيما إذا كانت الجناية بقطع اليد من بعض الذراع فمجرّد ذلك لا يوجب دخولها في عنوان كسر العظام المنفي فيه القصاص فإن أمكن القطع بمثله ثبت القصاص و إلّا ثبتت الدية أي

دية اليد و لا موجب لجواز الاقتصاص بقطع يد الجاني من الكوع؛ لعدم وقوعه من الجاني حتّى يقتصّ منه بمثله، و الجناية إذا وقعت على بعض الذراع و لم يمكن القصاص ثبت فيه دية اليد لما يأتي من عدم اختلاف الدية في الجناية على اليد بذلك.

(1) ذكر (قدس سره) أنّه إذا كان للقاطع اصبع زائدة و كذا للمقطوع ثبت

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 321

لتحقّق التساوي، و لو كانت الزائدة للجاني (1) فإن كانت خارجة عن الكفّ اقتصّ منه أيضا؛ لأنّها تسلم للجاني، و إن كانت في سمت الأصابع منفصلة ثبت القصاص في الخمس دون الزائدة و دون الكف و كان في الكفّ الحكومة و لو كانت

______________________________

القصاص؛ لتحقّق المساواة و المماثلة و قيّده في الجواهر «1» بما إذا كان الاصبع الزائدة من كلّ منهما مماثلة للزائدة للآخر حتّى في المحلّ، و لكن سنذكر أنّه لا يعتبر هذه المماثلة بل المماثلة بين اليدين في اليمنى و اليسرى كافية في جواز الاقتصاص.

(1) حاصله انّه إذا كانت الزيادة في يد أحدهما فقط فإن كانت في يد الجاني و كانت الزائدة خارجة عن كفّه بأن كانت في ساعده مثلا يثبت القصاص عليه في كفّه، يعني يقطع المجني عليه كفّ الجاني؛ لأنّ الزيادة في الفرض تبقى للجاني.

و أمّا إذا لم تكن خارجة عن الكفّ فإن كانت في سمت الأصابع غير ملتصقة باصبع يثبت القصاص في الأصابع الأصلية من الجاني، يعني يقطع المجني عليه الأصابع الأصلية من الجاني و يبقى كفّه و اصبعه الزائدة و يرجع المجني عليه في الكفّ الذي لم يقطعه للتغرير على الجاني إلى الحكومة.

و أمّا إذا كانت الزيادة ملتصقة باصبع الجاني يثبت للمجنيّ عليه

الاقتصاص في غير تلك الاصبع و يرجع في اصبعه التي لم يتمكّن من الاقتصاص منه إلى ديتها كما يرجع في الكفّ إلى الحكومة.

أقول: قد تقدّم انّ القصاص يثبت بالجناية و إذا كانت الجناية واحدة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 24/ 403.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 322

متصلة ببعض الأصابع جاز الاقتصاص فيما عدا الملتصقة و له دية اصبع و الحكومة في الكفّ، و أمّا لو كانت الزائدة للمجني عليه فله القصاص و دية الزائدة و هو ثلث دية الأصلية.

______________________________

و الاقتصاص منها ممكن ثبت القصاص و إلّا يرجع إلى الدية، فالجناية التي صدرت من الجاني قطع يد المجني عليه لا قطع أصابعه، و إذا كانت اليد المشتملة على اصبع زائدة من الجاني مماثلة مع يد المجني عليه كما هو كذلك و لو لم يكن في يد المجني عليه اصبع زائدة تقطع يد الجاني فإنّ اصبعه الزائدة لا حرمة له بعد ثبوت القصاص من يده و إن لم تكن مماثلة فرضا ينتقل الأمر إلى الدية و لا وجه لثبوت القصاص في الاصابع؛ لأنّ الجناية الصادرة من الجاني وقعت على اليد لا على الأصابع.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو كانت الزيادة للمجني عليه ثبت له القصاص من يد الجاني.

و المشهور كما التزم به الماتن أيضا انّ المجني عليه حيث لا يمكن له القصاص باصبعه الزائدة يأخذ من الجاني ديتها و هو ثلث دية الأصليّة، بل في كلمات بعضهم دعوى الاجماع عليه، و لكن لم يثبت الدية في الاصبع الزائدة في الفرض؛ لأنّه لم يقع الجناية عليها، بل وقعت على اليد و كون اليد باليد في القصاص مقتضاه عدم استحقاق المجني عليه أزيد منها و قد تقدّم الكلام في

ذلك فيمن يده ناقصة اصبعا أو أزيد و قد قطع اليد الكاملة من الآخر، حيث ذكرنا أنّه ليس للمجني عليه إلّا قطع يده الناقصة اصبعا أو أزيد.

نعم، إذا قطعت الاصبع الزائدة من المجني عليه أوّلا ثمّ قطع يده استحقّ المجني عليه المطالبة بارش الاصبع الزائدة و قطع يده بيده.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 323

و لو كانت له أربع أصابع أصلية و خامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني إذا كانت أصابعه كاملة أصلية و كان للمجني عليه القصاص في أربع و ارش الخامسة (1).

و أمّا لو كانت الأصابع (الاصبع خ ل) التي ليست أصلية للجاني ثبت القصاص؛ لأنّ الناقص يؤخذ بالكامل، فلو اختلف محل الزائدة لم يتحقّق القصاص كما لا يقطع إبهام بخنصر، و لو كان لانملة طرفان فقطعهما فإن كان

______________________________

(1) قد يفرض الكلام فيما إذا قطع الجاني الأصابع من المجني عليه خاصّة و كانت الأصابع الأربع من المجني عليه أصلية و الاخرى غير أصلية يتمّ ما ذكره (قدس سره) من أنّ المجني عليه يقتصّ من أصابعه الأصلية و يرجع في الزائدة إلى الدية حيث لا مورد للقصاص منه.

و أمّا إذا انعكس الأمر بأن يكون الأصابع الأربع من الجاني أصليّة و الاخرى زائدة ثبت القصاص للمجني عليه في جميع أصابعه؛ لأنّ الناقص يؤخذ بالكلّ على ما تقدّم من الاقتصاص من اليد الشلّاء باليد الصحيحة، و لكن هذا خلاف فرض الماتن و ظاهره وقوع الجناية على اليد و عدم تساوي اليدين في الأصابع، ففي الفرض قد تقدّم أنّ القصاص يقع على اليد لا على الأصابع، فلا فرق في ذلك بين كون اليد التي بعض أصابعها غير أصلية من الجاني أو المجني عليه فيثبت

القصاص في نفس اليد و لا اعتبار بالأصابع.

و مما ذكر يظهر الحال فيما كان الاختلاف بين اليدين في الانملة أو في الاصبع الزائدة التي نبتت على الاصبع الأصلية فإنّه إن وقعت الجناية في الفرض على اليد فالأمر كما تقدّم، و إن وقعت على الأصابع من أصلها فهو أيضا كما تقدّم بالإضافة إلى اختلاف الانملة و الاصبع الزائدة النابتة على الاصبع، و أمّا إذا نبتت على الكفّ فلا يقطع أصلية بتلك الزائدة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 324

للجاني مساويه ثبت القصاص لتحقّق التساوي (1) و إلّا اقتصّ و أخذ الأرش للطرف الآخر، و لو كان الطرفان للجاني لم يقتصّ منه و كان للمجني دية أنملة و هو ثلث دية الاصبع.

و لو قطع من واحد الانملة العليا و من آخر الوسطى (2) فإن سبق صاحب

______________________________

(1) ذكر (قدس سره) أنّه لو كان لأنملة طرفان فقطعهما الجاني، فإن كان الجاني متساويا مع المجني عليه بأن كان له أيضا انملة لها طرفان قطعهما المجني عليه قصاصا، و إلّا قطع المجني عليه انملته و أخذ الارش لأنملته الاخرى التي لا يمكن القصاص منها.

و أمّا إذا انعكس الأمر بأن كان لأنملة الجاني طرفان و لم يكن أنملة المجني عليه كذلك لم يقتصّ من الجاني بل يأخذ دية أنملته لعدم إمكان القصاص بالعقد المماثل أو للتغرير بالجاني بزيادة القصاص عن جنايته، و دية الأنملة ثلث دية الاصبع في غير الإبهام و نصفها في الإبهام على ما يأتي.

أقول: كان على المصنّف أن يلتزم بأنّه يجوز في الفرض قطع طرفي الانملة من الجاني و ردّ دية الزائدة و أيضا يمكن الالتزام بأنّه إذا تميّز الطرف الأصلي من غير الأصلي و أمكن قطع الأصلي

منفردا جاز القصاص، و إذا لم يمكن إلّا بقطعهما قطعهما و يعطى دية الزائدة لو كان المستند في بعض المسائل السابقة رواية الحسن بن العباس بن الحريش المتقدّمة «1»، فإنّ هذا أيضا داخل في مقتضاها و إلّا فلا ردّ أصلا.

(2) ذكر (قدس سره) إذا جنى على أحد بقطع انملته العليا و على شخص آخر بقطع انملته الوسطى بأن لم يكن لهذا الآخر الانملة الاولى كان للمجني

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1: 129.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 325

العليا اقتصّ له و كان للآخر الوسطى و إن سبق صاحب الوسطى أخّر فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى بعده و إن عفا كان لصاحب الوسطى القصاص إذا ردّ دية العليا و لو بادر صاحب الوسطى فقطع فقد استوفى حقّه و زيادة فعليه دية الزيادة (الزائدة خ ل) و لصاحب العليا على الجاني دية انملته.

______________________________

عليه الأول قطع الانملة العليا من الجاني، و لو سبق إلى الاقتصاص من الجاني لم يمنع و يكون للمجني عليه الثاني بعده قطع انملته الوسطى، فإن أراد المجني عليه بقطع انملته الوسطى القصاص منع حتّى يقتصّ الأول من انملته العليا.

نعم، لو عفا الأول عن القصاص مجّانا أو على مال ثبت للثاني الاقتصاص من انملته الوسطى مع ردّ الدية على الجاني كما هو مقتضى خبر الحسن بن العباس بن الحريش المتقدّم.

و لو بادر في الفرض المجني عليه بقطع انملته الوسطى فقطع الأنملة الوسطى من الجاني فقد استوفى حقّه مع زيادة، فعليه ردّ دية الانملة الاولى للجاني، لما تقدّم من أنّه إذا لم يمكن القصاص ينتقل الأمر إلى الدية.

أقول: قد تقدّم في مسألة ما إذا قطع

الجاني يد أحد و قتل آخر يجوز لأولياء الثاني الاقتصاص من الجاني بقتله و للمجني عليه قطع يده فلو بادر المجني عليه بالاقتصاص من الجاني بقطع يده فهو و لو بادر أولياء المقتول بقصاص النفس كان لهم ذلك لكونهم أولياء القصاص من غير ردّ الدية و بعده يرجع المجني عليه بالدية لعدم إمكان الاقتصاص بيده المقطوعة.

و يجري ذلك في الجناية على الأطراف فلو قطع الجاني الاصبع من شخص و اليد من شخص آخر فللمجني عليه الثاني قطع يده من غير ردّ الدية فإن بادر المجني عليه الأوّل بقطع اصبعه فهو و إلّا يكون حق مطالبة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 326

[الثالثة: إذا قطع يمينا فبذل شمالا]

الثالثة: إذا قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه من غير علم، قال في المبسوط: يقتضي مذهبنا سقوط القود (1)، و فيه تردّد؛ لأنّ المتعيّن قطع اليمين فلا تجزي اليسرى مع وجودها و على هذا يكون القصاص في اليمنى باقيا و يؤخّر حتّى يندمل اليسار توقّيا من السراية بتوارد القطعين.

______________________________

الدية مطلقا أو إذا لم يكن للجاني اصبع مماثل في يده الاخرى باقيا و الالتزام بردّ الدية إذا قطع الانملة الوسطى على ما ذكره الماتن لا يمكن المساعدة عليها لما ذكر من ضعف الخبر و أنّ الجناية الصادرة من الجاني كانت قطع الانملة الوسطى.

(1) قد تقدّم أنّ الجناية عمدا على شخص بقطع يده اليمنى يوجب القصاص من الجاني بقطع يده اليمنى، نعم إذا لم يكن له إلّا اليسرى تقطع يسراه، و في مفروض المسألة مع وجود اليمنى للجاني قطع المجني عليه يسراه فذكر الماتن أنّ مع جهل المجني عليه بأنّ ما يقطعه يسراه بل حتّى مع جهله بأنّ اليسرى لا تقطع باليمنى

لا يسقط حقّ الاقتصاص من الجاني بقطع يده اليمنى.

نعم، قال في المبسوط يقتضي مذهبنا سقوط القود، و لكنّه لا وجه له فإنّ مورد القصاص و هو اليد اليمنى من الجاني و قطع يده اليسرى كقطع عضو آخر منه عالما فضلا عن الجهل لا يوجب سقوط القصاص و على ذلك يقطع المجني عليه يمناه، و لكن بعد اندمال اليسرى توقّيا من تغرير نفس الجاني من سراية الجرحين، و حيث انّ المجني عليه كان جاهلا في قطعه يسراه فلا يكون للجاني القصاص من تلك اليد بل يأخذ دية يده اليسرى من المجني عليه مع جهله أيضا بالحال، حيث يحسب جناية المجني عليه شبه الخطأ بخلاف ما إذا كان عالما بالحال و إخراج يسراه عمدا فإنّه لا يكون على المجني

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 327

و أمّا الدية فإن كان الجاني سمع الأمر بإخراج اليمنى فأخرج اليسار مع العلم بأنّها لا تجزي و قصده إلى إخراجها فلا دية أيضا.

و لو قطعها مع العلم، قال في المبسوط: سقط القود إلى الدية؛ لأنّه بذلها للقطع فكانت شبهة في سقوط القود و فيه إشكال؛ لأنّه أقدم على قطع ما لا يملكه فيكون كما لو قطع عضوا غير اليد و كلّ موضع لزمه دية اليسار يضمن السراية و لا يضمنها لو لم يضمن الجناية و لو اختلفا فقال: بذلتها مع العلم لا بدلا فأنكر الباذل فالقول قول الباذل (1) لأنّه أبصر بنيّته و لو اتّفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا.

______________________________

عليه الدية مع جهله بالحال لكونه مغرورا و الجاني غارّا كما هو الحال في تقديم طعام الغير إلى شخص سأل الطعام مجانا.

نعم، إذا كان المجني عليه عالما بالحال و

قطع يسراه عمدا تعلّق عليه القصاص بلا فرق بين كون الجاني عالما بالحال و عدمه؛ لأنّ القطع جناية عمدا و علم الجاني أيضا بالحال لا يخرجها عن العمد بل قد يقال بتعلّق الدية على المجني عليه حتّى في فرض جهله و علم الجاني بالحال بدعوى الفرق بينه و بين تقديم طعام الغير بأنّ في الثاني ظاهر تقديم الطعام أنّه ملك للذي يقدّم فيجوز تناوله للمتقدّم إليه و هذا بخلاف الفرض الأوّل فإنّ تقديم اليد اليسرى من قبل صاحبها للقطع بدلا عن اليمنى لا يؤثّر في جواز قطعها للمجني عليه مطلقا سواء كان عالما بالحرمة أم جاهلا.

(1) المفروض في هذه الصورة أيضا جهل المجني عليه بأنّ المبذول اليد اليسرى أو أنّها لا تكون بدلا عن اليمنى في القطع و اختلافهما في علم الجاني فالمجني عليه بعد قطعه اليسرى يدعى على الجاني الباذل انّك بذلت يسراك مع علمك بأنّها اليسرى و مع علمك بأنّها لا تقطع باليمنى و الجاني ينكر علمه فقال أخطأت في بذل اليسرى أو بذلتها بدلا عن اليمنى مع

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 328

و كان على القاطع ديتها و له القصاص في اليمنى لأنّها موجودة. و في هذا تردّد (1).

______________________________

جهلي بأنها لا تقطع باليمنى ففي النتيجة المجني عليه يدّعي براءة ذمّته عن الدية و الجاني يدّعي استحقاقه الدية، و حيث انّ دعوى العلم على الجاني مخالف للأصل فإنّ الأصل عدم علمه بالحال فيحلف على نفي علمه فيأخذ دية يسراه من المجني عليه.

و يمكن أن يقال: لا بدّ من التفرقة بين دعوى عدم الغفلة في تقديم اليسرى و بين دعوى العلم على الجاني بعلمه بأنّه لا يقطع اليسرى باليمنى، ففي الفرض

الثاني مقتضى الأصل عدم علم الجاني بالحكم فيضمن المجني عليه الدية و أمّا مع اعتراف الجاني بأنّه يعلم بأنّه لا يقطع اليسرى باليمنى و لكن يدّعي خطأه في بذل يسراه للدهشة و نحوها، فالأصل عدم غفلته في تقديمه فعليه إثبات غفلته، و حيث لا يمكن إقامة البيّنة على غفلته إمّا أن يحلف المجني عليه على عدم غفلة الجاني فلا يثبت الدية عليه أو يردّ اليمين على الجاني فيحلف على غفلته فيأخذ دية يسراه.

(1) إذا كان المجني عليه جاهلا بأنّ اليسرى لا تقطع باليمنى و كذا الجاني الباذل يتعلّق على المجني عليه دية اليد اليسرى و له الاقتصاص في يمناه؛ لأنّ مورد القصاص من الجاني أي يمناه موجودة، و ما في المتن من قوله «في هذا تردّد» لا وجه له.

لا يقال: إذا كان قطع المجني عليه من جهة عفوه عن قصاص يمناه في مقابل قطع يسرى الجاني يكون عفوه نافذا من غير عوض، فإنّ العفو بالعوض إنّما يصحّ إذا كان بالمال لا في مقابل بذل العضو الآخر.

فإنّه يقال: مقتضى ذلك بطلان العفو لا بطلان العوض أو وقوع العفو

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 329

و لو كان المقتصّ مجنونا فبذل له الجاني غير العضو فقطعه ذهب هدرا (1) إذ ليس للمجنون ولاية الاستيفاء فيكون الباذل مبطلا حقّ نفسه و لو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه قيل وقع الاستيفاء موقعه و قيل: لا يكون قصاصا؛ لأنّ المجنون ليس له أهليّة الاستيفاء و هو أشبه، و يكون قصاص المجنون باقيا على الجاني و دية جناية المجنون على عاقلته.

______________________________

بإزاء الدية حتّى يتساقط الديتان بالتهاتر.

(1) و في الجواهر «1» هذا فيما إذا كان عالما بأنّ المقتصّ

مجنون، و أمّا إذا كان جاهلا بالحال يثبت له الدية على عاقلة المجنون نظير ما يقال فيما إذا وثب المجنون فقطع يمين الجاني.

أقول: قد تقدّم أنّ الجناية على المجنون لا يوجب الاقتصاص من الجاني، كما أنّ المجنون لا يقتصّ منه بجنايته على الغير، فإنّه لا قود لمن لا يقاد منه كما تقدّم ذلك في صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام «2».

و عليه، فإن بذل الجاني الذي قطع يد المجنون يده فقطعه المجنون فإن كان عالما بأنّه مجنون تذهب يده هدرا، و يكون عليه دية يد المجنون، و كذا إذا كان جاهلا بأنّه مجنون أو جاهلا بأنّه ليس بمجنون فإنّ الاتلاف يستند إلى نفسه بعد كون المبذول له مجنونا بناء على أنّ ما دلّ على تحمّل العاقلة الدية لا يعمّ مثل الفرض. و أمّا إذا وثب المجنون فقطع يده يثبت على عاقلة المجنون الدية و على الجاني أيضا الدية للمجنون يدفعها إلى وليّه، بل لو قيل بأنّه إذا جنى عاقل على مجنون جناية تستدعي ثبوت القصاص على الجاني فإن كانت إفاقة المجنون مرجو فهو، و إلّا ينتقل الأمر إلى الدية فيأخذ وليّه الدية من

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 415.

(2) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 52.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 330

[الرابعة: لو قطع يدي رجل و رجليه خطأ]

الرابعة: لو قطع يدي رجل و رجليه خطأ و اختلفا فقال الولي: مات بعد الاندمال، و قال الجاني: مات بالسراية، فإن كان الزمان قصيرا لا يحتمل الاندمال فالقول قول الجاني مع يمينه (1)، فإن أمكن الاندمال فالقول قول الولي؛ لأنّ الاحتمالين متكافئان و الأصل وجوب الديتين، و لو اختلفا في المدة فالقول قول

______________________________

الجاني سواء

كان وليّه الأب أو الجد أو الحاكم مع فقدهما لأنّ حقّ الاستيفاء في القصاص غير ثابت للولي فينتقل الأمر إلى الدية.

(1) ذكر (قدس سره) إذا قطع شخص يدي شخص آخر و رجليه خطأ ثمّ مات المجني عليه فقال الولي: إنّ المجني عليه مات بعد الاندمال، فعلى الجاني دفع دية اليدين و الرجلين، و قال الجاني: مات بالسراية فعليه دية النفس، فإن لم يكن بين الجناية و موت المجني عليه فصل زماني، بحيث يحتمل فيه الاندمال يقدّم قول الجاني فيحلف على عدم موته بعد الاندمال، فيعطى دية النفس.

بخلاف ما إذا كان بينهما فصل زماني معتدّ به بحيث يمكن موته بعد الاندمال، ففي هذه الصورة لا يكون قول الجاني مطابقا للظاهر، بل الاحتمالان متكافئان و الجنايتان واقعتان و الأصل عدم استناد موته إلى سرايتهما فيثبت على الجاني دية اليدين و الرجلين.

أقول: يمكن المناقشة بأنّه مع قصر الزمان لا يكون ظهور في موته بالسراية إذا احتمل موته بسبب آخر كالدهشة من جرحه فالأصل في عدم السراية جار حتّى فيما إذا كان الزمان قصيرا لا يحتمل فيه الاندمال عادة و عليه يكون الوليّ منكرا للسراية فيحلف على عدمها فيأخذ الدّيتين من غير فرق بين القول بأنّ السراية مسقطة للديتين إلى دية النفس أو كاشفة عن ثبوت دية النفس من الأول، فإنّ على الثاني أيضا يكون ثبوت الجناية على اليدين و الرجلين وجدانا مع ثبوت عدم السراية بالحلف محرزا لموضوع

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 331

الجاني، و أمّا لو قطع يده فمات و ادّعى الجاني الاندمال و ادّعى الولي السراية فالقول قول الجاني إن مضت مدة يمكن الاندمال (1) و لو اختلفا فالقول قول الولي، و فيه

تردّد.

______________________________

الديتين فلا تصل النوبة إلى عدم ثبوت الديتين على عهدة الجاني.

و ممّا ذكر يظهر الحال فيما إذا كان الفصل بين الجناية و موته طويلا بحيث يحتمل الاندمال، و أنّه يقدّم قول الولي و لا يجري فيه أنّ قول الجاني موافق لظاهر الحال كما في الفرض السابق، فيحلف على عدم السراية فيأخذ الديتين كما تقدّم.

و ممّا ذكر يظهر أنّ ما ذكر الماتن (قدس سره) من أنّه لو اختلف الجاني و الولي بأن قال الجاني: المدّة بين الجناية و الموت كانت قليلة لا يندمل الجرح فيها، و قال الولي: كانت كثيرة بحيث يندمل فيها، فإنّه يقدّم قول الجاني، و كأنّه لأصالة بقاء الجرح إلى زمان موته.

و لكن فيه ما ذكرنا، فإنّ الاستصحاب في بقاء الجرح لا يثبت سرايته إلى النفس الموجبة لتعيّن دية النفس بل مقتضى الاستصحاب في عدم السراية تقديم قول الولي فيحلف على عدم السراية فيثبت على الجاني الديتان.

(1) مراده (قدس سره) أنّه إذا كانت الجناية موجبة لنصف الدية كقطع إحدى يديه ثمّ مات و قال الولي: مات بالسراية، فعلى الجاني دية النفس، و قال الجاني: مات بعد الاندمال، فليس عليه إلّا دية اليد، فالقول قول الجاني لما تقدّم من أنّ الأصل عدم السراية.

و لكن قيّد الماتن تقديم قول الجاني بما إذا كان الفصل بين الجناية و الموت بحيث يمكن اندماله فيه، و مقتضى التقييد أنّه في فرض خلاف ذلك يقدّم قول الولي و لكن قد تقدّم عدم اعتبار الظهور حيث يحتمل استناد موته

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 332

و لو ادّعى الجاني أنّه شرب سمّا فمات، و ادّعى الولي موته بالسراية فالاحتمال فيهما سواء (1)، و مثله الملفوف في الكساء إذا

قدّه نصفين و ادّعى الولي أنّه كان حيّا و ادّعى الجاني انّه كان ميّتا إذا الاحتمالان متساويان فيرجّح قول الجاني بما أنّ الاصل عدم الضمان، و فيه احتمال آخر ضعيف.

الخامسة: لو قطع اصبع رجل و يد آخر اقتصّ للأوّل ثمّ للثاني (2) و رجع بدية اصبع، و لو قطع اليد أوّلا ثمّ الاصبع من آخر اقتصّ للأول و الزم للثاني دية الاصبع.

______________________________

إلى سبب آخر كالدهشة و الخوف لا إلى السراية، و ما ذكره (قدس سره) من أنّه في صورة اختلافهما في المدّة يقدّم قول الولي و كأنّه لأصالة عدم مضي المدّة بين الجناية و الموت، قد تقدّم أنّ مثل هذا الأصل لا يثبت السراية التي موضوع لثبوت دية النفس، و لعلّه لذلك ذكر التردّد في تقديم قول الولي.

(1) لا يخفى أنّ الموضوع لثبوت دية النفس هو قتل الآخر خطأ و لو كان القتل بالسراية و الاستصحاب في عدم شربه سمّا لا يثبت أنّ موته يستند إلى قطع إحدى يديه بل الأصل في عدم السراية جار بلا معارض، فيثبت على الجاني نصف دية النفس.

و مما ذكر يظهر الحال في الملفوف في الكساء، فإنّ الاستصحاب في حياته لا يثبت أنّ قدّه نصفين كان قتله حتّى يثبت مع التعمّد القصاص و مع الخطأ دية النفس.

و على الجملة، الحكم في الفرضين تقديم قول الجاني مع يمينه حتّى فيما إذا قدّ الملفوف في الكساء و ادّعى الولي أنّه كان حيّا و قال الجاني كان ميّتا، فإنّه يجري الاستصحاب في عدم استناد الموت إلى الجاني و عدم كونه قاتلا، و الاستصحاب في حياته لا يثبت استناد الموت إلى الجاني و أنّه قتله.

(2) ذكر (قدس سره) أنّه إذا جنى على أحد بقطع

اصبعه ثمّ جنى على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 333

[السادسة: إذا قطع اصبعه فعفى المجني عليه قبل الاندمال]

السادسة: إذا قطع اصبعه فعفى المجني عليه قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص و لا دية؛ لأنّه إسقاط حقّ ثابت عند الابراء (1).

______________________________

آخر بقطع يده يتعيّن للأوّل الاقتصاص من الجاني بقطع الاصبع ثمّ يقتصّ الآخر منه من قطع يده و يأخذ هذا الثاني من الجاني دية الاصبع أيضا لمكان اصبعه الذي لم يقتصّ منه، و أمّا إذا قطع يد شخص أوّلا ثمّ قطع من آخر اصبعه يقتصّ الأوّل بقطع يد الجاني و الثاني يرجع إلى دية اصبعه لعدم بقاء مورد القصاص منه، و كأنّ كلّ ذلك لثبوت حقّ الأولوية لمن جنى عليه أوّلا و أنّه إذا اقتصّ المجني عليه من يده الناقصة بالاصبع يأخذ دية مكان النقص.

و قد تقدّم منع كلا الأمرين؛ لأنّ الثابت لكلّ من المجني عليهما حقّ الاقتصاص من الجاني بلا فرق بين كون الجنايتين بالإضافة إلى شخصين تدريجية أو دفعية و كلّ منهما إذا سبق فإن كان للاقتصاص مورد يقتصّ من غير استحقاقه الرجوع إلى دية النقص، و إن لم يبق للاقتصاص مورد يأخذ الدية؛ لعدم إمكان الاقتصاص لما دلّ على أنّ مع عدم إمكان القصاص لا يذهب الدم هدرا.

(1) المراد أنّه إذا قطع اصبعه عمدا فإن عفا المجني عليه قبل الاندمال و كذا إذا عفا فيما يوجب الدية على الجاني كما لو قطع اصبعه خطأ فاندملت، يكون عفوه في الأول موجبا لسقوط القصاص، و في الثاني لسقوط الدية، حيث انّ المجنيّ عليه يستحقّ الاقتصاص في الأوّل و الدية في الثاني بمجرّد حدوث الجناية، كما هو ظاهر خطابات القصاص و الدية.

و دعوى توقّف استحقاقه أحدهما يكون بالاندمال لما ورد

في موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: «لا يقضى في شي ء

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 334

..........

______________________________

من الجراحات حتّى تبرأ» «1»، و مقتضاها توقّف الحكم في الجراحات على الاندمال، مدفوعة بأنّ هذا يكون في الموارد التي يكون للاندمال أثر في تغيير الحكم، و أمّا في ما لم يكن الحكم متغيّرا بالاندمال فلا معنى لإيقاف الحكم فيه على الاندمال، كما إذا قطع اصبعه عمدا و سرى اتفاقا إلى الكف فإنّ هذه السراية لا توجب سقوط القصاص من اصبع الجاني، غاية الأمر أنّه إذا اندملت يكتفى بالقصاص من اصبعه و إذا سرت يأخذ المجني عليه دية كفّه أيضا.

نعم في ما إذا قطع اصبعه بقصد أن ينقطع كفّه أو كانت الجراحة مسرية عادة فإنّه إذا اندملت يقتصر فيه على القصاص بالاصبع و إذا سرت إلى الكف يؤخذ القصاص من الكفّ ففي هذه الصورة و ان كان يتوقّف ما يستحقّه المجني عليه من القصاص بأنّه من الاصبع أو من الكفّ على الاندمال و عدمه إلّا أنّه لا مانع من عفوه عن الجناية سواء كان موجبها القصاص من الجاني باصبعه أو كفّه.

و هكذا لو قيّد عفوه بما إذا كان موجبها القصاص من الاصبع سقط القصاص إذا اندملت دون دية الكفّ إذا سرت، فنفوذ العفو عن الاقتصاص باصبعه مع فرض الاندمال و لو فيما بعد، لا يتوقّف إلّا على إحراز الحقّ الفعلي و ما دام لم تسر الجناية فحقّ المجني عليه القصاص في الاصبع فقط.

نعم إذا سرت إلى الكفّ يكون له الحقّ في أخذ دية الكفّ أيضا إذا لم تكن السراية موجبة للقصاص و مع كونها موجبة له، يتبدّل إلى

القصاص في الكفّ.

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2: 211.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 335

..........

______________________________

و على ذلك، فلو قطع اصبع الجاني قصاصا ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه إلى الكفّ يكون له القصاص من كفّ الجاني إذا كانت السراية موجبة للقصاص. فإن كان المجني عليه عالما بتلك السراية، يكون للجاني أيضا حقّ الاقتصاص من اصبعه التي قطعها المجني عليه أو أخذ ديتها كما هو الحال في صورة جهل المجنيّ عليه بالسراية. كما أنّ عفو المجني عليه في هذه الصورة قبل السراية عن الجناية عليه في اصبعه لا أثر له في سقوط دية الكف أو القصاص فيه حيث انّه إسقاط لما لا يجب، حيث انّ الدية تثبت بعد سقوط الكفّ بالسراية الاتفاقية و القصاص فيها أيضا يثبت بعد سقوط الكفّ بالسراية الموجبة للقصاص.

و نفوذ العفو في بعض الموارد كأخذ الطبيب البراءة عن وليّ المريض، لا يوجب تسريته إلى غيره مما لم يتمّ فيه دليل خاص على نفوذ البراءة.

و لو كانت جناية الجاني عمديّة فعفا المجني عليه الجناية للجاني سقط عنه القصاص منه كما لا يكون عليه دية؛ لأنّ ثبوت الدية في الجناية العمدية يكون بالصلح أي عفو حقّ القصاص بالدية برضا الجاني، و المفروض عفو المجني عليه الجناية بلا عوض.

ثمّ ذكر (قدس سره) أنّ لو عفا المجني عليه عن الجناية العمدية على اصبعه ثمّ سرت الجراحة إلى كفّه سقط القصاص في اصبعه حيث عفا عنه و لكن يكون على الجاني دية الكفّ و علّل بعضهم أنّه يلزم من عفو الجناية العمدية على اصبعه عفو ما يحدث منها بمعنى أنّ السراية في الجناية على العضو لا يوجب القصاص و ان

كان يثبت القصاص في النفس بالسراية و لكن لا قصاص في الأطراف بالسراية.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 336

و لو قال: عفوت عن الجناية، سقط القصاص و الدية؛ لأنّها لا تثبت إلّا صلحا، و لو قال: عفوت عن الجناية، ثمّ سرت إلى الكف سقط القصاص في الاصبع و له دية الكف، و لو سرت إلى نفسه كان للولي القصاص في النفس بعد ردّ دية ما عفا عنه (1)، و لو صرّح بالعفو صحّ ممّا (فيما خ ل) كان ثابتا وقت

______________________________

و لا يخفى ما فيه، فإنّه إذا كانت السراية اتفاقية فلا توجب القصاص لا في الأطراف و لا في النفس، و إنّما توجب الدية، و إن كانت الجناية بقصد السراية أو كونها بآلة تسري عادة يثبت القصاص بالسراية في الأطراف و في النفس؛ لصدق كونها جناية عمدية.

و ما ذكر الماتن (قدس سره) من أنّ في الجراحة بقطع الاصبع فيما لو سرت إلى النفس يثبت القصاص على إطلاقه، غير صحيح، فإنّه إنّما يكون كذلك إذا كانت السراية مقصودة للجاني أو كانت السراية إلى النفس أمرا عاديا غالبيا، و إلّا فعلى الجاني الدية كما أنّه فيما كانت السراية إلى الكفّ اتفاقية يثبت ديتها و إلّا ثبت القصاص في الكفّ، غاية الأمر يكون على المجني عليه مع الاقتصاص بالاصبع أوّلا مع جهله بسراية جرحه دية اصبع الجاني بل مع علمه بها أيضا إذا قلنا بعدم مورد القصاص مع سقوط كفّه و انّ الاصبع من كفّه الآخر لا يقوم مقامه.

(1) قد ظهر مما تقدّم أنّه لا أثر لعفو المجني عليه في صورة السراية إلى النفس بل إذا كانت السراية موجبة للقصاص يكون للولي القصاص من غير ردّ شي ء

و لو مع عفو المجني عليه عن جنايته فإنّ الجناية موجبة للقصاص في النفس، و هذا حقّ الولي دون المجني عليه، و أمّا إذا كانت موجبة للدية فالدية و إن كانت ملكا للميت و يعمل معها معاملة التركة إلّا أنّها تثبت بموت المجني عليه، فإسقاط المجني عليه دية النفس إسقاط لما لا يجب، كما لا يخفى.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 337

الابراء و هو دية الجرح، و أمّا القصاص في النفس أو الدية ففيه تردّد؛ لأنّه إبراء مما لم يجب، و في الخلاف: يصحّ العفو عنها و عمّا يحدث عنها فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث؛ لأنّه بمنزلة الوصية.

[السابعة: لو جنى عبد على حرّ جناية تتعلّق برقبته]

السابعة: لو جنى عبد على حرّ جناية تتعلّق برقبته فإن قال: أبرأتك، لم يصح، و إن أبرأ السيد صحّ؛ لأنّ الجناية و إن تعلّقت برقبة العبد فإنّه ملك للسيد، و فيه إشكال من حيث انّ الابراء إسقاط لما في الذمّة، و لو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية صح (1).

______________________________

و على الجملة فيما إذا لم تعدّ السراية إلى النفس قتلا عمديا تكون الجراحة المفروضة مما يقتصّ بها، فإن اقتصّ المجني عليه بها فالاقتصاص حقّه و إذا سرت إلى النفس يكون على الجاني دية نفسه بموته فلا يكون أثر لعفوه عن دية النفس فإنّ العفو في الحقيقة إبراء و إسقاط لما لم يجب عند العفو.

نعم إذا عفا عن القصاص في الجراحة مع سرايتها إلى نفسه و لو فيما بعد نفذ العفو في القصاص من الجراحة و لا ينفذ في إسقاط الدية.

و دعوى أنّ العفو عن الدية وصيّة لحسابها من ثلثه كما ترى.

و أمّا إذا كانت السراية موجبة للقصاص في النفس فلا ينفذ عفوه أصلا،

فإنّ القصاص ولاية ثابتة لأوليائه بموته بل لو اقتصّ قبل موته في الجراحة يكون عليه دية الجراحة تؤخذ من تركته؛ لأنّ القصاص مع عدم علمه بالسراية يعدّ جناية خطئية على الجاني فيكون له على المجني عليه ديتها.

(1) ما ذكر (قدس سره) مبنيّ على التفرقة بين الإبراء و العفو بأنّ الأول إسقاط لما في الذمّة قبل الإسقاط، و إذا لم يكن في الذمّة شيئا قبله بل يتحقّق في الذمّة فيما بعد يكون إسقاطا لما لا يجب فلا يصحّ بخلاف الثاني، يعني العفو، فإنّ المعفو عنه يعمّ ما لم يثبت في الذمّة بأن يكون شيئا

تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، ص: 338

و لو أبرأ قاتل الخطأ المحض لم يبرأ (1)، و لو أبرأ العاقلة أو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية صحّ، و لو كان القتل شبيه العمد فإن أبرأ القاتل أو قال: عفوت عن ارش هذه الجناية صحّ، و لو أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل.

______________________________

إذا دفعه الغير يستحقّه كما إذا كانت جناية العبد على الحرّ بما ينقص أرشها عن قيمة العبد فإنّه لو أدّى المولى الأرش فهو و إلّا يكون للمجني عليه استرقاقه بالحصّة، فيباع العبد فيأخذ أرش الجناية و يدفع الباقي إلى مولاه ففي مثل الفرض إذا عفا المجني عليه عن الأرش صحّ و نفذ.

(1) هذا مبني على ما هو المشهور من أنّ معنى تحمّل العاقلة الدية في الخطأ المحض اشتغال ذممهم، و على ذلك يكون إبراء القاتل بالخطإ المحض لغوا و لم تبرأ ذمّة العاقلة. و أمّا بناء على اشتغال ذمّة الجاني بالدية بلا فرق بين الخطأ المحض و العمد لخطأ و إنّما العاقلة في الخطأ المحض مكلّفون بإفراغ ذمّته صحّ الإبراء

و لم يجب على العاقلة دفع الدية و لو أبرأ العاقلة في العمد لخطأ لكان الإبراء لغوا؛ لأنّ العاقلة لا شأن لهم في الجناية التي من شبيه العمد.

نعم إذا عفا الجاني أو أبرأه في هذا الفرض نفذ.

و الحمد للّه أولا و آخرا

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب القصاص، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، دوم، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.